الرئيسية - محليات - موروث شعبي أصيل وعادات وتقاليد ضاربة في القدم!!
موروث شعبي أصيل وعادات وتقاليد ضاربة في القدم!!
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

صعدة/خالد أحمد السفياني –

كانت مديرية منبه الواقعة في الركن الشمالي الغربي لمحافظة صعدة على موعد لخيارين اثنين لا ثالث لهما الخروج من ظلمات القرون الطويلة التي فرضتها التضاريس الجبلية الصعبة وفقدان أرث ضخم من الموروث الشعبي من العادات والتقاليد الفريدة المتجذرة عبر مئات السنين.. أو البقاء في ظلمات العزلة المفروضة والاحتفاظ بهويتها وتفردها الدائم بعاداتها وتقاليدها المميزة التي توارثتها أجيال بعد أجيال وظلت عنوان مديرية منبه وسماتها الأولى.

كانت الخيارات صعبة لكن هذه المديرية وأبناؤها عاشت ظروف العزلة الصعبة والقاهرة التي جعلت السفر إليها من صعدة أصعب وأكثر مشاقة من السفر إلى سيبيريا أو صعود قمة الجبل الأبيض في الهملايا, فبينها وبين عاصمة المحافظة جبال شامخة ورواسي صلدة مما جعلها تؤيد خيار الانفتاح والتهليل ببدء العمل في خط (حرض – صعدة) في 1991م بطوله البالغ (210) كيلو متر والذي يكفل تحقيق عامل الاتصال والانتقال السهل إلى صعدة عاصمة المحافظة أو إلى حرض ومناطق تهامة, فمن خلال هذا الطريق الاستراتيجي الهام الذي يعد أهم وأعظم إنجازات الثورة في محافظة صعدة, انبلج صبح مشرق على مديرية منبه يعلن سقوط كل حواجز وأسوار العزلة المفروضة على هذه المديرية الحدودية الواقعة في أقصى نقطة من الركن الشمالي الغربي للوطن. وحتى 1995م قبل وصول الشق الأولى للخط إلى منبه كانت مناطق المديرية تعتمد على خطوط فرعية صغيرة ضيقة ووعرة المسالك نفذت عبر الجبال الشاهقة بصورة مخيفة كخطوط للتهريب بحكم موقعها الحدودي بحيث أن الطريق لا تتسع إلا لسيارة واحدة فقط يصعب من خلاله توفير حيز محدود لسيارة قادمة من الاتجاه الآخر إلا بمشاق وصعوبة في عرض الجبل كما كان عليه الحال في طريق جبل العر الذي يصل إلى مناطق آل مشيخ وآل عمر أو طريق جبل شوذان الذي يربط المديرية بقطابر بإتجاه صعدة… كان السفر إلى منبه حلماٍ للكثير لما يسمعونه عن تفردها وعاداتها وتقاليدها التي تجعل المرء يعيش حياة وظروف اليمن الفعلية في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلادي فقد حفظت العزلة هذا الموروث الشعبي الكبير من الضياع وتأثير الحياة المدنية عليه, وعلاوة على ذلك حافظت العزلة على القيم والأخلاق الأصيلة في نفوس أبناء منبه من شجاعة ومرؤة وإغاثة الملهوف وإكرام الغريب وتقديم العون للمنقطع وعابر السبيل بما هو متاح وممكن .. كانت حياة هذه المديرية حياة هادئة لم تصلها ذرة واحدة من غبار المدنية والانفتاح. موروث شعبي أصيل يوم الخميس موعد السوق الأسبوعي في خميس منبه مركز المديرية, الناس يتوافدون من كل أرجاء المناطق المجاورة على شكل مجاميع يلبسون أزياء فريدة عبارة عن قمصان مميزة ومعاوز من الكاكي الثقيل, ويتمنطقون بالأحزمة الجلدية في وسطها الشفرات القديمة الحادة التي يطلق عليها السبيكي أشبه بنصف سيف يوضع بشكل مائل بدلاٍ عن الجنبية وعلى رؤوس الوافدين إلى السوق (العكاوة) وهي عبارة عن طوق دائري من الأعشاب والنباتات العطرية يوضع على الرأس, وتعكس هذه الملابس المميزة موروثاٍ تقليدياٍ قديماٍ وطابعاٍ مميزاٍ لأبناء منبه وتتشارك معهم فيها بعض مناطق محافظة صعدة كـ (القهر) في باقم (قطابر) إلى جانب مناطق فيفا وبني مالك في منطقة عسير المجاورة, صورة عامة غير مألوفة تختزنها ذاكرة الزائر للمنطقة من الوهلة الأولى تخلق الدهشة والارتياح في النفس وتكسر رتابة الحياة المألوفة. وما من شك أن الموروث الشعبي التقليدي في منبه هو صورة للموروث اليمني الأصيل وعندما يتحاور البائع والمشتري في السوق يجد الزائر لأول مرة صعوبة كاملة في فهم الأحاديث المتبادلة, فاللهجة المنبهية مازالت متأثرة جداٍ باللغة الحميرية التي تتسبب في تغيير كثير من حروف الكلمات والجمل عند النطق بها وتعكس التجمعات السكانية لأبناء منبه بساطة الحياة لكنها تعطي الحياة نوعاٍ من الألق وراحة النفس ومعاني الحياة السعيدة التي لم تكدرها هموم الحياة ومطامعها وأحزانها, وتجد الناس يعيشون حياتهم اليوم غير آبهين بُغد أو يعملون حساب اليوم التالي … ورغم حياتهم البسيطة وامكانيات الناس المحدودة وقلة المتاع والمال في أيديهم فإنهم ينعمون برضاء وراحة نفسية لا يجدها ذو الثراء الفاحش والوجاهة النافذة في بلدان ودول عديدة من العالم. سمات وطباع مميزة إن الحياة البسيطة التي تعيشها مناطق مديرية منبه الواقعة في الركن الأقصى الشمالي للوطن اليمني قد عودت الناس على بعض القيم الطيبة كـالصدق في الأحاديث والتعامل والوفاء مع الصديق والوفاء بالوعد وإكرام الضيف وعابر السبيل وإغاثة الملهوف وتأمين الخائف ونقاء النفوس وسلامة نواياها ولا يعرفون وسطية بين الحب والعداوة, وفي هذه النقطة القصية من الوطن تجد أبناءِها يكنون الحب القوي والافتخار باليمن ويضربون أروع أمثلة الوفاء للوطن من صميم القلوب ليس من أجل فلان أو علان أو مصلحة أو مكسب, وظلوا يضربون أروع الأمثال في حماية حدودهم والحفاظ عليها وعدم التنازل عنها والذي تعكسه بجلاء الخارطة الطبيعية لليمن الموحد حيث تتربع مديرية منبه على أقصى نقطة في الشمال على خارطة الوطن ومع ذلك تجد لأبناء منبه علاقات وتواصل دائم مع القبائل المجاورة في الجانب الآخر كبني مالك وقبيلة قيس وغيرها نتاج الوحدة الجغرافية والقبلية والاجتماعية مع هذه المناطق بالرغم من أن المنبهي يغلب عليه طابع المحارب العنيد الذي لا يقبل انتقاص حقه أو الاعتداء عليه أو الظلم والغبن ومثل هذه التصرفات تخرجه من طور الطيبة والوقار إلى طور المقاتل الشرس الذي لا يقبل الاستسلام بتاتاٍ. اهتمام بالرعي والنحل وتعد مديرية منبه من المديريات الحدودية الرحبة ذات الكثافة السكانية حيث يبلغ عدد سكانها “51.833” نسمة يمثلون)5902)أسرة ويقطنون في(5680) مسكناٍ. وهي منطقة جبلية شاهقة تتخللها الأودية والمضايق الجبلية ومن أهم مناطقها (خميس منبه) مركز المديرية وآل مشيخ وآل عياش وآل عمر وآل خولي وآل مقنع وآل طارق وبطين وجبلي (العر) الشاهق و(شوذان), ويعتبر جبل (العر) الشاهق في قلب المديرية أحد أبرز معالمها الجغرافية حيث ينتصب بارتفاعه وضخامته شامخاٍ وفي أحضانه وسفوحه وعند قاعدته تتناثر أعداد كبيرة من القرى والتجمعات السكانية, وهو جبل شامخ وطود أشم يقف موازياٍ ومقابل لـجبل (فيفا) من بني مالك أحد جبال عسير المجاورة الذي يحد منبه من الشمال ومن الغرب قبيلة قيس من جيزان ومن جنوب المديرية رازح ومن الشرق مديريتي مجز وقطابر. ويعتبر النشاط السكاني الأبرز في منبه هو الرعي وتربية النحل نظراٍ لاعتماد غالبية السكان على المواشي والأغنام والماعز في توفير احتياجاتهم من المنتجات الرعوية الأساسية كـ (اللبن) السمن اللحوم الصوف” ومن ثم العمل على تسويق هذه المواشي والأغنام وبيعها في الأسواق الأسبوعية المجاورة للحصول على الحبوب وبقية الاحتياجات الضرورية. ويعد العسل المنبهي من أفضل أنواع العسل في محافظة صعدة .أما النشاط الزراعي فلا يتجاوز 10% من نشاطات واهتمام السكان رغم وجود أراضُ خصبة في الأودية والمضايق وممرات السيول لكن العمل الزراعي لا يمثل سوى نسبة بسيطة في خارطة اهتمام السكان. معالم وشواهد أثرية ومديرية منبه غنية بمآثرها التاريخية وشواهدها الأثرية فمبانيها القديمة المتميزة الشكل والعمران التي تأخذ شكل “القصيب” النوب المربعة الطويلة المصنوعة من الصخور الحجرية المدققة الشكل معالم تاريخية مدهشة, كما أن المنارات المشيدة في قمم الهضاب الجبلية والمرتفعات تعكس جزءاٍ من قصة التاريخ القديمة لهذه المديرية حيث تنتشر هذه المنارات في آل عمر وآل مشيخ وآل خولي, ويوجد جنوب المديرية في آل طارق مقابر صخرية قديمة موجهة إلى جهة الغرب وليس للشمال والذي يعطي احتمالات بأنها قديمة جداٍ وليست إسلامية كما توجد جنوب شرق المديرية مدينة (جاوي) وهي مدينة قديمة مطمورة كلياٍ مازال يطلق عليها هذا الاسم حتى اليوم والذي يعني أن ثمة مدينة قديمة نشئت في هذا الموضع وملامحها العامة توحي بآثار مدينة دمرت وخربت منذ زمن طويل, وفي أسفل جبل (العر) المنيف من جهة الغرب تتربع أطلال وبقايا قصور المحما الشامخة على مرتفع جبلي سحيق تشكله عدة مباني طويلة الارتفاع متجاورة قرابة سبعة طوابق شيدت من الأحجار الصخرية السوداء المتراصة والمتداخلة تعكس روعة ودقة ومتانة فنون العمارة القديمة في هذه المديرية. حكاية لطيفة وفي أحضان جبل (العر) من الناحية الجنوبية يوجد مسجد تاريخي قديم متواضع البناء يعود إلى القرن العاشر الهجري لكن أهميته التاريخية تعكسها قصة لطيفة ارتبطت به, فهذا الجامع شيده علامة ورجل تقي من مديرية مجاورة هاجر إلى المنطقة في سنوات جفاف شديد وظل يعلم الناس الصلاة والدين وطاعة الله سبحانه وتعالى وشيد هذا المسجد في (نيد البارق) ومع نزوله إلى هذه المنطقة توالت الأمطار وعم الرخاء والخير المنطقة وظل بها قرابة ثلاث سنوات وعندما هم بالرحيل والمغادرة رفض أبناء المنطقة ذلك وخيروه بين البقاء في المنطقة أو قتله وجعله مزاراٍ لاستمرار البركة والخير بحسب اعتقادهم وعند محاولة هروبه في إحدى الليالي قبضوا عليه وقتلوه وجعلوه مزاراٍ لأبناء المنطقة ورفضوا تسليمه لأهله من أبناء المديرية المجاورة إلا بعد حرب بين القبيلتين ولا يزال موضع المزار قائماٍ حتى اليوم.