الرئيسية - عربي ودولي - مستقبل القضية الفلسطينية على وقع المصالحة وإخفاق المسار التفاوضي
مستقبل القضية الفلسطينية على وقع المصالحة وإخفاق المسار التفاوضي
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

جاء انعقاد مؤتمر مدريد للسلام برعاية دولية عام 1991م على أساس ليرسي مرحلة مباحثات سلام بين العرب والإسرائيليين بصفة عامة وعقدت المفاوضات بين أطراف النزاع منذ الوهلة الأولى بين الأقطار العربية ممثلة بفلسطين وسوريا ولبنان والأردن حيث تشكل تلك الدول طرفا أساسيا في عملية التفاوض وعلى أن يكون ذلك الطرف غير منقسم ولا مجزأ مقابل طرف آخر في المفاوضات يتمثل بالكيان الصهيوني وعلى إثر ذلك دخلت منطقة الشرق الأوسط مرحلة جديدة وكأن المبدأ الأساسي أن يكون المسار العربي في المباحثات موحداٍ مقابل الجانب الإسرائيلي. فعلى صعيد المسار السوري واللبناني ظل الموقف التفاوضي موحدا ضد إسرائيل التي فشلت في تفكيك ذلك المسار برغم دخولها مع دمشق في محادثات ثنائية لم تستطع من خلالها تل أبيب الحصول على أي تنازلات من الجانب السوري حيث واجهت مع سوريا مفاوضات متماسكة استطاع من خلالها السوريون فضح ادعاءات الكيان الصهيوني ومزاعمه في السلام لذلك فشلت إسرائيل في توقيع سلام منفرد مع دمشق كما أخفقت أيضا في استدراج لبنان إلى محادثات سلام عبثية خصوصا وكانت تحتل الجنوب اللبناني والذي حررته المقاومة فيما بعد في زمن دعاوى إسرائيل للسلام الذي لا ترى فيه إلا سلاما خاصا لخدمة مشروعها الاستيطاني . ومعنى ذلك أن هناك طرفاٍ تفاوضياٍ يضم كلا من فلسطين وسوريا الأردن لبنان وعلى هذا الأساس كان التنسيق قائما بين تلك الأطراف الموحدة على أن تكون المحادثات ثنائية غير أن الكيان الصهيوني بدأ ينقلب على مقررات مؤتمر مدريد رافضا أي توحيد في مسار المباحثات من الجانب العربي وبالتالي سقطت مقررات وتوصيات مؤتمر مدريد وذهبت المفاوضات أحادية الرؤية من الجانب العربي أدراج الرياح ويرجع ذلك إلى نجاح إسرائيل في تمزيق رؤية التفاوض إلى أطراف متعددة. حيث جرت عقب مؤتمر مدريد مرحلة أخرى من المحادثات بعد تفكيك المسار العربي الموحد وبالتالي وقعت الأردن التي أجرت مفاوضات ثنائية بعيدا عن توصيات ومقررات مؤتمر مدريد نتج عنها اتفاق وادي عربة مع إسرائيل وما تلى ذلك من اتفاقيات أخرى أسفرت عن تطبيع العلاقات بين الجانبين وعلى صعيد القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية للأمتين العربية والإسلامية تم بالتأكيد استدراج تلك القضية إلى مرحلة تجزئة التفاوض أو تجزئة المباحثات بعيدا عما تضمنته المرجعية الخاصة بمؤتمر مدريد. وعلى إثر ذلك دخل الطرف الفلسطيني في مفاوضات منفردة مع غياب أي تنسيق عربي بين أطراف التفاوض وجرت محادثات بين الجانبين بعيدا عن ذلك المؤتمر واتخذت في البداية طابعا سريا عرف بمباحثات أوسلو التي جمعت الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وما تلى ذلك من تكرار الاتصالات بين الجانبين ثم عقد لقاء آخر في أوسلو نجح الكيان الصهيوني من خلاله في استدراج الطرف الفلسطيني إلى مفاوضات من أجل المفاوضات خصوصا وقد كانت أوسلو “1” وأوسلو”2″ تمهيدا لمحادثات واشنطن التي أخذت طابعا أميركيا محضاٍ كون الولايات المتحدة الأميركية الراعي لتلك المفاوضات الثنائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين وكذلك دول الاتحاد الأوروبي وقد تكررت جولات التفاوض من وقت لآخر حيث اعتبرت إسرائيل لقاءات أوسلو استكشافية لا علاقة لها بالتفاوض وبالتالي لم يسفر عنها أي نتائج سياسية ترتبت على جولة من الاتصالات المتبادلة بين الجانبين تلى ذلك كما أوضحنا عقد المفاوضات العلنية في واشنطن التي كان طابعها أشبه بمهرجان سياسي اجتمع فيه بعض قادة من منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس وزراء الكيان الإسرائيلي دون أن تسفر عن أية مبادئ أساسية أو ثابتة تذكر بقدر ما كانت إسرائيل تحرص على كسر الحالة النفسية مع الفلسطينيين واعتبار ما حدث تطويعا أوليا مالم يكن ترويضا واضحا. لأن لقاء ” واي بلانتيشين” حدد كيفية إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية وحدد أيضا نوع السلاح المسموح به لتلك السلطة مقابل إضعاف الوحدة الوطنية على اعتبار أن حسابات الكيان الصهيوني كانت تتمدد على أساسه عدة مراحل مختلفة أبرزها مرحلة تفكيك مسار التفاوض على الصعيد العربي ثم الدخول في مفاوضات منفردة مع الجانب الفلسطيني دون التوصل إلى أي نتائج. ومعنى ذلك في رؤية تل أبيب وفهمها للقضية الفلسطينية سيؤدي إلى انقسام بين الفلسطينيين وبالتالي تفكيك الوحدة الوطنية الفلسطينية والدخول في صراع فلسطيني فلسطيني على غرار ما حدث بين حركتي فتح وحماس في مرحلة سابقة في ظل استمرار التفاوض جرى عقد جولات عدة كان أبرزها ما تم في واي بلانتيشين بالولايات المتحدة الأميركية وغيرها من المحادثات التي تعثرت ووصلت إلى طريق مسدود جراء تعنت إسرائيل وعدم التزامها بما تم التوصل إليه ولو في الحد الأدنى حيث استمرت الأعمال العسكرية ضد قطاع غزة تحديدا في مرحلة ما بعد وأثناء عملية التفاوض كما استمرت أيضا سياسة الاستيطان والتوسع والتهجير وجرف الأراضي ضد الشعب الفلسطيني الأعزل مما أظهر المفاوضات ذات جدوى جراء تعنت الكيان الصهيوني ورفضه للسلام الذي لا يرى فيه إلا تكتيكاٍ مرحلياٍ لحفظ أمن واستقرار الدولة اليهودية وتعزيز مشروعها الاستيطاني على حساب تغييب القضية الفلسطينية. وقد كانت جولة المحادثات الأخيرة برعاية الولايات المتحدة الأميركية مثل سابقاتها تعثرت هي الأخرى بسبب رفض إسرائيل للقرارات الدولية ما بالك بالمباحثات الثنائية في واقع استمرار سياسة الاستيطان. لذلك مثلت الخطوة الأخيرة التي ارتكزت على المصالحة بين فتح وحماس بداية حقيقية يجب أن ترتقي إلى ما هو أبعد وأوسع وأشمل من المصالحة وذلك في الوحدة الوطنية الفلسطينية وتوحيد الرؤى السياسية لكافة فصائل الأحزاب والقوى حتى لا تكون المصالحة مجرد نظرة سياسية لحلحلة التعنت الصهيوني في التفاوض وإنما يجب أن تكون وحدة الشعب الفلسطيني وتوحيد فصائله السياسية ضمن رؤية واحدة مشتركة هدفاٍ أساسياٍ وغاية منشودة للعمل الفلسطيني في ظل عدم جدوى المفاوضات السابقة مع الجانب الإسرائيلي. لأن ما تحتاجه القضية الفلسطينية خصوصاٍ بالمرحلة الراهنة وما تواجه من تحديات مختلفة أعطى أولوية للمباحثات الفلسطينية ـ الفلسطينية يلي ذلك المصالحة كما حدث في الآونة الأخيرة على أن تكون المصالحة مدخلاٍ موضوعياٍ للارتقاء بتوحيد كافة فصائل العمل السياسي تجسيداٍ لوحدة الشعب الفلسطيني وطموحاته المشروعة في استعادة حقوقه الكاملة واستعادة فلسطين المغتصبة وإنهاء الاحتلال الصهيوني من أجل تحرير الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس الشريف. علماٍ بأن خطوة المصالحة الجديدة قد أثارت انتقادات شديدة حيث اعتبرتها الخارجية الأميركية بأنها تعرقل عملية السلام كما اعتبر رئيس وزراء الكيان الصهيوني خطوة المصالحة تلك سابقة خطيرة ودعا من خلالها الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن يختار السلام مع الإسرائيليين أو السلام مع حماس وهو ما يظهر بالتأكيد أن هدف إسرائيل من المفاوضات السابقة واللاحقة تفكيك وحد الشعب الفلسطيني وتمزيق القوى السياسية وإدخالها في صراعات داخلية مع بعضها البعض. حيث أسست تل أبيب فهمها للمفاوضات مع الفلسطينيين من أجل تقسيمهم وتمزيقهم وليس من أجل استعادة الحقوق المشروعة لا سيما وقد أثبتت المراحل السابقة واللاحقة أن الكيان الصهيوني كان ولا يزال وسيظل لا يرى في المفاوضات إلا مشروعاٍ صهيونياٍ لإضعاف الصف الفلسطيني وليس من أجل التخلي عن الاستيطان وهو ما يفترض بفصائل العمل السياسي داخل فلسطين وخصوصاٍ حركتي فتح وحماس الاستفادة من التجارب السابقة وتقييم عمليات التفاوض بشكل كامل والتي لم تنعكس نتائجها الإيجابية إلى لصالح الكيان الصهيوني فيما تضررت القضية الفلسطينية. على اعتبار أن القضية الجوهرية والأساسية كما أشرنا إعطاء الأولوية لوحد الشعب الفلسطيني وفصائله السياسية كون ذلك هو الرد الفعلي والحاسم على تعنت إسرائيل في المفاوضات واعتبارها تنازلات يضغط من خلالها الكيان الغاصب على القوى الفلسطينية من أجل تغييب القضية وتمييع حقوق الشعب وإضعاف أداء المقاومة على اعتبار أن الوحدة والمقاومة ثنائية مرتبطة باستمرار القضية الفلسطينية من خلال تماسك الجبهة الداخلية والحيلولة دون توسع المشروع الاستيطاني الذي اتخذ من المفاوضات ستاراٍ لتكريس سياسة الأمر الواقع من خلال التفاوض في بناء المستوطنات والاستمرار بسياسة الاحتلال وأدت إلى انعكاسات سلبية على القضية المركزية جراء المفاوضات العبثية.