الرئيسية - الدين والحياة - الإحســـان جــسر التكافـــل وروح الإنسانيـــة بــين المسلمــين
الإحســـان جــسر التكافـــل وروح الإنسانيـــة بــين المسلمــين
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

■ قيم التكافل الاجتماعي جسدها الإسلام بمبدأ الولاية المتبادلة بين المؤمنين في المجتمع

ظروف صعبة صنعتها المتغيرات ومآس عديدة خلفتها الأحداث أعزة كانوا بالأمس واليوم يقفون على أبواب المرض والفقر والحاجة الأمر الذي يوقظ فينا روح الإنسانية تجاه من تجهمت لهم الحياة بأقسى صنوفها ويمد جسور التكافل الديني والاجتماعي لمن هم أولى بالعطاء والرعاية والإحسان وما لذلك من فضل كان مقداره عند الله عظيما.

أسر كثيرة دك الفقر حياتها ولكن طريق التعفف عن مد يد السؤال والحاجة هو قوتها فلا تخرج فاقتها ومرضها عن إطار منزل أو قل إن شئت أشباه منزل. ولعل أسرة أبو حسين والتي تضم أكثر من 10 أفراد ذلك الرجل المسن أبو حسين معيلهم الوحيد مذ كانت الصحة حليفة جسده وما إن فقدها تكالب عليهم الفقر والآلام فقد أصيب بفشل كلوي ولم يعد قادرا حتى على إيفاء متطلبات علاجه وإيجار منزله ومصاريف أبنائه فقط بما يمكن أن تجود به الأيادي الرحيمة من بعض جيرانه وأقرانه زرنا منزلهم الذي لا يتعدى غرفتين في مساحته ولكنه كبير وعظيم بصبرهم وجلدهم. ليقول لنا أبو حسين: ما كنت متصورا بأن الحال سيسوء بي إلى هذه الدرجة وأننا سنغدو رهيني استعطاف الناس وإحسانهم فكما ترونني لقد شاخ بي الدهر وضعفت قواي وفتك المرض بي فبالله أناشد وبه أدعوكم أن تعينونا على الحياة وتدخلوا السعادة إلى أبنائي ولله فيكم عظيم الجزاء في يوم لا ينفعكم إلا ما قدمتم وأحسنتم.

معاناة تبحث عن أهل الخير وبيوت أخرى من الصفيح والأخشاب لا يصلها الماء ولا كهرباء وكأنها في معزل عن العالم هناك حيث تقطن أسرة عبدالمطلب بصنعاء رأينا أطفالهم يبكون طلباٍ للطعام فتذهب الأم من دار إلى دار تسأل الناس عن ما يسد رمق جوع أطفالها ولكن الناس هناك سواسية في الفقر والمعاناة والألم فما حيلة الأم ومعيل الأسرة قد أصيب منذ ثلاث سنوات بسرطان في الغدد الليمفاوية نوع HD من الدرجة الثانية إلا أن حالته تفاقمت إلى سرطان خبيث في النخاع وهكذا يعيش حياته مترددا على أبواب المستشفيات حتى شل جسده تماماٍ منتظراٍ أن يوافيه الموت بأي لحظة. ونرى في مشهد آخر خمسة أطفال أيتام توفي والدهم منذ سنوات وترك لهم أماٍ عليلة لا حول لها ولا معيل لهم تركوا دراستهم وعلمهم فبالكاد أن يجدوا ما يأكلونه ويسد رمق جوعهم أنكرهم الأقربون وتخلى عنهم ذووهم ومعارفهم إنهم أسرة صالح داود أسرة عفيفة عن مد يد السؤال تكابد قسوة الحال بجلد ولكن الظروف والأقدار تكشف مآسيهم يتضورون جوعاٍ ويكتفون بالقليل من الخبز والماء ملابسهم لو رأيتها لرأيت رقعا خاطتها بقايا ملابس الناس من هنا وهناك وللجنة ضمان لمن سعى في كفالة هؤلاء الأيتام أو أدخل فرحة العيد إلى منزلهم بأي نوع من الإحسان كان.

الجسد الواحد وفي هذه الزاوية يفيدنا عدد من العلماء والدعاة عن عظمة العطاء والتكافل بين المسلمين حيث يقول العلامة محمد العيني: جاءت النصوص والآيات متوافرة في الحث على التعاون والتماسك والتكافل بين المسلمين وتعزيز عرى الترابط والتراحم مصداقا لقوله تعالى: {وِتِعِاوِنْوا عِلِى الúبر وِالتِقúوِى وِلا تِعِاوِنْوا عِلِى الإثúم وِالúعْدúوِان} و قوله صلِى الله عليه وآله وسلِم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمِى) و(المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدْ بعضه بعضٍا) وقوله: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

حالات مؤلمة ومضى يقول: (نمر اليوم بظروف حالكة ووضع اقتصادي متردُ كل ذلك خيم بظلاله على واقع الناس وزاد من معاناتهم وآلامهم فترى الفقير زاد فقرا والمحتاج كثرت همومه وديونه والمريض زادت معاناته وآلامه أضف إلى ما خلفه الوضع من حالات إنسانية يرثي لها القلب ويندى لها الجبين أيتام وأرامل ومرضى ومعاقين وغير أولئك كثيرون الأمر الذي يتطلب إحياء روح التكافل الإنساني والاجتماعي بين الناس فمِن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد معه ومن كان معه فضل مركوب فليعد به على من لا مركوب له). من جهته يقول العلامة الدكتور عبدالحميد بدران: يقوم التكافل الاجتماعي في الإسلام على بناء فكري متكامل له أساسه من العقيدة ومن المنظومة الأخلاقية الإسلامية فلم يكن تقرير هذا الحق للإنسان وليد تجارب بشرية فرضته فرضا كما هو الشأن في نظم الضمان الاجتماعي التي تسود الحالم الحديث . والتكافل في الإسلام يمثل فكرة متقدمة تتجاوز مجرد التعاون بين الناس أو تقديم أوجه المساعدة وقت الضعف والحاجة. موضحاٍ: إن مبناه ليس الحاجة الاجتماعية التي تفرض نفسها في وقت معين أو مكان بعينه وإنما يستمد التكافل الاجتماعي في الإسلام مبناه من مبدأ مقرر في الشريعة وهو مبدأ الولاية المتبادلة بين المؤمنين في المجتمع يقول الله تعالى: وِالúمْؤúمنْونِ وِالúمْؤúمنِاتْ بِعúضْهْمú أِوúليِاءْ بِعúضُ يِأúمْرْونِ بالúمِعúرْوف وِيِنúهِوúنِ عِن الúمْنúكِر وِيْقيمْونِ الصِلِاةِ وِيْؤúتْونِ الزِكِاةِ وِيْطيعْونِ اللِهِ وِرِسْولِهْ أْولِئكِ سِيِرúحِمْهْمْ اللِهْ إنِ اللِهِ عِزيزَ حِكيمَ .) لكون الإنسان في التصور الإسلامي لا يعيش مستقلا بنفسه منعزلا عن غيره وإنما يتبادل مع أفراد المجتمع الآخرين الولاية بما تعنيه من الإشراف والتساند والتكافل في أمور الحياة وفي شؤون المجتمع . مستدلا بحديث أِبي سِعيد الúخْدúري قِالِ: بِيúنِمِا نِحúنْ في سِفر مِعِ اِلنبي صلى الله عليه وسلم إذú جِاءِ رِجْل عِلِى رِاحلِة لِهْ قِالِ: فِجِعِلِ يِصúرفْ بِصِرِهْ يِميناٍ وِشمِالاٍ فِقِالِ رِسْولْ الله صلى الله عليه وسلم: (مِنú كِانِ مِعِهْ فِضúلْ ظِهúرُ فِلúيِعْدú به عِلِى مِنú لاِ ظِهúرِ لِهْ وِمِنú كِانِ لِهْ فِضúل من زِاد فِليِعْدú به عِلِى مِنú لاِ زِادِ لِهْ قِالِ: فِذِكِرِ من أِصúنِاف اِلúمِال مِا ذِكِر حِتْى رِأِيúنِا أِنِهْ لا حق لأِحِدُ منا في فِضúل . وقوله صلوات ربي وسلامه عليه وآله: ليس المؤمن بالذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه).

دين الشهامة والمروءة فيما تحدثت الداعية إيمان النجدي – جامعة القرآن الكريم وعلومه عن أهمية مساندة المحتاج بين المسلمين ووجوب إطعامه ورعايته وهذا يعد من فروض الكفايات التي إذا قام بها البعض سقط الحرج عن الآخرين وقالت: ولا يصح في شريعة الإسلام ولا يجوز في عرف الشهامة والمروءة أن يرى المسلم جاره أو قريبه يتلوى في العري والجوع والحرمان ولا يقدم له معونة من مال أو لباس أو طعام… ويرى الغريب الذي انقطعت به السبل ثم لا يضيفه. مضيفة: وإن مما يدل على حب الله ورسوله والإيمان الصادق الإيثار وهو تقديم الغير على شهوة وملذة النفس الدنيوية رغبة في الأجر وهو من أرفع خصال درجات الإيمان º لأن المحققين له قلة قليلة ولهذا امتدح الله الصحابة الكرام بهذا الشرف العظيم: {وِالِذينِ تِبِوِؤْوا الدِارِ وِالúإيمِانِ من قِبúلهمú يْحبْونِ مِنú هِاجِرِ إلِيúهمú وِلِا يِجدْونِ في صْدْورهمú حِاجِةٍ ممِا أْوتْوا وِيْؤúثرْونِ عِلِى أِنفْسهمú وِلِوú كِانِ بهمú خِصِاصِةَ وِمِن يْوقِ شْحِ نِفúسه فِأْوúلِئكِ هْمْ الúمْفúلحْونِ} . مستطردة: كما أن من ينفق ويتصدق يْدعى من باب خاص من أبواب الجنة يقال له باب الصدقة كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير: فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دْعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دْعي من باب الريان) قال أبو بكر: (يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يْدعى أحد من تلك الأبواب كلها ¿ قال: نعم وأرجو أن تكون منهم).

يرحمهم الله من جهته تحدث العلامة جبري إبراهيم – وزارة الأوقاف: عن عظمة التكافل الإنساني والتراحم بين المسلمين قائلاٍ: هو أعظم ما يميز المجتمع المسلم وصفة من صفة المؤمنين وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ارحموا ترحموا واغفروا يغفر لكم فالرِاحمْونِ يِرúحِمْهْمú الرِحúمِنْ ارúحِمْوا أِهúلِ الúأِرúض يِرúحِمúكْمú مِنú في السِمِاء فالرحمة لا تنزع الرحمة إلا من شقي و لا يرحم الله من لا يرحم الناس). ولهذا دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (اللِهْمِ مِنú وِليِ منú أِمúر أْمِتي شِيúئٍا فِشِقِ عِلِيúهمú فِاشúقْقú عِلِيúه وِمِنú وِليِ منú أِمúر أْمِتي شِيúئٍا فِرِفِقِ بهمú فِارúفْقú به). موضحاٍ: إن السيرة العطرة للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قد جسدت النموذج المثالي في إبراز مظاهر الأخوة الإيمانية بين المؤمنين ولعل أبرز تلك النماذج قد تجلت عندما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة المنورة فكان من بين سلسلة الإجراءات الاستراتيجية التي قام بها صلى الله عليه وآله وسلم آنذاك من أجل وضع اللبنة الأولى للمجتمع الإسلامي وبناء الدولة الرسالية المحمدية هو المؤاخاة بين المسلمين وتوثيق عرى التعاون بينهم