الرئيسية - الدين والحياة - العفو والتسامح
العفو والتسامح
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

قال تعالى ” خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين” وقال تعالى “وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم” وقال تعالى “فمن عفا وأصلح فأجره على الله”. إن العفو شعار الصالحين الانقياء ذوي الحلم والأناة والنفس الرضية لأن التنازل عن الحق نوع إيثار للآجل على العاجل. إن العفو عن الآخرين ليس بالأمر الهين إذ له في النفس ثقل لا يتم التغلب عليه إلا بمصارعة حب الانتصار والانتقام للنفس ولا يكون ذلك إلا للأقوياء الذين استعصوا على حظوظ النفس وشهواتها ورغباتها إذن الشديد الحقيقي هو من يملك نفسه عند الغضب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الأشهاد حتى يخيره من الحور العين ما شاء). إذن العفو له فضل عظيم وأجر كبير فقد جاء عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه قال: (ألا أخبركم بأفضل أية في كتاب الله عز وجل حدثنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير” وسأفسرها لك يا علي (ما أصابكم من مرض أو عقوبة في الدنيا أو بلاء فبما كسبت أيديكم والله تعالى أكرم من أن يثنى عليهم العقوبة في الآخرة وما عفا عنه الله في الدنيا فالله تعالى أحلم من أن يعود بعد عفوه). ولذلك أثنى الله على عباده المتقين ووصفهم بالإنفاق في السراء والضراء وكظم الغيظ والعفو عن الناس والإحسان إلى الخلق ووعدهم بجنة عرضها السموات والأرض فقال سبحانه وتعالى “الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين” قال الإمام ابن كثير في قوله تعالى والعافين عن الناس” أي مع كف الشر يعفون عمن ظلمهم في أنفسهم”. وقد جاء عن أبي بكر رضي الله عنهم أنه قال (بلغنا أن الله تعالى يأمر مناديا يوم القيامة فينادي (من كان له عند الله شيء فليقم) فيقوم أهل العفو فيكافئهم بما كان من عفوهم عن الناس إن كثيرا من الناس يظنون أن العفو والتجاوز يقتضي الضعف والمذلة وهذا غير صحيح بل العفو والتجاوز هو قمة الشجاعة والامتنان وغلبة الهوى لا سيما إن كان العفو عند المقدرة. قال الحسن بن علي رضي الله عنهما (لو أن رجلا شتمني في أذني هذه واعتذر في أذني الأخرى لقبلت عذره). وقال جعفر الصادق رضى الله عنه (لأن أندم على العفو عشرين مرة أحب إلي من أن أندم على العقوبة مرة واحدة). ولذلك يروى أن أبا مسعود كان عنده خادم فرفع السوط ليضربه وإذا بصوت من خلفه يقول (أبا مسعود اعلم أن الله أقدر عليك من قدرتك على هذا الغلام فقال أبا مسعود اذهب فأنت حر لوجه الله فقال النبي “ص” لو لم تفعل هذا للفحتك النار يوم القيامة). وهذا هو النبي صلى الله عليه وسلم خير خلق الله حينما دخل مكة فاتحا في العام الثامن من الهجرة وهي التي ائتمرت على قتله وأخرجته وعذبت أصحابه ونكلت بهم وكذبته وقاتلته في بدر وأحد والخندق وألبت عليه العرب جميعا لقد ألقى أهلها كل سلاح ومدوا إليه أعناقهم ليحكم فيها بما يرى فأمره نافذ في رقابهم وحياتهم جميعا معلقة بين شفتيه وهذه عشرة آلاف سيف تتوهج يوم الفتح فوق ربى مكة تأتمر بأمره وتنتظر إشارة منه وتستطيع أن تبيد مكة بأهلها في لمح البصر. لقد دخلها يوم الفتح دخول المتأدبين الشاكرين معترفا بعظم الفضل ولم يدخلها دخول المتكبرين المجبرين فرحا بنشوة النصر لقد سار النبي صلى الله عليه وسلم في موكب النصر يوم فتح مكة حانيا رأسه حتى تعذر على الناس رؤيته ورؤية وجهه وحتى كادت دؤابة عمامته تلامس عنق بعيره باكيا لله عز وجل . وبعد أن استقر به المقام قال: معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم ¿ قالوا : خيرا أخ كريم وابن أخ كريم قال: فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته لا تتريب عليكم اليوم .. اذهبوا فأنتم الطلقاء.. فعفا عنهم وصفح عنهم. فعن النبي صلى الله عليه وسلم “ما أحد أصبر على أذى يسمعه من الله تعالى إنهم يجعلون لله ندا ويجعلون له ولدا ومع ذلك يرزقهم ويعافيهم ويعطيهم ” متفق عليه واللفظ لمسلم ومسلم. وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما “ما من جريمة أعظم عند الله من جريمة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله”.