الرئيسية - الدين والحياة - حفظ النفس من مقاصد الشريعة الإسلامية
حفظ النفس من مقاصد الشريعة الإسلامية
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

خلق الله تعالى الإنسان بيده ونفخ فيه من روحه وسواه في أحسن صورة وأسجد له ملائكته وسخر له السماوات وما فيها والأرض وما عليها وأنعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة التي لا تعد ولا تحصى وأرسل إليه الرسل وأنزل الكتب ليهتدي على درب الحياة وليرسم حياته وفق ما أراد مالك الملك سبحانه وتعالى. وشريعة الإسلام شريعة ممتدة طولا وعرضا وعمقا أما طول فإنها ممتدة لكل الأزمان إلى قيام الساعة وأما عرضا فلكونها رسالة عامة لكل العاملين وأما عمقا فلا .. لم تترك شأنا من شؤون المعاش أو المعاد إلا ولها فيه بيان قال تعالى: “وِنِزِلúنِا عِلِيúكِ الúكتِابِ تبúيِانٍا لكْل شِيúءُ” سورة النحل آيه 98. ومن أهم مقاصد شريعة الإسلام حفظ النفس البشرية لأن الله تعالى هو واهب الحياة ومالكها فالإنسان لم يهب الحياة لنفسه ولا لغيره ولا يملكها وبالتالي فلا يحق له العدوان عليها. وتشريعات الإسلام لحفظ النفس وعصمة الدماء كثيرة ومتعددة ومتنوعة أحاول في هذه السطور أن أتعرض لبعضها بحسب ما يفتح الله عليِ فمنها مايلي: 1- من وصايا القرآن: “17وِلاِ تِقúتْلْواú النِفúسِ الِتي حِرِمِ اللهْ إلاِ بالحِق” سورة الإسراء آيه 32. 2- ندد القرآن بقتل الأولاد أو وأد البنات الذي كان موجودا عند بعض العرب في الجاهلين فقال تعالى: ” وِلاِ تِقúتْلْواú أِوúلاِدِكْم منú إمúلاِقُ نِحúنْ نِرúزْقْكْمú وِإيِاهْمú” سورة الأنعام آيه 151. وقال تعالى: “81وِإذِا الúمِوúؤْودِةْ سْئلِتú بأِي ذِنبُ قْتلِتú” سورة التكوير آيه 8و9. 3- جعل القرآن الحفاظ على النفس من صفات عباد الرحمن الذين استوجبوا رحمة الله ودخول جنته فقال تعالى: “وِالِذينِ لِا يِدúعْونِ مِعِ اللِه إلِهٍا آخِرِ وِلِا يِقúتْلْونِ النِفúسِ الِتي حِرِمِ اللِهْ إلِا بالúحِق ” وفرق بين جريمة القتل والشرك ليدل على شناعة الجريمة. 4- عد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القتل من السبع الموبقات أي المهلكات فقال: “اجتنبوا السبع الموبقات الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرمها الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات”. 5- التحذير من عاقبة القتل والوعيد الشديد عليه في القرآن والسنة فمن القرآن قوله تعالى: “وِمِن يِقúتْلú مْؤúمنٍا مْتِعِمدٍا فِجِزِآؤْهْ جِهِنِمْ خِالدٍا فيهِا وِغِضبِ اللهْ عِلِيúه وِلِعِنِهْ وِأِعِدِ لِهْ عِذِابٍا عِظيمٍا” سورة النساء آيه 93. ومن السنة قوله صلى الله عليه وآله وسلم أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة وأول ما يقضي فيه الدماء”. 6- التحذير من العدوان على النفس بما هو أقل من القتل حيث يقول صلى الله عليه وآله وسلم: “من روع آمنا فليس منا ومن حمل علينا السلاح فليس منا”. 7- تعظيم حرمة الدم فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: “رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- يطوف حول الكعبة ويقول: “ما أطيبك وأطيب ريحك¿! وما أعظمك وأعظم حركتك¿! والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله من حرمتك دمه وماله ولن نظن به إلا خيرا فالمسلم لا ينبغي أن يظن بأخيه المسلم إلا خيرا وقتل النفس بالنفس لا يبنى على الشك أو الظن”. 8- اعتبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اقتتال المسلمين مع بعضهم من أعمال الكفر فقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “سباب المسلم فسوق وقتله كفر” وفي خطبة حجة الوداع: “لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض”. 9- تحريم التعاون على العدوان بأي شكل من الأشكال فقال تعالى: ” وِتِعِاوِنْواú عِلِى الúبر وِالتِقúوِى وِلاِ تِعِاوِنْواú عِلِى الإثúم وِالúعْدúوِان” سورة المائدة رقم 3 وفي الحديث: “من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة أي بعض كلمة جاء يوم القيامة ومكتوب على جبينه آيس يعني يائس من رحمة الله”. 10- تحريم وتجريم الحرابة وتغليظ العقوبة عليها في الدنيا والآخرة والحرابة هي قطع الطريق على الناس لإخافتهم وترويعهم وسلب أموالهم وقتلهم قال تعالى: “إنِمِا جِزِاء الِذينِ يْحِاربْونِ اللهِ وِرِسْولِهْ وِيِسúعِوúنِ في الأِرúض فِسِادٍا أِن يْقِتِلْواú أِوú يْصِلِبْواú أِوú تْقِطِعِ أِيúديهمú وِأِرúجْلْهْم منú خلافُ أِوú يْنفِوúاú منِ الأِرúض ذِلكِ لِهْمú خزúيَ في الدْنúيِا وِلِهْمú في الآخرِة عِذِابَ عِظيمَ ” سورة المائدة آيه 33. 11- تحريم الثأر وهو الانتقام وأخذ الحق بطرق غير مشروعة وهو من خصال الجاهلية وتشريع القصاص فقال تعالى: “وِلِكْمú في الúقصِاص حِيِاةَ يِاú أْوليú الأِلúبِاب ” سورة البقرة آيه 79. والقصاص لا يكون بيد الأفراد وإنما يكون بيد الإمام أي ولي الأمر أو نائبه أي القاضي. 12- حرم الإسلام مجرد نية القتل فمن نوى قتل نفس مجرد نية استحق عذاب الله تعالى فقد صح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ” إذا ألتقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار” قالوا يارسول الله هذا القاتل فما بال المقتول أي ما ذنب المقتول¿ قال: ‘أنه كان حريصاٍ على قتل صاحبه. 13- الأمر بالإصلاح بين المتقاتلين قال تعالى: “وِإن طِائفِتِان منِ الúمْؤúمنينِ اقúتِتِلْوا فِأِصúلحْوا بِيúنِهْمِا فِإن بِغِتú إحúدِاهْمِا عِلِى الúأْخúرِى فِقِاتلْوا الِتي تِبúغي حِتِى تِفيءِ إلِى أِمúر اللِه فِإن فِاءتú فِأِصúلحْوا بِيúنِهْمِا بالúعِدúل وِأِقúسطْوا إنِ اللِهِ يْحبْ الúمْقúسطينِ ” سورة الحجرات آيه 9. 14- تحريم الانتحار فقد روى البخاري وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “من قتل نفسه بحديدة فحديدته .. يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا”. 15- تحريم مجرد تمنى الموت وهو أقل من الانتحار بكثير وفي ذلك يقول صلى الله عليه وآله وسلم: “لا يتمنين أحدكم الموت لضرُ أصابه فإن كان لا محالة متمنيا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خير لي وتوفني ما كانت الوفاة خير لي”. 16- تحريم قتل غير المسلم ويشمل الذمي أي اليهود والنصارى المقيمين في بلاد المسلمين وهو من مواطن الدولة والمستأمن وهو الأجنبي غير المواطن ففي الحديث: “من أذى ذميا أو معاهدا فقد آذاني” والله تعالى يقول: “وِإنú أِحِدَ منِ الúمْشúركينِ اسúتِجِارِكِ فِأِجرúهْ ” سورة التوبة آيه 6. 17- تحريم العدوان على النفس بالإيذاء حيث يقول صلى الله عليه وآله وسلم: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده”. والمؤمن من آمنه الناس والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه. 18- حصر قتل النفس بالحق على أن يكون بيد ولي الأمر أو نائبه في ثلاثة أحوال وردت في الحديث: “لا يحل دم أمرئ مسلم إلا بأحدى ثلاث النفس بالنفس والثبت الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة” وهناك لا بد من ملاحظة أمور وهي: – بالنسبة لقتل النفس بالنفس أعطى الشرع مجالاٍ للعفو فيجوز لأولياء الدم العفو عن القصاص. – بالنسبة للثبت الزاني فمن المعلوم أن الإسلام شدد في إثبات جريمة الزنى حيث اشترط أربعة شهود عدول يفرق بينهم وقت الشهادة وتتفق كلمتهم وهذا من الصعب أن يتحقق هذا إذا لم يكن هناك إقرار أو حمل دون المدة الشرعية. – بالنسبة لعقوبة المرتد ففيها خلاف بين فقهاء المسلمين والذي أميل إليه أن ذلك يرجع إلى تقدير ولي الأمر أو القاضي لمدى خطورة هذا المرتد من عدمها. – من المهم جدا أن نلاحظ أن المقصود بالجماعة في قوله صلى الله عليهى وآله وسلم: “المفارق للجماعة جماعة المسلمين عامة وليست جماعة من الجماعات الإسلامية المعروفة. 19- أوجب الإسلام صلة الرحم على كافة المستويات فكما أن هناك رحماٍ صغرى بين الإنسان وأقاربه اعتبر القرآن قطعها إفساداٍ في الأرض هناك رحماٍ كبرى بين البشرية كلها تحدث عنها القرآن الكريم في الآية الأولى من سورة النساء فقال تعالى: “يِا أِيْهِا النِاسْ اتِقْواú رِبِكْمْ الِذي خِلِقِكْم من نِفúسُ وِاحدِةُ وِخِلِقِ منúهِا زِوúجِهِا وِبِثِ منúهْمِا رجِالاٍ كِثيرٍا وِنسِاء وِاتِقْواú اللهِ الِذي تِسِاءلْونِ به وِالأِرúحِامِ إنِ اللهِ كِانِ عِلِيúكْمú رِقيبٍا” فالبشرية كلها أسرة واحدة يجب أن يحكمها التعايش والتعارف وقبول الآخر هذه حقيقة أكد عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وقوله: “ألا أن ربكم واحد وأن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب” كما قال الله تعالى: “يِا أِيْهِا النِاسْ إنِا خِلِقúنِاكْم من ذِكِرُ وِأْنثِى وِجِعِلúنِاكْمú شْعْوبٍا وِقِبِائلِ لتِعِارِفْوا ” سورة الحجرات آيه 13. إن العدوان على النفس ليس وراءه إلا اضطراب الأمن وسوء أحوال البلاد في كافة المجالات وخصوصا العدوان عليها بالقتل لما يترتب عليه من ترمل النساء وتيتيم الأطفال وخراب البيوت اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا وأجعل الحياة زيادة لنا في كل خير وأجعل الموت راحة لنا من كل شر آمين. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.