مشكلتنا مع القراءة كعرب 
الساعة 04:58 مساءً

قال لي مرة أحد الكُتاب الأفاضل: لا تهدي نسخاً من مؤلفاتك لأحد فلن يقرأ إلا من يشتري ولن يشتري إلا من يريد أن يقرأ .
وأقيس على عبارته لن يقرأ إلا من يهتم بالقراءة واعتاد عليها .
مشكلتنا مع القراءة كعرب أزلية تجذرت منذ صنفت القراءة كرفاهية ، ونحن شعوب لا تعرف الرفاهية؛ مشغولة بالسعي وراء الرزق وإشعال الحروب الأهلية.
ككاتبة على صفحات مواقع التواصل تكتب منشورات قليلة الأسطر مختزلة الفائدة صرت أدرك أن الكثيرين يقرأون كمجاملة لابنة بلدهم ، وتشجيعا لإنتاجها الأدبي أو حبا لطريقتها في الكتابة أو حتى بحثا عن حياة الكاتبة خلف السطور .
قراءة رواية بدافع المجاملة كأول علاقة لك بالكتب هي ضربة قاضية بلا شك !!
تخيل معي أن تفكيرك هو إصدار يوم تخرجك من مقاعد الدراسة وجهاز تفكيرك هذا يحتاج إلى تجديد وتوسعه وصيانة .. القراءة الدائمة تفعل كل هذا .
هي توسعة عقلية وذهنية لتفكيرك؛ تجديد لطريقة طرحك ووعيك؛ كي لا توصف بالقدم والجمود أو حتى الغباء.
مقولة إن البعض كان آخر عهد له مع الكتاب هي علاقته المتأزمة مع المنهج الدراسي ليست مبالغة إطلاقا فهذه حقيقة أثبتتها الأيام ، والاعترافات ولو عن طريق النقاشات.
وإن استجدت إضافات عصرية ككتابات مواقع التواصل؛ لكن حتى هذه الإضافات لدى هذا النوع من الناس محددة بكتابات السطرين كوجبة خفيفة تملأ أشداقه ضحكا في الغالب.
الغالبية من مرتادي هذه المواقع ينفر من الكتابات الطويلة الجادة التي اقتصرت على ذوي الاهتمام بالشأن فقط.
أما عامة الناس فيصرفون عنها عقولهم وشغفهم؛ فكيف سيقرأ هؤلاء كتابا ما ؟!!
هل صار من المخجل أن نطالب شعوباً يسحقها الجهل والفقر والنزاعات السياسية وسوء المعيشة أن تقرأ ؟!!
هذه الشعوب ذاتها التي تفر من واقعها المرير في أوقات فراغها ؛ ربما لإدمان عادات سيئة كتخزين القات أو التحشيش أو تقضي جل وقتها على مواقع التواصل في هدر للوقت بلا فائدة.
سيكون حدث خارق يستحق العجب أن تعود من عملك المرهق وجريك خلف الرزق ؛ لتقرأ كتاباً يحفز عقلك للبحث عن حال أفضل.
لن نتحدث عن دور الثقافة والوعي في تجنيب الشعوب ويلات الحروب ، فنخبة المثقفين لدينا أعطونا مثالاً سيئا يناقض هذه الفكرة؛ فليسوا سوى مشعلي فتن ونزاعات لا تنتهي بكتاباتهم التحريضية بدلا من التوعوية .
ولن نأتي على إحصائيات الدراسات التي تذكر نسبة القراءة لدى العرب بشكل عام فهي صادمة ومحبطة؛ ناهيك عنها عند اليمني بالذات .
فشعب 70% من سكانه يعانون الأمية التعليمية ؛ لا ريب أن ذات النسبة تقريباً من متعلميه يعانون من أمية ثقافية مروعة . 
القراءة ضرورة حياتية كالطعام والشراب فهي تتجاوز غاية المتعة والفائدة إلى أمور أكثر عمقا.
فهي بالإضافة لكونها غذاء العقل منشطة للذاكرة وتحفز على الإبداع والتمي ؛ هي تنشط مركز التفكير وتدفعك إلى طلب المعرفة وتساعدك على تقبل الآراء برحابة صدر بدلا من الانغلاق على نتاجك الذهني في الفهم الذي قد يكون قاصرا .
كما أنها وسيلة فعالة للهروب من الاكتئاب والتوتر الذي يفرضه هذا الوضع الذي نعيشه مع كل فوائدها السابقة من المتعة والفائدة والوعي بكل ما يدور حولنا .
لو كنا شعباً قارئاً مطلعاً لن تنطلي علينا خرافات الملازم ، أو اجتهادات الفتاوى أو تحريضات القتل والدمار واستغلال الجهل في أقبح صورة. 
القراءة عالم سحري مثالي يسمو بروح الفرد والمجتمع لا يدرك عظمة العيش فيه ؛ إلا من يسكنه من عشاق الكتاب على اختلاف انتاجاته.