‏كل هذا السقوط!
الساعة 04:12 مساءً

في لحظة بدت وكأن معركة كسب الرأي العام الدولي خسرناها، وتحول المزاج الشعبي الدولي ضد كل ما هو عربي وليس فقط فلسطينيا. لتظهر الحقائق الجديدة في وحشية الحرب على غزة وتعيد المزاج الشعبي الدولي إلى وضعه السليم أو تعديله إيجابيًا ولو بشكل جزئي على الأقل، بعد هزة عنيفة أصابت مستوى وعى قيادات ونخب غربية عديدة. 
فالعقل الغربي الرسمي لا يحتمل هزيمة لإسرائيل، ناهيك عن كونها هزيمة مذلة للجيش الذى يسوق صهيونيا بأنه سيحمى الأنظمة العربية كلها، في حالة تسييده على المنطقة!. وعمت سخرية واسعة من وهم التفوق ذاك. وستبقى الهزيمة السياسية أقسى من أي خسائر عسكرية لإسرائيل، لهذا سيحرصون على إلحاق هزيمة سياسية أكثر من أي انتصار عسكري. 
فحرب الإبادة على غزة يقصد بها تصفية القضية الفلسطينية وليس فقط حماس، والدفع نحو التهجير الجماعي خطة مسبقة يريدون تنفيذها الآن مدعومين بأكبر دعم سياسي من أمريكا وأوروبا.
وما يزيد من وطأة الهزيمة العامة وجنون إسرائيل انهيار قناعة أن القضية الفلسطينية ماتت في وجدان الناس، وأن جيل ما بعد أوسلو ليس كجيل النكسة، وأن آخر فخر يمكنك أن تذكره من انتصارات عربية هو نصر السادس من أكتوبر 1973، حتى جاءت ذكرى هذا النصر بعد خمسين عاما تقول إن الشعوب الحية لا تفقد الذاكرة، والزهايمر الذى يصيب السياسيين ليس وباء يمكن نشره بين الناس. 
لذا فإن أبرز المفارقات التي تصيب العقل الإسرائيلي الأمريكي بالهلع، هي أن كل القادة والمقاومين على الأرض هم من جيل الانتفاضة، لا من جيل النكسة!، وأن السقوط الذى توقع معظم المراقبين حدوثه لهذه الأمة، صار سقوطا عكسيا لحضور الكيان الإسرائيلي وتنامى عدم القبول به.
فكيف يتوارث الناس الوجع، وهل سيُثبت علم الوراثة أن جينات الوطن جزء من تكوين البشر؟ أم أن هذه خصوصية أجيال الانتفاضة التي تتجدد كل عقد من الزمن بصورة أكثر وضوحا؟ ذاك سؤال للتاريخ وليس لنا، أما ما هو لنا فمتابعة هذا الواقع المتجدد وكيف أن البيت الأبيض الذى يريد نصراً مزدوجاً فدفع بجيشه ليكون مع إسرائيل في اجتياح غزة، ودفع بجماهير الشارع الأمريكي لإعادة انتخاب بايدن.
ويبدو الرهان مستمرا، فالبيت الأبيض يعتبر الأمر قضيته الأولى، وتظهر إسرائيل ليس كحليف استراتيجي لأمريكا فحسب، بل وأكثر من كونها الولاية الحادية والخمسين، إلى ظهورها بأنها حاملة طائرات عسكرية أمريكية ثابتة في الشرق الأوسط لا أكثر. ولذا جاء حضور بايدن جوار نيتانياهو الأربعاء الماضي كعضو في حكومة اليمين الإسرائيلي لا كرئيس أكبر دولة في العالم. 
ويزداد سوء حظ بايدن لينكشف أكثر، بأنه يصل المنطقة مع حدوث أبشع جرائم الحرب، في قصف إسرائيل المستشفى الأهلي المعمدانى بغزة، وادار بايدن الكاثوليكى الملتزم خده لمجزرة المستشفى المعمدانى الذى يعمل مُنذ عام 1882 أي قبل 66 عاما لوجود مسمى إسرائيل، ويحاول تبرئة إسرائيل من فعلتها، ويمضى يطلب من قادة المنطقة استقباله الذى يحول دون إتمام مراسيمه جثامين آلاف الضحايا الذين قتلتهم إسرائيل في غضون أيام بغزة، فيلغى العرب برنامجهم معه قبل وصوله إلى الشرق الأوسط بساعات.
فكيف سيتخطى الرجل العجوز المنهك كل أكياس القتلى تلك ببرود؟، ويذهب ليشرب القهوة العربية في خيمة على شط البحر الميت مثلا وقد استيقظ كل الموتى الآن وليس فقط الأحياء، كيف؟. لذا أُلغيت القمة الرباعية بينه ورؤساء مصر والأردن وفلسطين، وبقى بايدن حيث أراد أن يكون، وحيداً مع أسوأ حكومة إسرائيلية في تاريخ الكيان، يتابع إحصاء الضحايا في غزة، وفق معادلة راسخة لدى فريقه تقول إن رفع عدد القتل اليومي في صفوف الفلسطينيين، يرفع أسهم الرجل المنهك في الانتخابات المقبلة، ويسرع الفريق المشتت في إكمال رسم شكل خريطة شتات جديدة للشرق الأوسط الجديد!. 
وينسى الكل أن هناك أمرين واضحين على الأقل أظهرتهما الأيام. 
الأول: الواقع يثبت أن قضايا الشعوب لا تموت، وأن قضية فلسطين في قلب هذه الأمة من المحيط إلى الخليج مهما تكن ظروف دولها. 
والثاني: أن عنصرية وحماقة حكومة الكيان الإسرائيلي لا تصنع غير خراب لن يتوقف سقوطه إلا في البيت الأبيض نفسه، فالحماقة كما العنصرية أعيت من يداويها وقد اجتمعت كلتاهما في أبشع صورهما الآن.