الرئيسية - دنيا الإعلام - اليمن وشعرة معاوية
اليمن وشعرة معاوية
الساعة 12:00 صباحاً البديل خاصبقلم أبو فؤاد الشعيبي

ما يعانيه نظام صنعاء اليوم لا يمكن وصفه بأي حال من الأحوال بسحابة صيف عابرة أو أزمة سياسية عادية. الحركة الحوثية في الشمال ما زالت تطل برأسها بين الحين والآخر عبر عمليات هجومية متنوعة لتذكر بوجودها. وفي الجنوب بلغ الشارع حداً من الغليان والاحتقان صار من الخطر استمرار تجاهله أو التعامل معه بقوة السلاح.  بالإضافة إلى ذلك تتوالى مشاكل الفساد الاداري والمالي والذي أصاب مرافق الدولة بالشلل وخلق جواً من التوتر والسخط المكتوم بين ابناء الشعب والذي تمكن ابناء الجنوب بترجمته عالياً مع مطالبتهم باستعادة دولتهم.

وخطورة الوضع لا تعني ابداً استحالة معالجته، فكل شيء ممكن بالإرادة والحوار الجاد ولكن هذا لا يتأتيان إذا لم تقدم المصلحة الوطنية على المصالح الشخصية وسيناريوهات التوريث. وبدل ان يكون الوطن شعباً وأرضاً كممتلكات خاصة لبعض من اعتبره غنيمة لهم حرية التصرف بها، على  هؤلاء أن يصبحوا في خدمة الوطن وابنائه بموجب الثقة التي أوكلت اليهم والأمانة التي حملوها.

وأول خطوات الحل هو الاعتراف بالاوضاع الموجودة ومسبباتها وخطورتها بدلاً من المكابرة والتجاهل والدوران حول القضية. فعندما تندلع المشاكل في الجنوب كثيرا ما تتردد على أسماعنا العديد من العبارات المعلبة والمعدة سلفا ك "تدخلات خارجية"، "مؤامرة على وحدة الوطن"، "قوى امبريالية"، وغيرها. فإن افترضنا جدلاً صحة ما تتناوله تلك الشعارات، فمن الذي جعل جنوب اليمن أرضاً خصبة لكل هذا؟ هل هي المؤامرات التي همشت ابناء الجنوب واقصتهم مدنيا وعسكريا وسياسيا واجتماعيا؟ إن كان الجواب بنعم فلسان الحال سيضيف بأن تلك المؤامرات هي من صنع الداخل اذاً. هل تلك "التدخلات الخارجية" هي التي تسلمت الجنوب وتعاملت معه كفيد وغنيمة حرب وكانت سياسة المنتصر والمهزوم هي خطها التي لم تحد عنه في التعامل مع الجنوب شعبا وأرضا.

ان وقود الحراك الاول هو معاناة الجنوبيين انفسهم واحساسهم بالظلم والقهر والغبن. فمنذ عام  94م واليمن جنوبه وشماله بيد سلطة واحدة، فما الذي فعلته لتجعل الطرف الآخر يظل على تمسكه بتلك الوحدة التي بذل من اجلها الغالي والنفيس. فعوضاً عن إدراك السلطة لخصوصية الشارع الجنوبي الذي  تنازل عن سيادته من أجل الوحدة على شرط الشراكة والمواطنة المتساوية، ولدت، وبسبب سياساتها التي جانبت الحنكة والحكمة، الإحساس بأن الوحدة لم تكن الا فخاً وشركاً للإيقاع بالجنوب والاستيلاء على مقدراته.

كان الحري بالنظام أن يتفهم وضع الجنوب السياسي والاجتماعي والمدني قبيل الوحدة ويتعامل معه على هذا الاساس. كان عليه أن يحتويه ويجعله شريكاً اساسيا فعالاً في ادارة شؤون الوطن وابنائه. ولكن ولتغليب المصلحة الأسرية أو الشخصية في الرؤى والسياسات، تم استغلال حرب 94م لإخراج الجنوب تماماً من المعادلة السياسة. وعندما بدأ الشارع الجنوبي يتململ بصوت عالي لم يكن من النظام الا اتباع اسلوب التجاهل في اول الأمر ومن ثم القمع عندما أشتدت الأوضاع حدة.

واستمر الجهاز الإعلامي الرسمي في خطاباته المعدة للاستهلاك المحلي والتي ركزت على ماضي الحزب الاشتراكي في الجنوب من خلال التطرق لبعض الأحداث الدامية التي عاصرت حكمه. ولو تأملنا في هذه الوسيلة لوجدناها نوع من أنواع الإفلاس السياسي. فمهما كان ماضي الحزب الاشتراكي فهو وكما يوضح المصطلح نفسه ماض وانقضي لنظام ساد العديد من بقاع العالم واندثر منذ ما يقارب العقدين من الزمن. هذا من جهة ومن جهة أخرى، فهذا هو نفس النظام الذي مدت اليه سلطة صنعاء يدها وحققت معه الوحدة. وهو نفس النظام الذي تنازل بسيادته ودولته من أجل تحقيق الوحدة أيضاً. فلماذا هذه الإزدواجية في التعامل مع ماضي الحزب الاشتراكي؟

ومن ناحية أخرى، فإن التذكير بماضي الحزب الاشتراكي في الجنوب بدل معالجة الأوضاع الحالية، له تفسيرين آخرين. فهو يبدو كتبرير لممارسات السلطة الحالية واعتراف ضمني منها بمسؤوليتها المباشرة عن ما يجري في الشارع اليوم. وهو أيضاً يدل على عقم سياسي واضح، وكأن الجنوب غير قادر على صياغة مستقبل افضل مشبع بالدروس من اخطاء الأمس ومعاناة اليوم.

كما يبدو أيضاً ان من بيدهم مقاليد الأمور قد تناسوا أن من وسائل العلاج أيضاً استخدام الوسائل العصرية الملائمة ومعرفة طرق التعامل بحسب لغة العصر الذي نعيش فيه. ففي عصر التكنولوجيا والديموقراطية لم يعد مجديا تفضيل لغة العنف. فالعنف لا يولد الا عنفاً وهكذا دواليك. كما أن الاساليب القمعية تهيج الشارع والرأي العام. فمنطق تعميد الوحدة بالدم لم يعد مجديا، بل أنه قد يجر بالبلاد الى هاوية حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس. فالحراك في بدايته لم يكن بهذه القوة والكثافة، ولكن فشل النظام في احتوائه بل أن تعنتها وعنفها في التعامل معه هي من زاد النار اضطراماً بدلاً من اخمادها.

وهذا لا يبرر الاتهامات التي الصقت خطأ بالوحدة. فلا يجب لوم الوحدة كمبدأ ولكن تطبيقها هو الخطأ فنحن هنا نقع في خطأ معهود مثل الذي يصف الإسلام بالسوء بسبب تصرفات بعض المنتمين للأسلام وهم بعيدون عن تطبيق مبادئه الحقه. فعلينا أن لا نخلط الأوراق. الوحدة بريئة مما ينسب اليها، فهي مبدأ سامٍ وراقٍ ونبيل. ولكن للوحدة مقومات وأسس حتى يتم بنائها بالشكل الصحيح والسليم، وهي أيضاً لا تفرض ولا تتم بالقهر والإكراه ولا يتم استغلالها لنشر الظلم والفساد. وفي مجمل القول فأن الجنوب يخضع لإرادة شعبه وهم من يقررون مصيرهم وهم قادرون على ذلك بحصيلة التجارب والخبرات التي في رصيده.

وعليه نأمل من الجميع محاولة الوقوف موقف الحياد في النظر إلى الأمور والبعد عن العواطف. فهذا مصير أمة بأكملها ويجب التثبت من الخطوات المستقبلية قبل الرمي بالعديدين في جحيم آتون مستعرة وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال الحياد أو التراجع او الرضا بالظلم ولكن التفكير السليم العميق بالخطوات وبآثارها القريبة والبعيدة. ويتوجب علينا من منطلق الأمانة والمسؤولية عدم الاكتفاء بالنظر الى الأمور بضحالة وسطحية بل الغوص في اعماقها لسبر أغوارها ومحاولة استقراء ما بين سطورها. كما أنه من الضروري التجرد من كافة الأحكام المسبقة في تناول هذه القضايا الهامة والمؤثرة. كما أنه من البديهي  أن الفيصل في تحديد مصير الشعب الجنوبي هي الإرادة الجنوبية، ولكن هذا لا يعني أغفال أن الجنوب جزء من عالم اكبر وأوسع وأن المنطقة التي يقع في اطارها مرتبطة ببعضها وتخضع للعديد من العوامل الإقليمية والدولية.

التشبث برأي واحد في عالم المتغيرات أمر قد يجانب الحكمة. فالحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها التقطها. والمرونة في المبدأ لا تعني المساس بالمباديء والقيم والثوابت. فعبارة الاستقلال او الموت او الوحدة أو الموت كلها تجانب العقل والصواب. والرأي هو ترك باب الخيارات مفتوحة بما يتلائم والأفضل للشعب ومستقبله. ومادام الديموقراطية هي الحكم في الموضوع فإن رأي الشعب هو الذي سيحدد إن كان ما زال راغباً في الوحدة أم إن استعادة دولته هي خطوته الأولى لتحديد مستقبله. ارادة الشعوب يجب ان تحترم وهي التي ستنتصر في آخر الأمر مهما كانت الأحوال والظروف والعبرة بالخواتيم ولا يضيع حق وراءه مطالب.