الرئيسية - فنون - عاش معطاء◌ٍ دفاقا◌ٍ يغذي المشاعر بحب الوطن ومناقب الأجداد
عاش معطاء◌ٍ دفاقا◌ٍ يغذي المشاعر بحب الوطن ومناقب الأجداد
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

بقلم أ/ راشد محمد ثابت – ناقش بأغانيه مختلف القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وبأساليب مختلفة ومتنوعة ظل يشحذ العزائم والهمم للكفاح ضد المستعمر البغيض والإمامة الكهنوتية كان شامخاٍ بمواقفه الوطنية التي لا تنحني مهما كانت العواصف والاغراءات ألحان المرشد مجنونة بتراب الوطن وهموم الناس وممزوجة بكل الفنون اليمنية الأصيلة الاستخبارات البريطانية تفرض الحصار عليه وتمنع حفلاته وتمنعه من السفر للخارج كان يعتصر طرباٍ ليخرج لنا تلك الالحان الشجية والروائع الرفيعة

تغمرني السعادة وأنا أتحدث عن الفنان الكبير محمد مرشد ناجي هذا الفنان الذي غنى للحب والجمال وأطرب الانسان اليمني بأروع الالحان التي تغنت بجمال الطبيعة قبل جمال البشر وهو الفنان الذي كان يتغزل بروائع الطبيعة الآسرة ويعب من مناهل الجمال الزاخر وموارده ليروي به ظمأ القلوب المتعطشة للحب واللواعج الملتهبة بالعواطف السامية لأن الألحان كانت تعبر عن روائع الجمال وتتغذى من صنوف مباهجه كان الفنان الكبير يعد هذا الجمال مصدر وحي والهام قل أن يكون متعة حسية يعبث بسرائر الوجدان ووهج العواطف والاشواق. > ونحن في رحاب الحديث عن هذا الفنان العملاق لا بد وأن نعرج إلى بعض الجوانب الحياتية للفنان الكبير محمد مرشد ناجي لكي نتيح لوعي المستمع أو القارئ فرصة استجلاء جذور التجربة الابداعية في الغناء والطرب لهذا الفنان الكبير وذلك بالعودة إلى جذوره الاسرية التي انحدر منها وإلى البيئة الاجتماعية التي ولد فيها وترعرع في محيطها فالفنان الكبير ينتسب والده إلى قبيلة الشويفة التي تجاورها من الاتجاه الغربي قبائل الاعروق والاغابرة والاعبوس ومن الجنوب والجنوب الشرقي قبائل القبيطة والصبيحة لحج والحواشب لحج ومن الشمال الغربي قبائل الصلو وقدس وبدو سامع خدير وينحدر والده من أسرة فلاحية تقطن في عزلة سلاعف المحاذية لعزلة الهجر هدلان وهي منطقة منقسمة بين قبيلتي الشويفة والقبيطة. > هذه البيئة الاجتماعية التي ينحذر منها الفنان الكبير محمد مرشد ناجي هي التي منحته عناصر الاصالة في الإبداع الغنائي الفني وزودته بروعة الأداء والتكامل الابداعي لألوان الغناء اليمني زد على ذلك أنه ابن المدينة عدن التي ولد فيها وتربى وترعرع في أحيائها بمدينة الشيخ عثمان التي تحتوي على مكون اجتماعي تنحدر اصوله من مختلف مناطق اليمن وهو المكون الذي انثالت منه عبقرية الإبداع الفني في الغناء اليمني الذي امتاز به الفنان محمد مرشد ناجي عن أقرانه من الفنانين المبدعين في الغناء اليمني القديم والحديث. تجربة فنية ودلالات اجتماعية وقد حملت التجربة الفنية للفنان المرشدي الكثير من الدلالات الاجتماعية التي واكبت رحلة العمر منذ أن بدأ مشواره الفني وهي الدلالات التي ارتبطت بنمط الحياة التي عاشها مع أسرته في مدينة عدن وتنقله بين المدينة ومسقط رأس والده التي عززت من ارتباطه بالأرض وعرق المزارع ومواسم الحراثة والحصاد حتى تفتق وعيه على تجربة ذاتية أطل منها على مآسي الأوضاع التي كان يعيشها الشعب اليمني في الجنوب والشمال في ظل الاحتلال الاستعماري الغاشم والحكم الامامي الكهنوتي المباد وكانت المشاهد الحياتية لتجربة الفنان مقيدة إلى مآسي الفقر والجهل والمرضى وما يعانيه شعبه من ويلات هذا الثالوث المدمر والمميت. > وكانت الرحلة الحياتية للفنان الكبير مليئة بالمشاركة الفعالة في دورة الكفاح ضد هذه الأمراض المزمنة قدم خلالها من الابداع الفني ما يشكل التفاتة عنيفة إلى واقع الحياة في وطنه وإلى وسائل الصراع مع هذا الواقع الذي يراد له أن يتغير نحو الأحسن والأفضل. الوحدة الوطنية > وإذا ما اراد الإنسان أن يتعرف على ما يشد اهتمام المرشدي في أي وقت من أوقات عمره عند اختياره للكلمات أو الألحان سيجد الجوانب من داخل الاعمال الفنية التي قدمها المرشدي وهي أن قضيته الاساسية كانت قضية الوطن اليمني بكل ما فيه من أجزاء ومناطق واسعة تمتد بامتداد اطرافه البحرية شرقا وغربا هذه القضية التي حملت في طياتها مشوار الكفاح من أجل تحرير الأرض وخلاصها من دنس الاستعمار والرجعية دون أن يفرق بين منطقة وأخرى وكانت الوحدة الوطنية وبناء المستقبل الزاهر للشعب اليمني من أول أهدافه التي يستمدها من أهداف الفعاليات الوطنية الفاعلة في الميدان دون أن يكون منتميا إلى أي طرف من أطرافها بل كان التزامه يذهب مع المسائل الاجتماعية وقضايا الاصلاح في بنية المجتمع وجوانب الحياة العامة يعبر في انتاجه الفني عن المعاناة والهموم التي يعيشها الفقراء والمظلومن في أرجاء الوطن كما عبر عنها في اغانيه الكثيرة ومنها أغنيته الرائعة للشاعر الكبير الدكتور سعيد الشيباني «يا نجم يا سامر»: هجرتني والقلب غير سالي كل السبب عساكر الحلالي بكر من التربة غبش يلالي بيده سبيل بجيبه أمر عالي إلى أن يقول: ربي استمع يا هادي كل حائر دعا الرعية شوقها لماطر يسقي الجراب يسلي الخواطر يطهر القرية من العساكر

المجد والحرية بأعماله الرائدة وكان المعروف عن المرشدي الفنان وهو يشدو بأغانيه الوطنية أنه من طلاب المجد والحرية والعزة في الحياة لكل أبناء الشعب اليمني يلتزم بقيم الكفاح ضد المستعمر الغاشم كاستجابة طبيعية للقيم الراسخة في وعيه وضميره المتفاعلان دائما مع وقائع الكفاح الشعبي ونشاط الحركة الوطنية الصادقة وقد تفاعل بانتاجه الفني مع كل الوقائع والاحداث الثورية التي صنعها الشعب اليمني وعبر عن تفاعله هذا في الكثير من الاناشيد الحماسية والاغاني الوطنية وكان باحساسه المرهف يبدع حيث ما طاب له الابداع. شعبي ثار اليوم جدد ما غبر لا ينال المجد إلا من صبر ياخي في ثورتك حريتك فيها عهد الحق يحمي عزتك ومضى الطغيان بعدك في صقر إلى أن يؤكد صارخا: ثورة الحق على الظلم صواب دفنت كل المآسي في التراب أن عهد الظلم قد ولى وغاب وأنبرى «السلال» من فوق السحاب يسكب الخيرات للشعب مطر > كانت الطاقات الشعبية الزاخرة بإرادة المقاومة والكفاح ضد الظلم الامامي والقهر الاستعماري تتوهج بروح الثورة وتتوثب بعزيمة الفداء عندما تستمع إلى صوت الفنان المرشدي وهو ينداح بالاناشيد الحماسية والأغاني الوطنية التي يدوي بها المذياع على أرجاء الوطن اليمني. حين كانت هذه الاغاني بألحانها الممتعة تلامس الاسماع المشنفة وتلهب المشاعر المتلهفة للمستمعين من أبناء الوطن وهم يتسابقون للتحليق حول المذياع الذي ينقل الألحان الممتعة والكلمات المعبرة حين يصدح من كلمات الشاعر الكبير الدكتور سعيد الشيباني:ـ صوت المذيع بكر يدق بابي مثل الصباح اعاد لي شبابي يعلن على الدنيا على الروابي شرع السماء وحكمنا النيابي أنا فدا شعبي بكر ينادي من الظلام والقيد حرر بلادي > كانت ألحانه الحماسية تعانق الاسماع وتلهب الحماس في وعي كل من يستمع أو يتابع هذه الألحان الحماسية والمعبرة عن أماني وطموحات الشعب الذي هب للدفاع عن ثورته السبتمبرية التي حط عليها الآمال في تحقيق حياة التقدم والازدهار: هنا صنعاء من فم كل ثاير ومن روح القبائل والعشاير هنا ذهبت جدودي لتصنع لي وجودي وتحفظ لي خلودي وتكتب بالدماء خير المصاير إلى آخر هذه الرائعة الثورية من كلمات الاستاذ عبدالله هادي سبيت. > ظل صوت المرشدي يصدح بالانغام التي يرتعش لها الوجدان وتعتز لها الروابي والاصقاع وتتراقص على ايقاعها مشاعر العشاق والنوارس التي تستحم بدفء الشواطئ على بحر صيرة وامتداده الواسع على بحار أبين والغدير والشواطئ الذهبية الخلابة الملتفة على خليج عدن الواسع الذي يجتذب الناس للراحة والاستمتاع مع الارتياد السياحي المشبوب بحرارة العشاق الملتاعين ودفء الاحضان العابقة. كبر المرشدي وكبرت الحانه > كبر المرشدي وكبرت ألحانه الممتعة والشجية وتحول عمره إلى نسيج يغزل منه وشاحا على صدر الوطن يقدم الأناشيد الحماسية التي تشحذ العزائم وتفجر كوامن الكفاح ضد الاستعمار البريطاني والحكم الامامي الكهنوتي العفن ظل بثقافته وفنه يشد ازر المناضلين في كل مرحلة من مراحل الثورة الظافرة شامخا بمواقفه التي لا تنحني أمام العواصف والاغراءات واستمر معطاء دافقا يغذي المشاعر الوطنية بغذاء حب الوطن والاعتزاز بمناقب الاجداد في العزة والحرية والاستقلال وهو يصرخ متألماٍ بكلمات الشاعر الكبير لطفي جعفر أمان: أنا لطخة العار في موطني إذا انهار عرضي ولم أصرخ بحق الوطن بهذا القسم أخي قد نذرت الكفاح العنيد لهذا الوطن إلى أن أرى أصدقائي العبيد وهم طلقاء يقولون ما مات حتى انتقم > إلى معاني الأمجاد في أغنيته الوطنية اللاهبة «يا بلادي»: وهي للطفي أمان ايضاٍ:ـ يا بلادي.. ياثرى جدي وابني وأبي يا رحيبا من وجودي .. لوجود أرحب يا كنوزا لا تساويها كنوز الذهب اقفزي من ذروة الطود لأعلى الشهب اقفزي فالمجد ما دان لمن لم يثب يا بلادي كلما أبصرت شمسان الأبي شاهقا في كبرياء حرة لم تغلب صحت: يا للمجد في أسمى معاني الرتب يا لصنعاء انتفاضات صدى في يثرب يا بلادي .. يا بلادي يا بلاد العرب يواكب كل المتغيرات > والمتتبع والمدقق في الألحان الوطنية والحماسية للمرشدي وفي اختياره للكلمات الملحنة يتحدد له الموقف الوطني للفنان الذي يواكب المتغيرات ويرتبط برباط لا ينفصم مع هموم ومعاناة شعبه يحث السير نحو بناء الملامح الجديدة للوطن يقتفي الخطى المثابرة بالسير نحو الأمل الواعد بالغد الأفضل ويرفض البقاء باكياٍ على أطلال الجهل والتخلف المريع.. وتجلى هذا الموقف عندما غنى المرشدي للحب وغنى للحقل والمزارع وغنى للإنسان المقهور والمهاجر وغنى لحرمان الحبيب وحرمان البعاد والبين وبشر بالأمل حين غنى للثورة والوحدة الوطنية ودعا بالعودة من الاغتراب ونادى بكسر القيود وانتزاع الحرية والاستقلال من بين براثن الحكم الاستعماري الدخيل وتفرد بإبراز معاني الارتباط بالأرض والوطن حين غنى للخضرة والزرع والجهيش وخاطب الطير الذي يمخر عباب السحاب ويستحث المهاجر على العودة إلى تراب الوطن وجباله غنى للمطر والغيث والنور والماء والإنسان وهي عناصر الخلق والاخصاب التي تعيد الحياة إلى التربة باخضراها والأرض اليابسة بتجديد ثمارها هذه الأرض التي تغني كثيراٍ بجمال طبيعتها وبملامحها المرسومة على الجبال والوهاد ومروج الخضرة التي تكتسي بها السهول والمدرجات والشعاب الخضراء في بطون الجبال. الحان معجونة بتراب الوطن وقد أكد الفنان المرشد في ألحانه الجميلة والكلمات المختارة بدقة الفنان المبدع أكد حقيقة أن هذه الأرض هي مهاد الحضانة والعطاء والاخضرار وهي الأرض التي أنجبت الفنان الإنسان والموقف الذي نعبر عنه في هذه المناسبة عن عميق حبنا وإعجابنا الذي لا يفتر بالحانه الجميلة والممتعة وأغانيه التي تطربنا.. وتطرب كل من يستمع إليها عبر المذياع أو في أحضان المقيل أو في مباهج الحفلات والأعراس أنها الألحان والأغاني النافحة بالحب والعواطف الغزيرة التي ترفع من حرارة المشاعر المفعمة بالحب والحنين وتلهب الوجدان المتوهجة بالسرائر والأفراح تتموسق الحان المرشدي المعجونة بتراب الوطن والممزوجة بكل ألوان الفن اليمني تتموسق بأنغام العود والناي والقانون والكمان والإيقاعات المتنوعة بتنوع روائح البخور والحنا والعطور النسائية المتميزة مع بريق الخضاب المنمنم على الأكف والأقدام الساحرة.. هذا هو المرشدي الفنان المبدع.. وهكذا تجلت ألحانه بالأنغام الممتعة التي تلهب الوجدان وتشب سعير الحب في أعشاش العذارى اللائي يذبن على حرارة الأنغام الشجية التي يشدو بها صوت الفنان الأسمر والتي تتحول إلى غذاء للروح والوجدان لدى كل هائم مترع بلذة الألحان والنغمات المنسابة إلى سرائر العاطفة والتي تفتق المشاعر وهي فياضة بالحنين إلى الوصال الآمن والسعادة الغامرة بالحب والأمل وفي الكلمات المختارة التي يشبه فيها بالحبيب بغصن البان ويخاطب المحبوب واللواعج مشتعلة بالغرام حين يشدو من كلمات الراحل الكبير عبدالله هادي سبيت: يا غصن من بان يامن قلبي معاكم أسير قد صار فيكم مولع مغرم وشاعر خطير ما عاد عنده استطاعه يصبر ولو حتى ساعة يا غصن من بان أبات ليلي معاني في ذا الهوى مستهام الله شاهد بأني ما ذقت طعم المنام يا ذي جرح بالسهد عيني الله بينك وبيني وهكذا تتدفق الحان المرشدي بالمعاني التي تصور الحبيب وهو هائم يسبح بين أمواج البايعين للصبر يبحث عن الوفاء المعلق على أهداب الخيانة عندما يترنم من كلمات الاستاذ احمد الجابري:ـ يا بايعين الصبر يا عاشقين أنا باشتري من كم يا عاشقين باعو الوفا والود خانوا العهد ما وفو إلى أن يقول: عهد المودة انتهى ما عاد ينفع صديق راحو الحبايب وغابوا كل من في طريق رمو بقلبي على نار ما عاد ينفع تذكار فينا وهذا الأنين يا عاشقين ثم يشدنا حذق الفنان إلى معاني الكلمات التي لبست أحلى ألحانه وأطربها والتي يصور فيها مباهج العاشق في ليلة تتراقص فيها الأضواء في ثوبها القشيب عندما التقى الحبيب بمحبوبه والجوانح لا تكف عن الوجيب: هي وقفة لي لست أنسى ذكرها أنا والحبيب لما التقينا غمرته وهو الذي لنداء قلبي يستجيب بعواطفي المتكبرة ومشاعري المتفجرة وشرود وجداني الكئيب.. الخ هذه الرائعة التي كتب كلماتها الشاعر الكبير محمد سعيد جرادة. الحب والوطنية عند المرشد وإذا ما أمعنا النظر ودققنا في مضمون الأغاني الوطنية والأناشيد الحماسية التي انتجها الفنان وتغني بها في حياته الفنية تجبرنا على الاقتناع بأننا أمام فنان التزم في فنه مسألتين أساسيتين هما الحب والوطنية وأمام شخصية مبدعة التزمت جانب الشعب والوطن بعد أن > عانى المرشدي الأمرين من اضطهاد الاستعمار الانجليزي والرجعية الإمامية.. فقد عايش معاناة والده الذي ترك مسقط رأسه مشياٍ على الأقدام لمسافة تقدم “120” كم وهي المسافة التي تربط بين أطراف قريته في محيط مدينة الراهدة في الشمال ومدينة عدن الساحلية وكانت هذه المغادرة هربا من الاضطهاد الأمامي وتعسف نظامه المباد وفضل والد المرشدي حياة الاحتماء والعيش في مدينة عدن يكد ويكدح من أجل أن يعيش حياة ميسورة مع أسرته الكريمة التي أنجبت الفنان الكبير محمد مرشد ناجي .