الرئيسية - سياحة وتراث - إسطنبول مدينة الجمال والحضارات العريقة
إسطنبول مدينة الجمال والحضارات العريقة
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

استطلاع وتصوير/ عبدالباسط النوعة –

بعد عام من الفراق يتجدد اللقاء مع فاتنة الشرق والغرب وحاملة حضارتيهما لعصور من الزمن إسطنبول مدينة تلتقي فيها العصور ويمتزج خلالها التاريخ على اختلاف أحداثه دول انطلقت منها وسادت الأرض ومنها أيضاٍ تشكلت أنماط متباينة من الحضارات توجتها الحضارة الإسلامية التي ساهمت وبشكل كبير على إضفاء ملامحها المتميزة والفريدة طوال عقود طويلة من الزمن أبان حكم الإمبراطورية العثمانية التي بسطت نفوذها إلى الكثير من بقاع العالم بعد انتهاء الخلافة العباسية وكانت وحدها إسطنبول مسرحا لعمليات الخلافة العثمانية وهاهي إسطنبول اليوم تزخر بالكثير من المآثر القديمة لحضارات متعددة, كما أكسبها موقعها بعداٍ فريداٍ جعلها بحق ملتقى حضارات الشرق والغرب تعانقت فيها مآذن المساجد وأجراس الكنائس وفنون البيزنطيين وعظمة حضارة المسلمين , جميلة وبديعة هي تلك المعالم القديمة التي تنتشر هنا وهناك وحيث ما تجولت في هذه المدينة العجيبة مساجد كثيرة بأنماط معمارية غاية في الإبداع ونقوش بأوصاف وألوان منسجمة , وبقايا حصون وأسوار عتيقة وقصور تصافح الماء على ضفاف الفسفور وأخرى تلامس الطبيعة الخلابة التي أودعها الله عز وجل لهذه المدينة .

المآثر القديمة في القسم الأوروبي في كل زيارة إلى إسطنبول نحاكي مزيداٍ من مقومات عظمتها التي تنبع من عوامل ثلاثة (التاريخ – الطبيعة – الحداثة) جميلة هي تلك اللحظات التي نمعن فيها النظر صوب المضيق الذي يشطر المدينة إلى قسمين احدهما يتبع جغرافيا آسيا والآخر أوروبا ومع أن القسم الآسيوي أقرب إلى الشرق الإسلامي وبالتالي من المفترض جدلاٍ أن يكون حاضنا للمآثر الحضارية أكثر من القسم الأوروبي ولكن العكس هو الصحيح فمعظم المآثر الحضارية إسلامية كانت أو بيزنطينية أو غربية موجودة في القسم الأوروبي بينما يغلب على القسم الآسيوي الحداثة وملامح القرن الحالي , شاهدنا في إسطنبول خلال هذه الزيارة التي نظمتها الخطوط الجوية التركية مساجد عدة يتم نبش غبار الزمن من عليها من خلال إعادة ترميمها , أعمال متواصلة لبناء جسر جديد يربط بين الشرق والغرب فوق الفسفور وهناك أحاديث عن مشروع لنفق مائي يربط الجانبين من وسط الفسفور , تجولك في شوارع إسطنبول يجعلك أمام رؤى متباينة ومتنوعة تستمدها من التنوع الكبير في المشهد سواء في المباني أو الناس أنفسهم في الشوارع خليط لا يوجد إلا في إسطنبول ولن يتكرر في أي مدينة أخرى قد تقول إنك في مدينة شرقية سرعان ما تناقض نفسك( لا أنا في مدينة غربية) ويستمر الإعجاب والمتعة وكذا الحيرة , قد تكون هناك مدينة مشابهة لإسطنبول في اسبانيا لكنها لا ترتقي إلى عظمة إسطنبول وثرائها الحضاري تلك المنطقة التي كانت تعرف بالأندلس حيث أقام فيها عبدالرحمن الداخل دولته إلا أن الحروب التي قامت عليها ساهمت بشكل كبير في اندثار الكثير من المعالم الإسلامية مع وجود مآثر لا زالت قائمة أبرزها القصور الخضراء والتي أصبحت من أكثر المعالم السياحية في أسبانيا جذبا للسياح, وقد تكون إسطنبول أفضل حالاٍ من شقيقاتها في الأندلس كونها ظلت خاضعة للنفوذ الإسلامي ولهذا ظلت الكثير من المآثر الإسلامية باقية حتى اليوم.

مناشط تدعم السياحة تجولنا برفقة عدد كبير من الصحفيين والصحفيات من مختلف دول العالم في أسواق إسطنبول الشعبية وغيرها والتي تستعد هذه الأيام للمشاركة في مهرجان التسوق السياحي الذي ينظم سنوياٍ في شهر يونيو وتشارك فيه كافة مراكز التسوق في المدينة بل والمدينة بشكل عام والهدف من هذا المهرجان كما يقول المنظمون هدف سياحي بحت جذب المزيد من السياح الأجانب إلى إسطنبول. بديعة هي تلك الأسواق الشعبية القديمة في إسطنبول والتي لازالت تحافظ على تواجدها وحضورها في ظل انتشار الأسواق والمولات الحديثة والضخمة جدا , ولازالت الأسواق القديمة تستهوي الكثير من الأتراك وكذا السياح الأجانب كونها تعرض منتجات شعبية تركية وتميل هذه الأسواق إلى الشرق حيث يخيل لك ومن أول وهلة انك في أسواق عربية خاصة أن اللغة العربية تحضر في هذه الأسواق سواء من أتراك يجيدون العربية أو عرباٍ يعملون فيها لاسيما السوريون وكم أحزننا منظر لبعض الأطفال والنساء من سوريا وأياديهم ممدودة عند هذه السواق بل إن النساء يبرزن بطائقهن ليثبتن أنهن من سوريا أبرز تلك الأسواق (جراند بازار- البازار المصري ) . كان من ضمن برنامج الزيارة مهرجان نظم في المدينة للأكلات الشعبية التركية حرص المنظمون للرحلة مشكورين على أن يمنحونا قسائم من خلالها نستطيع أكل أصناف من تلك الأطعمة وفعلا كانت لذيذة , ويؤكد القائمون على هذا المهرجان أن الغرض منه هو الحفاظ على المأكولات الشعبية التركية والترويج لها في أوساط الجيل الجديد من الشباب حتى تظل حاضرة ولا تلقى طريقها للاندثار . وكما كان الاهتمام منصبا على الأكلات الشعبية كذلك منصب أيضاٍ على الأزياء وفي زيارتنا لأكاديمية إسطنبول للأزياء وجدنا اهتماماٍ في هذا المجال حيث يؤكد القائمون على الأكاديمية أنهم سيعملون على تنظيم مهرجان للأزياء متزامن مع مهرجان التسوق وسيكون لمدة أربعة أيام من 12- 16 يونيو المقبل .

حدائق وواحات خضراء تركيا استطاعت أن تحول إسطنبول إلى تحفة سياحية رائعة استثمرت فيها المقومات الجمالية والحضارية التي حباها الله لهذه المدينة , وما يثير الإعجاب أنه وبالرغم من الازدحام السكاني في هذه المدينة حيث يقدر عدد المتواجدين فيها (25) مليون نسمة منهم (18) مليوناٍ يسكنون المدينة و(7) ملايين يدخلونها يومياٍ ومع ذلك لا يظهر أن هناك ازدحاماٍ سكانياٍ في المدينة كذلك المساحات الخضراء من حدائق وواحات خضراء وأشجار وزهور بأشكال بديعة في الشوارع والحارات حتى المواطنين أنفسهم يهتمون بالأشجار والورود أمام منازلهم وعلى نوافذهم وهو ما يفسر الغزو الجميل لنسمات الرياح العليلة التي تريح الفؤاد وتبهج الصدر خاصة في مثل هذه الأيام من كل عام حيث يميل المناخ إلى الاعتدال والطقس يكون في أفضل حالاته بعد خروجه من موسم البرد القارص والثلوج رغم كونها مدينة تطل على البحر, إلا أنها تشهد تساقطاٍ للثلوج وموسماٍ تشهد فيه المدينة ارتفاع درجة الحرارة وبين هذا وذاك موسم الاعتدال الذي يصادف هذه الأيام . لعل استكشاف المدينة بشكل أفضل يكون من البحر عبر رحلة سياحية بحرية وسط الفوسفور حيث نظم لنا رحلة سياحية رافقنا خلالها عدد من مسئولي الخطوط الجوية التركية الجهة المنظمة للرحلة وكانت رحلة ممتعة إلى درجة الإبهار بكل ماهو موجود على جنبات المضيق من مناظر خلابة وقصور ومنتزهات تداعب البحر ومآذن المساجد وبنايات تعانق السماء , قد يقول البعض أن أفضل مواقع الاستكشاف للمدن تكون من الأعلى قد يكون هذا صحيح باستثناء مدينة إسطنبول الذي يكون استكشافها من الفوسفور أفضل من هذا المضيق الجميل تترآى أمامك مناظر المتعة والدهشة والتأملات العميقة والغوص إلى البعيد سمات ارتسمت على وجوه الزملاء الصحفيين على اختلاف جنسياتهم , تمنينا أن يطول النهار دون انقضاء مع أن نهار إسطنبول طويل ينتهي في الثامنة والنصف ( توقيت تركيا مطابق تماما لتوقيت اليمن ) , بدأ الظلام يرخي سدوله على إسطنبول ومعه خشينا أن تنتهي متعة تلك الرحلة ولكن سرعان ما أدركنا أن هذه المدينة جمالها في الليل لا يقل عنه في النهار فالإضاءات المختلفة والمتوزعة في أنحاء المدينة وعلى جسورها الشهيرة بشكل فني راقي جدا , ويشكر المنظمون على هذه الرحلة إلى إسطنبول بشكل عام وعلى ورحلة الفوسفور على وجه الخصوص