الرئيسية - محليات - الجامع الكبير بجبلة .. شاهد حي على تاريخ الصليحيين
الجامع الكبير بجبلة .. شاهد حي على تاريخ الصليحيين
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

إب / محمد الرعوي –

وتغيب عن الذاكرة حين يغيب .. فهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر اشتهر هذا الجامع بتسميات عديدة “جامع الملكة” أو “جامع السيدة” أو “الجامع الكبير” وغيرها من التسميات وهو بكل تلك التسميات لا يزال شامخاٍ عظيماٍ في وسط مدينة جبلة شاهداٍ على تاريخ الصليحيين وحلم الملكة في زمن الملوك . فهو محراب للتاريخ وسر الخشوع الذي يمنح المدينة صورتها الجميلة وإرثها الديني ففيها أينما توجهت ترى تجليات التاريخ وعبق التراث وخصوصاٍ في جامع الملكة الذي تناجيك روحانيته لتغوص في فيض من معاني التفكير والتدبر من خلال مقام العلى في محرابه وتراتيل الذكر الساكن في مسبحته حبة من التجلي وألف حبة من الذكر الحكيم . ثمة مقام تسكنه المخطوطات النادرة والجميلة مخطوطات القرآن التي تحكي جهداٍ مبذولاٍ ممن كتبها وصاغتها أنامله الذهبية بماء الذهب ومخطوطات تجسد الفن التشكيلي في أحلى ضروبه ومخطوطات أخرى يسكنها الجمال في خطوطها وعلومها لتحكي صفحات من التاريخ الذي يتوارى خلفها جهابذة الفنون من أرض الملكة .

تاريخ بنائه ونسبته > ينسب تاريخ بناء هذا الجامع الى الملكة السيدة الحرة أروى بنت احمد بن جعفر الصليحي التي تولت تدبير وحكم أمور الدولة الصليحية في اليمن للفترة من 477-537هجرية 1085-1138م عندما انتقلت السيدة أروى الى جبلة عام 480هـ أمرت ببناء هذا الجامع في منتصف القرن الخامس الهجري وقيل أنها أمرت بتحويل دار العز الأول الى هذا الجامع الذي ينسب إليها والجامع لا يزال قائماٍ مشيداٍ محتفظاٍ بنمطه المعماري والزخرفي الذي يشير الى ارتباطه بأنماط العمارة الفاطمية في مصر . موقع الجامع وتخطيطه > يقع الجامع وسط مدينة جبلة وله العديد من المداخل المؤدية إليه حيث تجذبك ملامح الجامع وتفاصيله بدءاٍ بالمدرج وانتهاءٍ بالصومعة ويتم الصعود الى الجامع من إحدى الجهات عبر السلم المسمى بالدرجة الألف بحسب ما يصفها أبناء جبلة حيث كما يقال بنيت في العام 1000هـ وبناها رجل يدعى الألفي أضف الى أن أعداد الأحجار في السلم ألف حجر عندما تحدق عيناك في هذا الجامع ينتابك شعور مفعم بالهيبة لفخامة هذا البنيان العتيق كل ما فيه يجسد حضارة عريقة ويعظم لديك شعور العبادة والابتهال الى الله سبحانه وتعالى عند مدخل الصرح يطالعك باب الرحمة الذي كما يقال أنه أَقدم باب في الجامع يرجع عهده إلى الصليحيين ولا يزال محافظاٍ على سمته ونمطه الذي بني فيه كما هو الحال في المحراب والمقامات والأضرحة والغرف المحيطة به الجامع مستطيل الشكل يتوسطه فناء مكشوف تصل أبعاده حوالي 20*18متراٍ وتحيط به أربعة أروقة لها سقوف مسطحة تحملها عقود مدببة ومسننة . بيت الصلاة > يتكون بيت الصلاة من أربع بائكات تضم تسعة وعشرين عموداٍ وإحدى عشرة دعامة تحمل سقفاٍ يتكون من مصندقات خشبية متميزة بثراء وتنوع زخارفها ونقوشها الملونة والمذهبة والتي لا يزال العديد منها باقياٍ حتى اليوم . المحراب > يقع المحراب في منتصف الجدار الشمالي وهو عبارة عن تجويف في الجدار يعلوه عقد مدبب يرتكز على عمودين مدججين بالزخارف المتنوعة النباتية والهندسية إضافة الى الزخارف المحيطة بالمحارب وتزينه من الداخل في التجويف مجموعة من الزخارف النباتية إضافة الى كتابات بالخط الكوفي ويقع على يمين المحراب منبر خشبي مزخرف ومزود بالنقوش المتنوعة . ضريح الملكة > ضريح الملكة أروى يقع في الركن الشمالي الغربي من الجامع ويعتبر هذا الضريح بحسب العديد من الدراسات من أضرحة القرن السادس الهجري وأهمها أيضاٍ باعتباره ما تبقى من أضرحة ملوك الدولة الرسولية وتغطي الضريح العديد من الزخارف الملونة والكتابات الكوفية . مئذنتا الجامع > يمتاز الجامع بمئذنتين باسقتي الطول إحداهما تقع في الناحية الشرقية من الجهة الجنوبية والأخرى تقع في الناحية الغربية من نفس الجهة أما المئذنة الشرقية المذهلة بشموخها وكبريائها فقد مضى على بنائها حوالي 950عاماٍ ولا تزال عامرة كما بدأت فهي تقع على قاعدة حجرية مربعة ومرتفعة يحيطها ستة عشر ضلعاٍ يزيدها قوة ومتانة وهيبة . رواق القبلة > وهو الرواق الشمالي الذي يمتد من الشرق الى الغرب ويتم الدخول الى هذا الرواق من خمسة مداخل في الجزء الجنوبي يتكون هذا الرواق من أربع بلاطات تحيطها أربعة صفوف من الأعمدة المرتفعة ذات الأشكال المختلفة منها ذو الشكل المثمن وآخر مستطيل الشكل وتغطي هذه الأعمدة تيجان مستطيلة الأشكال وبعضها مربعة يرتكز سقف الرواق ذي المصندقات الخشبية على هذه الأعمدة والتيجان ويعود تاريخ المصندقات الى القرن الخامس الهجري الحادي عشر الميلادي وقد تم تجديد بعض أجزائها عام 1358هـ . الرواق الشرقي > يتكون هذا الرواق أيضاٍ من بلاطتين بواسطة بائكتين يضم كل واحد منهما ثمانية أعمدة ترتكز عليها أعمدة مدببة ومسننة . الرواق الغربي > يتكون هو الآخر من بلاطتين ويوجد في الجهة الجنوبية من الجدار الغربي ردهة تستخدم حالياٍ كمعلامة للتدريس وتحفيظ القرآن . الرواق الجنوبي > يتكون هذا الرواق من بلاطة واحدة ويوجد بجداره الجنوبي مدخلان يتم الوصول من خلالهما الى أماكن الوضوء والطهارة الموجودة في الناحية الجنوبية من الجامع . مكتبة الجامع > تحتل المكتبة جزءاٍ صغيراٍ في إحدى زوايا الجامع لكنها تزدان بالعديد من المخطوطات القرآنية والمخطوطات والعلوم الأخرى التي يصل تاريخ كتابتها لأزمنة غابرة ولا تزال العديد منها بأروع حال وخصوصاٍ تلك التي حاكتها الأنامل بماء الذهب الخالص .. عند ولوجك الى المكتبة يذهلك ذلك الاتقان والإبداع الفريد الذي تميزت به السيدات في عهد الملكة أروى اللاتي سطرن بأيديهن مختلف العلوم الدينية والشرعية بحسب ما تدونه تلك المخطوطات لعدد من أسماء الرجال والنساء الذين كان لهم شرف خطها وكتابتها وهو ما يوحي بإتقانهم آنذاك للعديد من العلوم والشروحات وإتقان الخطوط المختلفة التي تضمنتها الكتب والمخطوطات في المكتبة وذلك لا يزال دليلاٍ حياٍ على براعتهم ومهاراتهم في العديد من الفنون وبأدوات بدائية تعكس مدى صبرهم وتفانيهم في حب المهنة والانجاز .

أعمال الترميم > تجدر الإشارة الى أن الجامع قد شهد العديد من أعمال الترميم في عصور مختلفة كان احدها الترميم الذي نفذه مكتب الأوقاف والإرشاد في المحافظة بإشراف مختصين من الهيئة العامة للآثار خلال الأعوام السابقة.