الرئيسية - الدين والحياة - التغيير سنة كونية.. والإصلاح يبدأ من النفس ثم الأسرة والمجتمع
التغيير سنة كونية.. والإصلاح يبدأ من النفس ثم الأسرة والمجتمع
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

إن صفة الديمومة والبقاء والثبات هي من صفات الله سبحانه وتعالى فهو الباقي الذي لا يزول والثابت الذي لا يتحول وذلك لأن الثبات من مقتضيات ألوهية الله عز وجل كما أن التغيير الذي هو نقيض الثبات من مواصفات العبودية وهذا التغيير بالنسبة للخلق شيء بدهي لا بد للناس أن يتحولوا وأن يتغيروا فلا يبقى شيء ثابت لأن صفة العبد لابد أن تكون على نقيض صفة الرب عز وجل فإذا كانت صفة الرب البقاء والديمومة فلا بد أن تكون صفة العبد الفناء والتغير والزوال لمزيد من التفاصيل حول فقه التغيير قوانينه ومنهجيته التقينا بفضيلة الشيخ الدكتور محمد الوزير الوقشي أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية فإلى التفاصيل:

• في بداية اللقاء نريد من فضيلتكم إطلالة على قول الله عز وجل: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» صدق الله العظيم¿ – هذا النص القرآني مبدأ إلهي عام ولإيضاح معناه نحدده في عدة مفاهيم: الأول: دلت الآية على أن التغيير هو من الله فجاء التعبير: (إن الله لا يغير) بمعنى: الله هو المغير للأوضاع ولكنه لا يغير حتى يبدأ التغيير من الناس فإن أردتم أيها الناس للأوضاع أن تتغير فتغيروا يا عباد الله. الثاني: ومع أن الله هو المغير ولكن الله لا يغير حال الأمة القائم ـــ سواء كان خيرا أو شرا ـــ حتى يتجه الناس إلى القيام بأسباب التغيير والتغيير في ذاته وسيلة وعليه فإما أن يكون التغيير إلى خير أو شر. فالتغيير إلى الأفضل مطلوب شرعا وأما التغيير إلى الأسوأ فليس مطلوبا بل ممنوعا. التغيير إلى الأفضل هو المعروف وإلى الأسوأ هو تغيير إلى منكر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصول الشريعة الإسلامية ودلت عليه نصوص لا تحصى كتابا وسنة منها: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) . وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدري. الثالث: إن كنتم يا من تقرأون الخطاب وتفهمونه تريدون أن يتغير حالكم فلا تنتظروا التغيير من خارجكم فإذا كان الله لا يغير حتى يتجه الناس نحو التغيير فهل يعقل أن تغير أوضاع اليمن الدول الراعية للمبادرة إقليميا ودوليا دون أن يتجه أهل اليمن من داخلهم نحو التغيير وعليه فالواجب أن يتجه كل الناس نحو تغيير كل فساد قائم نحو الصلاح فالمرتشي يكف والذي ينهب أموال الدولة يمتنع والذي يقطع الكهرباء يتوقف. ويجب في نفس الوقت المحافظة على المال العام والتنمية والمصالح العامة وتولية المناصب الأكفاء وإزالة أهل الفساد وهكذا. الرابع: وفي الآية تبشير لرواد التغيير أنه بمجرد بذل الأسباب الممكنة نحو التغيير إلى الخير وإزالة الشر حسب القدرة والمكنة وفق الأسباب الكونية التي لا تتبدل ولا تتحول فإن الله سيعين ويتمم جهدهم نحو التغيير دائما كأن الآية تقول: (أعدكم يا عبادي إن اتجهتم نحو تغيير أنفسكم أن أغير ما بكم من فساد إلى صلاح وفي المقابل: إن تغير واقع الأمة الأحسن إلى الأسوأ فاعلموا أن سبب هذا التغيير السيء جاء من قبلكم لأنكم إن غيرتم غير الله حالكم.) كما قال الله: (قل هو من عند أنفسكم) . الخامس: عبر الله بقوله: (ما بقوم) ولم يحدده بالمسلمين مثلا للدلالة على أن قانون التغيير نحو الخير أو الشر عام على الكافر والمسلم وأن من اتجه نحو الخير والصلاح واتجه نحو التغيير فإن الله يغير ما هو واقع به بغض النظر عن دينه وعقيدته. السادس: أن الله طلب الاستمرار في التغيير فعبر بالفعل المضارع (لا يغير) (حتى يغيروا) والفعل يدل على حدوث التغيير والاستمرار فيه فالشر والباطل مستمر لا يتوقف وأولياء الشيطان يسعون دائما في الفساد فإن أردتم بقاء الخير فلابد من الاستمرار في التطور من حال إلى حال أفضل إلى ما لا نهاية فليس هناك حد يقف عنده التغيير. السابع: أن من الإشكاليات الفكرية لدى بعض الإسلاميين ظنه أنه إذا حقق نجاحا فقد انتهى وإذا غير منكرا فقد وصل وإذا حقق مقصودا فيجب أن يتوقف ألم يعلم أنه لا بد من الاستمرار في السعي التغييري نحو الأفضل إلى ما لا نهاية¿ وهذا الخلل الفكري يدعوه إلى التوقف عن استمرار التغيير فيعمل أهل الباطل في نقض ما حقق فلا يشعر إلا وهو يريد إعادة ما كان قد حققه مرة أخرى والسبب توهم تحقيق التغيير والتوقف عن الاستمرار فيه ما دامت الحياة قائمة.

• ما هي القوانين التي تحكم مسألة التغيير¿ – يحكم مسألة التغيير ثلاثة قوانين ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابة العزيز . القانون الأول: قانون التغيير لأن التغيير عندما يبدأ من الناس أنفسهم كما قال الله تعالى: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» فإنه الله يأذن بتغيير ما هم عليه نحو ما يريدون ولنعلم أن التغيير الإلهي لا يبدأ حتى تتجه النفوس نحو التغيير فلنسع لتغيير أنفسنا ليتغير حالنا يا أهل الإيمان والحكمة. القانون الثاني: قانون التداول وذلك أنه إذا اتجه الناس نحو التغيير الذي هو صفة بشرية فالتغيير يكون بتغيير الأولين بآخرين جدد لأن الوظيفة والمهمة الواحدة لا يشغلها اثنان في وقت واحد وعليه فلا بد أن يحكمهم قانون آخر ذكره الله عز وجل في قوله تعالى: «وتلك الأيام نداولها بين الناس» وهو قانون التداول فعندما يسقط هذا يأتي شخص آخر حتى الأملاك التي هي لفلان اليوم ستكون لشخص آخر في الغد وهكذا. والتغيير نوعينº تغير إلى خير وتغير إلى شر والإنسان هو الذي يقرر التغيير الذي يريد أن يتجه إليه. فإذا دخل الناس في قانون التداول فهناك من يندفع نحو أن يكون بديلاٍ فإذا لم يتجه الصالحون والعقلاء والشرفاء لأن يكونوا هم البديل فسوف يتجهون نحو القانون الثالث فإن قدموا أنفسهم لكي يكونوا البديل فإن القانون الثالث سيكون مصير النظام السابق. القانون الثالث: هو قانون الاستبدال يقول الله تعالى: «وإن تتولوا يستبدل قوماٍ غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم» فالله سبحانه وتعالى لما أرسل محمد عليه الصلاة والسلام إلى قريش كان في الأصل أن تكون قريش هم حملة الرسالة والتغيير لكنهم لما أبوا أزاحهم الله سبحانه وتعالى واستبدل بهم أهل يثرب وصهيب وياسر وبلال وغيرهم من الصحابة الكرام ومضى التغيير لأنها سنة كونية فلابد أن يحدث التغيير والاستبدال ولذلك جاءت الآية على صيغة التهديد «وإن تتولوا يستبدل قوماٍ غيركم» والله عدل يمكن لأوليائه في آخر الأمر لا محالة كما قال: (والعاقبة للمتقين) ولكن وفق سنن التغيير وقوانينه سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا. اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا واجعلنا أنصارا لدينك دعاة إلى شريعتك واهدنا واهد بنا واجعلنا هداة لمن اهتدى يا نعم المولى ونعم النصير. • كيف يمكننا تغيير ما بأنفسنا خاصة إذا عرفنا أن النفس كيان معنوي¿ – قول الله: (ما بأنفسهم) عام فلفظة (ما) موصول حرفي بمعنى الذي فيكون معنى الآية: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا الذي بأنفسهم). لم يطلب الله تغيير ذات النفس لأن النفس من الذات كالإناء لا يمكن تغييرها لكون الإنسان جسم ثابت الكيان في الخلق لا يمكن أن يتحول والمطلوب بالتغيير للنفس في الآية ثلاثة أمور: الأمر الأول: أن التغيير الحقيقي يبدأ في الفرد لأن التعبير القرآني جاء بصيغة (بأنفسهم) ولكون حرف الجر الباء تفيد التبعيض وبعض الأنفس نفس واحدة الذي هو مفرد الجمع ينتج: أن المطلوب تغيير الفرد الواحد أولا ولذا لم يقل: (بنفسهم) والأنفس جمع نفس كما قلنا وعليه فالمطلوب هو تغيير الفرد أولا فإذا صلح الفرد صلح المجتمع وإذا صلح المجتمع صلحت الدولة وإذا صلحت الدولة صلحت الأمة وهكذا يحدث التغيير وأما حين يكون الشخص فاسدا ويمارس الفساد ثم يقول: الشعب اليمني لن يخرج من الفساد لا فائدة في الإصلاح والتغيير . فيقال له: لو اتجه كل فرد في اليمن مثلا نحو إصلاح نفسه وتغييرها من الفساد إلى الصلاح لصلح المجتمع وهذا اليأس والإحباط ليس من الشرع وهو من وساوس الشيطان فدع عنك هذا الوسواس وابدأ بصلاح نفسك كما قال الشاعر: (يا أيها الرجل المعلم غيره ــــ هلا لنفسك كان ذا التعليم) (فابدأ بنفسك فانهها عن غيها ــــ فإذا انتهت عنه فأنت حكيم) (لا تنه عن خلق وتأتي مثله ـــ عار عليك إذا فعلت عظيم). الأمر الثاني: أن مفرد أنفس نفس والنفس المراد به في الآية الفرد الشخص الواحد كما قلنا ولكن دخول حرف الجر الباء (بأنفسهم) تفيد أننا إذا أردنا صلاح الفرد فلا بد أن نصلح تصوراته وأفكاره والذي يمثل في الإسلام عقائده ومبادئه وأخلاقه فالذي لا يعلم أن الخمر محرم شرعا مثلا من الصعب أن يقتنع بتركه وإذا لم يشعر أن الخمر يضره وأنه يدمر جسمه فلن يقتنع بتركه …. وهكذا في سائر التصرفات لا بد من دوافع داخلية نفسية إذا تغيرت هذه الدوافع والأفكار تغير عمل الفرد وتحول نحو الأفضل إن كان التغيير الفكري إلى الأفضل وإلى الأسوأ إن كان التغيير الفكري نحو الأسوأ. الأمر الثالث: نستفيد من التعبير بالجمع (أنفسهم) الذي هو جمع نفس: أن التغيير لا يحدث حتى يتحول التغيير من الفرد إلى الجماعة وضرورة التكاتف والعمل المستمر في التغيير والتحول من تغيير الفرد إلى تغيير المجتمع فإذا اتجه الناس إلى التغيير الجمعي المستفاد من الجمع (أنفسهم) عندها يتحقق التغيير الذي وعد الله به لأن اتجاه المجتمع نحو التغيير سيكون نحو تغيير مؤسساته الفاسدة وإصلاحها وأنظمته وحكومته ومؤسسات الدولة وهذا هو التغيير الحقيقي وإنما تغيير النفس ثم المجتمع وسيلة نحو التغيير الحقيقي الذي هو التغيير الجمعي.