الرئيسية - كــتب - التناص في شعر البردوني
التناص في شعر البردوني
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

بثبات يطرح الأديب والباحث محمد العودي نتاجه البحثي الجديد تحت عنوان (التناص في شعر البردوني) والذي صدر مؤخراٍ بصنعاء. يتجه العودي في إصداره إلى استبطان نصوص الشاعر الكبير عبد الله البردوني رحمه الله واستنطاقها من خلال كشف علاقات تقاطعها مع النصوص السابقة لها وربط تلك العلاقات بالنص الكلي وعلاقته –كما يذكر العودي –”بالمتناص معه وهو المحور الذي تدور حوله الدراسة بشكل رئيس ص5″ معتمداٍ في ذلك على التناص نفسه لا بوصفه منهجاٍ إجرائياٍ وحسب ولكن بوصفه ممارسة إنتاجية “ولا نعني بالإنتاجية محوِ الذات المبدعة للنص في بوتقة النص الواصف بل نعني بها إعادة إنتاج النص الشعري بوصف الذات خالقة له متخلقة فيه صـ7”. أبواب البردوني قسم الدكتور محمد العودي أبواب الكتاب الثلاثة على عدة فصول.. الباب الأول (التناص الديني في شعر البردوني وضرب مثلا على نصية الخلود)..احتوى الفصل الأول والمعنون بـ(التناص مع نص رحلة الشقاء) على نص الاغتراب واصفا متناصات الاغتراب عن الزمن والمكان في شعر البردوني ومتناصات الاغتراب عن الواقع الثقافي والسياسي والاجتماعي. اغتراب البردوني وكمثال عن متناص الاغتراب عن الزمان والمكان في شعر البردوني يذكر “بأن الزمان والمكان الفزيائيين من أكثر عناصر الخارج قمعا للذات العاجزة تماما عن تغييرهما أو التصالح معهما إذ تظل الذات غريبة عنهما مغتربة فيهما يقول الشاعر البردوني ص66” : مثلما تعصر نهديها السحابه تمطر الجدران صمتا وكآبه يسقط الظل على الظل كمــــا ترتمي فوق السآمات الذبابه يمضغ السقف واحداق الكوى لغطا ميتا واصداء مصـــابه مزقا من ذكريات وهــــــوى وكؤوسا من جراحات مذابـه لقد ساد الصمت والكآبة عالم الشاعر حتى أصبح له حركة ( تمطر الجدران ) ليس هناك سوى حركة الصمت الذي لا حركة له ( سقط الظل على الظل )..” سكون إلى الدرجة التي تْحِسْ فيها حركة الظل … الجدران صامتة وكئيبة ليس هناك سوى حركة الظل والظل ليس الشيء نفسه والصدى ليس الصوت نفسه والمشبه به ليس المشبه نفسهفالصدى ظل الصوتوالمشبه به ظل المشبه إن المكان ميت لا حركة فيه وإنما الحركة في ظله ص72″. نص البعث أما الفصل الثاني من الباب الأول والمعنون بـ(التناص مع نص البعث) فقد تناول فيه نص البعث لدى البردوني بكثير من الحصافة والدراسة الأكاديمية فيما الفصل الثالث تناول فيه(التناص مع نص الفردوس) مع البحث المعمق والمدروس عن التناص مع نص الفردوس المتجسد والتناص مع نص التبشير بالفردوس. فردوس البردوني وعن نص الفردوس يذكر العودي في كتابه التناص في شعر البردوني ” لم تكن الذات في شعر البردوني إلا ذاتاٍ دائمة الحنين إليه دائمة البحث عنه دائمة التجسيد له وقد كان انهزامها أمام الخارج بكل صوره هو الذي جعلها تعود إلى داخلها لتفتش عن وطن بديل ولكنها قد لاتدري أين هو مع أنها تدري ما هو º إنه الوطن الذي يحقق لها طموحها º ذلك الطموح الذي عجزت عن تحقيقه أمام قهر العالم الذي تسكنه ولم تجد فيه , الطمـأنينة , الخلود , العدل , إشباع الرغبات , إن الذات تبحث عن فردوسها , ذلك العالم الذي لاتدري أين هو ¿ وكيف السبيل إليه ¿ ولايمكن أن تكتشفه إلا عندما تستغرق في عالمها الشعري حتى تصل إلى مرحلة استشراف المستقبل وكشف الغيب يقول البردوني مفتشاٍ عنها: أين اختفت في أي افق سام ¿ أين اختفت عني وعن تهيامي¿ عبثاٍ أناديها وهل ضيعتها في الليل أم في زحمة الأيام¿ “إن إحساس الذات باغترابها دفعها للبحث عن (المدينة الفاضلة) º عن العالم المثال وهذا البحث استدعى النص المتناص معهº (نص الفردوس) الذي فرض كل شروطه على الذات التي تبحث عنه ص78” . جذور البردوني فيما الباب الثاني والمعنون بالجذور الرمزية لأهم صور الزمان والذي باعتقادي هو أهم ما في هذا الإصدار فاحتوى على ثلاثة فصول..الفصل الأول (الجذور الرمزية لصورة الليل)…الفصل الثاني (الجذور الرمزية لصورة الصبح)…الفصل الثالث (الجذور الرمزية لصورة الشمس)..ركز الباحث في الباب الثاني على صور الزمن في شعر البردوني والتي رأى أنها تتصل بعرق نسبها الممتد إلى جذورها في (المتناص معه ) تلك الجذور التي فرخت منها هذه الصور بطرق مختلفة حتى بدت وكـأنها جديدة كل الجدة عن الصور في (المتناص معه) والتي تشكل بذور التفريخ نظراٍ لاختلاف التربة الجديدة التي فرخت منها صور البردوني ص133″. ليل البردوني وكمثال على إحدى صور الزمان والمتمثل في الليل يشير الباحث العودي إلى ” أن البردوني – في الغالب الأعم – يصور الليل كائنا أسطوريا لا نظير له في الشعر العربي – حسب قراءتنا – من حيث كيفيته وعلاقة الذات به إلا أن الصورة لا تفرخ إلا من بذور جذرها (المتناص معه) , وأعني بكائن أسطوري الهيئة الجديدة التي يظهر عليها ذلك الكائن والتي لا نظير لها بين كائنات الطبيعة فتلك الهيئة تشبه هيئة تلك الكائنات الأسطورية كالغول والعنقاء .. وليس ضرورياٍ أن يكون شكل الكائن الأسطوري مستنداٍ على مرجعية أسطورية إذ قد يكون الكائن جديداٍ كل الجدة لكنه أسطوري في هيئته وقدرته لهذا نستطيع أن نقول إن للبردوني عالمه الأسطوري الخاص إذ قد يبدو الليل في شعره كائناٍ أسطوريا أخرس º يتوحد مع الصمت فيولد ضجة في أعماق الذات.. فهو في كل الأحوال رمزَ للموت يقول البردوني: ووحشة الظلمة الخرســــــــا تهددنــــي كأنها حــول نفســــــي طيـف جــــلاد والصمت يجثو على صدر الوجود وفي صمتي ضجيج الغرام الجائع الصادي والليل يسري كأعمـــــى ضـــل وجهته وغاب عن كفـه العكــــاز والهـــــادي باب أخير الباب الثالث والأخير لهذا الإصدار الرائع فحمل عنوان (النظير النصي) واحتوى على أربعة فصول تناولت النظير النصي في شعر البردوني بشيء من التفصيل الأكاديمي ..الفصل الأول (علاقات الاستكانة والموافقة) وتناول فيه النظير المستكين والموافق..فيما الفصل الثاني (علاقات التماثل والتقابل) فتناول فيه النظير المماثل والنظير المقابل في شعر البردوني..الفصل الثالث والذي حمل عنوان (العلاقة المضمونية) فتناول بكثير من البحث المتأني والموثق مسألة النظير المضموني في شعر البردوني فيما الفصل الرابع فتحرك في دائرة علاقات التمرد والمخالفة والبارزة في شعر البردوني. إن ميزة الدرس التناصي يتميز بصفات مهمة قادرة على سبر أغوار النص والتغلغل إلى مفاصله والشاعرº البردوني لم يحظ بدراسة من هذا النوع فالمتحسس لهذه الظاهرة يدرك الغنى التناصي في شعره الذي يستحق التوقف عنده بالبحث والدراسة والتحليل.