الرئيسية - محليات - رازح.. بساط السندس الأخضر في تخوم السماء
رازح.. بساط السندس الأخضر في تخوم السماء
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

الطريق الاسفلتية »حرض- صعدة« أعادت اكتشاف المديرية وكسرت الحواجز التي فرضتها التضاريس الصعبة بعض من الشاعرية والصفاء وإزاحة غبار السنين ومخلفات الحياة ومتاعبها في النفوس قد لا يجدها المرء إلا في مناطق محددة من كل بلد ومنها مديرية رازح المتربعة على قمم وأحضان وسفوح جبل رازح الشاهق المنيف في القطاع الغربي لمحافظة صعدة فهذا الجبل الشاهق الذي تقف قاعدته عند نقطة الصفر في السهوب التهامية ويمتد علوا حتى 2800 متر عن سطح البحر يشكل بساطا سندسيا أخضر يختال أمام موجات تقلبات الفصول محافظا على رونقه وجماله الأخاذ طوال شهور العام يشد إليه الغيث وأمزان المطر التي تستهويه ولا ينقطع هطولها عنه لتحيل قممه وجنباته وأوديته ومضائقه الجبلية غطاء سندسيا وألقاٍ وجمالا خاصة بعد اغتساله تحت أمزان السماء وهذا ما جعله هوىٍ ومقصداٍ للنفوس الباحثة عن لحظات صفاء للهروب من متاعب الحياة وهمومها.

انتعاش في قمة الجبل جبل رازح مديرية كاملة تتناثر في قممه وأحضانه القرى والتجمعات السكانية الكبيرة ذات الكثافة السكانية العالية لتخلق انتعاشاٍ للحياة وينعكس جمال المكان على البشر والشجر ومكونات الحياة حتى غدت رازح واحدة من مضارب الأمثال في الجمال والحسن الأخاذ وفي غمرة هذا الجمال والظروف الشاعرية فإن الحياة تأخذ أهميتها على أفضل ما تكون حيث تتنوع أنشطة السكان بين الزراعة والرعي والنشاط التجاري وعلى طوال امتداد الجبل من أعلاه إلى أسفله تجد المدرجات الزراعية المستغلة استغلالا كاملا في الزراعة حيث تغطي كل مساحة الأرض الصالحة للزراعة بالمزروعات منها زراعة البن وكذلك زراعة الموز في بعض الأودية الدافئة ويطغي على هذا كله زراعة القات نظرا لموقع رازح في أطراف البلاد حيث يطل جبل رازح من جهة الغرب على عدد من مناطق جيزان المجاورة ويتصل من الشرق بمديرية غمر ومن الجنوب بمديريتي ساقين وشداء ومن الشمال مديرية منبه وقد ظلت رازح تعيش حالة من العزلة الشديدة التي فرضتها التضاريس الجبلية الصعبة حتى بدأت عملية تنفيذ الخط الدائري لمحافظة صعدة «حرض- الملاحيظ- رازح- منبه- قطابر- صعدة» البالغ طوله 206 كيلو مترات بدأت عملية تنفيذه في 1991م وبرغم وصول الأسفلت إلى نهاية رازح قرابه 110 كيلو إلا أن طبقة الأسفلت لم تستكمل حتى الآن إلى خط النهاية كليا في يسنم بقطابر لكن تنفيذ هذا المشروع الاستراتيجي والاقليمي المهم كان مجرد حلم وأصبح واقعاٍ فتح آفاق الحياة على مصراعيها لهذه المديرية وأعاد اكتشافها مجدداٍ بعد كسر حواجز العزلة التي عاشتها المديرية طويلاٍ كما ترتبط رازح بصعدة بخط آخر مختصر هو «خط رازح- غمر- مجز» والذي يلتقي بخط (صعدة -باقم) وتم البدء في تنفيذ هذا المشروع البالغ طوله 76 كم لكن لم يستكمل بعد. ومن أهم مناطق رازح «القلعة» مركز المديرية ومدينة «النظير» وسوق شعارة» في جبل الأزد و «بركان» و«الشوارق» و«بني صياح» و«الأزهور» والحجلة» وغيرها.. ويعد «جبل حرم» أعلى قمة في الجبل وبه مطار قديم ومواقع عسكرية من زمن الأتراك العثمانيين وفي هذه القمة دارت مواجهات إبان الدفاع عن الثورة بين الملكيين وبين الجمهوريين وكانت قوات الجمهورية بقيادة المناضل عبدالكريم السكري أحد الضباط الأحرار وبقيادة المقدم عبدالرحمن الترزي.

مناظر خلابة وتعد القلعة القريبة من القمة مركز المديرية وتتناثر من حولها القرى الآهلة بالسكان فمن أعلاها قرى بني معين ومن أسفل القلعة تمتد المناطق غرباٍ وتنبرى أمام الناظر مناطق الأزهور والحجلة وشعبان وبني علي ومن الجنوب تلوح قرى جبل الأزد ومن أسفلها مدينة النظير وبركان وسوق شعارة أهم الأسواق التجارية النشطة في رازح وكانت بالقلعة قلعة شامخة حصينة من عهود الأتراك مكونة من خمسة طوابق ضخمة البناء وحولها جامع قديم وعدد من البرك وقد سميت القلعة باسم هذه القلعة التي كانت أحد الحصون الهامة في النضال ضد الأتراك العثمانيين وظلت حتى 2003م حيث أزيلت وشيد موضعها المجمع الحكومي بطوابقه الثلاثة من الحجر البيضاء الناصعة اللون وكون الطريق الأسفلتية تمر على طول امتداد المديرية من أعلى الجبل حتى أسفله فقد انتعشت الحياة في مختلف مناطق رازح وتحول «سوق شعارة» الذي يبعد عن القلعة 2 كيلو متر جنوبا إلى سوق تجاري كبير امتد العمران فيه وتعاظمت الحركة التجارية. وعلى مقربة منه يوجد خط فرعي يصل إلى جبل الأزد وبني ربيعة وينتهي في شرق رازح والتي يطلق عليها «الشوارق» حيث تأخذ الأرض زينتها وتبدو في أحلى الحلل القشيبة في قرى «الحلف» و«سبلان» و«غيلان» حيث تنضم الحقول والمدرجات الخضراء في مشاهد وصور تأسر النفوس وتزكي المشاعر وكأنها لوحة حظيت بأنامل رسام مبدع واتقان بديع وفي وسطها تلوح المنازل والدور المبنية من الحجارة البيضاء التي تضفي إلى جمال المكان جمالا وروعة. وتقع «غيلان» على المنحدرات الغربية للجبل وفي هذه القرية يستخرج أحجار الحرض من الجبل حيث تشكل هذه الأحجار عروقاٍ كبيرة في الجبل يتم الدخول إليها عبر كهوف ومغارات جبلية عميقة لاستخراج الحرض ومن ثم نقله إلى القرية حيث يتم قولبتها وصناعة الأواني الحرضية من المقالي والقدور والجمان الحرض لتسويقها وبيعها بعد ذلك وهي مهنة محفوفة بالمخاطر وشاقة جداٍ ومربحة أيضاٍ ومن هذه المنطقة يتم تسويق الأواني الحرضية إلى كل أنحاء اليمن وإلى دول الجوار حيث تعد «غيلان» برازح هي المنطقة الوحيدة في اليمن التي يستخرج منها الحجر الأبيض ويتم فيها نحته وصناعته و«غيلان» في الأصل هو الاسم القديم لجبل رازح حيث كان يسمى «جبل غيلان» وإنما اطلق عليه رازح نسبة إلى القبائل التي سكنته من أولاد رازح بن خولان بن عمرو بن الحاف إحدى قبائل حمير فنسب الجبل إلى ساكنيه بعد ذلك ومن قلب هذه المشاهد الأخاذة والمناظر الخلابة في قمة الجبل الشاهق التي تزداد جمالاٍ عندما يلفها الغمام ويمسح مسحة رقيقة عليها بحناحية أو عند صفاء الجو بعد هطول الأمطار حيث يتراى للناظر من قمة الجبل سهوب تهامة الرحبة في الأسفل من الغرب والجنوب كمناطق الملاحيظ وحرض وجيزان المجاورة.

توأم الجمال وعند العودة من الشوارق إلى الخط الرئيسي واستكمال السير عبره إلى أسفل الجبل يخيل للمرء أن الرحلة لم تبدأ بعد وأنه لم ير من جمال المناظر والمشاهد شيئاٍ بعد فبعد قرابة عدة كيلو مترات تنبري مدينة النظير باطلالتها الفريدة في أحضان الجبل الآف المنازل والدور الحجرية البيضاء الشاهقة على المنحدرات الجبلية الخضراء ومن حولها عشرات القرى الآهلة تزداد الأرض خضرة ونضارة والحياة انتعاشا والجمال جمالا في مدينة النظير ويمسح النسيم العليل برقة على الوجوه والقلوب ويبعث الشاعرية ويذكي المشاعر ويرهف الأحاسيس فهذه المدينة الناظرة بجمالها استلهمت اسمها من نضارتها وجمالها وهي أجمل المدن في أقصى الشمال ويسمى «حسناء رازح» عنها كتب المؤرخون والشعراء والأدباء واستأنس بها وسكنها الكثير منها واستهوت إليها النفوس والأفئدة وتناقل أخبار محاسنها وجمالها الرواة والركبان والمسافرون ونسجوا عن جمالها الروايات والقصص وهي مدينة كبيرة كثيفة السكان والحياة فيها أكثر انتعاشا من المدن الثانوية في أقصى الشمال وفي أسفلها ترتبط بمنطقة «بركان» واتصلت بها حتى غدت منطقة واحدة بفعل التشابه الكبير بينهما. ويقول أحد الأهازيج الشعبية الرائعة في المنطقة في التعبير عن ذلك: تفكر في العمياء والمطر يا جبل رازح . وأنت يا «بركان» الأخضر مثل أبها والخميس والعمياء يقصد بها السحب أو الغمام في لهجة رازح وللقاضي والأديب والمؤرخ حسين عيظة الشعبي- رحمه الله- قصيدة طويلة في وصف مدينة النظير قال فيها: مثل النظير الناظرة ما مثلها في القاهرة كلا ولا في أنقرة سبحان كاسيها الحلل

واقع تعليمي متفرد حظيت مديرية رازح باهتمام ورعاية من الدولة وحظيت بقسط كبير من المشاريع الخدمية والتنموية من منشآت تعليمية وصحية ومشاريع طرق ومحطة كهرباء وخدمات الاتصالات وهي من أكبر مديريات محافظة صعدة إقبالا على التعليم وبها مجمعات تعليمية كبيرة في مقدمتها «مدرسة الثورة الثانوية» بالنظير التي يزيد عدد طلابها عن 4000 طالب وطالبة سنوياٍ وفترتين دراسة صباحية ومسائية وطلاب وطالبات رازح في مقدمة الطلاب المتفوقين وأوائل محافظة صعدة في كل عام دراسي ولا غرابة فمناخها وأجواؤها وروعتها وجمالها تكفل التفوق والإبداع وتخلق النقاء والصفاء في القلوب والعقول والأفئدة.