الرئيسية - السياسية - على هامش الهبة الشعبية بحضرموت وحلول اللجنة الرئاسية
على هامش الهبة الشعبية بحضرموت وحلول اللجنة الرئاسية
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

د . أحمد باحارثة – يشهد الوطن اليمني تفاعلات مختلفة منذ نحو ثلاث سنوات عبر مكونات متعددة كل واحدة منها تسعى لتثبيت نهجها وفرض خياراتها بوسيلة أو بأخرى تبدأ من اتخاذ الوسيلة الإعلامية المرئية أو المقروءة إلى المناورات المتعددة السبل عبر أعضائها المشاركين في مؤتمر الحوار الشامل الذي يكاد يصل الآن إلى نهايته وانتهاء بضغوط خفية قد تكون من أسلحته اللجوء إلى التخريب المتعمد أو الإرهاب المقصود أو فتح الجبهات القتالية أو استنفار الشارع الغاضب لحق أو لباطل . وتشهد حضرموت منذ حوالي عشرين يومٍا حراكٍا على الأرض تحت مسمى الهبة الشعبية يعمل على قيادتها وإدارة برامجها جهات متعددة في الشارع الحضرمي وتباينت بذلك المطالب المأمولة منها كل بحسب رؤاه وأجندته أو حسب قراءته للمشهد العام في المحافظات الجنوبية والشرقية في الوطن ككل . فمنذ اندماج حضرموت تحت مسمى اليمن بجهته الجنوبية ثم بجهته الشمالية والحضارم يرون أنفسهم في غبن من كلا الجهتين على السواء وليس صحيحٍا أن تجاهل هوية وتاريخ حضارم قد نشأ بعد عام 90م بل إنما هو تكريس لما كان حاصلاٍ أصلاٍ منذ 67 وهو ما لاحظه بعض كبار مثقفينا ممن رحلوا عن دنيانا قبل قيام الوحدة بين الجهتين فمثلاٍ تجاهل تاريخنا وأعلامنا في مقررات التعليم شكا منه الأستاذ محمد بن صافي السقاف (ت1989) حين قال في نهاية السبعينيات: ” أرى مقررات المدارس الابتدائية والثانوية ولا أرى من يذكر نصاٍ لأدبائنا وشعرائنا من أمثال شاعرنا ابن عبيد الله والحامد والشاطري والبار وباكثير وابن شهاب من هذه النصوص المليئة بها دواوينهم أو صحفنا ومجلاتنا القديمة كأن البلاد منها جرداء مقفرة ” . ذلك لأنهم لم يعترفوا بهذه الصحف والمجلات أصلاٍ لأنها ببساطة حضرمية وليست جنوبية بشهادة أحد سكان الجهة الجنوبية وهو الأستاذ المعروف عمر الجاوي الذي لاحظ غياب ذكرها في مؤتمر عقد في عدن عن الصحافة المحلية فقال : ” إذا كانت الدراسة تعني بالمحلية جنوب الوطن فلماذا تجاهلت الصحف والمجلات التي صدرت في حضرموت أو التي أصدرها الحضارمة في إندونيسيا وغيرها ” . كل ما في الأمر أن أصحاب الجهة الجنوبية قد أصابهم ما أصاب الحضارمة فشربوا معنا بعد 90 من ذات الكأس الذي سقونا منها من قبل إلا أن هؤلاء كانوا أكثر تمردٍا وجرأة منا فجأروا بقضيتهم الجنوبية وفتشوا عن هويتهم القديمة تحت مسمى ( الجنوب العربي ) ومن ثم نادوا (وبكل وقاحة) ودون أي مراعاة لأي جهة كانت بالاستقلال وفك الارتباط . أما نحن الحضارم فمتواضعون جدٍا ومأدبون للغاية ونحس بالآخرين ولا نريد أن نجرح شعور أحد مع أننا نحتاج منهما معٍا لاعتذار لنا إن لم أقل تعويضات عما خسرته حضرموت وأبناؤها بسبب القبضة الحديدية التي حكمت بها من كلا الجهتين تحت تخبطات السياسة الرفاقية الجنوبية ووساوس العقدة الشمالية . ولعل أشد سلاح كانت تواجه به مطالب أبناء حضرموت المشروعة هي إلصاق تهمة المناطقية بهم باستمرار بل غدت دعوى المناطقية سلاحٍا يوجهه أدعياء الوطنية لمحاربة مناطق الوطن عامة فهم لا يؤمنون إلا بوطن أصم لا لون له ولا طعم ولا رائحة ناسين الحديث الشريف المشهور الذي يقول : ” مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ” فإذا كان الوطن هو الجسد فما هي أعضاؤه أليست هي المناطق المتعددة ما تقارب منها مكانٍا وما تباعد فإذا ما اشتكت منطقة من ظلم أو غبن أصابها فبدلاٍ من أن يسمع لها الآخرون في الوطن ويتأثرون لما تشكوه ويحاولون رفع الغبن ودفع الظلم إذا بأدعياء الوطنية يصرخون في وجه أهلها أنتم مناطقيون وهكذا جرى لمنطقة وأخرى حتى انهار الجسد / الوطن بأكمله . فنحن لا نعرف ما هي هذه المناطقية التي يعلو أصوات بعض من يتلبسون بأثواب الثقافة أو الإعلام بذمها والنكير عليها ومحاربتها لم يقولوا لنا ما هي لم يعرِفوها لنا ولم يخبرونا ما حدودها حتى صارت أشبه بمصطلح الإرهاب الذي لا تعريف له ولا مفهوم يحيط به فتشن الحروب والغارات باسمه حقٍا وباطلاٍ وهكذا غدت الحرب على المناطقية في حقيقتها حربٍا على مناطق الوطن ككل . فكان أن ظن البعض ممن هو مواطن أو شخص منتمُ لمنطقة ما من مناطق الوطن أن من شروط الوطنية الحقة كراهية منطقته أو في الحد الأدنى حبس لسانه عن الإخبار بهمومها وهموم أهله فيها والفرار منهم إذا أتوه شاكين باكين من أي حيف حاق بهم فهو يخشى على وطنيته الطاهرة من أن تمس وعلى مكانته الرفيعة عند أدعياء الوطنية المشوهة بل قد يكيد لمنطقته ويسهم في إيذاء مواطنيه فيها حتى يبرهن أنه قد بلغ قمة التجرد الوطني عند من يخالطهم من رعاة الوطنية . وقد أدى ذلك إلى نتائج خطيرة على الوطن والمواطن من بينها أن صار ذلك الشخص المتْوطن ذا طبيعة سلبية عدمية لا خير فيه لوطنه ككل لسبب بسيط هو أن من كره منطقته أو على الأقل تحاشى الحديث عن همومها وما يتعلق بها هذا إذا لم يكد لها كما أشرنا فأي منطقة أخرى من مناطق الوطن ستحظى باهتمامه ومحبته فمن لا خير فيه لأهله هل سيكون فيه خير لغيرهم . والثانية أن ولاء هذا الشخص يصبح موجهٍا لوطن هلامي متخيل لا يعرف ما هو ومن ثم يقتصر ولاؤه على خرقة ترفرف تسمى ( العلم ) ولكلمات منمقة تسمى ( النشيد الوطني ) يرددها بطرف لسانه لا تكاد تجاوز تراقيه وهو بذلك يعبر بأقصى ما يستطيع عن وطنيته المتخيلة ويرى نفسه بذلك أنه قد أدى ما عليه من واجب مقدس نحو وطن خاو أجوف أشبه ما يكون بالعصف المأكول . إن حلحلة الهوية الوطنية بحيث تسع كل المكونات في الساحة الوطنية وبكافة أطيافها هو أبرز ما نستفيده من الحكم الاتحادي المتعدد الأقاليم الذي أقرته مخرجات الحوار الوطني القائم وأبرز ما راعته بذكاء وثيقة الحلول والضمانات للقضية الجنوبية . ومع ذلك فإننا نستمد قوة مطالبنا إلى حال أفضل بعمق انتمائنا وعطائنا الحضاري وبسعة أرضنا وغناها وتنوعها وبوفرة جالياتنا في العالم العربي والإسلامي وإذا كنا نشكو غفلة بعض كبار ساستنا المخضرمين عن الاعتراف بمطالبنا وطموحاتنا الخاصة والمشروعة والجهر بها فإننا لا نعدم كثيرٍا من الرجال النابهين الذين بدأوا يطرحون تلك الطموحات بقوة سواء من بعض السياسيين الناشئين أو بعض رجال العلم والثقافة والمال والقبيلة . إننا نأمل من اللجنة الرئاسية المبتعثة من رئيس الجمهورية الأخ عبد ربه منصور هادي أن تتمكن من الوصول إلى نبض الشارع في حضرموت وأن تلقي سمعها للبسطاء من أبنائها الذين لا يجمجمون بالكلام ويصرحون بما في أفئدتهم من هموم وتطلعات ولاسيما عقلاءهم من مشايخ العلم والمثقفين والشخصيات الاجتماعية وألا تكتفي من السماع للساسة الذين لهم حساباتهم الشخصية وولاءاتهم الحزبية لكي تلامس ملامسة حقيقية حقيقة المعاناة التي أدت إلى ما أدت إليه من تفاعلات أربكت المشهد الوديع في حضرموت . وقد بدأت اللجنة فعلاٍ في التوصية ببعض القرارات والمعالجات والمخارج التي لا ينبغي أن تبقى كلمات تلوكها الألسنة أو مقررات مكتوبة على الأوراق لتحفظ في الأدراج بل يدركون حساسية المهمة وحرج المرحلة والمسارعة الجادة في تحويل القرارات إلى أفعال وإنجازات ملموسة يلمسها المواطن ويتنفسها حتى لا يصبح ضحية لمحرض هنا أو موتور هناك وحتى يشعر بوجود الدولة وهيبتها على الأرض عدلاٍ وتنمية وأمنٍا واستقرارٍا . وبذلك تمهد الشعور لدى ابن حضرموت والمواطن العادي في كل الوطن اليمني لأن يتفاعل مع القضايا الكبرى القادمة والتي تشملها مخرجات الوطني الشامل ويحس بالثقة نحوها وأنها ستجد طريقها للتطبيق وتصبح جزءٍا من حياته ويشعر بالاطمئنان على مستقبله ومستقبل أولاده ومستقبل الوطن ككل .