الرئيسية - السياسية - د/ الشرعبي: مبادرات معالجة الأزمة الراهنة تندرج في إطار خارطة طريق المبادرة الخليجية
د/ الشرعبي: مبادرات معالجة الأزمة الراهنة تندرج في إطار خارطة طريق المبادرة الخليجية
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

■ المشكلة لا تكمن في المبادرات بقدر ما تكون في عدم توافر الإرادة لدى بعض القوى السياسية

■ غياب المشروع الجامع من أهم أسباب توالي الأزمات

■ المعالجات الحقيقية يجب أن تنصب على البيئة الحاضنة للأزمات

أضحى مفهوم الأزمة من المفاهيم واسعة الانتشار في اليمن وأصبح يمس كل جوانب الحياة بدءاٍ بالأزمات السياسية وانتهاءٍ بالأزمات الاقتصادية والأمنية والعسكرية وأصبح لكل أزمة آثار وانعكاسات تترتب عليها تنحصر أو تتسع بحسب خطأ أو صوابية القرارات التي تتخذ لمعالجة الأزمة لكونها حالة حرجة تتعلق بمصير البلاد وتشكل بذلك صعوبة حادة أمام متخذ القرار لكونها تأخذ بعدين هما: الأول التهديد للمصالح الجوهرية للدولة وفتح الباب أمام تصاعد أحداثها والثاني هو الزمن المحدد أمام من يدير الأزمة لاتخاذ قرار سريع وصائب للازمة واعتماد أعلى فهم سياسي لهذه الأمة وإعادة قراءة كل جوانبها وتطبيقاٍ على الحالة الراهنة فقد كثرت في الآونة الأخيرة مبادرات القوى السياسية للتعامل مع الأزمة السياسية وإذا كان هذا التفاعل قد عكس إشكالية الكم الناتج عن هذه المبادرات فإننا سنتناول الكيفية أي النتائج والفوائد لهذه المبادرات مع الباحث في الشؤون السياسية الدكتور عادل عبدالقوي الشرعبي.

المبادرة الأم * في ظل المبادرات العديدة لحل الأزمة السياسية هل ظروف اليمن المتسارعة الأحداث تستوعب هذا الكم من المبادرات¿ أم تفرض البناء على مبادرة الحل الوطني¿ – في البداية ينبغي التأكيد على أن المبادرة الخليجية هي المبادرة الأم والتي تعد المرجعية الأساسية لعملية التسوية السياسية الراهنة وقد اكتسبت صفة دولية من خلال قرارات مجلس الأمن ذات الصلة. أما ما يطرح من مبادرات لمعالجة الأزمة الراهنة فلا تعدو أن تكون مبادرات جزئية تندرج في إطار خارطة الطريق التي أرست معالمها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة ووضعت تفاصليها وثيقة مؤتمر الحوار الوطني الشامل التي حظيت بإجماع مختلف القوى والمكونات السياسية. كما أن الواقع اليمني الراهن بتعقيداته السياسية والاجتماعية ومشكلاته الاقتصادية والأمنية وأزماته المتعددة قد يفرض الحاجة إلى طرح مثل هذه المبادرات. لكن ومن جهة أخرى فإن الإشكالية لا تكمن في كثرة أو قلة هذه المبادرات بقدر ما تكمن في عدم توفر الإرادة لدى بعض الأطراف السياسية لتنفيذ ما يتم التوافق بشأنه حيث تتعامل مع هذه المبادرات باعتبارها تكتيكات سياسية الهدف منها كسب الوقت لترتيب أوراقها السياسية والعسكرية. وبالتالي فإن توفر الإرادة والشعور بالمسؤولية الوطنية وتغليب المصلحة العامة على المصالح الذاتية من قبل مختلف الأطراف السياسية هو ما تحتاجه اليمن في هذا الظرف التاريخي الحاسم.

تصعيد ضد المصلحة * أين تقف مسؤولية أطراف الأزمة في صياغة أرضية مشتركة للحلول والمعالجات تأسيساٍ على مبادرة الحل الوطني¿ – لاشك في أن كل طرف من الأطراف السياسية يتحمل جزءاٍ من المسؤولية التاريخية لإخراج اليمن من المرحلة الحرجة التي قد تفضي – لا سمح الله – إلى انهيار الدولة اليمنية وتمزقها. وبالنسبة للأزمة الراهنة بين الحكومة اليمنية والحوثيين يمكن القول بأن مبادرة اللجنة الوطنية الرئاسية التي حظيت بإجماع معظم القوى والمكونات السياسية والاجتماعية مثلت أرضية مشتركة للحلول والمعالجات ولبت معظم المطالب المعلنة للحوثيين والتي هي في الأساس مطلب كل فئات الشعب اليمني في حين أن الرفض لهذه المبادرة وزيادة وتيرة التصعيد ضد الحكومة اليمنية لا يخدم المصلحة اليمنية بقدر ما يقود البلاد إلى الهاوية. صحيح أن حكومة الوفاق الوطني قد أظهرت عجزاٍ واضحاٍ في أداء الحد الأدنى من وظائفها وقصرت في مسؤولياتها تجاه الأوضاع الاقتصادية والأمنية المتدهورة إلا أن ذلك لا يمكن أن يكون مبرراٍ للخروج على الإجماع الوطني ومخرجات مؤتمر الحوار ومحاولة إسقاط العاصمة صنعاء برمزيتها السياسية والتاريخية لأن مثل هذا الأمر لا يمكن أن يصب في خدمة اليمن بل سيفضي إلى انزلاق اليمن نحو الفوضى والدمار الذي ستكون نتائجه كارثية على الجميع. * هل توالي الأزمات السياسية في اليمن ناتج عن غياب المشروع الوطني الجامع وتغليب المشاريع الفئوية والذاتية¿ – نعم فغياب المشروع الوطني الجامع يعد من أهم أسباب توالي الأزمات في اليمن لأن غياب المشروع الوطني يفضي بالضرورة إلى بروز المشاريع ما دون الوطنية الفئوية والذاتية. وقد أسهمت سياسات الحقبة الزمنية الماضية في تكريس الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية الجامعة, وفي دعم القوى التقليدية على حساب قوى التحديث وتهميش وإفقار الطبقة المتوسطة. والمشكلة هنا لا تكمن في غياب المشروع الوطني بقدر ما تكمن في ضعف الحامل الاجتماعي لهذا المشروع وأقصد به الطبقة المتوسطة التي عادة ما تضطلع بحمل هذا المشروع. فقد ظهر المشروع الوطني في اليمن في عدة محطات تاريخية لكنه اجهض أو تعثر في كثير من الحالات. فقد برز المشروع الوطني مع الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي وتم إجهاضه من قبل القوى التقليدية وبرز أيضاٍ مع الوحدة اليمنية عام 1990م وتم إجهاضه من قبل نفس القوى, وظهر هذا المشروع مع ثورة الشباب في فبراير 2011م لكنه تعثر ولا يزال يواجه تحديات كبيرة. ولدينا الآن مشروع وطني جامع يتمثل في وثيقة مؤتمر الحوار الوطني الشامل التي تعد وثيقة وطنية حظيت بإجماع مختلف القوى والمكونات السياسية لكن القوى التقليدية تسعى إلى إفراغ هذه الوثيقة من مضامينها. إذن الإشكالية تكمن في ضعف الطبقة المتوسطة في مقابل قوة القوى التقليدية التي تمتلك معظم عناصر القوة بشكل مكنها من تنفيذ مشاريعها الخاصة على حساب المشروع الوطني الجامع.

نظرة تستوعب الأبعاد * في إطار الأزمة الحالية هل يجب أن يقتصر التفاعل مع الوضع الأمني أم يجب أن تكون هناك قراءة للتصورات المستقبلية لضمان عدم تكرار مثل هذه الأزمات مستقبلاٍ¿ – في الواقع يجب السير في الأسلوبين معاٍ وبشكل متوازي. أي التعامل مع الوضع الأمني بالوسائل الأمنية والعسكرية وفي نفس الوقت النظر إلى هذه الأزمات من منظور كلي يستوعب مختلف أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فالوسائل الأمنية والعسكرية قد تكون ضرورية في بعض الأحيان لكنها قد تكون مضرة في أحيان أخرى ومن ثم فمن الضروري أن يصاحب الوسائل الأمنية والعسكرية حلول تنموية من شأنها القضاء على أسباب الأزمات. فالتعامل مع الأزمات بالوسائل الأمنية والعسكرية قد يكون أمراٍ ضرورياٍ لكنه يجب أن يكون جزءاٍ من الحلول المؤقتة أما المعالجات الحقيقية لهذه الأزمات فيجب أن تنصب على البحث في أسباب ودوافع هذه الأزمات أي البحث في البيئة الحاضنة لهذه الأزمات وإحداث تغيير إيجابي في معطياتها بما يضمن عدم تكرارها مستقبلاٍ.