وفد اليمن في مؤتمر المناخ يبحث مع نائب وزير الصحة الاذربيجاني تعزيز أوجه التعاون المستشار العسكري للمبعوث الأممي يطلع على نشاط مشروع مسام بمأرب اللواء ثوابة: المليشيات الحوثية تهدم أي مبادرات لإنهاء الحرب وإحلال السلام قوات الجيش تفشل هجوم لميليشيا الحوثي على قطاع الكدحة غرب تعز الأغذية العالمي: نحتاج الى 16.9 مليار دولار لمعالجة أزمة الجوع العالمية "موديز" ترفع تصنيف السعودية الائتماني عند "aa3" مع نظرة مستقبلية مستقرة رئيس الامارات يبحث مع الرئيس الاندونيسي العلاقات بين البلدين وشراكتهما الاقتصادية فريق طبي يؤكد استقرار حالة جدري الماء في ميناء نشطون بالمهرة مأرب تحتفي باليوم العالمي للطفولة ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 44,176 شهيدا و104,473 مصابا
في الشارقة أهداني الأديب عبد الفتاح البصير إصداره المتميز (انطولوجيا القصة القصيرة النسوية الإماراتية, وهو عمل متميز يقع في 740 صفحة تضمن التعريف بأكثر من ثمان وثلاثين قاصة مع نماذج من نتاج كل قاصة..سبق ذلك استعراض لمسار القصة النسوية في الإمارات منذ بداياتها الأولى مروراٍ بمراحلها المختلفة وحتى إصدار الانطولوجيا. كما أهداني الصديق البصير إصداره الأخير(مسامير الذاكرة) الصادر عن مؤسسة سندباد في القاهرة للعام2013 وقد ميزه على غلافه بإشارة (نصوص) ما وضعني في حيرة , هل سأقرأ شعراٍ.. أم وجدانيات¿ وهذا ما يتبعه كثير من الكتاب هروبا من مسؤولية التجنيس. خاصة تلك النصوص التي تتداخل في بنائها بين عدة أجناس..وذلك الغموض يقودني إلى تجنب كل إصدار على غلافه (نصوص) . لكنها كلمات الإهداء الرقيقة التي صدر بها البصير ” الصديق المبدع محمد الغربي فضاءات تفتح كوات التواصل .. مودتي ومحبتي الشارقة 10 / 12 /2013″ قادتني تلك المفردات وخاصة مفردة (الصديق) التي أحسست بحميميتها.. إلى قراءة مقطع من نص (المدينة قاتلة): “فوق الأشلاء .. في أي مدينة.. وحدي وحيداٍ .. تطاردني الأشباح.. هذه المدينة الملعونة.. أبراجها طويلة .. شوارعها طويلة.. وأنا أبدو قزما..تلفظني الأفواه.” هذا النص عبر عن مشاعر كانت تسكنني أثناء عودتي من جولة صباحية في شوارع الشارقة بعد وصولي من زحام القاهرة.. هناك حيث ضجيج الزحام وهنا النقيض في شوارع برجيه باردة. ما أدهشني أكثر أن بقية مقاطع ذلك النص نصوصا سردية مكتملة, , وكون السرد الأكثر إيثارا إلى نفسي.. فقد أخذتني تلك المقاطع إلى عوالم المتعة, مثل “الشارع في مدينتي.. قبل الثورة وبعدها.. رغم الصخب الظاهر.. طويل جدا.. صامت جدا.. أوله قصر.. وآخره شرطه” في تلك النصوص سيجد القارئ أنها تتماس مع عمق الحكمة و مفارقة النكتة وصور الشعر ولغته ومن القصة وصفها وحكايتها. فهاهو الشارع رغم ما مر عليه من صخب الجماهير يظل كما كان بمعالمه السلطوية القصر والعسكري ولم يتغير شيء. وهكذا وجدت أن الكاتب قدم لنا في مسامير الذاكرة وخلال 180 صفحة قسمت إلى أربعة أقسام وضع لكل قسم عنوان” أولا:تهاويم الحقيقة.. ثانيا:لأني أنا.. ثالثا:تنافرات التوافق.. رابعا: تجليات” تلك هي عناوين الأقسام الأربعة, أما عناوين النصوص فقد جاءت بأكثر من مدلول ومنها:من أخلاق الأشجار.. أخلاق الكلاب..أخلاق الحمير..أخلاق الأبواب..سمت الفراشة.. الوسادة… الخ ومن أخلاق الأشجار نختار بعض المقاطع التي تنتمي لجنس السرد ومنها: “شجرة السنط الكبيرة.. تقف بصلابة شائكة.. لكنها في الشتاء تبكي بدموع لزجة” ومقطع آخر “شجرة اللبخ الفارهة حين تحزن تطوح بأزهارها أرضا” ومقطع ثالث”تؤلمني هذه الأشجار.. حين تتعرى في الشتاء رغم شدة البرد” ومقطع رابع” الأشجار الحنونة تبقر صدرها ليسكن الغرباء قلبها” تلك النصوص المقاطع التي تتصل ببعضها لتكون نصا مكتملا.. وقد يقرأ القارئ كل مقطع نصا قائما بحد ذاته فنيا وموضوعيا, وهكذا بقية النصوص تتصل مقاطعها كعناقيد متكاملة وتنفصل كنصوص مكتملة.. اللغة هي اللغة المكثفة التي تتميز بها جميع نصوص المجموعة, لتلتقي في المحور الأساسي الذي أراده لها الكاتب ببراعة فائقة, وتلك الرسائل الإنسانية التي تتابع من مقطع إلى آخر ومن نص إلى الذي يليه. المقطع الأول, لم يتجاوز ألاثنتي عشرة كلمة ,تنوعت في مدلولاتها: شجرة كبيرة, صورة يستحضرها القارئ من مخزون ذاكرته. ثم يتبعها بمفردات أخرى :صلابة شائكة, وما تدل عليه هذه المفردات من دلالة القوة. ثم يختار الكاتب كلمات تزيد الصورة جلاء :شتاء بكاء دموع لزجة..ليزرع نقيض الصلابة..ويكتمل النص السردي المقطع الثاني.. لم تتجاوز مفرداته ألثمان كلمات,بدأها الكاتب بـ :شجرة.. فارهة.. وما توحي بها تلك المفردات من قوة وشموخ.. ثم مفردات تناقض تلك المفردات: حزن..تطوح.. أزهار.. أرضا. لتتسارع الصور وتتغير مشاعر القارئ وفق المدلول السريع للكلمات من صورة الشجرة الفارهة إلى مدلول الحزن وتطويح أجمل وأعلى ما يزينها ألا وهي الأزهار حين نرى وقد ألقت بها أرضا. نص يمتلك عمق الحكمة.. وسرد الحكاية. رهافة الشعر وصوره. باعثا روح التأمل في عقل القارئ, نص مثاليا للـ ق ق ج. المقطع الثالث,يقف بنا أمام شجرة السنط العملاقة وهي تبكي في الشتاء, لتتوالد عدة أسئلة منها: هل تقدم لنا الشجر العلاقة الوطيدة بين الحياة والموت¿ هل الألم يعني لها شيء آخر¿ تذكرنا بأشجار البخور في جنوب شبه جزيرة العرب, وشجرة دم الأخوين في جزيرة سقطري تلك الأشجار التي تبكي هي الأخرى مواد لزجة كلما شج ساقها وفروعها الإنسان بأدواته الحادة. وما يهمنا في تلك المقاطع أو النصوص ليس الجانب الموضوعي فحسب بل ذلك الكم والقدرة من الكمال الفني ,أن يقدم لنا الكاتب وما يمتلك من قدرات فنية عالية نصوصا متجاورة في المقصد والبناء.. متكاملة موضوعيا, وأيضا في اكتمالها الفني لفن القصة القصيرة جدا بل وفن الشذرة..وأنا هنا لا تهمني المصطلحات بقدر الوصول إلى روح الفن المتمثلة في نصوص محكمة البناء. ومن نص آخر بعنوان أخلاق الكلاب نختار بعض المقاطع وهي أيضا نصوص مكتملة, يمكننا التعامل معها كنصوص قائمة بذاته موضوعيا وفنيا,في الوقت الذي يمكننا أن نقرأه أيضا كجزء من نص طويل”كلبي الأمين ..نهرته كثيرا ألا يحتفي بي عند عودتي في المساء.. بحجة ألا يوقظ الجيران, الملعون صدقني وكلما تأخرت يوقظ زوجتي!” ومن أخلاق الحمير نجتزئ مقطعا “حمارنا طلب مني أن يستريح..فأسررت له في أذنه..فهب مذعورا..لأن أنثاه تضحك على عجزه” ومن سمت الفراش مقطعا “انتحار الفراشات الدائم في وهج النور.. لايعني غباءها..إنه فرط الغرام” ومن نص بعنوان أنا هاذين المقطعين”أرمق صورتي في عينيها..فأتيقن أننا كاذبان” و ” اشعر بالرغبة في البكاء..لكن الوقت لا يسعفني” ومن نص قلق الحنين” طرقت الباب بخفة..دلفت إليها..سرعان ما تبددت ابتسامتها..حين اكتشفت أني خلعت قلبي على الباب” من نص هي” المرأة الجميلة لم تمهلني كي الملم أطرافي.. فاتهمتني بالبرود” ومن هي نختار مقطعين”امرأة صامتة قبالتي..أحلم أن تحلمني.. ولما اضطجعنا على حافة الوجد.. صارحتني بنفس الحلم” و “حين قادني قلبي إليها..ألقتني في النهر..وتوعدتني إن بللني الماء” من نص بعنوان اشتياق” حين أشتهي دفئك..رعشة نورك..أدلف إلى عتمتي وأبكي” ومن ارتحالات الظل”ظلي أعتاد أن يتبعني في النور.. لكنه في الظلمة لا يجرؤ” و “ظلي يخونني أيضا.. اكتشفته يتبع غيري” و “كلما أردت ظلي ليؤنسني أشعلت شمسي” ومن محاولات “كعادتهن النساء يغتبن أزواجهن..ويشربن على أرواحهم قهوة الصباح” و “منذ وعيت نبيذ سكرها ..النبي الذي كنته ضاع” ومن تنافرات الروح”سيدة النور..وضعت النور في كفي..ثم راحت تفتش في داخلي عن عتمة أخرى” و “مرة بكيت لما فقدت أمي..ومرة أخرى لا أدري لماذا.. ومرة ثالثة لما وجدتها” تلك المقاطع النصوص السردية التي تمثل ذروة فن( ق ق ج) كتبت بوعي ودراية ,لكن ما يبعث على التأمل أن المجموعة لم يصنفها كاتبها بـ (ق ق ج) وقد أجد له عذرا بتلك النصوص التي جنحت لتغوص في غبة الحكمة والفلسفة ومنها مقطع في نص أنا”ما تتمناه لن يأتي أبدا فانس أحلامك كي يأتيك ما تريد”ومقطع في نص بداياتي” حين أمعن التوخي تتيه الحقيقة” ومن نص تنافرات الروح”لما فشلت في إخفاء سري..اختفيت فيه”ومن نص كلام في الحب”الحب دائما لحبيب بعيد المنال..وإذا حضر غيبناه.. لنهيم به أكثر” ومقاطع أخرى تتماس مع التصوف منها “لأنك أنا فإني أصدق صمتك ” وهو مقطع من نص قلق الحنين, ومقطع آخر نص اشتياق” في الساعة الأخيرة أخرج..فهل ستتسع لي الدروب¿”ومن تجليات “تسترت بنفسي من نفسي.. ويممت ملكوتها..وفي لحظة الأوار المشتعل..فررت بنفسي من نورها” ومن لا طمأنينة “ترتعش طمأنينتي كلما رأيت ملابسي المبتلة لا تجف أبدا” ومن تشبه “لقلبي وجهان..إذا تجلى أحدهما للآخر تهدج طهره.” ومن موت نهائي “ضاق الوقت على الوداع فضج الطريق بالازدحام” مسامير الذاكرة مجموعة لنصوص تمثل فن القصة القصيرة جدا كما يجب أن تكون اللغة والتكثيف , أيضا برزت في نصوصها روح السخرية, وقد أثث الكاتب معظم مقاطع نصوص مجموعته بها , وأعترف بأني أرجع لقراءة تلك النصوص بين فينة وأخرى لمل تبعثه في من تأمل دافعة بروحي نحو الابتسامة بين مقطع وأخر. وأيضا أقدم تلك المقاطع وأتلوها لبعض الأصدقاء ممن يعشقون فن القصة القصيرة جدا وكذلك كنماذج ناضجة لمن لا يفرقون بين فن الشذرة والكتابة الوجدانية والقصة القصيرة جدا.