مجلس القيادة الرئاسي يناقش المستجدات الوطنية والاقليمية وفد عسكري يطلع على سير العمليات العسكرية في محور علب بصعدة الارياني يرحب بإعلان حكومة نيوزيلندا تصنيف مليشيا الحوثي منظمة إرهابية نيوزيلندا تصنف مليشيات الحوثي منظمة إرهابية الارياني: استمرار تجاهل التهديد الحوثي وعدم التعامل معه بحزم، سيؤدي لمزيد من زعزعة الامن والاستقرار المكتب التنفيذي لأمانة العاصمة يناقش انتهاكات الحوثي وتحديات النازحين وكيل شبوة يفتتح إفتتاح مشروعات امنية في المحافظة الثقلي يؤكد دعم السلطة المحلية لمركز اللغة السقطرية للقيام بواجبه مجزرة إسرائيلية جديدة شمالي غزة تخلف عشرات الشهداء ومئات المصابين "التعاون الإسلامي" تدين "الفيتو" الأميركي ضد قرار مجلس الأمن لوقف اطلاق النار بغزة
سليمان المعمري قاص من عمان تميز في عدد من نصوصه القصصية, واليوم قرر اقتحام مجال الرواية بعمله المعنون “الذي لا يحب جمال عبدالناصر” متسلحا بنجاحه القصصي والذي حاز على أكثر من جائزة عربية. بعد إتمام قراءة كل عمل روائي تتوالد لدي عدة أسئلة أحاول إيجاد أجوبة لها من خلال نقاشات مع من يشاطرني نفس الغواية أو من خلال قراءات لمقاربات دراسات نقدية.. ومن تلك الأسئلة: ما وظيفة الرواية¿ هل ينتصر الكاتب لمجتمعه وتاريخه¿ أمن حقه أن يعبر عن قناعاته من خلال شخصيات عمله¿.. الخ تلك الأسئلة وأعلم بأن هناك أكثر من إجابة على تلك الأسئلة وغيرها, لكنها لا تقنعني. وفي “الذي لا يحب جمال عبدالناصر” تداعت نفس الأسئلة بعد أن لاحظت بأن الكاتب لخص مضمونها في عنوانها المجزأ على لوحة الغلاف في ست مفردات.. وهذا من أطول العناوين.. ثم وزع محتواها على خمسة عشر فصلا كل فصل له عنوان يضاهي العنوان الرئيسي في طوله إذ إن جميع مفردات عناوين الفصول الخمسة عشرة تربو على المائة مفردة.. وهذا أمر يثير التساؤل . بعد التأمل سيدرك القارئ أن تلك العناوين لم يضعها الكاتب دون وعي, فكل منها يحمل رسالة ساخرة, ولو عدنا لعنوان الرواية الرئيس لوجدنا ذلك الخيط من التهكم يربط بين جميع العناوين الرئيسية بالداخلية.. ومن عناوين الفصول: الراوي العليم: زرني ياعدوي. وجار النبي بسيوني سلطان: صوت لمرسي يا ولد.. ورئيس القسم الديني: هل سيد قطب أباضي¿. المصحح السوداني: أنته أصلا فلول ومالكش في الثورة…الخ تلك العناوين المتسمة بالطول, لتترسخ لدى القارئ بعد ولوجه متن الرواية أن تلك العناوين لم تأت اعتباطا بل إنها ضمن سياق عمل ساخر من أوضاع كثيرة, سياسية بالمقام الأول. الرواية بدت دون أحداث تصاعدية بعد الحدث الرئيسي الذي يتلخص في السماح لعبدالناصر بالخروج من مرقده في مسجد كوبري القبة في القاهرة بعد مرور ستين عاماٍ على ثورة يوليو 52 المصرية, بدأ الكاتب روايته بجدال بين ناصر وحارس البرزخ الذي أخبره بأن قانون الموتى لا يسمح للمتوفى الخروج لزيارة أحد ما. إلا إذا طلبه أحد كارهيه, معددا فترات السماح السابقة له للزيارة, وبعد أن يئس جمال . فكر الحارس الذي كان متعاطفا مع رغبته نتيجة لمواقف إنسانية قام بها ناصر في حياته ومنها الرد على رسالة طفل مصري برسالة يحثه على تحصيل العلم والتحلي بالأخلاق الكريمة لبناء الوطن.. وكان ذلك الطفل إن اقتدى بتلك النصائح ليكون العالم أحمد زويل, وغيرها من الحكايات والمواقف ليبحث له عن كاره يجعل منه مبررا للسماح له بالخروج لزيارته. ولم يطل البحث فقد وجد أن أحد المصريين “بسيوني” المغتربين في عمان من أشد الكارهين لعبدالناصر ولذا سمح له بالخروج لزيارته مشترطا عليه التوجه إلى المطار فورا, ليهبط في مسقط متوجها إلى العنوان المزود به من قبل الحارس, طرق باب الشقة وبعدها فتح الباب لرجل في العقد السابع من عمره يقف مذهولا ثم يخر أرضا مغشيا عليه. ينقل بسيوني إلى المستشفى ليتبعه عبد الناصر بباقة ورد كتب على كرت معلق بها “ارفع راسك يا أخي.. محبك جمال عبدالناصر”. غيبوبته طالت شهور أربعة حتى نهاية سرد الرواية . لم يكن من حدث غير ذلك الحدث الذي كان أساس الكاتب ليبني عليه بقية الرواية مستخدما تقنية تعدد الأصوات مبتدءا بالراوي العليم الذي سرد ذلك الحدث الفانتازي لخروج ناصر من القبر ثم يعقبه الفصل الثاني يروي أحداثه ابن كاره عبدالناصر “جار النبي” ساردا أحوال والده بسيوني الصحية.. وهكذا تتوالى سرد فصول الرواية من راوُ إلى آخر وجلهم من زملاء بسيوني في صحيفة المساء العمانية الأستاذ داود رئيس القسم الديني بالصحيفة, ثم المصحح السوداني بالصحيفة عثمان المرغني. وهكذا لكل فصل سارده من زملاء بسيوني, يتحدثون عن علاقاتهم ببسيوني الذي كانت طبيعته لا تطاق يخرج عن طوره لمجرد ذكر أحد لعبدالناصر بخير, يشتم هذا ويتشاجر مع آخر لمجرد أنه من محبي عبدالناصر. هو تكرار وتوكيد من قبل الكاتب حول ذلك الخونجي بسيوني.. الشكاك في كل ما حوله وفي كل جديد, من خلال الدوران حول علاقات الجميع بذلك الكاره لعبدالناصر استطاع الكاتب أن يقدم لنا شخصية المتدين المتطرف بما يؤمن, كما استطاع أن يجعل القارئ يرى بعيون ذلك المتدين لما يحيط به من اختلاف في المذاهب والأمزجة والأعراق. وكذلك قدم الكاتب أسرة صحيفة المساء بذلك التنوع في الجنسيات والمذاهب منهم المصحح السوداني والتونسي والمصري والموظفين العمانيين فهذا أباضي وذاك يتبع المذهب الشيعي وآخر سني.. الخ ذلك التنوع. كما استطاع أن يقدم ما يعتمل في الوطن العربي من متغيرات عبر ثورات الربيع العربي في تونس ومصر والسودان. ولم يتوقف عند ذلك بل إن الرواية تحولت إلى سيرة لتلك الاحتجاجات ورواد العمل الوطني في عمان ابتداء بذكر الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي مرورا بعام 1987 حين زجت السلطات بعشرات المتهمين في السجون بتهمة إنشاء تنظيم شيعي ومخابرة دولة أجنبية لقلب نظام الحكم في عمان, ثم في 2005 تم ضبط جماعة سرية تدعو لإحياء دولة الإمامة في عمان وإيداعهم السجون وأخيراٍ أحداث عام 2011 واعتصام الشباب في ساحة الشعب أمام مجلس الشورى للمطالبة بإصلاحات سياسية في البلاد. رواية فاضحة لأوضاع غير سوية مقدمة الوجه المغيب والمسكوت عنه في الجانب السياسي, متوغلة في التفاصيل الصغيرة لمجتمع يحاول النأي بشؤونه الداخلية بعيدا عما يعتمل من حوله رافعا شعار الخصوصية المغلفة بالخصائص التاريخية والمذهبية رافعا شعار التمسك بالتراث والأصالة وتوظيف المعاصرة في سياق تلك الخصوصية. بعد خروج أحد المتهمين من تنظيم إحياء الإمامة وإسقاط النظام من السجن استقال من عمله وغير مكان سكنه هربا من نظرات معاريفه, وهو يصف ما كانت تعنيه نظراتهم “هل جربتم تلك النظرات المرتابة التي تخترقكم حد العظم وتقول لكم بكل وقاحة: ما الذي كان ينقصكم لتخونوا الوطن أيها الأوغاد¿ أقسم إنني كنت أقرأ تلك النظرات من جميع زملائي”. وهنا يتساءل التونسي -أحد شخصيات الروائية وهو مصحح في صحيفة المساء- حول الثورة في تونس وهو ما ينسحب على بقية الثورات أو الانتفاضات والأزمات في الوطن العربي: “هل كانت هذه الثورة ثورة حقا¿ ما الفرق بينها وبين الانتفاضة إذا كان أزلام النظام مازالوا يتحكمون في مفاصل الثورة بحماية ورعاية حزب النهضة الذي خدعنا بشعار”لا تخافوا من يخاف الله” فصدقنا ولم نخف وها نحن نكتشف اليوم أن من سموه بالطاغية بن علي يخاف الله أكثر منهم”. الكاتب قدم لنا رواية سلطت الضوء على كل ما ذكر وغير ذلك بأسلوب ساخر وفي قوالب تهكمية هي ما جعلت تجربته الأولى تنبئ عن روائي ساخر يختلف في نهجه عن تلك الأساليب التي ينتهجها معظم الروائيين العرب.. وهم قلة ممن سلكوا طريق التهكم والسخرية. سخرية سوداء بعد رغبة حارس البرزخ بالسماح لعبدالناصر بزيارة أحد كارهيه دار الحوار التالي الذي بدأه حارس البرزخ “وأنا أقلب دفتر العلاقات وجدت رجلا مازال على قيد الحياة يكن لك كراهية شديدة إلى درجة أنها لو وضعت في كفة ميزان وفي الكفة الأخرى كل باغضيك الآخرين لمالت كفته. – لابد أنه من أبناء سيد قطب! -كلا ليس هو. – إذا هو أحد أبناء محمد نجيب. -كلا. – أحد أحفاد الملك فاروق. -كلا. – أحد أبناء غولدا مائير! -كلا ولا تتعب نفسك هو مصري ولا يعيش في مصر”. ثم حوار بين جار النبي ابن بسيوني بعد أن لجأ للسحرة كي يخرج أبيه من غيبوبته حين شرح حالته للساحر: “-خير إنشاء الله لا تقلق يا ولدي. من متى صابت أبوك هذه الحالة¿ – من بيجي شهر. – قلت لي اسمه بسيوني سلطان¿ – آه. – وما اسم والدته¿ – عنايات.. لكن إيه دخل تيته في الموضوع¿ لم يرد الساحر.. وقد أخذ يتابع بنظراته في أنحاء الغرفة كالمجنون”. سخرية التبعية ويتذكر أحد زملاء بسيوني في صحيفة المساء حواراٍ دار بينهم بعد أن ضبط بسيوني يأكل تفاحة بينما كان ذلك النهار آخر نهار صيام من شهر رمضان في عمان” وعندما سألته أنت مش صائم ياشيخ بسيوني¿. أجاب مبتسما: -الناس كلها شافت الهلال إلا أنتم يا العمانيين هلالكم ثاني! -إحنا نتبع علم الفلك اللي ما يخطئ. -أمال السعودية شافته ازاي¿ -ما سمعت ياشيخ عن اختلاف المطالع . -وهي ما طالعكم لازم تيجي بخلاف إجماع المسلمين.. مش البحرين والإمارات والكويت عيدوا وإلا أنتم يعني على رأسكم ريشة ! ولما لم تذكر ياشيخ عمان والمغرب وباكستان وإندنوسيا وبنجلادش اللي أتموا اليوم صيام .. وبعدين النبي قال صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته ما قال صوموا لرؤية السعودية وافطروا لرؤيتها”. وفي وصف زميل آخر لبسيوني عضو الإخوان المسلمين في مصر, يرمز به إلى ضيق الأفق لدى الجماعات الإسلامية رغم ادعاءاتهم حيث يصف حالة بسيوني: “لم أرِ في حياتي رجلا يوسع ضيقا ويضيق واسعا مثله خلقه الله في بلد وسيع يقال له أم الدنيا فتركاها وجاء إلى خنصر أم الدنيا الصغيرة وفي هذا الخنصر سكن في أظفروا صغيرا يقال له مسقط وفي هذا المسقط اختار أن تكون حياته في مبنى صغير يقال له جريدة المساء وحتى في هذا المبنى لم يطق العيش في مكتب واسع فتركة إلى مخزن صغير يقال له قن الدجاج”. سخرية الكلمة وكذلك تعرضت الرواية لأوضاع الحريات الصحفية ومدى خنوع رؤساء التحرير لما يملى عليهم ومحاولة إيجاد بدائل لما يمكن أن يثير غضب السلطات.. يشير رئيس التحرير على بسيوني عند تصحيح أي مادة بأن يتبع بقائمة من الكلمات البديلة: “زوده بقائمة المفردات البديلة, كأن يستبدل كلمة الإصلاح بكلمة التطوير وتظاهرة بمسيرة والبنية التحتية بالبنية الأساسية وسيدات الأعمال بصاحبات الأعمال والإبداع بالإجادة… الخ تلك المفردات التي تجنب الصحيفة غضب السلطات” وتلك القائمة أوقعت الصحيفة لم تكن على البال ففي لحظة سهو غير مفردة في إياه ضمن مقال طويل “إن أْريدْ إلا الإصلاح ما استطعت” لتصبح إن أريد إلا التطوير ما استطعت. وبعد أشهر يقع الخطأ الثاني حين غير المصحح في خبر صدور رواية جديدة من “سيدات القمر” إلى صاحبات القمر.. وهكذا كما يعري تلك الصحيفة التي تصرح بأنها مستقلة وهي في الوقت نفسه لا تستطيع أن تسمي الأشياء بمسمياتها حين يقول أحد محرري الصحيفة ساردا جدلا بينه وبين رئيس التحرير: “أذكر أنني حينما قلت له ممتنا على تكليفي بالذهاب لتغطية خبر المعتصمين: أنا سعيد جدا يا أستاذ لأنك اخترتني لتغطية أخبار الربيع العماني. امتقع لون وجهه فجأة واستشاط غضبا وقال وهو يعض على أسنانه: يا أبو الشباب, يا أبو الشباب قلت لك ألف مرة ما اسمه الربيع العماني اسمه الحراك الحرااااك السلمي لا تطلع لي قرون”. وتفضح أخلاق شريحة الصحافيين وتقديمهم كسوقيين من خلال علاقاتهم ببعض وأسلوب تعاملهم وتلفظهم على بعض بمفردات غير لائقة وشتائم مقذعة بل تصل في بعض الحالات إلى العراك بالأيدي والضرب. سخرية الدين الكاتب جعل من بسيوني عضو الإخوان هو وفكره محور الرواية وجعل الجميع يدور في فلكه بوعي وخطاب ديني مماثل ولم يكن هناك خروج على المسلمات. إضافة إلى الخطاب الموازي للدين المتمثل في استخدام الأمثال المختلفة والحكم وكذلك استدعاء الإيمان الشعبي بالسحر وقوته في معالجة بعض الأمور ومنها الإيمان بالمغيب ذلك المسحور الذي مات وفي لحظة احتضاره استدعى روحه أحد السحرة ليرى بعد سنوات وقد عاد. فضح مجتمعات تعيش شاغلها الفحولة من خلال الوصفات التي يروج لها الكثيرون, وقد أبرزها الكاتب في شخصية المصحح التونسي الذي أطلق عليه زملاء صحيفة المساء “أبو المقويات” فاضحا رئيس التحرير الذي يطالبه المزيد من الوصفات التي تزيد من فحولة الرجال ليتبين بأن رئيس التحرير يوزعها كرشاوى لمنهم أعلى منه حتى يضمن بقاء مركزه. ثم رمزية جار النبي ابن بسيوني ذلك الشاب الذي يسير “شخشيخة” دون أن يكون له رأي أو شخصية وكأن الرواية ترمز إلى كثرة من الشباب ينقادون دون وعي لتلك الدعوات التي تحولهم إلى مجرد أتباع.. وطاقة في خانة العنف والإرهاب. الكاتب أراد أن يرى القارئ الأشياء من أكثر من زاوية وأكثر من عين هي عيون زملاء بسيوني بمختلف مذاهبهم ومجتمعاتهم. صور لنا المجتمع بمختلف شرائحه وعقائده ومذاهبه السياسية. ليأتي اعتراف بسيوني لزميلته زينب العجمي وهي أرملة عمانية على المذهب الشيعي قبل أن يعرض عليها زواج المتعة, حول أسباب كراهيته لعبدالناصر أن أسرته كانت من ذوي الأملاك لمساحات زراعية واسعة وأن قانون الإصلاح الزراعي الذي فرضه على الملاك وبموجبه تم انتزاع الأرض وإعادة توزيعها على صغار المزارعين لتتحول تلك الأسرة إلى أسرة محدودة الملكية الزراعية, وكذلك قانون إيجار العقار الذي حول كل عقاراتهم إلى ما يشبه المشاع. “الذي لايحب جمال عبدالناصر” رواية أعتمد كاتبها على سلسلة من المشاهد المكررة, ذلك التكرار حول شخصية بسيوني رمزا للتمذهب المتحجر والمخادعة, ولم يعتمد في سرد روايته على الزمن التصاعدي للأحداث. كما لو كانت من كائن بخلية واحدة, ذا القطب الأوحد وإن جاءت أحداث كثيرةٍ لكنها أقل منه أهمية, بل إنها ليست نتاج للحدث الأول خروج عبدالناصر وسقوط بسيوني مغشيا عليه. نهاية الرواية تعود لتتصل ببدايتها حيث يكرر السارد العليم نفس الجمل التي جاءت في الصفحة الأولى من الرواية لقيام عبدالناصر من مرقده لكن الكاتب يعدل في عدد السنوات من ستين سنة على قيام ثورة يوليو إلى ستة آلاف سنة. نهاية أرادها الكاتب دائرية عودة على بدء.. وهذا ما يحصل في فن ق. ق ج.