الرئيسية - عربي ودولي - الشرق الأوسط الجديد في السياسة الدولية
الشرق الأوسط الجديد في السياسة الدولية
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

من القواعد الثابتة التي هي محل إجماع الفلاسفة و المفكرين عبر مراحل التاريخ المختلفة استناداٍ لحقائق التاريخ والجغرافيا أن الوطن العربي يقع في قلب السياسة الدولية وذلك كمسألة طبيعية ليست محلاٍ للشك ولا عرضة للجدل وكان طيلة قرون ماضية ومازال حتى اللحظة الراهنة رهينة للتدخلات الخارجية وإن اختلفت أطوراها وأشكالها من الغزوات الاستعمارية المختلفة إلى عصور الاستعمار الحديث فضلاٍ عن موجات الغزو الفكري بمختلف أشكاله وأنواعه علاوة على ذلك وجود الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي محصلة لتراكم الخبرات الاستعمارية منذ وعد بلفور 2 نوفمبر 1917م وحتى صدور كتاب الشرق الأوسط الجديد لرئيس وزراء إسرائيل السابق شمعون بيريز كان الوطن العربي وما زال عرضة للتدخل الخارجي الذي أخذ في التزايد والاتساع وفقاٍ لظروف وشروط داخلية خصوصا والاستعمار الأجنبي ظاهرة قابلة للتكرار ودائماٍ ما يجد ذلك الاستعمار ضالته المنشودة بالاستبداد المحلي أياٍ كان نوعه أو شكله ومع حلول عام 2002م بدأت السياسة الدولية ممثلة بالولايات المتحدة الأميركية ومعها أوروبا في تسويق مفاهيم تتمثل بقضايا الاصلاح والديمقراطية والحقوق والحريات العامة والهيئات والمنظمات المدينة وزادت على ذلك إصلاح أنظمة التعليم ثم تمحورت تلك المفاهيم ليتم من خلالها طرح رؤى أوسع واشمل تمثلت بضرورة إصلاح الشرق الأوسط الكبير استناداٍ لرؤية صهيونية عبر عنها شيمون بيريز في كتابه (الشرق الأوسط الجديد) قبل فترة من طرح مفاهيم الاصلاح والديمقراطية في بلدان الوطن العربي ببلدانه المختلفة وأخذت تلك المفاهيم في الانتشار سيما خلال عامي 2003 /2004م واستمر طرحها حتى عام 2009م دارت سجالات حول أهمية الاصلاح السياسي للنظم القائمة في منطقة الشرق الأوسط وبرزت اتجاهات عدة بين تأييد الاصلاح الخارجي وتأييد الاصلاح الداخلي. ومن الواضح أن السياسة الدولية ضد إجراء أي إصلاحات داخلية لأنها بذلك تفتقد أحد أهم شروطها بفرض الاصلاح الخارجي لذلك يرى الدكتور اسامة الغزالي رئيس تحرير مطبوعة السياسة الدولية بأن الضغط الأميركي الذي تصاعد عام 2005م لتحقيق الاصلاح الديمقراطي سيدفع مستقبلاٍ نحو اصطناع قوى داخلية قادرة على تنفيذ الأهداف المطلوبة على قيادة التحرك الجماهيري في الشارع العربي.. مشيراٍ إلى أن الخبرة الغربية لن تتوقف عند تصنيع قيادات وإنما قد تصل إلى صناعة جماهير من خلال صرف أموال طائلة وإيجاد تدخلات خفية تتحول إلى أشكال مباشرة للتأثير على المجتمعات المقصودة. كان ذلك في عام 2005م قبل اندلاع الاحتجاجات الشعبية بنصف عقد حيث استمرت الدعوات المطروحة لإصلاح الشرق الأوسط الجديد وظهرت أبحاث ودراسات ومؤلفات غربية بشأن تحقيق تلك الإصلاحات السياسية والاقتصادية في الوطن العربي وبرز مفهوم الفوضى الخلاقة التي جرى اعتبارها إحدى موجات العولمة واقترنت الدعوات مع مطالبات بضرورة التغيير الذي ركز على منطقة الشرق الأوسط تحديداٍ أو ما يسمى بالشرق الأوسط الكبير استناداٍ إلى المفهوم الأميركي والذي تزامن مع صدور كتاب “صدام الحضارات” وإعادة بناء النظام الدولي الجديد للكاتب الأميركي “صموائيل هنيجنتون” الذي يتمثل بالطرح حول الشرق الأوسط الجديد والعرب تحديداٍ مع الرؤية الإسرائيلية المحضة. حيث يزعم بأن الإسلام نشأ في بيئة تحض على العنف وبالتالي فإن المسلمين بلا حضارة وبلا مركز وأنهم يشكلون خطراٍ على الحضارة الغربية كونهم يمثلون المنطقة المستعصية في قانون الممانعة لذلك فلا بد من إنهاء هويتهم كشرط لقبولهم في الحضارة الجديدة على أن يكون ذلك ضمن شرق أوسط جديد يمثل وحدة سياسية تتركز خصوصاٍ على الأقطار العربية في إطار مشروع بناء وتفكيك لعمل جديد يلغي أي ذكر أو وجود للعرب فلا يتميزون لا في جغرافيتهم ولا في هويتهم ويكونون ملحقين ضمن هيمنة غربية وإعطاء الأولوية للكيان الصهيوني لقيادة زمام المشروعين السياسي والاقتصادي فضلاٍ عن ترتيبات الأمن وعلى أن تتولى أوروبا إعداد الشعوب باعتبارها متخلفة لكي يتم تأهيلها وإعادة انتاجها ضمن مواطن شرق أوسطي جديد في سياق قولبة شاملة لإدراج تلك الشعوب في دائرة النفوذ الأميركي الذي كان قبل أحداث سبتمبر 2001م بالنظر لمتطلبات السياسة الخارجية الأميركية يركز على شيئين أساسيين ضمان وصول النفط وحمايته وضمان أمن الكيان الصهيوني. لكن بعد تلك الأحداث بدأ التركيز على الإسلام بدرجة أساسية وإدراجه ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد وفقا لمحددات حركات إسلامية يجب استئصالها وحركات إسلامية يجب إيجادها وتأطيرها ضمن السياسة الأمريكية لتكون أحد أهم الدوافع الأساسية في عملية بناء الشرق الأوسط الجديد مع إيجاد مبررات كافية تخدم من خلالها السياحة الخارجية الأمريكية لمواصلة ما تسميه مكافحة الإرهاب في ظل وجود تنظيم القاعدة الذي يعتبر المعادلة العكسية في مقلوب السياسة الخارجية لواشنطن حيث يعمل ضمن قانون المنعكس الشرطي لخدمة التوجه العام للسياسة الخارجية للبيت الأبيض على أساس طرح البديل المتمثل بالإسلام الأميركي ضمن الحملة المنظمة ضد الإسلام الحقيقي لوجود حسابات أن الإسلام قوة حقيقية لايستهان بها وأن إنهاءه من الداخل وإفراغ مضمونه عبر إنشاء الجماعات المتناحرة والتنظيمات المتأسلمة شرط مسبق لإيجاد شرق أوسط جديد خصوصاٍ والمكنة الإعلامية الغربية خلال العقود الماضية كانت قد ابتدعت مصطلح (الإسلاميين) بديلا عن المسلمين وما يؤكد حقيقة ذلك أن صموائيل قال في كتابه المشار إليه بأن الإسلام بلا دولة مركز وأن السعودية لا تتوفر فيها الشروط لتكون دولة مركز لقيادة الإسلام مشيرا بالنص إلى أن تركيا هي التي تتوفر فيها الشروط لتكون دولة مركز تقود الإسلام كان ذلك في منتصف عقد التسعينيات وهو ما يفسر الخلاف الجاري بين أنقرة والقاهرة وهذا لا يلغي حقيقة أن مصر كانت مدركة لأبعاد وخفايا مشروع الشرق الأوسط الجديد.