الرئيسية - محليات - 76 % من الأطفال العاملين على مستوى الجمهورية يعملون من أجل تغطية مصروفات الأسرة
76 % من الأطفال العاملين على مستوى الجمهورية يعملون من أجل تغطية مصروفات الأسرة
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

دراسة محلية: الهجرة إلى المدن تدفع بمزيد من الأحداث إلى سوق العمل المحفوف بالمخاطر

المحويت/ ابراهيم الوادعي

يعمل خالد الشاحذي وهو طفل في الثانية عشرة من عمره إلى جانب أسرته في قطاف القات والعناية به وهو عمل يؤثر على انتظامه في مدرسته وحضور كافة دروسه , خالد يفضل الذهاب إلى المدرسة بدلاٍ من مواصلة العمل في حقل القات الذي يجبره على أن يفيق من نومه باكراٍ وقبيل بزوغ أشعة الشمس لقطف القات من مزارع العائلة ويمضي في ذلك قرابة الساعتين إلى الثلاث ساعات قبل أن يضطر أحياناٍ إلى مساعة الكبار في حمل كميات القات المفرغة في أكياس النايلون إلى السوق لغرض بيعها بالجملة .

تعب وإنهاك يقول خالد الذي يقيم مع عائلته في وادي خبة  – 20 كيلومتراٍ شرق مدينة المحويت عاصمة محافظة المحويت – بأنه اعتاد على الذهاب إلى المدرسة عقب إنجاز العمل في قطاف القات لكن التعب والإنهاك , ونتيجة الاستمرار في هذا العمل بشكل يومي أصبح يفضل العودة إلى المنزل لطلب الراحة , قبل أن يلتحق بالمدرسة في الحصص الدراسية  الأخيرة ,وعقب الراحة اليومية للتلاميذ. يدا خالد كما الكثير من أقرانه – تعانيان من التشققات – يعرفها الأطفال بالجحف – ويسيل منهما الدم في بعض الأحيان نتيجة العمل بين البرد  , وبرغم ذلك فلا يحصل خالد على مقابل مادي من أسرته باستثناء علاقية أو اثنتين يقوم بتوفيرهما ويتغاضى عنهما اخوته  الكبار وبيعهما بعد ذلك للمسافرين على الطريق الواصل بين مدينة المحويت والعاصمة صنعاء . مع منتصف النهار وحتى الساعة الخامسة مساء ينتشر اعداد من الأطفال على قارعة طريق صنعاء المحويت يحمل كل منهم في يده علاقية واحدة من القات أو اثنتان لبيعهما من عابري الطريق حيث يتوقف المسافرون عادة لشراء القات الذي يبيعه الأطفال على قارعة الطريق, طمعاٍ في السعر المغري مقارنة بأسعار القات في الأسواق  وخاصة في فصل الشتاء.       شبكة لحماية الطفولة تنظم الشبكة المحلية لحماية لطفولة في محافظة المحويت عدداٍ من الانشطة التوعوية لحماية الطفل وخاصة فيما يتصل بعمالة الأطفال وتهريب الأطفال التي تعاني منها بعض مديريات المحافظة وخاصة تلك الواقعة غرب المحافظة. وتوضح بيانات الشبكة أن الفقر الذي يعم مديريات بني سعد وإجزاء من مديريات الخبت ومديرية المحويت  ومديرية ملحان  يدفع بالأسر إلى إخراج ابنائهم من المدارس لعدم قدرتهم على تحمل تكاليف التعليم والدفع بهم إلى سوق العمل حيث يعملون في أعمال متدنية الأجرة وخطرة على حياتهم كأعمال الورش واللحام , وهناك أسر تدفع بأبنائها إلى السفر إلى المملكة العربية السعودية بمعية بعض المهربين بغرض العمل وهو مابات يعرف أخيراٍ بتهريب الأطفال. وتؤكد الاحصائيات أن انتشار زراعة القات في محافظة المحويت ضاعف من أعداد الأطفال المتسربين من المراحل التعليمية المختلفة , وبعد أن كان التسرب من المدارس مقصوراٍ على مساعدة أسرهم في أوقات معينة من السنة تتصل بمواقيت الزراعة وخاصة في الأرياف .  ويؤكد أحمد النويرة ناشط في الشبكة المحلية لحماية الطفولة بالمحويت أن تسرب الأطفال من سلك التعليم تضاعف في المحافظة خلال السنوات الأخيرة وارتبط ارتباطاٍ طرديا مع ازدياد المساحات المزروعة بالقات ودخول مناطق جديدة كل عام إلى خارطة المناطق المنتجة للقات , حيث تتعاظم المشكلة وتصبح أعمق. مضيفاٍ بأن ذلك يعود لثقافة أسرية قائمة ولأسباب اقتصادية لايمكن تجاهلها, فالطفل الذي يستطيع تدبر مصروفه دون أن يحمل أسرته أية أعباء سواء من خلال بيع علاقية قات على الطريق أو شراء عربية وتقديم خدمات للناس بمقابل , يعد رجلا بمنظار أسرته والمجتمع ويطلب من بقية الأطفال الاقتداء به , والامر الأخر ان الضائقة الاقتصادية التي تمر بها البلاد وتلقي بكاهلها على معظم الاسر اليمنية جعلها تتغاضى عن تسرب طفلها من المدرسة لحساب العمل ايا كان. وأشار إلى أن عمل الطفل اقترن بداية بالالتزام بحضور الحصص الدراسية , لكن الفساد الذي غزا التعليم وأصبح الطالب من خلال علاقته بالمدرس أن يحصل على شهادة النجاح المطلوبة دفع بالكثيرين إلى التفرغ بشكل أكبر للعمل على حساب المدرسة دون أن تحسب الأسر وأولياء الأمور عواقب ذلك.           الهجرة الداخلية عمل الأطفال في مجال زراعة تجارة القات وسع فقط من دائرة الأعمال التي ينخرط فيها الأطفال في محافظة المحويت خلال السنوات الأخيرة حيث أخذت ظاهرة الأطفال المنخرطين في سوق العمل بالتنامي حتى في المدن بسبب الهجرة الداخلية من الأرياف إلى المدن حيث السمة الغالبة للهجرة الداخلية هو الفقر المدقع والذي يدفع رب الأسرة للاستفادة من كل طاقات أسرته بمافيهم الأطفال للحصول على المال . وتفيد دراسة اجتماعية محلية اجريت من قبل ناشطين مدنيين في مدينة المحويت أنه يغلب على الأسر الريفية التي انتقلت إلى مدينة  المحويت للعيش والعمل الفقر الشديد نتيجة عدم توفر فرص عمل كافية تستوعب الأعداد الكبيرة من المهاجرين والذي ينتمي معظمهم إلى الطبقة الأمية أو قليلة التعليم , وبالتالي فتلجأ هذه الأسر إلى الإستفادة من كل أفرادها لتوفير وجمع المال الكافي لدفع الإيجار والعيش في المدينة. وتشير الدراسة إلى أن أبرز المديريات التي ينتمي إليها جل أولئك الوافدين هي مديرية ملحان وأجزاء من مديريتي حفاش والخبت ومديرية المحويت ويجمع بينها قساوة الحياة , وشح المحصول الزراعي بسبب الجفاف  فلايعود هناك مايكفي السكان أويغريهم بالبقاء, كما أن انعدام الخدمات في الأرياف وتوفرها بالمدينة أحد الدوافع الأساسية أيضاٍ. وبحسب على الطويلي –اخصائي تربوي-  فإن أطفال الاسر المهاجرة  من الريف إلى المدينة غدت أحد أبرز شرائح الأطفال المتواجدة في سوق العمل بمدينة المحويت وهم يعرضون خدماتهم بأجور زهيدة ويفضلهم اصحاب الأعمال للعمل في اعمال عديدة. ولفت في الوقت نفسه إلى أن انخراطهم في العملية التعليمية لايزال ضعيفا على أرض الواقع ,حيث يشير إلى أنه رغم أن الكثير من هذه الأسر تعمد إلى تسجيل أبنائها في المدارس, فإنها تبحث عن تلك المدارس التي تداوم في الفترة المسائية  وهي بذلك تعطي الأولوية للعمل وجني المال في الصباح , وذلك مايجعل تحصيلهم العلمي ضعيف وفي مؤخرة اهتماماتهم, ونتيجة للارهاق الذي يعانون فإن تحصيلهم العلمي يظل متدنيا مهما كان اهتمام المتلقي.         أولوية معكوسة يضيف علي  الطويلي بأن عمالة الأطفال موجودة في محافظة المحويت منذ سنوات , لكنها تزيد في فصل الصيف بحلول الإجازة الدراسية وتنخفض أيام الدراسة, لكن الضغوط الاقتصادية وتدني اهتمام المجتمع بالتعليم وانخفاض جودة مخرجاته غير الصورة بشكل ملحوظ , اذ أن الأولوية باتت لدى الأسر اليوم توفير مستقبل مضمون لأبنائها سواء ارتبط ذلك بالتدرج في مراحل التعليم وصولا إلى الجامعة أو كان الأمر من خلال ورشة نجارة أو لحام أو ماشابه أو أي مشروع تجاري .  وهذا أمر واقعي إلى حد ما فمحمد 15 عاما يعمل مع أخيه الأكبر في ورشة والده لميكانيك السيارات التي تقع في وسط مدينة المحويت , ويقول بأنه يقوم بممارسة وتعلم ميكانيك السيارات  من والده وأخيه في الصباح ويواصل دراسته الثانوية في المساء . يؤكد محمد بأنه مهتم بدراسته ولن يتركها أبداٍ لكنه يلمح إلى أنه يرغب في أن يصير مهندساٍ بارعاٍ يشار إليه بالبنان ويصير له زبائن كثر , كما هو الحال مع أخيه الأكبر الذي ترك الدراسة منذ كان في الصف الثاني الأعدادي وتفرغ لمساعدة والده في ورشة العائلة وتعلم منه مهنة ميكانيك السيارات .          أدوار منوطة يورد الاتحاد العام لنقابات عمال اليمن في نتائج دراسة ميدانية أجراها أن أكثر من 76% من الأطفال العاملين يعملون من أجل تغطية مصروفات الأسرة و8% من أجل تغطية تكاليف الدراسة وتوزعت النسب الأخرى بين سوء المعاملة والخلافات الأسرية وتحقيق الذات والجهل بأهمية التعليم. وهناك كثير من الأسر تعمد إلى حرمان أطفالها من التعليم والذهاب بهم إلى سوق العمل حتى وإن كانت من المهن الخطرة آخذة في اعتبارها المردود المالي الذي سيعود به كل طفل نهاية اليوم غير آبهة بالأضرار التي تلحق بهم والمخاطر التي يتعرضون لها. إن عمل الأطفال في معظمه بحاجة اليوم إلى وقفة حازمة وجادة من قبل السلطات الحكومية  وبتعاون ورقابة من قبل منظمات المجتمع المدني التي يفترض بها أن تكون مرأة عاكسة للظواهر التي تغزو المجتمع اليمني ولفت الأنظار إليها عبر التوعية وتنفيذ الدراسات الميدانية كأول الطريق لوضع الحلول والمعالجات وتوفير بيئة حياة أمن للطفل.