وزير الخارجية المصري: هجمات الحوثيين على السفن التجارية تكبد الاقتصاد خسائر بـ 6 مليار دولار من عوائد قناة السويس الارياني: التحالف القائم بين مليشيا الحوثي والتنظيمات الإرهابية بدعم "ايراني" يهدف لتحقيق أهداف مشتركة افتتاح الصيدلية المركزية المجانية لأدوية الامراض المزمنة بالمكلا وقفة تضامنية حاشدة بمأرب تستنكر استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة رئيس الوزراء يشدد على تنفيذ حملات ضبط محلات الصرافة المخالفة والمضاربين بالعملة في جميع المحافظات المحررة رئيس الوزراء يهنئ بالعيد الوطني الجزائري ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 43259 شهيدا و101,827 مصابا محافظ حضرموت يطلع على أوضاع مديريتي حجر ويبعث الاتحاد والشباب والأخدود يحققون انتصار على الأهلي والوحدة والعروبة في الدوري السعودي الأمم المتحدة: تحذر من تفاقم مستويات الجوع في عدة دول
تأتي دراسة الدكتور إبراهيم عبد الرحمن في كتابه الموسوم بــ(الشعر الجاهلي قضاياه الفنية والموضوعية) ضمن سلسلة دراسات أخرى تناولت شعرنا العربي القديم بآليات المنهج الأسطوري ومن هذه الدراسات نذكر: كتاب الصورة في الشعر العربي حتى أواخر القرن الثاني الهجري للدكتور علي البطل وكتاب مواقف في الأدب والنقد للدكتور عبد الجبار المطلبي وكتاب الصورة الفنية في الشعر الجاهلي في ضوء النقد الحديث للدكتور نصرت عبد الرحمن وكتاب المعلقة العربية الأولى للدكتور محمد نجيب البهبيتي .وكتاب المنهج الأسطوري في تفسير الشعر الجاهلي لـ عبد الفتاح محمد أحمد وكتاب قراءة ثانية لشعرنا القديم للدكتور مصطفى ناصف …..وغيرها كثير. بيد أن كتاب الشعر الجاهلي قضاياه الفنية والموضوعية للدكتور إبراهيم عبد الرحمن يكتسب خصوصية تميزه عن غيره من الدراسات النقدية التطبيقية التي تناولت الشعر الجاهلي من خلال الرؤية الأنتروبولوجية أو المنهج الأسطوري ولا غرابة في ذلك فالدكتور إبراهيم عبد الرحمن يعد من أبرز نقاد هذا الاتجاه في تفسير شعرنا القديم وأكثرهم معرفة بالحدود الدقيقة التي ينبغي أن تميز واقع الشعر من واقع الحياة وهو أوضحهم تصوراٍ لطبيعة الشعر ومسالك النقاد وأدواتهم وقد نص على ذلك نصاٍ صريحاٍ في قوله: “وما دام الفن الشعري في المقام الأول بناء لغوياٍ تخلق فيه اللغة خلقا جديدا وترد إلى منابعها أو تخلق لها هذه المنابع خلقا جديدا فإن دراسة لغة الشعر الجاهلي بغية حل مشكلاتها ينبغي أن تكون مطلبا أساسيا في أية محاولة تبذل لقراءته قراءة جديدة”(i) وبهذا يختلف الدكتور إبراهيم عبد الرحمن عمن سواه بأمرين: أما أولهما فإنه ينطلق في دراسة النص الشعري من اللغة الشعرية وليس من الدين أو المجتمع كما فعل الدكتور علي البطل وآخرون وثانيهما أنه يحاول أن يحل مغاليق الشعر الجاهلي لا مغاليق الدين الجاهلي كما فعل الآخرون من أصحاب هذا الاتجاه وحين يتحدث الدكتور إبراهيم عبد الرحمن عن منابع الصورة يجعل الأسطورة إحدى منابعها ويضيف إليها منابع أخرى كالواقع والحياة بمفهومها الشامل الرحب . يتكون الكتاب من مقدمة وثلاثة أقسام أطلق المؤلف على كل قسم منها اسم كتاب وكل كتاب يتكون من فصلين فأما المقدمة فتقع في ثلاث صفحات ونصف الصفحة تناول فيها المؤلف تقسيمات كتابه وخلاصة موجزة عن رحلته مع كل قسم وما توصل إليه من نتائج. تناول القسم الأول من الكتاب ثلاثة موضوعات أساسية هي :ـ 1ثقافة العصر الجاهلي وظواهره الحضارية.2 ـ ديانة الجاهليين.3 ـ رواية الشعر الجاهلي بين القدماء والمحدثين. وقد انتهى المؤلف فيما يتصل بالظواهر الحضارية والثقافية في هذه الفترة الموغلة في القدم إلى أن ثمة روافد ثقافية وحضارية انحدرت إلى الجاهليين من الأمم المجاورة التي وصلت ثقافتها بثقافة العرب وحضارتها بحضارتهم وقد وجدت طريقها في صورة أو أخرى إلى أشعارهم كما انتهت الدراسة فيما يتصل بديانتهم إلى أن وثنية الجاهلية قد مرت شأن غيرها من الديانات الوثنية القديمة في مراحل تطورية معينة بدأت بما يعرف “بالطوطمية” وهي عبادة الكائنات : الإنسان والحيوان والنبات ثم تطورت في العصور التالية حتى وصلت في الفترة التي سبقت ظهور الإسلام إلى ما يعرف ” بعبادة الكواكب” التي تتخذ من القمر أبا ومن الشمس أما ومن الزهرة وغيرها من النجوم الأخرى أبناء وبنات. وقد تطورت هذه العبادة الوثنية في صورتها الأخيرة بفضل احتكاكها بالديانات السماوية في الجزيرة العربية : الحنيفية اليهودية المسيحية تطوراٍ يتمثل في ميلها في بعض أشكالها إلى التوحيد ولكنه ظل توحيداٍ غير كامل يضطرب مفهومه بين التنزيه والشرك على نحو ما يصفه القرآن الكريم في قوله تعالى على لسان المشركين { والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} سورة الزمر: آية (3 ). ويناقش القسم الثاني من الكتاب : قضايا نقد الشعر الجاهلي بين القدماء والمحدثين وقد لاحظ المؤلف فيما يتصل بقضاياه القديمة أنها اتخذت شكلين نقديين : أما الشكل الأول فيتمثل في نقد الجاهليين الذين انشغلوا بصحة المعنى واللغة وسلامة الموسيقى وأكثروا من اهتمامهم بالتعبير عن إعجابهم بصنعة بعض الشعراء بإطلاق ألقاب عليهم تستوعب مقومات صناعتهم الشعرية. وأما الشكل الآخر فيتمثل في محاولات النقاد القدامى من أمثال الآمدي وابن قتيبة وابن طباطبا وغيرهم تفسير بناء القصيدة القديمة أو ما يسميه المؤلف تفسير هذه التركيبة الغريبة من الأغراض التي تؤلفها ثم وقف المؤلف على آراء المحدثين في هذا الشعر وهي آراء تتركز حول قراءته وتفسير رموزه بمناهج حديثة تصل ما بين الشعر وظروف البيئة حيناٍ بوصفه مرآة تنعكس على صفحتها عناصر البيئة وأحداث الحياة وتفصل بينه وبينها حيناٍ آخر بوصفه بنية لغوية محملة بالرموز وغنية بالإشارات. وفي القسم الثالث تناول الكتاب البناء الفني للشعر الجاهلي من خلال عنصرين من عناصر القصيدة هما:أ ـ الصورة الشعرية بين الفن والدين . ب ـ موسيقى الشعر الجاهلي . النقد الأسطوري في الكتاب: تنبع فلسفة المنهج الأسطوري في تفسير الشعر الجاهلي عند الدكتور إبراهيم عبد الرحمن من حقيقتين: تتلخص أولاهما في أن لغة هذا الشعر لغة موغلة في القدم مليئة بالإشارات الدينية الأسطورية وتتلخص الأخرى في أن ما وصل إلينا من نصوص الشعر الجاهلي في قصائده الطويلة ومقطعاته القصيرة يحتوي على كثير من الصور التشبيهية والاستعارية التي لا تستجيب لتفسيرات البلاغيين ولا تدخل في إطار قواعدهم لافتقارها إلى أوجه شبه تجمع بين أطرافها المتباعدة ولاحتواء هذا الشعر أحياناٍ على أنماط من القصص الغريبة التي توحي بأن وراءها موروثاٍ أسطورياٍ كان الجاهليون يعايشونه ويصدرون عنه فإذا أضفنا إلى هاتين الحقيقتين حقيقة ثالثة هي أن دعاة المنهج العلمي في تفسير الشعر الجاهلي يتخذون من خلو نصوصه من الإشارات الدينية والوثنية المباشرة دليلاٍ يؤكدون به زيف كثير من نصوصه أمكننا أن نتبين أهمية هذا الاتجاه في تفسير الشعر الجاهلي والكشف عن مغزى قصصه الخفية من ناحية وتوثيق نصوصه من ناحية أخرى. وقد وقف المؤلف عند غرضين من أغراض القصيدة الجاهلية ظلِا على الرغم من تطور القصيدة الجاهلية وانفصام العلاقة بين صورها وأصولها الميثولوجية وتحولها إلى تقاليد فنية خالصة يحتفظان ـ كما يرى المؤلف ـ بإشارات دالة على هذا الموروث الديني سواء في اللغة أو المضمون أو الصور الشعرية هما : الغزل ووصف الصيد أما الغزل فتتراءى لقارئ الشعر الجاهلي صورتان للمرأة التي يتغزل فيها الشاعر : الأولى حسية: يعنى فيها بنحت تمثال يشخص عناصر الجمال فيها تشخيصاٍ مادياٍ مفصلا يجعل منها امرأة مثالا. والأخرى صورة عادية لامرأة لا يعنيه وصف جمالها المادي بقدر ما يعنيه رصد مغامراته العاطفية المثيرة معها من خلال سلسلة من الأحداث القصصية التي وقعت لهما ويستعير الشعراء عادة عناصر هذا التمثال من مصادر مختلفة (حيوانية ونباتية وكونية) وقد ساق المؤلف عدداٍ من المقطعات الشعرية لشعراء جاهليين منهم :عبيد بن الأبرص المرقش المثقب العبدي عامر بن الطفيل عوف بن عطية تناولوا في هذه المقطعات صورة المحبوبة الراحلة التي تحمل معها الخصب وتخلف وراءها الخراب والفناء وصورة الشاعر الذي يحرص على اللحاق بها على راحلة يبالغ في وصف قوتها بتشبيهها بالثور الوحشي حيناٍ وبالحمار الوحشي والقطاة أو العقاب حيناٍ آخر ليردها ويرد الحياة معها إلى الديار التي محلت بيد أننا سنكتفي من ذلك بلوحة طريفة لامرئ القيس يعمد فيها إلى تشخيص جمال صاحبته من خلال ما يرصده من عناصر حيوانية ونباتية وكونية وروحية ومائية يربط بينها وبين المرأة المثال التي يتخيلها أو قل يبني منها تمثالاٍ لحسنائه التي فتنته جاعلاٍ منها رمزاٍ على الخصب وتجدد الحياة فيقول: هصرúتْ بغصúنِي دوúمِة فِتِمِايِلِتú عليِ هضيمِ الكشúح ريِا المْخلúخِل مْهِفúهِفِةَ بِيúضِاءْ غِيúرْ مْفاضِةُ تِرِائبْهِا مِصúقْوúلِةَ كِالسِجِنúجِل كبكúر مْقِانِاة البِيِاض بصْفúرِةُ غِذِاهِا نِميúرْ المِاء غِيúر المْحِلِل تِصْدْ وِتْبúديú عِنú أِسيúلُ وِتِتِقيú بنِاظرِةُ منú وِحúش وِجúرِةِ مْطúفل وِجيúدُ كِجيúد الرئúم لِيúسِ بفِاحشُ إذِا هيِ نِصِتúهْ وِلا بمْعِطِل وِفِرúعُ يْغِشي المِتúنِ أِسúودِ فِاحمُ أِثيúثُ كِقنúو النِخúلِة المْتِعِثúكل غِدِائرْهْ مْسúتِشúزرِاتَ إلى العْلا تِضلْ المِدِارِى في مْثِنٍى وِمْرúسِل وِكِشúحُ لِطيúفُ كِالجِديúل مْخِصِرُ وِسِاقُ كِأْنúبْوب السِقي المْذِلِل وِتِعúطْو برِخúصُ غِيúر شِثúنُ كِأِنِهْ أِسِاريúعْ ظِبúيُ أِوú مِسِاويúكْ إسúحل تْضيءْ الظِلامِ بالعشِاء كِأِنِهِا مِنِارِةْ مْمúسِى رِاهبُ مْتِبِتل فقد جعل امرؤ القيس في النص السابق من صاحبته دومة مثمرة ومن ذؤابتيها غصنين كما جعل منها بيضة نعامة غذاها نمير الماء ومن شعرها في طوله وسواده فرع شجرة أثيث كقنو النخلة الذي تتداخل عناقيده بعضها في بعض ! وهي تتراءى له أخيرا في بياضها ووضاءة وجهها راهبا يبدد بمصباحه ظلام الليل للسارين وهذه كلها عناصر تؤلف فيما بينها صفة بعينها هي صفة الخصوبة. وهكذا يحرص الشعراء على رسم صورة لامرأة مثال في مقدمات قصائدهم يجمعون عناصرها من مصادر مختلفة ويقابلون فيها بين الشمس الآلهة الأم وبين المرأة الجميلة والظبية المطفلة والنخلة المثمرة والماء النمير الذي تسقطه سحابة سارية فيعيد الحياة إلى الأرض الموات.
أسطورة الثور الوحشي: يرى المؤلف أن لوحة صيد الثور الوحشي في الشعر الجاهلي تحتفظ بكثير من العناصر الأسطورية التي يصعب العثور عليها في مصدر آخر من مصادر العصر الجاهلي وهو يرى أن وراء هذه اللوحة أسطورة قديمة ضاعت فيما ضاع من أخبار الديانة الوثنية فقد كانت عبادة الثور معروفة في أجزاء الجزيرة العربية قبل الإسلام. ويظهر الثور الوحشي في أشعار الجاهليين في صورتين:الأولى دينية: تتبدى في قدرته الخارقة على مواجهة قوى الشر المتمثلة في الصياد النهم الفقير وكلابه الضارية. والأخرى إنسانية: تجعل منه كائنا بسيطاٍ حريصاٍ على أداء أعمال يدوية. ويزعم المؤلف أن الصورة الدينية للثور من موروثات المراحل المتقدمة من هذه العبادة وأن الصورة الأخرى من موروثات المرحلة المتأخرة التي أخذت فيها الوثنية تتجه إلى ما يشبه التوحيد بفضل تأثرها بالديانات السماوية الثلاث (الحنيفية اليهودية المسيحية).ويتراءى الثور في صورته الدينية في لوحات ممتدة يؤلفها الشعراء من عناصر متنوعة أبرزها عنصر القوة التي تؤهله لإجهاض حلم الصائد رمز الشر والقضاء على كلابه وقد وقع اختيار المؤلف على هذه اللوحة التي رسمها النابغة الذبياني يشبه فيها ناقته بثور قوي على عادة الشعراء الجاهليين يعترضه صياد ماهر نهم بكلاب متوحشة ليصيده فيقول: كأنما الرحلْ منها فوقِ ذي جْدِدُ ذبِ الرياد إلى الأشباح نظار مْطِرِدَ أفردتú عنúهْ حِلائلْهْ من وحش وجرةِ أو من وحش ذي قار مْجِرِسَ وحِدَ جِأبَ أطاعِ له نباتْ غيثُ من الوسمي مبكار سِراتهْ ما خِلا لِبانه لِهقَ و في القوائم مثلْ الوشم بالقار باتِتú له ليلِةَ شِهباءْ تِسفعْهْ بحاصبُ ذات إشعانُ وأمطار وباتِ ضيِفاٍ لأرطاةُ وألجأهْ مع الظلام إليها وابلَ سار حتى إذا ما انجلِتú ظلماءْ لِيلِته و اسفرِ الصبحْ عنهْ أي إسفار أهوى له قانصَ يسعى بأكلبه عاري الأشاجع من قْناص أنمار مْحالفْ الصيد هِباشَ له لحمَ ما إن عليه ثيابَ غيرْ أطمار يسعى بغضفُ براها فهي طاويةَ طولْ ارتحالُ بها منهْ وتسيار حتى إذا الثوúرْ بعد النْفر أمكِنِهْ أشلى وأرسلِ غضفاٍ كلها ضار فكر محميةٍ من ان يفر كما كر المحامي حفاظاٍ خشيةِ العار فشك بالروق منه صدرِ أولها شِك المْشاعب أعشاراٍ بأعشار وظل في سبعةُ منها لحقنِ به يكْر بالروق فيها كِر إسوار حتى إذا قِضِى منها لْبانِتِهْ وعادِ فيها بإقبالُ وإدبار انقض كالكوكب الدري منصلتاٍ يهوي ويخلطْ تقريباٍ بإحضار وفي هذه القصة الشعرية عند النابغة نلاحظ تأكيد الشاعر على رصد لون الثور ووصف قلقه ووحدته وتأكيد قوته في مواجهة أنواء الطبيعة واستحالته على القتل في مواجهة عدوان الإنسان كما تلجئه دائما إلى شجرة الأرطاة المقدسة فتستضيفه وتصل ما بينه وبين المطر المنهمر والمرعى الخصب والكوكب الدري وهذه كلها عناصر تؤول بالثور إلى مجمع الخصوبة جاعلة منه وسيلة من وسائل تجدد الحياة ومواجهة الفناء. ويرى المؤلف أن هذا المشهد من العناصر الأسطورية التي انحدرت إلى شعراء الجاهلية القريبة من ظهور الإسلام من تراث الشعراء السابقين الذين عايشوا المراحل المبكرة من تاريخ الديانة الوثنية في شكلها الطوطمي أي في مراحل عبادة الكائنات من النبات والحيوان وغيره ومعنى ذلك أن ورودها في شعر المتأخرين ينبغي أن يعد من التقاليد الشعرية القديمة التي فرضت نفسها فرضا على الشعر العربي في عصوره القديمة الجاهلية والإسلامية وفقدت بمرور الزمن معانيها الأسطورية . وبعد فقد سجلت هذه القراءة ملاحظات ثلاث على الدكتور إبراهيم عبد الرحمن في دراسته للشعر الجاهلي بآليات المنهج الأسطوري وهي كما يلي : 1ـ إن الشعراء عنده لا يخلعون أحاسيسهم ومشاعرهم على كواهل الأشياء أو الحيوانات ولا تربطهم بهذا الواقع الطبيعي أية صلة فأبصارهم شاخصة إلى السماء أبد الدهر فالصياد وكلابه في صراعهم مع الثور الوحشي يمثلون صراع الكواكب والآلهة وهم بذلك يفرغون الشعر من أهم خصائصه المتمثلة في كونه تصويرا للتجارب البشرية وتعبيرا عنها ولولا إشاراته الخاطفة التي ذيل بها حديثه عن بائية الأعشى لما بقي بين هذا الشعر والمجتمع صلة أو سبب . 2ـ إن المؤلف ينطلق في التعاطي مع النصوص الشعرية وفق المنهج الأسطوري من خلال خطوات إجرائية تقوم على رصد ما قد يراه عناصر أسطورية في النصوص ثم ينسحب إلى الوراء بحثاٍ عن النموذج الأعلى فالثور الوحشي يمتلك في النص الشعري السابق للنابغة قدرات خارقة تمكنه من مواجهة قوى الشر المتمثلة في الصياد النهم الفقير وكلابه الضارية وبعد أن رصد المؤلف هذه القدرات الخارقة للثور عاد إلى الوراء أي إلى العهود الغابرة مشيراٍ إلى أن العناصر الأسطورية في هذا المشهد قد تكون انحدرت إلى شعراء الجاهلية القريبة من ظهور الإسلام من تراث الشعراء السابقين الذين عايشوا المراحل المبكرة من تاريخ الديانة الوثنية في شكلها الطوطمي أي في مراحل عبادة الكائنات من النبات والحيوان وغير ذلك. وبذلك فإنه لا يدرس الشعر بل يبحث عن مصدره الخارجي ومادته الخام ويزداد النظر انحرافا حين يرى مصدرا وحيدا لهذا الشعر هو الأساطير الدينية وهكذا تغيب أركان الظاهرة الأدبية الأخرى ويتحول النقد إلى ملحق هزيل بعلم الأنثربو لوجيا . 3ـ تنطلق الدراسة من آلية القراءة الأسطورية عند علماء الغرب التي غلب فيها المنهج على المادة المقروءة حتى أصبحت تلك الدراسات وكأنها في الأسطورة نفسها وليس في النقد الأدبي.
• الشعر الجاهلي قضاياه الفنية والموضوعية إبراهيم عبد الرحمن الشركة المصرية العالمية للنشر ـ لونجمان 2000 ص127