الرئيسية - اقتصاد - الدولة تحصل على الفتات !!
الدولة تحصل على الفتات !!
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

من المسلم به أن النظام الضريبي يرتبط ارتباطاٍ وثيقاٍ بطبيعة النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ويتأثر بمستوى التقدم الاجتماعي والاقتصادي ويؤثر فيه وفي الوقت نفسه بطبيعة الدور الاقتصادي والاجتماعي الذي تؤديه الدولة. وقد أصبحت الضريبة في الوقت الراهن وسيلة هامة من الوسائل المالية المختلفة التي تستخدمها الدول الرأسمالية لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والتدخل في الأنشطة المختلفة للتأثير عليها وتوجيهها نحو الغايات والأغراض التي تسعى إلى تحقيقها.

تهدف السياسة الضريبية إلى التخفيف من الفقر باعتبارها أداة لإعادة توزيع الدخل والثروة في المجتمع ومن ثم تعزيز التوازن بين الفئات الاجتماعية وتقوية السلم الاجتماعي باعتبارها تمثل مورد التمويل المستدام للموازنة العامة لتمكين الدولة من القيام بواجباتها تجاه الفرد والمجتمع وخاصة تغطية نفقات الدولة وخاصة الجانب الاجتماعي لكن احمد حجر الخبير الاقتصادي يكشف عن انخفاض حجم المحصل من ضرائب الأرباح ومكاسب رأسمال حيث لم يتجاوز متوسط معدل نموها خلال الفترة (2000 – 2010م ) (13%) هذا في الوقت الذي حققت القيمة المضافة بالأسعار الجارية للقطاعات الخاضعة لضريبة الأرباح خلال نفس الفترة معدل نمو سنوي متوسط (16.14%) وهذا ما جعل نسبة المحصل من ضريبة الأرباح المخفضة أصلاٍ إلى إجمالي القيمة المضافة لهذه القطاعات تخفض من (1.95%) عام 2000م إلى (1.5%) عام 2010م وهذه النسب تعكس مدى كبر حجم التهرب الضريبي في هذا المجال وزيادته بل ومدى ضخامة دور القطاع الخاص في التهرب من دفع ما عليه لخزينة الدولة.

نمو تظهر البيانات الاقتصادية طبقا لحجر أن قيمة الواردات السلعية حققت خلال الفترة (2000 – 2010م ) معدل نمو سنوي متوسط (16.3%) هذا في الوقت الذي لم يتجاوز متوسط معدل النمو السنوي للضرائب على التجارة الدولية خلال نفس الفترة (8.4%) وتعكس النسب السابقة وجود انخفاض كبير في حجم المحصل من الرسوم الجمركية وبدرجة تفوق ما قد يترتب من نتائج تنفيذ الإصلاحات الجمركية الأخيرة (خفض التعريفة والانضمام إلى السوق العربية الكبرى …الخ) هذا إلى جانب وجود مجال واسع للتلاعب في مجال الإعفاءات الجمركية والدخول المؤقت للسلع والتهريب.

ضياع القطاع الخاص يرفض اعتماد السجلات النظامية وهذا نتج عنه ضياع موارد كبيرة على الموازنة العامة للدولة بسبب عدم التزام القطاع الخاص بمسك سجلات نظامية كما يفيد الخبير المالي عبدالمجيد البطلي حيث تشير التقديرات إلى أن التطبيق الناجح لضريبة المبيعات ستسفر عنه زيادة عائداتها لتصل إلى حوالي 5% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل النسبة الحالية التي تصل إلى 2.4% من الناتج وفي ظل عجز الموازنة المتنامي والوضع الاجتماعي المتردي فإن الموازنة أحوج ما تكون إلى هذه المبالغ.

نفوذ القطاع الخاص عدم التزام القطاع الخاص بالقوانين الضريبية يوضح بجلاء التأثير والنفوذ الذي يتمتع به قطاع الأعمال في اليمن مما مكنهم من المماطلة في التنفيذ والوقوف أمام تطبيق سيادة القانون الضريبي ويأتي هذا في الوقت الذي لم تكن هذه الضريبة شيئاٍ مبتدعاٍ بل هي ضريبة مطبقة في معظم دول العالم ويعود تأثير ونفوذ القطاع الخاص كما يقول الخبير البطلي إلى ما يتحمله من التزامات غير منظورة مثل الدور الذي يساهم به في تمويل الحملات الانتخابية وما يدفعه من إتاوات غير معلنة للمحافظة على مصالحه وهذا ما يستدعي وجود الإرادة السياسية لفرض الضرائب على مختلف شرائح المجتمع بعض النظر عن درجة ثرائها ونفوذها السياسي والاجتماعي فعدم إنفاذ القانون على رجال الأعمال يمكن أن يقوض النظام الضريبي برمته ويضيع الثقة فيه من قبل مختلف الفئات المجتمعية.

الضبابية تتصف الممارسة العملية للتحصيل الضريبي في اليمن بالضبابية وعدم الوضوح بسبب عدم مسك معظم المكلفين سجلات ودفاتر محاسبية منتظمة مما يضطر مسؤولي الضرائب للجوء إلى أساليب أخرى لتقدير المستحقات الضريبية ومن تلك الأساليب التقدير الجزافي والضريبة المقطوعة أو التقدير كنسبة من رقم الأعمال الذي توجد حوله بيانات جمركية للإدارة الضريبية مما يعني أن البضائع المهربة والأنشطة التي لا توجد عنها بيانات جمركية أو بأسماء أخرى لا تحسب عليها أية ضرائب في المحاسبة التقديرية وبوجه عام فإن تلك الأساليب تنطوي على إجراءات تفاوضية بين موظفي الضرائب وأصحاب العمل مما يفتح الباب للفساد.

الرشوة وتظهر نتائج مسح مناخ الاستثمار الذي نفذه البنك الدولي في اليمن عام 2010م أن شركات القطاع الخاص تعاني من زيادة عدد مرات التفتيش أو الاجتماعات المطلوبة مع موظفي الضرائب والتي تصل إلى حوالي ثلاثة أضعاف متوسط مرات الزيارة في منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا. ووفقاٍ لنتائج الاستقصاء بلغت نسبة الشركات اليمنية التي تتوقع تقديمها لهدايا أو مدفوعات غير رسمية (رشوة) في لقاءاتها مع مسؤولي الضرائب حوالي 66.7% مقارنة بحوالي 23.4% كمتوسط لمنطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا . وتعد تلك النسبة مؤشراٍ واضحاٍ على انتشار الفساد الضريبي في اليمن مما يهدد نمو وتطور مؤسسات قطاع الأعمال وفي نفس الوقت يهدر موارد الموازنة العامة للدولة من الضرائب فمؤسسات الأعمال ليس لديها مانع من تقديم الرشوة لتخفيض المستحقات الضريبية. فعلى سبيل المثال تشير مؤسسة التمويل الدولية (IFC) التابعة للبنك الدولي في أحد إصداراتها إلى أن دفع رشوة في اليمن بنسبة 20-40% من التقييم الضريبي يمكن أن يخفض التقييم بحوالي 50%.

الضرائب لا تدفع تحجم مجموعة غير قليلة من الجهات والمؤسسات ومعظمها عامة عن دفع المبالغ الضريبية المستحقة عليها لمصلحة الضرائب مما أدى إلى تراكم مديونيات كبيرة على تلك المؤسسات تقدر بأكثر من 220 مليار ريال وفي هذا الإطار ينبغي على مصلحة الضرائب اتخاذ الإجراءات القانونية لتحصيل المديونيات كون التساهل مع تلك المؤسسات يشجع باقي الجهات على اقتفاء اثر زميلاتها وهذا يقوض تطبيق سيادة القوانين الضريبية التي لا تفرق بين المكلفين مهما كانت صفاتهم ونفوذهم وانتماءاتهم.

اليمن الأقل شهدت الإيرادات الضريبية زيادات مضطردة في قيمتها المطلقة سنة بعد أخرى ونمت بمعدلات متفاوتة بلغت في المتوسط حوالي 10% خلال الفترة 2006-2010م. ومع ذلك فإن اليمن يصنف ضمن الدول الأقل تحصيلاٍ للإيرادات الضريبية فالإيرادات الضريبية لا تساهم سوى بـ 22.7% من الإجمالي العام للإيرادات في المتوسط ??ل الفترة 2006-2010م. في حين تتراوح تلك النسبة بين 40-67% في بعض الاقتصاديات العربية المشابهة مثل سوريا ومصر ولبنان والأردن . ومن جانب آخر فإن الإيرادات الضريبية لم تغط إلا ما يقارب ربع النفقات الجارية خلال نفس الفترة ويعزز من ضعف نسبة التغطية نمو النفقات الجارية بمعدلات أسرع من نمو الإيرادات الضريبية وقد ساعدت إيرادات النفط الخام خلال السنوات الماضية الإدارة الاقتصادية على التأجيل والتمادي في تنفيذ الإصلاحات الضريبية وخاصة ضريبة المبيعات إلا أن استمرار ذلك الحال أمر غير ممكن في ظل التراجع المستمر في إنتاج النفط الخام.

أموال متاحة من جانبه يرى استاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء الدكتور طه الفسيل أن الطاقة الضريبية الممكنة (المتاحة) للاقتصاد اليمني تتراوح نسبتها بين 20% و 25% من الناتج المحلي الإجمالي وتؤكد هذه البيانات من ناحية وجود طاقة ضريبية متاحة ومتوفرة يمكن استغلالها من قبل الإدارة الضريبية ويؤكد من ناحية أخرى إمكانية زيادة العبء الضريبي للاقتصاد اليمني دون اللجوء إلى زيادة معدلات الضرائب القائمة أو إدخال أوعية ضريبية جديدة. وإنما يمكن زيادة الحصيلة الضريبية عن طريق تحسين وتطوير الإدارة الضريبية وزيادة انتشار التحصيل الضريبي ليغطي كافة فئات المجتمع الضريبي ومختلف مناطق اليمن. حيث تشير البيانات إلى أن حجم التهرب الضريبي قد تزايد باستمرار خلال العقدين الماضيين بحيث يقدر حجم الفاقد من الضريبية المتاحة خلال هذه الفترة بحوالي تريليون ريال مقارنة مع تحصيل موارد ضريبية خلال العام الماضي والتي تقدر بنحو500مليار ريال.

مورد كامن وبوجه عام تتضح ضآلة التحصيل الضريبي بالنسبة للموازنة العامة للدولة خلال الفترة الماضية. مما يعني ضعف تأثير الضريبة بالنسبة للقطاعات الإنتاجية والخدمية وبالتالي فإن استخدام الضريبة للتأثير في آليات عمل السوق الاجتماعي وتمويل برامجه تبدو ضعيفة في الوقت الحاضر. وفي حين يعكس ضعف التحصيل الضريبي مدى الفاقد الذي يلحق بالإيرادات العامة للدولة فإنه يمكن النظر إلى ذلك الفاقد كفرصة مستقبلية وموارد كامنة بوسع اليمن استغلالها عن طريق الارتقاء بأداء النظام الضريبي إلى مستوى الدول المشابهة.