الرئيسية - اقتصاد - الحكــومــة والمانحــون يتحملـون مسؤولية عدم التسريع بالتعهدات
الحكــومــة والمانحــون يتحملـون مسؤولية عدم التسريع بالتعهدات
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

أكد الخبير الاقتصادي الدكتور طه الفسيل أن اليمن من أقل الدول حصولاٍ على المساعدات والمنح الخارجية. وحمل الفسيل الحكومة والمانحين مسؤولية عدم استفادة الاقتصاد اليمني من تعهدات المانحين والتسريع باستيعابها مؤكداٍ أن نجاح الملف السياسي مرهون بالدعم الاقتصادي وتوفير فرص العمل للشباب وإحداث تنمية يستفيد منها المواطن اليمني.

* بداية.. كيف ترى علاقة اليمن بالدول المانحة¿ – لا بد أن نفرق بين فئات المانحين هناك مانحون تقليديون وهناك دول مجلس التعاون الخليجي وهناك هيئات ومنظمات دولية وإقليمية.. لكن بشكل عام أي علاقة بين مانح ومتلقُ للمعونة هي علاقة قائمة على مصلحة مشتركة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو حتى اجتماعية وأيضا أمنية.. طبيعة العلاقة القائمة في الوقت الحاضر تقيمها الجهات المختصة ممثلة بوزارة التخطيط والتعاون الدولي فهي تستطيع توضيح أوجه العلاقة وأبعادها ومقدار التزام هذه الدول.. ولكن من خلال قراءتي من البيانات المتاحة أعتقد أن المجموعة الأوروبية أو المفوضية الأوروبية تأتي في مقدمة الدول الملتزمة نسبياٍ بما إلتزمت به سواء كان في مؤتمر لندن أو في مؤتمر الرياض.

غير مستقرة * كمراقبين.. ما هي أسباب تعثر استيعاب اليمن لتعهدات المانحين¿ – فيما يتعلق بدول مجلس التعاون الخليجي أعتقد أنه في فترة من الفترات كانت دولة الإمارات إحدى الدول التي ساهمت في دعم اليمن خاصة في الجوانب الإنسانية وأعتقد أيضا أن المملكة العربية السعودية قدمت دعماٍ يمكن تجاوز الإلتزامات التي كانت قائمة.. أعتقد أن العلاقة غير مستقرة وتتباين ما بين مانح وآخر وما بين جهة وأخرى.

النسبة الأقل * تعتبر اليمن من الدول الأقل حظا من دعم الدول المانحة مقارنة بالدول الأخرى.. برأيك لماذا¿ – أكيد.. لأن البيانات تشير إلى أن نسبة المساعدات التنموية الرسمية المقدمة لليمن ضعيفة وهذا باستثناء المساعدات الأمنية والعسكرية.. أما لجوانب التنمية والإصلاحات لا تشكل إلا نسبة بسيطة من الناتج المحلي الإجمالي تتراوح ما بين 2 إلى 2.5% من الناتج المحلي وهي النسبة الأقل في دول المنطقة المتلقية لهذه المساعدات.. ومتوسط نصيب الفرد تتراوح ما بين 16 إلى 17 دولاراٍ وهذا يعتبر مبلغاٍ بسيطاٍ أيضاٍ مقارنة ببعض الدول التي تلتزم بها بعض الدول والمجموعات إلى نسبة كبيرة من الناتج المحلي قد تتجاوز 15%.. ليس فقط نسبة للناتج المحلي الإجمالي ولكن أيضا إذا قارنا بحجم الاحتياجات التنموية سواء كان في مؤتمر لندن أو بمقدار الاحتياجات القائمة في إطار البرنامج المرحلي الذي تم إعداده مع الدول المانحة وفي إطار الاحتياجات العاجلة القائمة بداية من الأزمة حتى الآن وأعتقد أنه لا زالت الالتزامات منخفضة جدا والوفاء بهذه الالتزامات تسير ببطء شديد إلى حد الآن.

المشكلة الأهم * برأيك.. هل تستطيع اليمن تطبيق مخرجات الحوار الوطني بدون دعم المانحين¿ – يجب العلم بأن المشكلة الاقتصادية هي المشكلة الأهم.. والاختلالات الاقتصادية هي التي ساهمت في تفاقم الاختلالات السياسية وفي تفاقم الاختلالات الأمنية والاجتماعية وكافة الجوانب وللأسف عدم إيفاء المانحين بما إلتزموا به في مؤتمر لندن 2006م ساهم في تفاقم الأوضاع الاقتصادية وانعكست سلبا على الأوضاع السياسية والأمنية.. الإشكالية أن المانحين قد تكون لهم أجندات أو سياسات معينة أو أغراض مختلفة لكن التركيز على الجوانب السياسية لن يحل المشكلة إذا لم يتزامن الدعم السياسي سواء كان للحوار أو للحل السياسي بدعم اقتصادي حقيقي وفعلي وكبير يبتعد عن الشروط المسبقة سواء عمليات الإصلاحات التي تطالب بها الهيئات والمنظمات الدولية ودول المانحين لأنه إذا كانت هذه المساعدات هي للمواطن اليمني يجب توجيهها للمواطن اليمني وليس للحكومة.. فإذا استمر الوضع على ما هو قائم حاليا الآن بنفس الوتيرة التي كانت في مؤتمر لندن أو في مؤتمر الرياض أعتقد أن اليمن ستواجه إشكالية حقيقية في تحقيق الأمن والاستقرار إذا ما توفرت فرص العمل وفرص الإنتاج وتشغيل الشباب وهذه جميعها تحتاج إلى أموال.. ودعني أتكلم بصراحة أن الحكومة اليمنية ليست فقيرة إلى هذا الحد لكن في الوقت الحالي تحتاج إلى إعادة ترتيب أوضاعها وتحتاج إلى دعم فعلي حتى تتمكن من إدارة الاقتصاد اليمني إدارة سليمة بدون هذا الدعم أعتقد أنه سنواجه مشكلة حقيقية.

الملف الاقتصادي * تحدثت عن الجانب الاقتصادي.. الملاحظ أن الملف الاقتصادي لا يحظى باهتمام الدول المانحة بقدر ما يحظى به الملف السياسي!! – لا يمكن أن نلقي اللوم على المانحين وللأسف الشديد هذا الملف لا يحظى باهتمام كاف من جانب الحكومة اليمنية ولم توله نفس الاهتمام بالجوانب السياسية وعملية الحل السياسي.. مع أن الملف الاقتصادي إذا ما تم إدارة القطاع الاقتصادي وإذا ما تم حل المشكلة الاقتصادية القائمة أعتقد أنه ستساهم مساهمة فعلية وحقيقية في إيجاد الحلول وفي الوصول إلى حل للأزمة السياسية القائمة حاليا.. بدون تعزيز المسار الاقتصادي وإلائه والاهتمام الكافي أولاٍ من قبل الحكومة اليمنية ثم من قبل الجهات المانحة أعتقد أن الحل السياسي ومخرجات الحوار لن تتمكن من التنفيذ لأنها بحاجة إلى أموال ومبالغ كبيرة فعلى سبيل المثال الجانب الأمني لا بد أن نوليه الاهتمام الكافي وللأسف إلى الآن الأوضاع الأمنية غير مستقرة والخدمات الأساسية كالكهرباء غير متوفرة بالشكل المطلوب.. فإذا لم يتم تعزيز هذه الجوانب والاهتمام بالجانب الاقتصادي أعتقد أننا سندور في نفس الحلقة المفرغة.. أتمنى أن تولي الحكومة اليمنية والقيادة السياسية الاهتمام الكافي بالملف الاقتصادي وتعطيه نفس الأهمية التي توليها للجانب السياسي.. إذا ما أظهرت الحكومة والقيادة السياسية هذا الاهتمام بشكل فعلي وأساسي أعتقد أنه من الممكن أن يتجه المانحين إلى الاهتمام بهذه الجوانب.

تفاقم الأزمات * أفهم من كلامك أن الاهتمام بالجانب السياسي وإهمال الجانب الاقتصادي سيفاقم الأزمات في اليمن¿ – طبعا.. المشكلة التي نعاني منها في اليمن أن الكعكة سخية وكل الناس يتسابقون عليها عندما نبحث عن ما هي الإشكالية التي نواجهها منذ قيام الوحدة بل قبل قيام الوحدة اليمنية ستجد الاقتصاد اليمني لا يعتمد على الإنتاج سواء من خلال تحويلات المغتربين والعاملين اليمنيين أو سواء من خلال ظهور النفط وتصديره في منتصف تسعينات العقد الماضي ثم الغاز ثم الاعتماد على الغاز من خلال المعونات والمساعدات.. لم نتمكن من بناء قاعدة اقتصادية إنتاجية حقيقية.. نسبة مساهمة الزراعة التي تشكل الجزء الأكبر وحوالي نصف القوى العاملة يعملون في القطاع الزراعي والمناطق الريفية تستأثر على حوالي 65% من سكان اليمن لكن الإنتاج الزراعي تتراوح نسبة مساهمته في الناتج المحلي ما بين 13 إلى 22%.. وهذه إشكالية كبيرة بينما كان النفط قبل التراجع الذي حصل يصل إلى 30%.. النفط لا يوظف في أقصى حد أكثر من 100 ألف موظف بينما تشير بيانات الخطة الخمسية الثالثة أو الرابعة إلى أنه يتراوح عدد العاملين في هذا القطاع ما بين 24 ألفاٍ إلى 50 ألف كأقصى تقدير.. وبالتالي لا توجد لدينا قاعدة زراعية نعتمد على غذائنا من الاحتياج.. أيضا القطاع الصناعي تراجع الناتج المحلي منها خلال السنوات الماضية ولا يشكل ما بين 6 إلى 7% من الناتج المحلي والقطاع الصناعي خاصة الصناعات التحويلية مجرد صناعات تغليف لا تعتمد على الموارد المحلية ولا على المدخلات المحلية وإنما يتم الاعتماد على الآلات والمعدات وأيضا المدخلات من الخارج.

إرادة سياسية * كباحث.. أين الخلل في الحكومة أم في المانحين.. وهل هناك تردد من الدول المانحة بالإيفاء بتعهداتها¿ – كما تحدثت إذا ما جئنا إلى البيانات المتاحة وأنه لم يتم الإيفاء بما تم التعهد به في مؤتمر المانحين في لندن وتشير البيانات إلى ان ملياراٍ ونصف المليار دولار تمكنت الحكومة من سحبها خلال الفترة من 2007 إلى 2010م من حوالي ستة مليارات ونصف الملياردولار تقريبا من مؤتمر المانحين بلندن وفق آخر تقرير أصدرته وزارة التخطيط بأن التي تمكنت الحكومة من الحصول عليها مقابل تعهدات مؤتمر الرياض ومطلع هذا العام تتراوح ما بين 25 إلى 64% وأعتقد أن ارتفاع هذه النسبة مقارنة بمؤتمر لندن هي ارتفاع حجم المساعدات الإنسانية خلال السنوات الماضية بشكل كبير.. وكانت حوالي ما بين واحد إلى 2% من المساعدات الخارجية الآن تجاوزت تقريبا 15 إلى 20% من حجم المساعدات.. وتمكنت الحكومة من استيعاب هذه المساعدات لأنه يتم إنفاقها من خلال الجهات المانحة.. طبعا من المسئول¿ كلا الطرفين مسئول.. لا يمكن أن نلقي فقط باللوم على الحكومة اليمنية ولا يمكن أن نحمل المانحين.. لكن أنا في اعتقادي إذا ما توفرت الإرادة السياسية عند الجهات المانحة فعلا وتوفرت نوايا صادقة لمساعدة الشعب اليمني وحل إشكالياته يمكن القول بأنه يمكن تجاوز كل العقبات والمشاكل سواء كانت الفنية أو الإدارية أو التنظيمية في إدارة أموال المساعدات.. وأعتقد أن التجربة السابقة خلال القرن الماضي للمساعدات بصورة خاصة المساعدات السعودية والمساعدات الكويتية والتي تمكنت من تحقيق تنمية حقيقية وبناء مشاريع ضخمة من بينها سد مارب على سبيل مثال وجامعة صنعاء وكلية الطب بجامعة صنعاء ومستشفى الكويت وكلية الشرطة وكثير من المباني والمستشفيات الأخرى من خلال مكتب المشروعات السعودية أو هيئة الجنوب الخليج الكويتية.. توضح بأن اليمن قادرة على استيعاب أضعاف أضعاف المبالغ التي تم الإلتزام بها ليس التي تم إنفاقها.. لكن هناك مشكلات لدى الدول المانحة سواء لأهداف أو جوانب سياسية.. أنا أعتقد كما قلت إذا ما توفرت الإرادة السياسية عند الجهات المانحة يمكن أن يتضاعف حجم الاقتصاد.. وهناك دراسة تم إعدادها في عام 2006م وأوضحت بأن اليمن قادرة على استيعاب حجم كبير من المساعدات وتجاوز الكثير من المشاكل إذا ما توفرت هذه الرغبة والإرادة السياسية عند الجهات المانحة وبخاصة دول مجلس التعاون الخليجي.