الرئيسية - كــتب - يفرون..قمة الإبداع وذروة الذكاء
يفرون..قمة الإبداع وذروة الذكاء
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

قصتان مختلفتان تندمجان في النهاية معاٍ مكونة رواية واحدة ..أسرتان تتداخلان معاٍ..القرية المدينة..تفاعلاتهما وأثر الهجرة وغموض الزيارات..ديمومتها في القرية وانقطاعها في المدينة..ووقائع أخرى لا تجري أحداثها سوى في رواية (يفرون) للكاتب عبد القادر سعيد والتي صدرت قبل مدة عن دار عبادي للدراسات والبحوث في (84) صفحة! مفرد وزوجي: تتكون رواية يفرون للكاتب عبد القادر سعيد من (8) فصول ..الفصول ذات الأرقام المفردة في الرواية (الأول والثالث والخامس والسابع) ترتبط بنسق قصصي واحد …فيما الفصول ذات الأرقام الزوجية (الثاني والرابع والسادس) ترتبط بنسق قصصي آخر مختلف عن الفصول المفردة..في الفصل الأخير (رنا) نكتشف ارتباط القصتان بقصة طويلة واحدة..هدف واحد…مصير إنساني مفجع واحد!! مضامين ذكية: حملت هذه الرواية ذات الحجم الصغير مضموناٍ سردياٍ ذكياٍ وذا مغزى كبير رغم أنها صغيرة الحجم قليلة الصفحات..تكشف عن كاتب موهوب نحت في الأوراق حتى أنتج هذا النص السردي. أطوار: أطوار شابة ككل شابات اليمن ..لها طموحاتها في تلقي المزيد من العلم وتطلعاتها لحياة أكثر سعادة لكن الفضول مصيبتها الكبرى.. في الفصل الأول نتعرف على أطوار بطلة الرواية ..جارتها الغامضة التي سكنت منذ شهر أو يزيد مع زوجها بالقرب من سكنها..يعتريها الفضول ..تريد التعرف عليها..لماذا هي وزوجها غامضان..يغلقان الباب على نفسيهما….تتلهف للتعرف عليهم ..تلح على والدتها بأن يقومان بزيارتها ..تبرز وبقوة مسألة غياب الحميمية بين الجار لجاره والتي كوتها المدنية باسمنتها وخرساناتها..يدين عبد القادر سعيد هذه المدنية التي لا يعرف فيه الجار جاره ..لا يشاركه همومه وآماله..يدين هذا التفكك الاجتماعي..”اليوم تجد المساكن محاطة بالأسوار..كأن الجار صار عدواٍ لجاره..صـ9″ ملامح: الفصل الثاني للرواية يذهب بك إلى مكان آخر يتمثل في القرية وزمان آخر غير زمان المدينة الغامض المبهم وشخوص أخرى غير شخوص الفصل الأول وكأنك أمام قصة أخرى..تبحث أطوار بطلة القصة الشابة 23 عاما عن ذاتها في القرية..تبحث عن بيتها في القرية التي هجرها والدها..البيوت معدودة .. ” ثم إننا لا زلنا بعيدين عن القرية ..البيوت متناثرة هنا وهناك ….على كل حال يعجبني عندما تناديني بالمجنونة ..المجانين وحدهم هم العاقلون..صـ 16″ “أول بيت ذا طابقين….ذلك البيت طابقين يرفرف العلم الجمهوري بركنه الأيمن ..هل ذلك مركز إداري..يتردد النشيد الوطني ..رددي أيتها الدنيا نشيدي..تذكرت الصراعات السياسية.. صـ19” تتابع بحثها عن بيتها وهو رمز للوطن ..تصل مدرسة “بماذا يخرج الطالب من المدرسة هل من شيء غير كراهية الدراسة صـ22”..لا ارتباط حدثي بين الفصل الأول والثاني ويتصور المرء بأن ثمة قطعا غريبا يفصل الأول عن الثاني لكن المشترك شيء أكبر وأسمى من مجرد المسمى (فصل)! ضربات فصلية: على اثر التوهان وعدم ارتباط الفصل الأول بالثاني كديدن أي رواية في العالم نكتشف في الفصل الثالث متابعة لأحداث الفصل الأول ..حيث الجارة الغامضة ومحاولة أطوار التعرف عليها..”طرقت الباب.. تفاجأت كأني لم أتوقع أن أسمع حركة بالداخل ربما اعتقدت أن الطارق زوجها” فصل ملامح: يربطنا الفصل الرابع (الزوجي) بأحداث الفصل الثاني (الزوجي) حيث يعود بنا الكاتب عبد القادر سعيد إلى القرية ومحاولات أطوار التعرف على قريتها التي لا تعرفها مطلقا إلا من خلال أحاديث والدها الممزوجة في العادة بكراهية القرية وناسها ..تصطدم أطوار لحديث والدها السلبي عن القرية طيلة سنواتها في المدينة والقرية نفسها التي أحسنت استقبالها وبترحاب كبير..إن عبد القادر سعيد هنا يدين كذب أولياء الأمور واثر هذا الكذب على الأبناء ..! ملامح تعود من جديد: يربطنا الفصل الخامس (المفرد) بأحداث الفصل الثالث (المفرد)..المدينة ..الجامعة ..اثر الثقافة المدنية على الأبناء..ملامح أولى لتلك الثقافة التي أدت إلى استيعاب المرأة لمفاهيم تحررها…تبدأ في الفصل السادس الملامح الأولى لارتباط الفصول السابقة ببعضها البعض ولكن بتؤد..ففيها يدور حديث ممزوج برغبة أطور الشديدة في تحرير المرأة –من دون إشارة إلى المرأة الريفية- من الغبن التي تعاني منه..هل هي مفاهيم وأفكار المدينة التي تحاول نقلها لقريتها التي لا تعرفها …”إننا لن لم نحافظ على شبابنا من أنفسنا وثقافتنا وعاداتنا فإن أبواب الجنة المحترقة مفتوحة بالمرصاد لكل سالكيها لتجدهم يوما نار تلظى في وجوهنا …سيحاول المجتمع إقناعنا ببراءته المعصومة وسيصمنا نواحا بينما اليوم نائم غير آبه بأي دعوة حق بمبرر التغريب والمؤامرة التي هي أحيانا وسيلة للهروب من هذا الواقع المظلم صـ 54″ ورويداٍ رويداٍ ترتبط ومع توالي الأحداث (الفصول) بعضها ببعض..لتكشف بان قضايا المجتمع سواء في الريف أو في المدنية واحدة وإن المسميات كـ(الفصول) إنما هي مجرد مسميات لقضية إنسانية واحدة! الفصل الأخير اختلاف الثقافات بين الناس وميولاتهم واتجاهاتهم الفكرية وتلاوينهم في خلاصتها لا تتجاهل معنى الترابط الأسري..ففي الفصل الأخير الذي يؤكد على ارتباط جميع فصول هذه الرواية الذكية بقضية إنسانية واحدة ينتهي بمقطع ملحمي يدرك القارئ جيداٍ من خلاله هذا الارتباط القوي ليس في فصول الرواية فقط بل وفي قضايا وآمال وتطلعات ومصير الناس إن لم يقوموا وفوراٍ بإنقاذ أنفسهم..!