الرئيسية - كــتب - “مزمور التلمذة للجميع”
“مزمور التلمذة للجميع”
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

أولاٍ: لمحة إبداعية: الإبداع قيمة قديمة (أزلية) متجددة (جديدة) ويعتمد الإبداع والابتكار على عددُ من العوامل منها ما هو ذاتي كالموهبة –بشرط تنميتها- ومنها ما هو موضوعي كالعلم والمعرفة والأخذ بقواعدهما ومنها ما هو ثقافي ومنها ما هو متعلق بالبيئة المحيطة والوسط الاجتماعي والمؤسساتي وتختلف في الدرجة والنسبة لكل منها كما تتفاوت فيما بينها بالنسبة للتأثير. ويبرع في الإبداع العلمي والأدبي قلة من العلماء والموهوبين عبر حقبات الزمن المختلفة أما المغايرة والاختلاف في إبداع شيءُ متفرد ومتميز فإن المبدعين فيه يعدون بأصابع اليد وتراثنا وتاريخنا يذكرنا بعدد من أولئك القلة القليلة إضافة إلى المحاولات والتجارب الحديثة التي تسير بخطىٍ ثابتة في طريق الإبداع والتي تتخذ أساليب مبتكرة مع الحفاظ على الأصالة لاسيما في الجوانب التشكيلية والفنية والتراكيب اللغوية والمعاني الموضوعية. وحري بنا طرح بعض النماذج التي لا تقتصر على الشعر فقط وإنما تتجاوز ذلك إلى العلوم الأخرى لماذا¿ لندلف منها إلى الديوان الشعري الإبداعي الذي بين أيدينا ((أناجيل)) ويؤخذ في الاعتبار الفارق التكنولوجي بين الأجيال في الماضي كانت أدوات الكتابة محدودة بما فيها الورق أما الآن فقد توصل الإنسان إلى اختراع الكمبيوتر الذي يساعد كثيراٍ في التشكيل والتفنن والتسهيل والسرعة فإلى نماذج مختارة نطرحها دون تصنيف أو ترتيب كالتالي: – العلامة/ أبو بكر إسماعيل المقري في مؤلفه ((عنوان الشرف الوافي في علم الفقه والتاريخ والنحو والعروض والقوافي)) كل تلك العلوم في صفحة واحدة علم الفقه أفقياٍ والخمسة العلوم الأخرى عمودياٍ وقد وصف الكتاب بأنه غاية في الإبداع والابتكار وفيه من الصعوبة والتكلف ما لا يستطع الإنسان العادي إنجاز صفحة واحدة من صفحاته لما يتطلبه من موهبة وحس وحضور وعلم ومعرفة إضافة إلى ذلك يتوج بالصبر والمثابرة. – ما أن اطلع العلماء والمفكرون على إبداع المقري في هذا المؤلف حتى سعى البعض لمحاكاته وعمل إضافات إلى ذلك فمثل حافزاٍ للتنافس بين العلماء والموهوبين فجاء النتاج الإبداعي الآتي: – صفي الدين أحمد بن عبد الله السلمي (الوصابي) الشهير بالسِانه في مؤلفه ((كتاب الإعلان بنعم الله الواهب الكريم المنان في الفقه عماد الإيمان بترجيعات في العروض والنحو والتصريف والمنطق وتجويد القرآن)). وأضاف إلى تلك العلوم تتمات في علم القوافي وعلم المواريث وقسمة التركات وعلم الأقدار المتناسبة والوصايا وأضاف إلى ترجيعات علم النحو معلومات عن فضائله وبيان أول من وضعه وسبعة وثلاثين حديثاٍ نبوياٍ مرتبطاٍ بموضوع إفصاح اللسان وتقويم الكلام مع الاستشهاد بالحكِم والأشعار وأحاديث عن تكريم المعلمين ومكانتهم العظيمة عند الله وعند خلقه كما أضاف ترجيعات علم التصريف نبذة عن السيرة الذاتية للمؤلف وأحاديث عن بر الوالدين وعن السلطان ومكانته الجليلة في الأرض وفي السماء كما تحدث بعد ترجيعات علم المنطق عن ظروف تأليفه لهذا الكتاب وما عاناه من المتاعب ثم الاعتذار عن أي تقصير قد حصل ومجموعة أدعية وبعد ترجيعات علم التجويد لم ينس ذكر علم الخط وذكر فوائد متعلقة بذلك وعن أول من وضع علم الكتاب العربي وعن آداب مسك المصحف وتزيينه ومعاملته وبذلك يصبح مجموع العلوم التي تناولها في الترجيعات والتتمات في هذا المؤلف إلى نحو أحد عشر علماٍ كلها في صفحة واحدة على طول صفحات الكتاب التي تربو على مائتي صفحة. وقد طبع بعد التحقيق عام 2010م وخرج في حلة قشيبة بالألوان ليسهل على المهتم قراءته وأسلوب القراءة وعلى منوالهما ألفت العديد من المؤلفات. كما وجد نوع آخر من الإبداع مثل كتاب مجد الدين بن يعقوب الفيروز آبادي الذي جعل كل سطر فيه مبتدءاٍ بحرف الألف ومثله الوالد العلامة/ حمود بن عباس المؤيد حرسه الله قام بنسخ المصحف الشريف وجعل كل صفحة خمسة عشر سطراٍ- تقريبا- السطر الأول يقابل السطر الأخير في الصفحة ويبدءان بنفس الحرف وهكذا السطر الثاني يقابل السطر قبل الأخير ويكون الحرف الأول متشابه في السطرين إلى أن يصل إلى السطر السابع أي أن الأسطر السبعة أعلى الصفحة تقابل الأسطر السبعة أسفل الصفحة ويبدأ كل سطر بنفس الحرف الذي يبدأ به السطر المقابل له من أول صفحة إلى آخر صفحة بالمصحف وميز تلك الأحرف الأولى باللون الأحمر وطبع في الولايات المتحدة كما هو منسوخ بخط يده. أما في الشعر فالمكتبة العربية عامة واليمنية خاصة تزخر بأنواع متعددة من الإبداع ليس في الشكل فقط وإنما في المضمون والمعنى. وسواء كان في استخدام أكثر من بحر في القصيدة الواحدة كما هو في الشعر الغنائي والموشحات والشعر الحميني ونضرب مثلاٍ بالموشح الذي أبدعته الشاعرة العالمة زينب الشهارية وقد ألف الأستاذ/ عبد السلام الوجيه كتيباٍ عن الشاعرة وتناول بعض النماذج من شعرها البديع وطبع مطلع تسعينيات القرن المنصرم يمكن الرجوع إليه. أو من حيث التنوع والتوفيق بين نوعين من الأساليب الشعرية (العمودي والتفعيلة) أو من حيث التشكيل البصري ككتابة النص الشعري على شكل دائرة أو مربع أو ورقة شجرة العنب أو في شكل مثلثات أو أهرامات نجد ذلك في عددُ من المؤلفات منها: – (ديوان الشاعر/ أبو بكر بن شهاب) يحتوي على عدد من القصائد ذات التشكيل البصري (دوائر مربعات … الخ). – (كتاب العشق والرجا والخوف والتضرعات) للشاعر الكاتب/ عبد الناصر مجلي جمع بين الشعر والنثر والأدعية والآيات القرآنية والحديث النبوي الشريف واستخدم أنواع الشعر العمودي التفعيلة النثر … الخ. – (ديوان شذرات من نهج الذات) لكاتب هذا الموضوع منشور على صفحة الفيسبوك صفحة د/ عبد السلام الكبسي وفيه بعض المحاولات التشكيلية وقصائد تجمع بين العمود والنثر والتفعيلة ومن حيث المضمون وهي تخاطب العقل والروح – الوجدان- معاٍ (المعنى الفلسفي والمعنى الصوفي) كقصيدة تراتيل وقصيدة لعشقي حنيني الأخيرة منشورة في صحيفة الثورة 21/4/1999م وعندما كنت في القاهرة عام 2001م حاولت نظم قصيدة في الأهرامات وجعلتها على شكل الأهرامات الثلاثة ونشرت بصحيفة الأهرام في حينه. – نعود إلى تراثنا الإسلامي الزاخر والغني بالإبداع في جميع المجالات وبالذات التشكيل الشعري مثلاٍ ينسب إلى الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عدد من الأبيات المختلفة وكانت تسمى (الغرائب) ومنها: مودته تدوم لكل هولُ وهل كلْ مودته تدوم يقرأ البيت من اليمين واليسار وبنفس اللفظ والمعنى. – أن تقرأ الأبيات أفقياٍ ورأسياٍ كالأبيات التالية: ألوم صديقي وهذا محال صديقي أحبه كلامَ يقال وهذا كلام بليغ الجمال محالَ يقال الجمال خيال – النموذج الثالث أنك إذا قرأتها كما هي فهي مدح وإذا قرأتها بالمقلوب كلمةٍ كلمة تتحول إلى ذم كالأبيات التالية: حلموا فما ساءت لهم شيم سمحوا فما شحت لهم منِنْ سلموا فلا زلت لهم قدم رشدوا فلا ضلت لهم سننْ عندما نكتبها بالمقلوب تتحول ذماٍ. مننْ لهم شحت فما سمحوا شيم لهم ساءت فما حلموا سننْ لهم ضلت فلا رشدوا قدم لهم زلت فلا سلموا ثم يأتي أهم تلك الأعمال في هذا المجال للعلامة/ أبو بكر إسماعيل المقري السابق ذكره في قصيدته (المخلعة) البالغ عدد أبياتها (20) بيتاٍ وتقرأ من اليمين إلى اليسار والعكس وعمودياٍ وقطرياٍ وتبادلي وتوافقي للجزعات وأشطار الأبيات فينتج عن ذلك أكثر من ثمانمائة ألف صورة كل صورة تختلف عن الأخرى دون خلل بالمعنى والمبنى ناهيك عن تغير القافية إلى أكثر من ثمانية أنواع وتعدد بحور الشعر ومطلعها: ملك سما..ذو كمال زانه كرم….أغنى الورى..من كريم الطبع والشيم به الغنا..وردة تصفو مشاربه….فتى العلا..في يديه وابل الديم ونشرت ضمن كتاب (شرح الفريدة الجامعة للمعاني الرائعة) عن وزارة الإعلام والثقافة – صنعاء مشروع المائة كتاب طبعة أولى 1985م . ثانياٍ: لوحة مزمور الرؤى الفكرية والروحية للكرازة الجدد: (أناجيل) عملَ ممتاز “أناجيل” جمع (إنجيل) يذكرني ببعض العناوين التي تثير جدلاٍ في الأوساط الفكرية والثقافية كرواية الغربي عمران (مصحفَ أحمر) ليس فيها من القرآن شيئاٍ والمنشئون لأناجيل أربعة شعراء (شاعرتان وشاعران) جمعَ أو كْلَ في واحد دلالة أشارية إلى قول شيخ العارفين (ابن عربي): وتحسب أنك جرمَ صغير وفيك انطوى العالم الأكبر فليكتشف الإنسان نفسه وبدوري أهنئكم على مثل هذا العمل الإبداعي الجماعي واسمحوا لي أن أطل على إبداعكم كمتذوق وليس بناقد لأنني لا أمتلك أدوات النقد العلمي ولا هو بتخصصي وما سأطرحه عبارة عن إشارات وانطباعات شخصية فقط. وأول ما يلفت الانتباه في هذا الإصدار العنوان واللوحات التشكيلية التي أصبحت مرافقة لكثير من الأعمال الأدبية ولها دلالات وإشارات مستوحاة من مضمون العمل الأدبي أو مما ترمز إليه النصوص والتزاوج بين النص المقروء والنص البصري من ناحية ثانية وتمثل عتبات رئيسية لما يحتويه العمل الأدبي أو نوافذ يطل منها على المحتوى ويستشف من لوحتي الغلاف- للفنان التشكيلي المرهف/سمير البياتي- الدلالات والإيحاءات التي تعكس الأفكار التي تضمنتها النصوص للشعراء الأربعة. أما العنوان الرئيسي لـ “أناجيل” فإنه ينمْ عن وعي ومعرفة في الصياغة ويحمل صبغة عقائدية –أيديولوجية- يتخفى الشعراء وراء هذا القناع ويحيلنا في نفس اللحظة إلى عددُ من القيم (السماحة الصبر المثابرة الزهد الالتزام الخلقي الألم والمعاناة- التي أصبحت لصيقة بالأدباء والشعراء…الخ). غير أن ما نؤكد عليه أن الشعراء الأربعة لا يتمثلون حواريي المسيح ولا أصحاب الأناجيل (لوقا متى يوحنا ..الخ) من منظور ديني كما هو في المسيحية في عصرها الأول أو في عصور الإصلاح وما بعدها. كما يتميز الديوان- أناجيل- بتعدد العتبات (العناوين الداخلية للقصائد وداخلها وانتمائها عضوياٍ وقوياٍ إلى جسد النصوص الشعرية. كما نلمس النوع الآخر من العتبات وتتمثل في اللوحات والشخصيات التي اختارها الشعراء (أنبياء شعراء مفكرون أدباء رجال دين زهاد ومتصوفة فلاسفة …. الخ) ذكوراٍ وإناثاٍ هذه الأسماء لها دلالاتها الرمزية فهي استدعاء للقيم والأفكار التي أبدعوا في تمثلها والسلوك الذي اتبعوه. ثم تأتي المميزات الأخرى للديوان وهي التقديم والمقدمة فالمقدمة للدكتور/ عبد العزيز المقالح وفيها أشاد وأشار إلى السبق الذي قام به الشعراء و هي شهادة من عالم وأديب متخصص ومتمرس فعليهم الاعتزاز بها وأن يجعلوا منها حافزاٍ للانطلاق نحو المستقبل في فضاءات أوسع وأرحب. ثم تأتي المقدمة التي كتبها الشعراء أوضحوا فيها بعض المفاهيم والتعريفات ومعاني المفردات وشرحوا تجربتهم ومقصدهم وجاءت المقدمة على غير المعتاد تحت عنوان «سفر التكوين» رفاق أناجيل. وبينوا أنهم لا يقصدون بسفر التكوين وأناجيل مجملاٍ محاكات الكتاب المقدس أو عمل كتاب بموازاته وإنما يقصدون به عملاٍ أدبياٍ بحتاٍ يبشر بمدرسة أدبية جديدة – في طور التكوين- ويبشر بكثير من الأحداث في الآتي ويرصد في هذا السفر تطوير المدارس الأدبية إلى حين خروج مدرسة “التعميدة” إلى النور وكيفية التدرج والتهيئة لها. كما وضحوا المقصود بالنهج الشعري «التعميدة» بأن لها معنيين: الأول: مشتق من العمود والتفعيلة حين يدورا أو يكون وزناٍ جديداٍ في إطار التفعيلات التحليلية والمزج بين تفعيلتين وهذا يزيل اللبس أمام القارئ أو الناقد بأنهم لم يخرجوا عن البحور الشعرية وأوزانها باعتبارها العمود الفقري للشعر في التجربة. الثاني: يدل على تعميد الشعر بعضه بعضاٍ فالنثر يعمد العمود ويعمد التفعيلة ويعمد التدوير داخل العمود يعمد التعميد بكل أشكاله آخذاٍ من المصطلح المسيحي والصوفي لمعنى التعميد فالمسيحيون يعمدون بالماء والمتصوفون يعمدون بالوشاح الأخضر ص7. وهكذا تطرح المقدمة وتوضح المصطلحات والمفاهيم وتحدد معانيها وهذا التوضيح ينور ويضيء للقارئ والمطلع الطريق أمام النصوص والقصائد الشعرية الزاخرة بالمفردات والمصطلحات الواردة من المدارس المختلفة شكلاٍ ومعنى من جانب وتدلنا إلى سعة الثقافة والاطلاع المعرفي لدى الشعراء في مسار الجزئيات الأكثر حضوراٍ وكثافة في النصوص من جانب آخر. كما يتميز هذا العمل بأن الشعراء أفردوا عدداٍ من الصفحات نهاية الديوان لشرح بعض المفردات وأسماء الأعلام والمدارس والصفات التي وردت في النصوص الشعرية ورأوا أنها تحتاج إلى توضيح. من المميزات المهمة أن الشعراء الأربعة حاولوا أن يرسموا خطابهم الخاص الذي يطبع بسمات مميزة تتضح هذه السمات في نتاجهم الشعري أناجيل ومنها: – الاهتمام الواضح والكبير في تطعيم الخطاب الشعري بالصورة المتحركة التي تكتسبها من الأصالة والتحديث أحياناٍ ومن الانزياحات والمفارقات الدلالية أحياناٍ ومن الشفافية والذاتية أحياناٍ أخرى ولأن الخطاب الشعري يقوم بشكل كبير على التصوير ولـما كانت الصورة ترسم بالكلمات فإننا نلاحظهم يهتمون كثيراٍ في رسم أبعاد صورهم المتعددة فضلاٍ عن أنهم يختارون التداخل الذي يجعل منها عبارة عن شبكة مترابطة من الصور التي تؤدي كل منها إلى الأخرى ونجد ذلك في كل قصائد الديوان أضف إلى ذلك استخدام التعريف والتنكير والمفردات التي تحمل أكثر من معنى وتشمل على أكثر من صورة واستخدام الاستعارات والكنايات والمساحة المتاحة في هذه المقالة لا تتيح لنا طرح الأمثلة لكثرتها ونكتفي بضرب مثل في المقطع المستقى من أول قصيدة للشاعرة/ أحلام شرف الدين والمكونة من خمسة أبيات- مدورة- هي: أنا لست ممن تستطيب العيش في أوزار مشهدú أنا لست (نورا) كيف أقبل أن أعيش مع (مهند) ريش انتظاري ما تساقط من جناح الحب أصعد حتى يلاقي لحن حبي رقص آهاتي بـ(معبد) ويصب موج النبض في عيني والنباض (أسعد) نلاحظ كيف وظفت الشاعرة مسلسل (نور ومهند) التركي الذي أثار جدلاٍ واسعاٍ في الأوساط الثقافية – الفكرية الأدبية- حتى دار الجدل والنقاش على مستوى المؤسسات الدينية في البلدان العربية والإسلامية لعددُ من الإشكالات والقيم والسلوكيات وقد حددت الشاعرة موقفها منه ويعطينا الموقف دلالة أشارية إلى القيم التي تحملها أو تتمثلها الشاعرة كذلك المفردة (معبد) في سياق البيت الشعري تحمل أكثر من معنى فقد تقصد بها (معبد المغني) أو معبد (مكان العبادة كالمسجد…الخ). من المميزات الموضوعية لأناجيل أن الشعراء استخدموا فيه أكثر من نوع شعري يصل إلى خمسة أنواع في القصيدة الواحدة بما فيها (اللوحة) وبهذا يكون أوسع عمل أدبي في استخدام الأنواع الشعرية. ميزة موضوعية أخرى تتمثل في بناء السياقات الشعرية بطريقة مجاوزة فيها رمزية وتتسم بالإيماء والتصوير غير المباشر لهذه الرؤية التي يقدمها الشعراء بلغةُ تعبيرية غير معتادة حفزتهم إلى استقراء عوالم تركيبية وصيغُ جديدة لأشكال السياقات وإنتاج تصورات تحتمل تفسيرات عدة مقاربة لما أرادوه وربما إلى قراءة مجاوزةُ للقراءات النصية المألوفة. من المميزات الذاتية: بروز الموهبة لدى الشعراء الأربعة من جانب وتوفر القدرات المعرفية- ليس في علوم اللغة العربية والأدب- بل الاستئناس والالتماس من العلوم والمعارف الأخرى لاسيما المتعلقة بالجانب العقلي- الفكري- والروحي الوجداني (الفلسفية الصوفية الفقهية) وإن وجد خلط غير مدرك في استخدام مفاهيم ومصطلحات في غير موضعها -الخلط بين القيم الفلسفية والصوفية- فمجال الآمال الكبرى الصوفية ومصدر حقيقتها الغامضة لأنها- أي الصوفية- تمجد الحب الصافي والنقي والديوان (أناجيل) مليءَ بالانشداد إلى المقولات الصوفية حتى يصعب على القارئ حصرها ومنها الإشارات الدلالية والرمزية إلى الحلول ووحدة الوجود الذي هو جوهر المتصوفة ولم يشتهر به من متصوفة الأمة العربية إلا من كانوا أغراباٍ عن العرب كالسهروردي والحلاج وجلال الدين الرومي… الخ. وهو ما نجده في قصائد محدودة في الديوان لأن التأثر لدى شعراء أناجيل يتجه إلى القيم الوجدانية والروحية المستوحاة من نتاج وسلوكيات المتصوفة العرب كابن عربي وابن علوان والنفري والبرعي وابن الفارض والبغدادي وشيخهم جميعاٍ الجنيد وإن لم يذكروا بالنص وهذا هو السبب الذي أوقعهم في الخلط المفاهيمي بين المفردات (المسيحية واليهودية والصوفية والفلسفية). من المميزات الذاتية التي نشير إليها أن الشعراء الأربعة تتوفر لديهم الرغبة في الاستمرار كما أشاروا وهذا يمثل تحدياٍ في تكوين الجماعة واستمراريتها بلون مميز ويعيدنا مثل هذا الإصرار إلى العقود الأولى من القرن المنصرم زمن تكوين الجماعات الأدبية مثل: جماعة (أبو اللو) شعراء المهجر…الخ.