اليمن تشارك في المؤتمر العربي الـ 38 لرؤساء أجهزة مكافحة المخدرات في تونس نائب محافظ البنك يناقش مع القائم بأعمال السفارة الصينية مستجدات الوضع الإقتصادي والمالي اللواء الزبيدي: نعول على دعم الأشقاء والأصدقاء لإخراج اليمن من أزمته الراهنة وزارة الشباب تكرّم اللاعب حمدي اليرسي لإحرازه 3 ميداليات ذهبية في بطولة العربية للكونغ فو رئيس الوزراء يحيل قضايا فساد جديدة إلى النائب العام محافظ لحج يوجه المكاتب الحكومية بسرعة إنجاز وثائق مصفوفة المشاريع التنموية اليمن توقع على اتفاقية تنظيم نقل البضائع على الطرق البرية مع جامعة الدول العربية وزير الدفاع ومحافظ حضرموت يترأسان اجتماعًا للجنة الأمنية بالمحافظة وزير الدفاع يعقد اجتماعاً موسعاً بقيادة المنطقة الثانية ويفتتح مبنى المحكمة والنيابة العسكرية رئيس الوزراء يستقبل في عدن القائم بأعمال السفارة الصينية لدى اليمن
استطلاع / صقر الصنيدي –
طيلة ساعة وخمس وخمسين دقيقة لم تتوقف امرأة يغطي الحجاب نصف وجهها عن الدعاء للشعب السوري وأن تنتهي الحرب ويعود السلام إليه وحتى تتأكد أن الأسرة التي تجلس بالقرب منها في الباص المتجه نحو عمران تفهمها حاولت تذكر كل الكلمات السورية التي خلفتها المسلسلات الدرامية لتستخدمها في أمانيها “يا رب ترجعوا عبلادكم بالسلامة ” – لم يدر في خلد تلك المرأة التي غادرت الباص عند مدخل عمران أنها ستكون بعد سته أشهر بحاجة الى من يرد عليها دعواتها بأن تعود إلى بيتها وما زال كما هربت منه اتقاء الحرب التي لم يكن أحد يتوقعها من هؤلاء الذين يمتلئ بهم الباص عائدين من العاصمة بأغراض بسيطة وآمال مكررة .
استطلاع / صقر الصنيدي
أكثر ما جذب تعاطف المرأة مع الأسرة السورية التي تسير عكس اتجاه موطنها الطفل المولود منذ أسابيع والذي يتداول حمله الأب والأم والجدة قبل أن تطلب هي أن تشاركهم في إيقاف بكاء الصغير وقد تمكنت من ذلك ببساطة بتحريك ركبتها التي ينام عليها وهي تستمع إلى والدته أثناء شرحها لهول ما أصاب مدينتهم درعا ولسبب السفر إلى عمران ففيها الشيخ محمد القادر على تهدئة الطفل وجعله ينام طوال الليل كما نصحهم أحد جيرانهم في صنعاء , لم يتمكن هذا المبرر من إقناع جنود النقطة الأمنية الذين لمح أحدهم أن هدف الزيارة كسب تعاطف أهل عمران والحصول منهم على ثمن هذا التعاطف مع من شردتهم الحرب التي سيختبرونها بعد أشهر فقط دون أن يجدوا من يعطف عليهم . حين بدأت سرعة الباص تقل كان عدد الركاب في تناقص وفجأة قال السائق هذا آخر مكان أصل إليه وهو يرقب ملامحي بالمرآة الأمامية التي يحتاج إلى الإمساك بها حتى تؤدي الدور الذي صنعت لأجله وبالكاد أقنعتني كلماته بأن هذه النقطة قلب المدينة التي صدمت توقعي . استقبلتني نداءات السائقين وهم يدعونني إلى خانات سياراتهم المكشوفة “صنعاء ,صنعاء ” وحركة قليل من الناس وهم يغادرون- فقد اقتربت الظهيرة موعد ترك عمران بالنسبة لكثيرين ممن يأتون صباحا إلى أعمالهم ثم يعودون فرحين بالمغادرة كطلاب تخبرهم إدارة المدرسة أن معلم الحصة الخامسة إصابه المرض ولا يوجد من ينوبه . حين اتصلت بأحد الزملاء من المدينة اعتذر لأنه هو أيضا في العاصمة وحاليا يتواجد في العاصمة لكن ليس اختيارا كما كان الأمر قبل الحرب بسته أشهر ثم قال لن تحتاجني ستعرف كل الأماكن بنصف ساعة, ثم نصحني بترك مدينته وعمل ما يقوم به من أراهم في الشارع الذي بدا وكأنه يريد أن يذهب حيث يذهب كل من عليه ثم يعود في الصباح التالي حين يحتاجون إليه أما الآن فاستخدامه يقل إلى أقصى درجة . في العصر عرفت قيمة نصيحة المغادرة , قلب المدينة متوقف والبقاء في الفندق أفضل من توقع إنجاز المهمة الصحفية التي جئت من أجلها وكل من أعثر عليهم يرددون ذات العبارة عدا غدا في الصباح لتجد من تبحث عنه إنها مدينة النصف الأول من كل يوم ما عد يومي الإجازة. في الليل تسمع أحدهم يسحب قدميه على درج الفندق المقام حديثا ثم وقوع جسد مرهق على سرير يحمل بصمات ملاكه السابقين على كثرتهم , يصبح عليك أن تعرف أنك نزيل مع عابرين أظلم الليل أمامهم فتوقفوا لقضاء جزء منه في مدينة لا يريدون طول البقاء فيها معظمهم سائقو سيارات شحن كبيرة في طريقهم نحو حرض ومنها إلى المملكة العربية السعودية ولا يبزع الفجر حتى يكونوا جميعا قد تركوا الحساب على الطاولة بالقرب من يدي شاب يتخذ من مرفقيه وسادة للنوم ومن عينه اليسرى رقيبا عليهم أثناء بحثهم عن بطائقهم الشخصية المرصوصة معا. أيقظت أسئلتي المتكررة الشاب ليرفع رأسه قليلا ويختار أبسطها للإجابة “عند التاسعة ” وبالفعل كانت الكلاب وحدها تتجول بخطوات بطيئة كأن أحدا ما يجبرها على السير نحو بقعة لا تحبها وبين وقت وآخر تجتاز الشارع إلى الجهة الأخرى لتشارك غيرها الحذر من المركبات المسرعة , كنت مضطرا لمتابعة مشهد الكلاب لأنني لم أجد ما يتحرك سواها قبل أن يظهر طلاب المدارس متقمصين دور القادم من مكان بعيد . وتدريجيا بدأت المحلات التجارية تفتح أبوابها أما المطعم الذي غامرت بالبقاء عند عتبته فقد تأخر عنها ودعيت للانتظار خارجه حتى يكمل العاملون فيه التجهيزات, ولم يكن أمامي غير الصبر حتى تعد وجبة الإفطار التي لا يمكن تناولها كاملة ويتم الاكتفاء بما يسد الرمق وهنا أيضا كنت أسمع نصيحة الأمس بوضوح أكثر . فجأة تتكاثر باصات صغيرة ذات ألوان متعددة وتبعث معها الازدحام والأصوات المتداخلة ينسى سائقوها التنافس بالسرعة ويذهبون إلى التنافس بالألوان التي لا تراها في أي محافظة أخرى أصبح الشارع متعدد الألوان الأحمر والأخضر والسماوي والقليل من الأبيض – يكفي الوقوف عند حافة الإسفلت لجلب أحد الباصات الملونة ” اطلع ” ولا داعي لتحديد الوجهة لأنه لن يترك مكاناٍ في المدينة إلا وعبر منه مسرعا غير مكترث لأولئك الذين يصعدون إلى الباص ثم ينزلون مكتفين بتحيته برفع إحدى الأيدي بدلا من دفع الحساب , حين حاولت أن أقلدهم لحقتني عبارته “حتى أنت ” قبل أن أعتذر منه وأعرف أن من يرتدون البنطلون موظفون لا يتم التسامح معهم في عدم الدفع . في المركز الصحي بالمحافظة والمحاط بسور يكفي لاحتضان أكبر مستشفى في البلاد انضممت إلى قائمة المنتظرين القادمين من خارج مركز المدينة والذين يتشاركون أمنية واحدة أن لا يكون خط صنعاء عمران قد تعرض للتقطع القبلي وأن يأتي الدكتور خالد النهمي لمعالجتهم حين وصل حاملا حقيبته الثقيلة كما يبدو كادت الزغاريد أن تعلو وتدافع المرضى نحو الغرفة التي لاذ إليها سريعا وبدأ يخرج أدواته وينادي على مساعده لينظم الدخول “منذ خمس سنوات وأنا أقوم بهذه الرحلة يوميا من صنعاء إلى عمران” قال خالد وقد دخل ثلاثة إلى جوار مريضهم الذي جلس على كرسي مقابل الطبيب وأخذ يستمع إلى أحد الواقفين وهو يشرح له حالة من قال إنه لا يستطيع وصف حالته جيدا كما يفعل ابنه الوحيد وكان الأب معجبا بما يقول الابن عن حالته وعن معاناته ولم يفلح الطبيب في إقناع المريض بالرد على أسئلته ليعرف قصته المرضية ” الولد يعرف كل شيء” قال خالد إن معظم المرضى القادمين من مناطق بعيدة يتيحون للمرض أن يتطور ولا يقدرون على وصف أعراضه جيدا ويوافقون على كل ما يعتقده الطبيب مما يعقد التشخيص. يرافق النهمي في رحلته الصباحية عدد من الموظفين في مرافق أخرى ويعودون معا ظهرا وجميعهم فشلوا في السكن في المدينة رغم أنهم ينتمون إلى إحدى مديرياتها ولكل تجربته في محاولة العيش فيها والخروج بقناعة الابتعاد . كيف أصبحت مدينة تحتلق عمران حول مصنع الاسمنت الشهير وتدين له بالانتقال من مديرية إلى مدينة في العام 1990م ولولا المصنع لما تغير حالها ووضع عدد من أبنائها الذين التحقوا بالعمل فيه وغامروا بالسكن قريبا منه متشاركين مع القادمين من محافظات أخرى أسهموا في بنائه بعد أن أقامه اليابانيون وغادروا مخلفين الآلات الضخمة وملعباٍ مهجوراٍ لكرة اليد وبيوتاٍ على طراز مختلف . حتى هذه المنشأة العملاقة التي تنتج مليون طن ونصف المليون من مادة الاسمنت سنويا أصبحت تكافح لتغطية تكاليف الإنتاج المرتفعة والانخفاض الكبير في الأسعار ووجود منافسين يعملون بمادة الفحم الأقل تكلفة من المازوت الذي يدير محركات المصنع الذي يتحسر على سنوات مجده الماضية حين كان إنتاجه يسارع في نمو مباني المدينة ومدن أخرى . يوم عمران انتهى يوم عمران سريعا ولم أكن بدأت العمل على التحقيق الخاص ببيئة المدينة فكلما أتيح لي أربع ساعات فقط قبل أن أصبح وحيدا أتأمل الناقلات المكشوفة التي فقدت ألوانها وقدرتها على السير لتحتل مساحة واسعة جوار المنشأة التي خدمت فيها عقود تحمل غبار الزمن وحسراته من أماني لم تحققها لمالكيها حين تصعد على ظهر أحدها يبدو المنظر كما لو أنها في اجتماع عقد في الماضي ولم يطوه الحاضر تكاد تصغي لأحاديثها المتقطعة . تمنح هذه المساحة عمران فرصة للتشبه بمدينة دير بورن في ديترويت الامريكية بعد أن تحطمت أسطورتها في صناعة السيارات الشهيرة وتحولها إلى مدينة مهجورة لا تنفع إلا لتوضح حالة الإفلاس التي عاشها العالم في أزمته المالية مؤخرا أو لتجسيد مشاهد في فيلم رعب .
لم أكن قد انتبهت لاسم الفندق الذي يحتفظ بهويتي الشخصية الوحيدة بعد أن غادره الجميع رفعت رأسي قليلا وأحببت أن أؤوجل الدخول حتى أعرف اسم الفنادق الأخرى المتراصة في جهتي الشارع كبائعين مبتدئين كانت كل الأسماء تبعث على الابتسام ” فندق ساحل العشاق – الساحل الذهبي – الشاطئ الذهبي – ساحل ابين ….. ” جميعها أسماء تجعلك واثقا أن ضفة البحر خلف هذه المباني وعليك أن تعثر على مدخل للوصول إلى الساحل ما يزيد من اعتقادك الأسعار المرتفعة للغرف والكلمات التي يرددها موظفو الاستقبال إن أردت مناقشة التكاليف أو الخدمات التي يختزلها ريسيفر غير مكتمل القنوات وريموت فيه زر للإطفاء وزر للتشغيل وثالث للصوت أما البقية فقد غادرت أماكنها وتحتاج إلى ما يعينك على تحسسها في مخابئها . مؤكدا أن الحرب أقفلت أبواب وأرزاق العاملين في تلك الفنادق وأجبرت العابرين على اختيار طرق أخرى غير ما اعتادوه . وعطلت الرحلة اليومية التي يقوم بها الطبيب خالد وزملاؤه في مستشفى عمران أو غيره من المرافق التي تحاول التخفيف من آلام الناس وأوجاعهم البعيدة وإن غامر بالوصول إلى غرفته في المركز الصحي فسيكون في انتظاره جمهور مختلف من الجرحى الفاقدين لأجزاء من أجسادهم ولن يجدي نفعا ما يقوم به . تنبش الحروب أسئلة كثيرة ومخاوف – ترى أي مخيم استقرت فيه تلك المرأة التي تحلم بسلام يعود إلى سوريا وأين موظف الاستقبال الذي لن تكفيه عينه اليسرى لمراقبة القذائف والرصاص وهي تسرق الأرواح في غفوة لن يتمكن من ممارستها على طاولته المهجورة – وتلك الأم التي أخذت منها الحرب أسرتها كاملة ولم تترك لها غير ابنها المعاق الذي تحمله كل يوم إلى مركز التحدي للعلاج الطبيعي في صنعاء عله يصبح قادرا على ترك كرسيه المتحرك هل تمنت لو أن جميع صغارها كانوا مقعدون على كراس متحركة حتى ينجوا من قذيفة الموت لقد تمنت ذلك لكن من يسمع أمانيها غير من نقلوا لها خبر الفاجعة . احتجت وقتا طويلا من البقاء في عمران لمحاولة إنجاز مهمتي المتعلقة ببيئتها وحجم التلوث وستحتاج المدينة إلى عمر أطول لمحاولة نسيان ما حدث ولإعادة الطمأنينة إلى أهلها الناجين من الموت .