السفارة اليمنية في كوبا تحتفل بعيد الاستقلال الوطني
اليمن يدين عدوان الإحتلال الإسرائيلي على بلدة بيت جن بريف دمشق
وكيل وزارة الخارجية لـ “الثورة.. 18 بعثة دبلوماسية تصدر الجوازات ونعمل على توسيع خدمة البطاقة الذكية
لجنة تنسيق القمة النسوية تبحث مع الأمين العام لمجلس الوزراء ترتيبات انعقاد دورتها الثامنة
وفاة وإصابة 15 شخصاً بحوادث مرورية خلال 24 ساعة
الجامعة العربية تدين بشدة العدوان الإسرائيلي على بلدة بيت جن في ريف دمشق
لبنان يتقدم بشكوى لمجلس الأمن ضد انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي
الأمم المتحدة تدين العدوان الإسرائيلي على بلدة بيت جن في سوريا
رئيس مجلس القيادة يهنئ بذكري استقلال البانيا
محافظ الحديدة يدشن مشروع مياه في الخوخة لخدمة أكثر من 50 ألف نسمة
كيف بدأت رحلتي مع القرآن ومنهجه الترتيلي؟
حين وجدت رايات وشعارات رُفعت وحَكَمَتْ، تحت مسميات القومية العربية، واليسار والاشتراكية، والصحوة الإسلامية، تتهاوى كأوراق الخريف، ومشروعات الدولة العربية، والوحدة العربية، تنهار وتتقسم، وشعوبنا تكره بعضها وتحارب، والهزائم تلاحقنا، ومشاريع الأعداء تتقدم على حساب أرضنا وثرواتنا، أدركت أن هناك خلل في بنية الفكر والعقل العربي ومنهج التفكير، وهذا الخلل سبب كل معاناتنا وقادنا لهذا الدمار والهلاك والتخلف.
وبدأت البحث عن سبب ذلك، وتوقفت عند نموذج دولة المدينة ومجتمع المدينة، وكيف جعل منهما المنهج القرآني قادة وسادة، في زمن لا شبيه له في بناء الدول والمجتمعات والحضارات، ١١ سنة قضاها رسول الرحمة للعالمين في المدينة، وبمنهج رسالته القرآنية وأسوته الحسنة، صُنعت هذه المعجزة القرآنية.
وتوقفت أمام قول الله:
﴿وَقَالَ ٱلرَّسُولُ یَـٰرَبِّ إِنَّ قَوۡمِی ٱتَّخَذُوا۟ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورࣰا﴾ [الفرقان ٣٠]
﴿وَأَلَّفَ بَیۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا مَّاۤ أَلَّفۡتَ بَیۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَیۡنَهُمۡۚ إِنَّهُۥ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ﴾ [الأنفال ٦٣]
﴿مِنَ ٱلَّذِینَ فَرَّقُوا۟ دِینَهُمۡ وَكَانُوا۟ شِیَعࣰاۖ كُلُّ حِزۡبِۭ بِمَا لَدَیۡهِمۡ فَرِحُونَ﴾ [الروم ٣٢]
في قول الله وجدت أصل الداء الذي مزقنا وجعلنا نقتل ونقاتل بعض، تشخيص دقيق للداء:
١-هجر القرآن.
٢-التفرق في الدين.
٣-تفرق القلوب.
٤-غيبة منهج القرآن من حياتنا وتفكيرنا.
وأوصلنا هذا الداء لما نحن فيه.
ومن قول الله بدأت رحلتي مع الله وكتاب وحيه.
واكتشفت أن محنة المسلمين لم تكن محنة نصّ، ولا نقصًا في آيات، ولا أزمة في اللغة، بل كانت- وما تزال- محنة منهج، وبغياب المنهج الترتيلي، تحوّلت الأمة من أمة كتاب إلى أمة جماهير مذهبية وسياسية وقبلية ومناطقية، دينهم متفرق، قلوبهم متفرقة، يقتلون ويقاتلون بعض.
فالترتيل ليس تحسين الصوت، ولا ضبط المخارج، كما وصفوه، بل هو طريقة القرآن في بناء ذاته، ومن ثم منهج الإنسان في فهم هذا البناء والوجود.
لتفهم كلمة بقولها الثقيل "رتّلها" في كل المصحف، وسياقها في كل الآيات حينها ستدرك دلالة القول الثقيل للكلمة وماذا تعني.
فالترتيل هو:
• العقل الذي يُفهم به القرآن.
• والمنهج الذي تُبنى به الأمة.
• والنظام الذي به يُستعاد الوحي إلى مركزه.
وهكذا وجدت الله في منهج ترتيل وحيه، فعندما يناديك الله من ظهر الغيب لا تبحث خارج الأفاق ونفسك والقرآن.
دراستي للطب وحصولي على المرتبة الأولى، جعلتني أتفكر في خلق الله لهذا الكائن المستخلف، الذي بدأ طيناً ثم نطفة، وانتقل خلقا من بعد خلق، وصار ما صار عليه، عبر مراحل تتكشف للدارسين عبرها قدرة الله وعظمته، في قوانين وأنظمة الخلق.
١٢ جهازاً يكونان هذا الخليفة، كل جهاز يتكون من العديد من الأعضاء، بأنظمة ووظائف وخلايا مختلفة، وكل عضو له خلاياه الخاصة ووظائفه الخاصة، ودورته الدموية تدور في شبكة من الشرايين والشعيرات والأوردة، بطول 96,560 كيلو متر، تلف الكرة الأرضية مرتين، وبشبكة عصبية يصل طولها حوالي، 150,000كم.
وكل الأجهزة بأعضائها المختلفة وخلاياها المختلفة ووظائفها العديدة، تعمل وفق نظام متناغم بنظام دقيق، لا يخطئ ولا يكل ولا يمل، حتى يأتي الأجل المكتوب.
ومن أسباب التخلف، وعظمة التكوين، بدأت رحلتي مع الله وكتابه، لأعيد اكتشاف ذاتي بفطرتها التي فطرها الله.
وفي الإرهاصات الأولى لهذه الرحلة، بحثت عن الحقيقة في الفكر القومي، والإسلام الحركي، والمذهبي، والتصوف، قراءة وممارسة، لكني وجدت أنها منظومات بشرية، نمت فوق الدين، وتسلل فيها الشرك الخفي، وتحولت لوساطات كبرى بين الله وخلقه، ثم إلى دين بديل لدين الله الحق.
ووجدت أنها أقامت الحُجُبْ بين العابد وربه حتى صار الإنسان:
• لا يتدين ولا يقيم صَلاته وصِلاته لله وللناس إلا عبر إمام.
• ولا يدعوا إلا عبر قبر.
• ولا يتدين إلا عبر رجل كما يزعمون، إما شيخ علم، أو شيخ طريقة، أو أمين عام.
• ولا يعرف الله إلا عبر وسيط.
• ولن يغفر الله ذنوبه إلا عبر شفيع.
ووجدت أن المأساة في هذه الظواهر أدت إلى كارثتين:
الأولى: هجر القرآن.
الثانية: أدخلت الأمة كهانة وتقديس البشر.
وعندما بدأت قراءة القرآن قراءة تقليدية متأثراً بالموروث، لم أجد شرارة الإلتحام بين فطرة الله وقول الله، ولا نور في أفاق النفس والوجود، فالقراءة التقليدية تسأل: ماذا تعني الآية؟
وهذه قراءة لا تحدث شرارة نور البصر والبصيرة وهدي الوحي.
فبحثت عن قراءة تحدث التغيير الوجداني داخل النفس، وتحقق الإلتحام الوجودي، بين قول الله وخلق الله، فتطلق شرارة النور والهداية، للسير في صراط الله المستقيم.
وفي المنهج الترتيلي وجدت القراءة الوجودية، التي تجعلك تعيش القرآن، بحروفه وكلماته، وسوره وآياته، وتُحدث التفاعل بين وجود النفس "خلق الله" ووجود القرآن "قول الله" وتجد الشفاء والرحمة والهداية، فالقراءة الوجودية تسأل:
• ماذا تفعل الآية بي؟
• كيف تهزّ كياني؟
• ماذا تُغيّر في بنية وعيي؟
• ما الانزياح الذي تحدثه في اتجاه حياتي؟
• كيف تغيّر رؤيتي لذاتي وللعالم؟
القراءة الوجودية تجعل القارئ:
• يعيش الآية ولا يفسرها فقط.
• يدخل داخل النص ولا يضع النص خارج ذاته.
• يرى نفسه في الخطاب ولا يرى الخطاب كقصة منفصلة عنه.
• ويكتشف أن الأساس القرآني يصف أثره الوجودي، لا أثره المعلوماتي.
والله يصف هذا التلاحم بقوله سبحانه.
﴿ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحۡسَنَ ٱلۡحَدِیثِ كِتَـٰبࣰا مُّتَشَـٰبِهࣰا مَّثَانِیَ تَقۡشَعِرُّ مِنۡهُ جُلُودُ ٱلَّذِینَ یَخۡشَوۡنَ رَبَّهُمۡ ثُمَّ تَلِینُ جُلُودُهُمۡ وَقُلُوبُهُمۡ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ ذَ ٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ یَهۡدِی بِهِۦ مَن یَشَاۤءُۚ وَمَن یُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٍ﴾ [الزمر ٢٣]
﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِینَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِیَتۡ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِیمَـٰنࣰا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ یَتَوَكَّلُونَ﴾ [الأنفال ٢]
﴿وَیَخِرُّونَ لِلۡأَذۡقَانِ یَبۡكُونَ وَیَزِیدُهُمۡ خُشُوعࣰا ۩﴾ [الإسراء ١٠٩]
﴿لَوۡ أَنزَلۡنَا هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ عَلَىٰ جَبَلࣲ لَّرَأَیۡتَهُۥ خَـٰشِعࣰا مُّتَصَدِّعࣰا مِّنۡ خَشۡیَةِ ٱللَّهِۚ وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَـٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ یَتَفَكَّرُونَ﴾ [الحشر ٢١]
القراءة الوجودية تقوم بعملية تغيير الأنفس.
﴿….. إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُغَیِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ یُغَیِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ …..﴾ [الرعد ١١]
وهذه ليست أوصافاً معرفية، بل أوصاف تغيير وجودي للنفس الإنسانية، والوجود المحيط بها، تجعل من الإنسان:
١-إنساناً قرآنياً.
٢-عبداً ربانيا.
٣-خليفة ومستعمراً للأرض.
٤-شاهداً على الناس.
بمنهج القرآن الترتيلي، وجدت نفسي وقد تساقط عنها ركام الكلمات، وانطفأت الأصوات المتراكمة، لكل ما قرأت وعرفت.
وبقيت "أنا" مجرد إنسان، أقف وحيداً بين يدي الله، متدبراً كتابه كما أراد سبحانه، بمنهجه الذي رَتَّلَ به حروف كلامه وكلماته، وآياته وسوره.
ولا أحمل معي غير صدق النية، والبحث عن الحق، ولأني بين يدي الله، لم تطل حيرتي، فقد فتح لي باباً لم يُغلق قط باب القرآن.
• ليس قرآن المفسرين.
• ولا قرآن الروايات.
• ولا قرآن الفقهاء الذين أثقلوه بأغلالهم.
• ولا قرآن الأئمة المعصومين.
• ولا قرآن الأقطاب المنتجبين.
بل هو القرآن كما كان أول مرة، نزل فيها على رسول الله عليه الصلاة والتسليم، قرآن الفطرة السليمة، وبلقاء فطرة الله بكلام الله، تدفق نور الهداية، ليخرجني من ظلمات الجهل التي مررت بها إلى نور الهداية واليقين، نوراً يتدفق في كياني الإنساني، وفي الوجود الكوني المحيط بي.
وعندما وقفت أمام نور القرآن أدركت شيئاً مدهشاً، أن الطريق إلى الله، أقرب كثيراً مما زعموا، وأبسط مما عَقّدُوا، وأصفى مما رووا.
أدركت وقتها أن الله لم يكُلفنا معرفته عبر الرجال، ولا أن نهتدي عبر الشروح، ولا أن نتقرب إليه عبر ما أَلِفْنا عليه من آبائنا، بل خاطبنا نحن مباشرة بكلامه وكلماته، عبر رسالته التي جمعها وحفظها وبيّنها، وحياً قدوساً لا يموت بموت الناس، ومحفوظاً من عبث الناس.
وهكذا بدأت رحلتي مع القرآن، ووجدت أن الدين الذي جاء به الوحي، غير الدين الذي شيدوه فوق الوحي، وأن القرآن الذي نزل على محمد عليه الصلاة والتسليم، وبلّغه الصادق الأمين، غير القرآن الذي قدمته لنا المذهبية والعترة والطريقة.
وجدت من خلال قوله سبحانه "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس" الهدى الذي أنزله الله للناس كل الناس، فالله لم يجعل بينه وبين عباده وسيط غير قرآنه، فلا أئمة معصومين، ولا فقهاء أعلام، ولا أقطاب.
وكوني من الناس، مشيت مع كتاب الله، وشعرت أن نور حروفه وكلماته وآياته وسوره، يُبدد ظلام الجهل الذي عشته، وأن هذا النور الذي كان محجوباً عني بظلام المذهبية وعصبياتها، والحزبية ونفاقها، يبدأ في الظهور لينير السير نحو الله ودينه بكتاب وحيه، نوراً يقول لي لا تقدس شخصاً، فالقداسة لله وحده، ولا تجعل قول أحد وحي، فالوحي هو ما نزل بكتاب الله، على رسول الله.
فالهداية في وحي الله.
والعزة في وحي الله.
والاستخلاف في وحي الله.
والشهادة على الناس في وحي الله.
وحسنى الدنيا والأخرة في وحي الله.
وكرامة الإنسان وتكريمه في وحي الله.
فمن أتبعه لا يضل ولا يشقى.
ومن أعرض عنه فله معيشة ضنكا.
وكلما تعمقت في كلمات القرآن وصفحاته شعرت أن الدين الذي تتكشف لي معالمه، ليس الدين الذي ورثته من الناس، بل هو الدين الذي أوحاه الله عبر رسله للناس:
• دين لا وساطة فيه لبشر.
• ولا امتياز فيه للبشر.
• ولا تقديس لبشر إلا لله ولكلماته.
وهكذا اكتشفت منهج الله لقراءة كتابه "الترتيل" فهو المفتاح الذي أعطاه الله لرسوله لفهم القول الثقيل، وهو المنهج الذي رتّل الله به، حروف قوله، وكلماته وسوره، سياقاً وترتيبا من أول الفاتحة لأخر الناس.
وبالمنهج الترتيلي كنت كلما اقلب صفحة في كتاب الله، أتوقف وقفة قرآنية، وقفة يخر فيها القلب ساجداً، ويحلق فيها العقل مسبحاً، فيها أُدرك أن الحقيقة- كل الحقيقة- كانت قريبة مني دائماً في القرآن الذي هجرناه، وأن الله أقرب لي من حبل الوريد، وأن القرآن رسالة الله المباشرة لقلبي وعقلي وحواسي، وأنه لا حاجة لي لغير الله ووحيه الحق.
وإن زالت الأسماء، وانطفأت المذاهب، وتهدمت أصنام الآبائية، ما الذي يبقى؟
• يبقى الله.
• ويبقى كلام الله.
• ويبقى الإنسان العارف،
• الذي هرب من الناس ليعود لرب الناس.
• يرافقه في رحلته همس الرحمن يا عبدي إذا سألوك عني فإني قريب.
• وكتابي بين يديك بيّنته ويسّرته لكل مدكر ومتدبر.
وهكذا بدأتُ مرحلة الكتابة وفق المنهج الترتيلي، التي بها رتل الله آيات كتاب وحي دينه، لنفهم من خلال الترتيل قول الله الثقيل، أسوة بالرسول الصادق الأمين، ولنبني من خلاله الإنسان القرآني، الذي تحول بفضل الوحي، من نكرة في صحراء إلى شاهد على الناس.
فهذا الفهم القرآني وفق المنهج الترتيلي، يعمل على بناء الإنسان الحر، الذي يقف أمام ربه بلا وسيط، ويسير إلى الله بلا قيد، ويقرأ القرآن بلا آبائية، ويعبد ربه بلا كهنوت.
وكنت بهذا أطوي رحلة التيه بكل ما قرأت وعرفت وكتبت، فقد أهديت من مكتبتي الخاصة مكتبة السعيد في تعز حوالي ٢٤٠٠ عنوان، ومكتبة المركز الثقافي في القاهرة وقناة اليمن الفضائية العشرات، وبدأت الكتابة في الصحف منذ بداية السبعينات وتحديداً منذ عام ١٩٧١ م وكنت مشرفا على ركن الطلبة ومعي الأخ نجيب عبد القادر الأغبري، في صحيفة مأرب التي كانت تصدر في تعز ويرأس تحريرها الأخ هاشم علي عابد.
وبمنهج وحي الله وقوله سبحانه: "واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيئ عليم"
انتهت رحلة التيه، وبدأت رحلة طريق البحث عن الله في كتابه، لا في كتب الناس، وبمنهجه لا بمنهج الناس.
فبهما نستعيد حريتنا وكرامتنا ودورنا ووحدتنا وشهادتنا على الناس.





