الهاشمية.. أول تنظيم سري عالمي 
الساعة 10:58 مساءً
  • صحفي وكاتب

بعد مقتل زيد بن علي، أدرك الشيعة أن لا قبل لهم بالمواجهة المسلحة المباشرة مع الأمويين، فعندئذ بدأ الهاشميون والمتشيعون لعلي بعمل تنظيم سري لهم ومبايعة إمام لهم لا يسمونه، ويطلق عليه اسماً وهمياً هو (الرضى من آل محمد)، لا يكشفون عن هويته حتى لا يتعرض للقتل من قبل الأمويين، وكان العباسيون جزءاً من هذا التنظيم قبل أن ينقلبوا على العلويين الطالبيين، وينقسم الهاشميون إلى فخذي العباسيين والطالبيين، ويستأثر العباسيون بالحكم لأنفسهم، وكان الجميع يتخذ من الفرس الإيرانيين أنصاراً، ومن بلادهم وطناً للتحرك. لكن العباسيين نهجوا نهج السنة، ونهج الطالبيون التشيع، ومن هنا لم يجتمعوا بعد ذلك كأسرة للهاشمية إلا في عنصرية الطرفين القائمة على نقاء العرق وتميز السلالة، ولم يوحدوا جهودهم وأعمالهم إلا ريثما تم الانقلاب على الأمويين وإزاحتهم من السلطة.

من هنا (حيث النصرة والموطن) بدأ الفرس الركوب على ظهور الهاشميين، ويتخذون العلويين مطايا وواجهة لينفذوا من خلالهم أجندتهم وأهدافهم الخاصة في استرداد الإمبراطورية الفارسية، أو الانتقام لها على الأقل، حتى إن الفرس أدخلوا بعضاً منهم في النسب الهاشمي ليكون لهم حق بعد ذلك في الانقلاب على العلويين والاستئثار بالولاية من دونهم، وهو ما زوروه في كتبهم التاريخية ابتداءً من اختلاق قصة تزويج الحسين بشهربانو ابنة كسرى يزدجرد عند سقوط الإمبراطورية الفارسية، كما سنوضحه في مبحث لاحق من هذا الكتاب، وما فعله فيما بعد الشاه إسماعيل الصفوي، وحفيده الشاه عباس، وغيرهم وصولاً إلى الخميني، مع أن مصادر استخباراتية تقول إن أبا الخميني عنصر استخباراتي انجليزي تم دسه في إيران لغرض إذكاء هذه الأجندة الطائفية وحكم الشيعة من وراء ستار، ليصلوا يوماً عن طريقهم إلى حكم العالم الإسلامي. 

ومن بعد الخميني جاء الخامنائي وينسبونه إلى الحسين بن علي العربي، مع أن الشيعة الفارسية وإيران يزدرون كل ثقافة عربية ويُحقِّرونها، بل ويقتلون العناصر العربية، ويضيقون عليها الخناق في الأهواز قديماً وحديثاً، وقد قاموا بتصفيات عرقية وطائفية ومجازر يندى لها الجبين، أسقطت كل القوى العربية إنساناً وفكراً وثقافة، ولن يجعلوا العنصر العربي يصل إلى قمة السلطة في إيران.

كان الأمويون بعد بيعة يزيد بن معاوية ومن جاء بعده يريدون من المسلمين طاعة مطلقة دون قيود، وبدأوا يسوقون بعض النصوص لذلك الأمر، ومنها على سبيل المثال قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} ، دون قيود، مما ولد ردة فعل عند شيعة علي، "فبدأوا يردون عليهم بأولوية أهل البيت في الحكم والخلافة، ثم قال بعضهم بتعيين الله للأئمة، وقال بعض آخر بعصمتهم. وقد التقت هذه المفاهيم التي كانت تتبلور في مطلع القرن الثاني الهجري مع حالة التمزق الذي كان يعصف بالحركة الشيعية والصراع الداخلي على القيادة بين أجنحة أهل البيت المختلفة، فأدى كل ذلك إلى نشوء نظرية (الإمامة الإلهية) لأهل البيت القائمة على العصمة والنص والتعيين عند فريق منهم.

وكان على رأس القائلين بهذه النظرية هم:
1-    المتكلم المعروف أبو جعفر الأحول محمد بن علي النعمان، الملقب بمؤمن الطاق، الذي ألف عدة كتب في هذا الموضوع، هي: كتاب الإمامة، وكتاب المعرفة، وكتاب الرد على المعتزلة في إمامة المفضول.
2-    علي بن شعيب بن إسماعيل بن ميثم التمار أبو الحسن الميثمي، الذي قال عنه الطوسي في (الفهرست): أنه أول من تكلم على مذهب الإمامية، وصنف كتاباً في الإمامة وله "الاستحقاق" و"الكامل" في نفس الموضوع.
3-    هيثم بن سالم الجواليقي.
4-    قيس الماصر.
5-    حمران بن أعين.
6-    أبو بصير ليث بن البختري المرادي الأسدي.
7-    هشام بن الحكم الكندي (توفي سنة 197هـ) الذي كتب عدة كتب، هي: الإمامة، والرد على هشام بن سالم الجواليقي، والرد على شيطان الطاق، وكتاب التدبير في الإمامة، وإمامة المفضول، والوصية والرد على منكريها، وكتاب اختلاف الناس في الإمامة.
8-    محمد بن الخليل المعروف بالسكاك، صاحب هشام بن الحكم، وكان متكلماً، وخالف هشاماً في أشياء إلا في أصل الإمامة. له كتب، منها: كتاب المعرفة، وكتاب الاستطاعة، وكتاب الإمامة، وكتاب الرد من أبى كتاب الإمامة بالنص.
وقال هؤلاء المتكلمون: "إن الإمامة مفروضة من الله، وهي في أهل البيت، وإنها متوارثة في ذرية الحسين بصورة عمودية إلى يوم القيامة، وإنها تثبت بالنص أو الوصية أو المعاجز الغيبية".  

بدأ الحديث عن هذه الإمامة الإلهية والعصمة وغيرها من قبل الإمامة الإثني عشرية، أما الزيدية فترجع الإمامة إلى الإشارة وليس إلى النص، وتتخذ من زيد بن علي هادياً وعلماً للثورة بالسيف، وتدعي أن له فكراً ومذهباً مستقلاً، مع أنه ليس له مذهب مستقل؛ فقد كان على النهج الأول للمسلمين قبل أن يعرف المسلمون التقسيم إلى سنة وشيعة، وما التقسيم إلا بعد هذا الرجل.

لكن كبراء الزيدية خرجوا عن مقولة أن الإمامة لعلي كانت بالإشارة، وخرجوا بها إلى النص تكاملاً مع الشيعة الإثني عشرية ومنهم يحيى الرسي الذي أسقط النصوص العامة في القرآن وجعلها خاصة في علي وبنيه، وكذلك قوله بنص الحديث النبوي في إمامة علي، كنص الغدير، وهو ما فندناه بالأدلة، ثم بعد ذلك ذهب لينشئ النظرية الإمامية المعروفة. ويبدو أن الرسي تأثر بالفكر الإثني عشري عندما ذهب إلى إيران وقم ومكث هناك يأخذ التعاليم المختلفة، ونفهم ذلك من تنقله بين الزيدية والاعتزال والجارودية ثم استقراره على مذهبه الهادوي الذي زاوج فيه بين الاثني عشرية وبقية فرق الزيدية من معتزلة وجارودية.

ومما قاله الرسي في النص: "فمن أنكر أن يكون علي أمير المؤمنين أولى الناس بمقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد رد كتاب الله ذي الجلال والإكرام والطول، وأبطل قول رب العالمين، وخالف في ذلك ما نطق به الكتاب المبين".  
وقال: "حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن إمامة علي بن أبي طالب (عليه السلام) أفرض هي من الله؟ فقال: كذلك نقول، وكذلك يقول العلماء من آل الرسول". 

من يراجع الفكر الحوثي اليوم سيجد أنه ليس ملتزماً بنهج أئمته السابقين الذين يدعون الزيدية، وهي في الحقيقة الهادوية التي حرفت الزيدية ووافقت بينها وبين المعتزلة والجارودية والإثني عشرية، فكانت الهادوية التي أسسها الهادي الرسي، ولكن سيجد أنه يتخذ من فكرة الإمامة الإثني عشرية الأولى القائلة بالإمامة الإلهية فكرة يسوق الناس إليها، إما قتلاً وإما استقطاباً.

فتقول النظرية الإمامية (الإثني عشرية): "إن الإمامة أمر إلهي، وإن تعيين الإمام الجديد يتم بتدخل من الله، ولا دخل لإرادة الإمام السابق بذلك. يقول عمرو بن الأشعث أنه سمع الإمام الصادق يقول: "لعلكم ترون أن هذا الأمر إلى رجل منا يضعه حيث يشاء، لا والله، إنه لعهد من رسول الله مسمى رجل فرجل حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه".  

ويقول إسماعيل بن عمار: "إنه سأل أبا الحسن الكاظم عن الإمامة، هل هي فرض من الله على الإمام أن يوصي ويعهد قبل أن يخرج من الدنيا؟ فقال: نعم، فقال فريضة من الله، قال: نعم" ، مع أن علياً - رضي الله عنه- رفض الوصاية بالإمامة إلى الحسن حين سأله أصحابه وهو على فراش الموت، فقال: لم يفعلها رسول الله وهو خير مني، ولكن لا آمركم ولا أنهاكم، وجعلها مفتوحة للمشورة. ولو كان أمر الولاية عنده وصية من النبي أو ادعاءً إلهياً، كما تقول الشيعة اليوم، لأوصى بالخلافة للحسن، ولأمره بالتمسك بها ولو قدم رأسه ثمناً لها، لكنه لم يفعل، كما في النص السابق.
ويقول يحيى بن مالك: إنه سأل الإمام الرضى عن قول الله -عز وجل: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}؟ فقال: "الإمام يؤدي إلى الإمام"، ثم قال: يا يحيى، إنه والله ليس منه، إنما هو أمر من الله!". 

ثُبِّتت هذه النظرية عند الإمامية، وبدأوا يروجون لها في كل أفكارهم وتحركاتهم ودعواتهم الناس إليها، وبدأوا يشقون اجتماع المسلمين وكلمتهم، وشططوا في القول والفعل على السواء.
وأركان الإمامة عندهم: العصمة، والنص من الله، وحصر الإمامة في البطنين بعد علي.
وينتقل الفكر الإمامي "من القول بضرورة العصمة في الإمام، مطلق الإمام، إلى ضرورة النص عليه من الله كطريق وحيد لمعرفته، فيبطل قانون الشورى والإنتخاب، ثم يحصر الإمامة في الأئمة المعصومين من أهل البيت، بدءاً من الإمام علي بن أبي طالب والحسن والحسين، ثم الأئمة من ذرية الحسين، الذين نصبهم الله تعالى قادة لخلقه إلى يوم القيامة". 

ويستدل الفكر الإمامي على عصمة أهل البيت بالآية الكريمة التي تقول: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} . مع أن الآية خاصة بزوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- دون غيرهن، ولا تعني علي ولا أولاده في شيء.
والغريب لدى الشيعة أنهم خصوا أولاد علي من فاطمة فقط حتى لا تتم منافستهم وحصرها فيهم، وينسبونهما للرسول، ثم حصروها لاحقاً في الحسين وذريته دون الحسن بسبب تنازل الحسن لمعاوية، وإن ذكروا الحسن وذريته فهو على سبيل التبرير.

من كتابي: الإمامة .. النظرية والجريمة