الرئيسية - دنيا الإعلام - ماحد في المحوى يقدر يرفع راسه
ماحد في المحوى يقدر يرفع راسه
الساعة 12:00 صباحاً البديل - موسى النمراني

محمد، هذا الطفل الأسود ذو العشر سنوات لا يمكننا أن نسميها "ربيعا"، كونه لا يعرف الشيء الكثير عما يجب أن يكون الربيع؛ محمد يعمل طوال النهار في جمع القمامة، وحين سألناه لماذا لا تدرس؟ قال لنا: أنا إلا خادم.
بحسب محمد المقرعي، رئيس منظمة الدفاع عن الأحرار السود، فإن عدد شريحة الأخدام، تربو عن ثمانمائة ألف إنسان، يعيشون تحت مستوى خط الفقر بكثير، ولو كان هناك خطوط أخرى، لكانوا تحتها!
ينص الدستور اليمني على المساواة بين المواطنين، في الحقوق والواجبات، كما ينص القانون على مبدأ تكافؤ الفرص، ويسعى الهدف الأول من أهداف الثورة إلى إلغاء الفوارق والامتيازات الطبقية بين أبناء المجتمع، غير أن مئات الآلاف من أبناء الشعب، يعيشون في بيوت الصفيح، في أماكن عادة ماتسمى بـ"المحوى"، وغالبا ما يشير الصحفيون، والباحثون إلى فئة "الأخدام" بلفظ "المهمشين"، وهو تعبير غير دقيق، في حقهم.
يعاني الأخدام من نظرة اجتماعية دونية، ومن ثقافة جماعية متخلفة، ليس في قناعات المجتمع المحيط ولكن في ثقافة أبناء الشريحة أنفسهم. لذلك، فرغم إمكاناتهم البشرية الهائلة، فإنهم متقوقعون على أنفسهم ومقتنعون بوضعهم، على اعتبار أنه وضع طبيعي، ويشير إلى ذلك عرفات مدابش، في تقرير للشرق الأوسط ، "لا تستطيع أن تبذل جهدا للدفاع عن حقوق هذه الفئة، بسبب عدم ثقة هذه الفئة نفسها بإمكانية أن يكون لها حقوق محترمة، بسبب العزل التام الذي تقع فيه، ويجعل من الصعوبة بمكان التعامل مع أفرادها".
ورغم أن القانون يلغي الفوارق الطبقية، إلا أنه فشل في القضاء عليها، في مفاهيم المجتمع، بما فيهم الموظفون الحكوميون، وراسمو سياسات الدولة ،الذين يرفضون الاعتراف بوجود تمييز ضد هذه الفئة، حيث تأتي هذه الفئة، في آخر السلم الطبقي، والذي يبدأ من السادة، والقضاة، والمشائخ، ثم القبائل، وتعاني من اضطهاد على المستوى الجماعي والفردي، حيث تتعرض منازلهم للإحراق في أكثر من مرة ويجبرون على الانتقال من منطقة إلى أخرى، كما تعمل سياسات الدولة على تكديسهم بأعداد كبيرة في رقع جغرافية ضيقة تنتشر فيها الأوبئة، وتحرم من أدنى الخدمات الإنسانية، عدا عن مجمعين سكنيين، بنتهما الحكومة بتمويل أميركي، وأجبرت سكان "محوى باب اليمن" على مغادرتها إلى المدينة الجديدة، غير أن الجهات الرسمية ترفض إعطاء السكان وثائق ملكية للأرض التي يسكنونها، دون إبداء مبررات معقولة .. أو غير معقولة حتى.
يقول أحد السكان من أبناء هذه الفئة "أبو عادل يدعم وسعد يدعم أبو عادل"، وأبو عادل هو رجل أعمال معروف، ونائب في البرلمان، صعد بأصوات "الأخدام" أما سعد، فهو عضو المجلس المحلي، كما عرفه لي المتحدث، ويقول، "ما حد في المحوى يقدر يرفع راسه.. اللي يرفع راسه يجي له طقم لا البيت، يدعس أبوه وفي السجن يربُّوه" قلت له يربوه يعني يضربوه؟ قال ببراءة "آه .. اللي ما يربوه أهله يربوه الناس".
لا تشجع الحكومة الأخدام على تعليم أبنائهم، بل على العكس تساهم في الزج بالأطفال إلى سوق العمل، من خلال توزيعهم على إدارات البلدية المختصة بتنظيف الشوارع، كما لا تقوم بمنحهم درجات وظيفية، مقابل هذا العمل، بل تتعامل معهم باعتبارهم متعاقدين، بالأجر اليومي، ولهذا لا يحصلون على راتب تقاعدي، ولا تأمين صحي، علاوة على أن رواتبهم، لا تكفي لسد الحاجات الأساسية للانسان. لهذا، فغالبا ما يتسولون، أثناء تنظيف الشوارع. كما أن المناطق التي يسكنونها، لا تصلح حتى لسكن الحيوانات؛ فهي خالية من الخدمات الأساسية، وممتلئة بالبعوض، والحشرات الضارة التي لم يعد لها وجود إلا في مثل أماكنهم؛ وأجسادهم النحيلة تحمل أمراضا احتفل العالم بالقضاء عليها قبل أن يولدوا؛ كما أنهم يعملون عادة في ترقيع الأحذية، أو تنظيف الشوارع والبيوت، أو جمع القمامة وبيعها لصالح شركات متخصصة في تدوير النفايات، يملكها مسئولون عسكريون، وأمين العاصمة السابق.
وتشير تقارير، إلى أن نسبة الأمية بينهم أعلى نسبة في العالم. كما يحذر ناشطون من ارتفاع الفارق بين عدد الموتى من بين عدد المواليد، حيث تصل النسبة إلى عشرة بالمئة. كما يعاني أبناء هذه الطبقة من جحيم العلاقة غير السوية، بين الرجل والمرأة، وبين الكبير والصغير، حيث غالبا ما يتم اللجوء إلى العنف ضد المرأة، كما يعتدي الآباء على أبنائهم بالضرب، بأشكال قاسية، ويلجأ الأخدام، رجالا ونساء وأطفالا، إلى التسول كوسيلة وحيدة للحياة، بسبب عدم حصولهم على فرص تعليم، وهم خارج إطار الحراك الاجتماعي بسبب حالة العزل التي يعيشونها..
فئة مهمشة في شعب مهمش أصلا، يفتقر إلى القناعة الأساسية بالقدرة على التغيير، والحق في فرصة لحياة أفضل، ويكرس للأجيال الجديدة ثقافة الخنوع والرضى بالظلم، على اعتبار أنه قدر لا بد منه، ولا يمكن لأحد أن يفر من قدره، لنبقى جميعا في انتظار قدر أفضل، لا يأتي لمجرد الانتظار.

نقلا عن ثروة