صدر حديثًا بنسخة إلكترونية كتاب «الطريق إلى العبودية»، وهو عمل يجمع عددًا من محاضرات العالم الراحل الشيخ محمد عبدالله المقرمي – رحمه الله – التي لم يسبق نشرها في صيغة كتاب، وقد قام الباحث شمسان المقرمي بجمعها وترتيبها وإخراجها في بناء فكري متسلسل يمثّل جزءًا من مشروع حفظ تراث الشيخ وإتاحته للباحثين والمهتمين.

ويقدّم الإصدار الإلكتروني الجديد مادة علمية كانت متناثرة في تسجيلات ومحاضرات ألقاها الشيخ خلال سنوات نشاطه الدعوي، ثم جرى توثيقها بعناية ضمن سياق موضوعي يبرز منهجه في تهذيب النفس، وإصلاح السلوك، وضبط مصدر المعلومة التي تؤثّر في عقل الإنسان وقراراته.

ويرتكز الكتاب على سؤال تربوي محوري كان الشيخ يكرّره في دروسه:
كيف يعيش الإنسان لحظته على مراد الله؟
ومن هذا السؤال تنبثق الدروس الأولى التي توضّح أن جوهر العبودية لا يقوم على أداء الفرائض وحدها، بل على سلوك الإنسان بين الفريضة والفريضة، وما يختاره قلبه وضميره في لحظات الحياة اليومية.

ويتضمّن الكتاب مراحل تربوية متتابعة تشمل الاستخارة، والقرعة، والتعامل مع الحلال والحرام، وتربية الشخص على العزيمة، وتنقية النفس من الهوى، وصولًا إلى مرحلة “صفاء القلب”، حين يصبح العبد قادرًا على استفتاء قلبه بنيّة صادقة ونور مستقيم.

وفي فصل موسّع، يعالج الشيخ – رحمه الله – مفهوم برمجة العقل، موضحًا أن المعلومة هي المحرك الأول للسلوك، وأن فساد المعلومة أو اضطرابها يؤدي إلى اختلال في الإدراك والقرار. ويقسّم المؤلف المعلومات إلى معلومة الشهادة ومعلومة الغيب، مع تحليل لافت لأثر الظن والريب والكذب في صناعة الوعي.

ويفرد الكتاب مساحة واسعة لشرح أساليب الشيطان في التأثير على العقل، من النزغ والوسوسة وحتى الاستحواذ، معتبرًا أن المعركة الجوهرية بين الإنسان والشيطان هي معركة معلومة، لا معركة مادة، وأن حماية العقل من الانحراف تبدأ من حماية مصادر المعرفة.

ويتناول الإصدار كذلك البعد الروحي عبر دروس تتعلّق بـ استحضار صفات الله السميع والبصير والعليم في تهذيب الإنسان، إضافة إلى درس عميق حول “قبلة القلب” في قصة هاجر أم إسماعيل كنموذج للثقة المطلقة بالله واليقين بوعده.

ويمثّل إصدار «الطريق إلى العبودية» بنسخته الإلكترونية خطوة مهمّة في توثيق تراث الشيخ المقرمي، وإعادة تقديم خطابه التربوي لجمهور أوسع، لا سيما أن الكتاب يضم مواد لم تُنشر سابقًا، وجرى ترتيبها بطريقة منهجية تسهّل قراءتها وتتيح فهمًا أدق لمدرسته في التربية وبناء الوعي.