الرئيسية - كــتب - يسوع مصطفى لغيتري
يسوع مصطفى لغيتري
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

محمد الغربي عمران –

مصطفى لغيتري روائي مغربي.. غزير الإنتاج .. صديق منذ سنوات على العالم الافتراضي .. لم يكن مختلفا لدي حين التقيته في مدينة الناظور شمال المملكة المغربية في شهر مارس الماضي.. فقط بدأ أصغر مما قدرته من الصور خلال مراسلاتنا على الفيسبوك.. وأكثر ودا وتواضعا.. سعدت بلقياه.. تخابرنا حول أسلوب كتابته حين كنا نتنزه ليلا في احد شوارع الناظور.. فوجدته يشبه الكثيرين من الكتاب الذي لايستغرق العمل وقتا كبيرا لإنجازه.. فبمجرد نضوج الفكرة يخصص مصطفى لصياغتها أشهرا◌ٍ. وأسعدني حين أهداني روايته الأخيرة (ابن السماء) التي رافقتني على الطائرة من الدار البيضاء إلى بغداد. هو الخيال ولاشيء غير الخيال.. هذا ما ترسب إلى عقلي وأنا أقرأ (لغيتري) وهو ينزل اليسوع من السماء قبل أوانه. ينزله دون ماض.. أو هكذا أراد.. يقذف به من السماء الدنيا إلى البحر نتيجة لإيمان سكان السماء بأنه كائن نحس. كما حاول أن يدخل القارئ في حوار معه وهو يقلب خياراته في مجرى أحداث الراوية ومصائر شخصياتها.. ثم أنه جعل يسوعه كائنا◌ٍ غير إيجابي ليطلق عليه سكان الأرض إبن السماء.. يسوع م◌ْستغل م◌ْسير.. ليعود إلى السماء مرة أخرى بعد حكايات متداخلة تنتهي بأن يكون وليا باسم جديد(سيدي الساكن) على رابية تزوره النساء للتبرك والاستشفاء.. أو هكذا أرادت له زوجته لؤلؤة وأختها سلمى. فابن السماء الذي تحول إلى سيدي الساكت لم يكن له لا حول ولا قوة.. فقط يمارس سلبيته بداخل المزار لتدير لؤلؤة الأمور كما تشاء.. وتنتقي من الرجال من تشاء لمضاجعتها.. وحين رأت أن دور زوجها قد انتهى قررت التخلص منه بتجويعه حتى الموت. إذا◌ٍ هي رواية مختلفة . ولسلمى أختها ما أرادت حين قررت التخلص من زوجها بإرساله كجندي يحارب مع الفرنسيين في الهند الصينية.. لتنشئ دارا◌ٍ خاصا◌ٍ بها للدعارة. جرح الكاتب التقليد بالتجريب الواعي معتمدا على قدرته الفذة في التخييل .. واستطاع أن يجعل شخصيات الرواية رموزا فاعلة أستنطق بها فترة من تاريخ المغرب.. فهذا هو روبير الضابط الفرنسي أثناء احتلال فرنسا للمغرب.. وتلك هي لؤلؤة التي استطاعت أن تطوع كل شيء لخدمتها حتى روبير تغويه ليشبع نهمها الجسدي وتنفذ من خلاله إلى مآربها.. وهي رمز ليس للوطن بل للطبقة الفاسدة التي تعهر مع المحتل وتسعى لاستغلال كل شيء في سبيل ثرائها والإعلاء من مكانتها .. فلا تتورع عن القتل والإبعاد.. والسجن لأي معارض.تساعدها أختها سلمى التي أضحت قوادة تحت غطاء الاستعمار الفرنسي. وهي من تستغل تلك الصلات لترسل ابنها إدريس للدراسة في فرنسا. شخصيات الرواية تتبادل مكمن المحور منها.. فهذا ابن السماء شخصية محورية.. ثم هي لؤلؤة.. ثم يليهما سلمى وروبير. ليعود (إدريس) إبن لؤلؤة من فرنسا بعد أن أكمل دراسته.. وهنا يتحول ذلك الشاب إلى رمز جديد وشخصية محورية في صفحات الراوية الأخيرة.. أنه المخلص الذي يستفزه الوجود الفرنسي.. يخجل من وضع مجتمعه الغارق في الجهل والفقر.ومن مكانة أسرته المشبوهة .. ومن علاقة أمه بروبير.. ومن دار خالته سلمى. رسم مصطفى نهاية روايته بشكل رائع غير متوقع وهو ما يمنح الرواية بعدا فنيا ممتعا.. فهاهو إبن لؤلؤة الفاسدة يقف بعد عودته من فرنسا متأملا ما حوله.. يفكر في تغيير مجتمعه.. لم يكن إدريس إلا خلاصة لكل الأحداث المتعاقبة على القرية التي أضحت تعرف باسم قرية (سيدي الساكت) – والده – الرواية رغم صفحاتها الـ (112) إلا أنها باحت بما لا تستطيع رواية وان تجاوزت ضعف تلك الصفحات.. ولذلك كانت النهاية جيدة حين قرر إدريس الالتحاق بالوطنيين الذين أعلنوا مقاومة الاستعمار. لتختم الرواية بجملة ادريس “لقد أن الأوان ليتغير كل شيء” . وهنا بعض النقاط التي أثارتها الرواية.. منها: أن الماضي هو المعرفة للإنسان..وعدم وجود ماض لاوجود لأي معرفة.. ثم إنه جعل الحوار مع القارئ حوارا◌ٍ شيقا, عكس ما تعودناه في روايات أخرى حين يطل الكاتب بآرائه المباشرة والواعظة التي تبعث على الملل..