الرئيسية - كــتب - (وسارت بهما الأيام) دعوة للثورة والحرية
(وسارت بهما الأيام) دعوة للثورة والحرية
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

الغربي عمران – لما لا نصف الأشياء بصفاتها.. وهل تلك الصفات التي نطلقها عليها أن تغير من وظيفة جوهر الأشياء¿ حين أهدتني الكاتبة فوزية القادري روايتها الموسومة (وسارت بهما الأيام) كنت سعيدا لأني سأقرأ شخصية تعرفت على أرائها في الحياة من خلال جلساتنا على هامش مهرجان الناظور للقصة القصيرة جدا بالمملكة المغربية 14- 16 من مارس 2013 .. حين استضافتني في منزلها العمر مرتين. فوزية رافقتني بعد رحيلي من المغرب .. فطوال ساعات رحلتي من البيضاء إلى القاهرة كانت روايتها معلقة بعيني.. يرتفع صوتها من بين صفحات كتابها .. سبع ساعات وأنا لا أسمع إلا صوتها.. هي أراؤها التي سبق أن استمعنا إليها حول المرأة العربية وتخلف أنظمة الحكم وأوعية الفكر في المجتمعات العربية. حاولت إلغاء ذلك الصوت.. أقفلت الكتاب تأملت الغلاف.. لوحة تشكيلية إذا تجاوزنا رمزية محتواها.. إلى الظاهر منه كشكل.. فتاة تتكئ إلى جذع شجرة.. تمسك .. أو هكذا ظنت أن ذلك الحبل يشد الخيل .. لكنه كان يخاتلها حين لا تراه يعض أطراف الحبل لنتساءل هل هو الآخر يظن بأنه يشد الفتاة من عنقها. وهكذا هي رواية” وسارت بهم الأيام” التي يمكن أن تصنف إلى كتاب كتبته الكاتبة سردا فأخذ من الرواية الشيء.. ومن فن المقالة التقريري الشيء الكثير.. ليجده القارئ مشحوناٍ بالأفكار التقدمية ناقدا لوضع اجتماعي وسياسي نعيشه نحن العرب.. وكأن فوزية قد بشرت بما يسمى بثورات الربيع العربي.. التي لا أراها ثورات كما يصفون. ودعونا نقترب من أفكار الكاتبة بغض النظر عن تجنيس . موافقين بذلك ما صنفته به العزيزة فوزية كتابها.. وإن وجدت أنا بأنه أيضا يقترب من السيرة حين ابتعدت الكاتبة عن الخيال. العزيزة فوزية هذه هي أفكارك ما انفكت تجالسني.. بذلت جهدا كما هي نظرية قتل المؤلف لكن صوتك ما فتأت جذوته تتقد من بين صفحاتك.. لتتدفق أفكارك.. حول أوضاع المرأة العربية المخزي .. قمع الحريات بأساليب ممنهجة.. الفهم الخاطئ للدين وتطبيق ما يمكن أن يكون غير إنساني.. تخلف الأنظمة السياسية أو فالنقل بأن تلك الأنظمة تعمل على ضمان ديمومة سيطرتها حتى لو أدى ذلك لاستخدام فقء العيون وبتر الأصابع. لقد فهمت كقارئ بأنك تضعي سبباٍ لتطور أوربا .. فهي الحرية وسيادة دولة القانون .. مقابل قمع الحرية في مجتمعاتنا ..وفساد السلطة وقمعها لما يخالف سياستها. واصلت قراءتي محاولا ألا أعير صوتك اهتماما. بدأت بالإهداء.. فكثيرا ما يهدي الكاتب لوالديه أو إحداهم .. معلميه..أصدقاؤه.. وهذا مثالي.. ثم المقدمة التي خطها الأستاذ بوحميدي.. لم يتحدث عن رواية .. قدم للقارئ العمل بصفته كتاب دون صفة لجنس أدبي معين. مشيدا بالكاتبة ونضالها.. كما اعتبر المحتوى ضمن كفاحها. فهل أراد أن يوحي للقارئ بسيرية المحتوى ¿ واعلم أن الأستاذة فوزية لا يعني لها شكل الكتاب أو إخراج صفحاته بشكل يروق للقارئ بقدر ما يعنيها وصول أفكارها إلى قارئ محتمل بأي شكل .. حتى لو انعدمت الفراغات الجمالية والمساحات البيضاء على صفحات كتابها كماهو حاصل .. وأعني ذلك الفراغ الذي يتركه المخرج في أعلى الصفحة وأسفلها كنوع من أنواع الإبداع الإخراجي.. لذا جاءت الصفحات مملوءة بالكلمات بشكل صادم دون أي لمسات فنية . تمنيت لو أن الكاتبة قسمت كتابها إلى فصول .. أو عناوين فرعية. حسب تنامي الأحداث .. ولو أن الكاتبة وضعت سيرة مختصرة ملحقة بهذا الإصدار للتعريف بها وبإصداراتها وأبرز المحطات في حياتها. ألا تلاحظ عزيزي القارئ بأني قد أكون ظللت الطريق وبدأت بداية غير موفقة.. باستخدام أسلوب الصعاليك في استعراض قراءتي لهذا الإصدار الناقد للمجتمع . أن أكتب ما أراه وأتخيل مايمكن أن يتفوه به قارئ هذا المقال. “كانت فاطمة فتاة رقيقة مهذبة ووحيدة أبويها محبوبة عند الجميع في البيت وفي المدرسة وفي أي مكان توجد فيه.. كان كل من يراها سارحة يظن بأنها مشغولة البال ولم يكن احد يعرف بأنها سرحانة بسبب كثرة الأفكار التي تزدحم في أحاسيسها” هذه أول أسطر كتاب القادري التي قدمت لنا الشخصية الأساسية والمحورية (فاطمة) كفتاة مثالية في كل شيء:أفكارها ..تعاملها..مبادئها.. قراراتها.. جمالها البدني والروحي الذي يصرع من يتعامل معها من الشباب والكبار ليهيمون بها .. الخ تلك الشخصية السوبر. وما عداها يعتورهم النقص. الاتكاء على قاعدة الخير والشر.. أو الكمال والنقص في الشخصية الأوربية التي تمثل الكمال ونقيضها الشخصية العربية.. وحقيقة إنسانية لايوجد الكمال المطلق أو النقص المطلق.. وكم كنت أتمنى لو أن الكاتبة غاصت في الذات الإنسانية بغض النظر عن تدني وعي الفرد وتخلف الأنظمة.. ألا نقسم في أعمالنا الشخصيات إلى ملائكة وشياطين.. ومن أجل ذلك علينا أن نتعمق ونحفر في طبقات نفسيات شخصيات أعمالنا .. لنتعرف على دوافع كل تصرفاتها .. فكل كائن يحمل نسبة من الخير والشر.. وكل له مبرراته وفلسفته مما يقوم به.. حتى القتلة لو جلسنا واستمعنا إليهم لو عدنا إلى ماضي أيامهم وتلك الظروف التي جعلته في نظرنا مجرما لأدركنا في أكثر الحالات النقيض .. وكثيرا ما تقدم لنا الأعمال الروائية تلك الشخصيات التي تترك فينا أثرا كبيرا..ونعود قليلا إلى إحدى الروائع الكلاسيكية العالمية كرواية (البؤساء) .. حين يكون جان فلجان في نظر القارئ كائناٍ مجنياٍ عليه يتعاطف معه ولا ينظر إليه كمجرم كما ترسخ لدى الشرطة الفرنسية التي ظلت تطارده طوال سنوات عمره.. ليضع فيكتور هيجو القارئ في موقع جان ككائن مجني عليه وليس جانياٍ .. جان المطارد من قبل أجهزة الدولة كمجرم يتحدى القوانين. أو رائعة محمد شكري (الخبز الحافي) وشخصياته المضطربة .. ابتداء بالشخصية الرئيسة – الذي هو محمد شكري – مرورا بالأم والأب وأفراد المجتمع. في العمل الأدبي نحن غير ملزمين بتقديم الخير المطلق أو الشر.. إلا في حالات توظيف دقيقة. علينا أن نعترف ألا وجود لملائكة أو شياطين بين البشر .. وننظر إلى قول أحد الكتاب الفرنسيين الذي لا يحضرني اسمه هنا ” كل نساء العالم عاهرات إلا أمي” وهو هنا ينسف فكرتنا عن ذواتنا .. فكل إنسان يصارع نوازعه محاولا الظهور بمسوح القديسين بينما تخفتي شخصيته المدمرة لتظهر فجأة تنسف ذلك المظهر الذي حرص على الظهور به.. وتلك النوازع عادة ما تتحكم بها ظروف حياتية تتجلى في الصراع من خلال تطور الأحداث والمؤثرات .. لتتكشف النقائض بتنامي الشخصيات. فرجل الدين الذي يتمثل شخصية الملاك الذي لا يخطئ البتة.. وتلك المومس التي يقدمها الروائي نموذجاٍ للكائن السيئ بطبعه. وذلك الجندي البطل دوما.. الطبيب الذي لايخون الأمانة.. فأين الشخصية الروائية في كل ما ذْكر.. أين جهد الكاتب في الحفر عميقا في النفس البشرية. أليس الأحرى بنا أن نكتب تلك المومس بغوصنا في أعماق عوالمها ونوازعها لنظهر شخصية الطهر والنقاء وسط ركام الظاهر الزائف.. ورجل الدين الذي يتكشف للقارئ بنزعاته الإنسانية المتناقضة ..حين يظهر الكاتب ممارسات الخفاء عكس ما يظهره.. وذلك الشاب قاطع الطريق وقد تمثل بـ (عروة إبن الورد) في صعاليك العرب أو (ارسين لوبين) تلك الشخصية المحببة .. أو كما ذكرت (جان فلجان) في البؤساء أن نظهر تلك النوازع الإنساني وشذوذ الرغبات للكائن البشري لنقدم للقارئ ما يدهشه لا كما يجب أن تكون عليه وظيفة الشخصية.. وهكذا الجندي.. والطبيب .. والأم .. قد يخالفني البعض.. حين أقول أن الرواية فن الغوص في ذات الفرد. “وسارت بهما الأيام” كتاب رائع بما يحمله من قيم إنسانية وأفكار سامية. قدمته لنا الكاتبة في قالب سردي .. لكنه غير ذلك .. قد يكون مسيرة نضال.. أو سيرة روائية كما قدم لنا كثر من الكتاب.. مثل الأديب التونسي محمد رجب .. في ريحانة. حين أكملت قراءته أدركت كم هي الأفكار والمبادئ السامية التي قدمتها كأفكار مثالية عبر شخصية فاطمة منذ أن كانت صبية على مقاعد الدراسة الثانوية مرورا بالدراسة الجامعية .. ونضالاتها ثم مطارداتها من قبل السلطات المغربية وهروبها عبر مدينة سبته التي ديرها أسبانية إلى لندن لتواصل هناك نجاحاتها في الدراسة والعمل النقابي حتى نالت أعلى الدرجات العلمية.. لتتزوج أخيرا من إنجليزي(هاري) الذي هام بها طويلا.. يعلن إسلامه ليكتمل كمال فاطمة.. إذا أنها من الحسن والكمال ما يفوق الوصف.. فرغم أن العشرات من مدرسيها وزملائها كانوا يقعون صرعى حبها من أول نظرة إلا أنها كانت تتجنبهم بلباقة وحسن التعامل .. بل أن قلبها كان يتخلص من المشاعر إزاء من تتركهم.. حتى أحمد الذي هام بها كثيرا .. ليختفي يوم اتفقا على إعلان خطبتها في ظروف سياسية غامضة.. لتهرب هي خارج المغرب وتنجو بحياتها.. لتقدم لنا الكاتبة شخصية فاطمة التي تتجاوز طبائع البشر بكل مكوناتها النفسية والجسدية.. وكمثال الكائن الإنساني الكامل. إضافة إلا حشد تلك الشخصيات الثانوية وكأنها أجرام تدور حول شمس فاطمة.. أفراد أسرتها زميلاتها زملائها أساتذتها وكل الشخصيات الثانوي.. أفكار رائعة حن التطور والحرية والديمقراطية.. وسيادة القانون والعدالة .. كم على المرأة العربية أن تتمثل فاطمة.. من أجل مجتمعات يسودها العدل والحرية والنماء ..وأن علينا كرجال أن نتعامل باحترام للمرأة أما وأختا وزوجة أو أيا كانت . هي الأفكار التي تحتشد بين دفتي كتاب من 274 صفحة قطع كبير. المجتمع لا يمكن أن ينهض إلا بالمساواة الكاملة بين أفراد المجتمع كما قدمت لنا الكاتبة في كتابها.. وأن نعمل على تجاوز شللنا بالعمل جميعنا من أجل الحرية والمساواة والعدالة. سردت لنا الكاتبة الأحداث والأفكار من خلال راوُ عليم .. ولذلك من استمع إلى الكاتبة قبل أن يقرأ يشعر بأنها تحدثه بأفكارها ولم تعط فاطمة شخصية مستقلة. الجميل أن فاطمة كانت تعود إلى ماضي أيامها مع أحمد أو لتتذكر أحداث عاشتها وتلك كانت لحظات يشعر القارئ أن فاطمة ليست فوزية..وأن الكاتبة قد كسرت الجمود بالأسلوب المتصاعد للأحداث بسرد ذكريات مضت.إضافة إلى أسلوب الكاتبة الممتع في صياغة تلك الحوارات التي قدمت شخصيات العمل بشكل أفضل من الوصف. وبذلك أحسست كقارئ بأني أمام شخصيات حقيقية تتنفس وتخطئ وتحلم الخ. محور الكتاب هو محاكمة الواقع الغربي وتلك السياسات الفاشلة للأنظمة الفاشلة التي لا تؤمن بالحوار.. وقد جردت قمعها على كل من يخالف سياستها. هناك ملمح روائي يظهر بين فينة وأخرى بتقديم جميع شخصيات الكتاب شخصيات هزلية منكسرة.. عدى فاطمة ووالدها. كم أدخلتني الكاتبة في ارتباك حين كانت تنتقل في سردها بين الأمكنة دون فواصل.. ومن زمان إلى آخر..أو موضوع إلى ثان.. دون إشارة ..مثل أن نضع نقطة لنبدأ من أول السطر.. أو أن نفصل بين آخر سطر من موضوع بنجيمات صغيرة.. لنبدأ من أول السطر بالموضع أو الحدث الجديد. سيطر على متن الكتاب جلد الذات وهذا ما جعلني كقارئ أصنفه بالفكر السياسي.. مع أن القليل من الخيال والكثير من التعمق في النفس البشرية كان أفضل من التقريرية. وإظهار الأمور بأحكام قطعية وكحقائق لا تقبل الجدل. ما كان أروع لو غاصت الكاتبة إلى أعماق شخصياتها .. وأن تجعلنا ننظر بعيونهم ونفكر بعقولهم. “وسارت بهما الأيام ” جمعت بين أسلوب الرواية في ذلك السرد المتواصل وفن المقالة.. إصدار جدير بالقراءة وتحليل تلك الأفكار التي تناقش بل وتحاكم واقعنا المتخلف.. أفكار أكثر من أن تحمله رواية.. أحيي الأستاذة فوزية .. وكم هو الشوق لقرأتها في أعمال أخرى.. أفكار مثل هذا العقل المنتج يجب أن توزع وتدرس وتحلل في قاعات الدرس.