الرئيسية - كــتب - وردة النيل..مجتمع الماء
وردة النيل..مجتمع الماء
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

الغربي عمران – رواية للكاتبة عزة دياب.. تتكون ما يقرب من المائة.. قطع متوسط..من إصدارات وزارة الثقافة بمصر 2011 . عالجت الرواية موضوعاٍ إنسانيا واجتماعياٍ مهما.. كثيرا ما قدم في أعمال إذاعية وتلفزيونية وسينمائية. موضوع الزواج بأكثر من واحدة(الضرة) تلك الإنسانة المجني عليها. أن تفاجأ بأن ذلك السقف وقد انهار فجأة.. وأن كل كلام قيل لها عن الحب والوفاء قد أضحى دون معنى.. المجتمع لايعير مشاعرها أي اهتمام.. وكأن مشاعرها هي الشاذة. في “وردة النيل” تقدم لنا الكاتبة أحداث روايتها في مكانين منفصلين .. الأول بيت حسنة بمدينة (رشيد) والآخر في (إدكو) مدينة صغيرة..حيث بيت أم علي.. والمكانان في دلتا النيل رشيد على النيل وإدكو على مصب النيل في البحر المتوسط. ترصد الرواية حياة مجتمع النيل (مجتمع الماء).. بثراء مفردات سكانه المعتمدين في حياتهم على الصيد والزراعة.. تلك التفاصيل التي تقدمها الكاتبة بانسيابية لتعيش القارئ معها تلك الأحداث من بيت حْسنة وابنتها عزيزة.. إلى أن تزف إلى بيت علي في إدكو..لتدخل عزيزة بيت (ضرة) (أْنس) تلك المرأة العاقر.. ليكون عدم إنجابها مبرراٍ لأم علي في تزويج ابنها من عزيزة “أريد أن أرى خلفك ياضناي قبل أن أموت” أنس تتقبل هجران زوجها منذ أول ليلة تدخل فيها عزيزة بيتها. وترضا بالحياة الجديدة التي تكون فيها لا هي متزوجة ولا … رغم أن علي سمع من أحد الصيادين “ليلة مين الليلة ياعلي ¿” ليتساءل عن معنى ذلك .. لكنه ظل يتجنب دخول غرفة أنس بقية سنين حياتها.. لتتحول الزوجة الأولى إلى جدة أو الأم الكبيرة التي ترعى صغار عزيزة الأول بعد الثاني حتى بلغوا الخمسة. أنس التي يجد القارئ وهو يقرأها متعاطفا معها.. في الوقت الذي يتمنى لو أن الكاتبة أفسحت لأنس مجالا أكبر في روايتها.. حين رسمتها كشخصية ضبابية دون لون أو رائحة ونادرا جدا ما كانت تعبر عن مشاعرها .. حتى ذلك اليوم الذي خرجت من البيت ولم تعد ليعرف علي وعزيزة بأنها قد اكتشفت بأنها أصيبت بعدوى وباء أجتاح تلك النواحي.. لم تنتظر عاطفتهم .. بل مضت وابتعدت حتى يصاب الأطفال بالعدوى. “وردة النيل” اسم لمركب أمتلكه علي بعد أن شاركته أنس تموين إنشائه وهي من اختارت أسمه “وردة النيل” .. ذلك البيت هي من شاركته إنشائه.. كل شيء كان يذكر علي بأنس وذلك العطاء المتواصل الذي ظلت تبذله منذ أقترنه بها. ذنبها حين تخلى عنها أنها لم تنجب له ولدا .. عزة في روايتها تحاكم عادات المجتمع بشكل جميل ومشوق.. ذلك الفعل القبيح حين تجد المرأة نفسها دون حبيب .. أنس لم يشفع لها ما قدمته لعلي منذ زواجها.. ثم لعزيزة حين وصلت لتعيش في بيت أنس ويسرح علي فوق سطح النيل على مركب “وردة النيل” ليعود برزق أطفاله . لتتحول أنس بصمت إلى مربية لأطفالهم. أنس تلك الشخصية المحورية التي لم تعطها الكاتبة ما تستحق من مساحة.. ظلت طوال الرواية هي الشخصية المحورية والأولى.. عكس ما أرادت الكاتبة حين جعلت من على وعزيزة الشخصيات الأساسية. هي المرة الأولى التي أتعاطف مع شخصية ثانوية وأراها الشخصية المحورية على عكس ما رسمته الكاتبة.. أكمل بخيالي أحداثا قامت بها دون أن تأتي بها الرواية ..افترض مشاعر هي تشعر بها . أرى أنس أيضا هنا تأخذني بعيدا.. أو أني وقعت في هوى امرأة افتراضية أحببت لو أني أصادفها يوما.. ليس لشيء بل لتحدثني عن المزيد من حياتها التي لم تذكره الكاتبة عن معاناتها .. من أين هي¿ أين أسرتها¿ هل تبقى أحد منهم.. بماذا كانت تفكر لحظة وصول عزيزة لتحل محلها.. لحظات إغلاق الباب على نفسيهما¿ كيف كانت ترى علي وتشعر إزاءه بعد خيانته¿

الشخصيات الثانوية صابحة حسنة أخوان عزيزة.. أخوان علي.. أعطتهم الكاتبة مساحات كافية. الصيادون أثناء غرق المركب الذي كان يدخل المالح.. لحظات عودة علي وقد عاد دون مركب.. ليعود أنس.. كل تلك الشخصيات قدمتها الكاتبة بشكل رائع لمجتمع الماء.. ذلك الذي يعتمد حياته خيرات الماء. ولذلك سنجد أن الغلاف قد جمع في منظر معبر تلك الكثبان الرملية العالية لتحتضن شريط ضيق من الخضرة يصلها ببحيرة ساكنة بالزرقة المحببة.. لتجتمع النقائض الماء بالرمال. النص الجيد يبوح بجماله من صفحاته الأولى يشد القارئ.و”وردة النيل” شوقتني بروعتها من أول صفحاتها.. بتلك الجمل القصيرة .. المطرزة بمفرداتها العامية التي جاءت في أماكنها لتعطي القارئ معنى وإيقاعاٍ لحياة مجتمع الماء بكل عقائده وعاداته وأساطيره. وباسلوب غير عادياٍ حين اعتمدت الكاتبة سرد الأحداث بشكل تصاعدي من أول الرواية لتفاجئنا بالعودة إلى الماضي بحكاياته في قصة رحيل أبوعلي من الإسكندرية وترك زوجته هناك ليستقر في (إدكو) .. تظفر عزة حكاياتها بدراية رائعة لتنتج لنا جدائل من الحكي الشيق والممتع. أما تلك الحوارات فتنقلنا إلى داخل البيوت: المطابخ .. ساحات زفة العروس.. أسطح المراكب على صفحة الماء.. لحظات السمر.. حوارات تجعلنا نشاركها اكتشاف ذلك المجتمع وأسلوب تفكيره .. نكتشف معاناته أثناء فيضان النيل ولحظات غرق المركب.. وحين دفع بديل الجهادية بعد بيع الأسرة ما تمتلك. يعيش القارئ في رواية وردة النيل أواخر منتصف الأول من القرن الماضي .. الحرب العالمية الثانية .. ثورة يوليو .. أثر تلك الأحداث على الفرد والمجتمع. وحين نبحر في صفحات الرواية ندرك صفحة بعد أخرى أن الكاتبة تمتلك قدرة على الحكي.. القدرة على رسم الكلمات .. وأن تجعلنا نعيش لقطات سينمائية لقطة بعد أخرى.

بناء متقن يجعلنا ننتظر القادم من جديدها. في نهاية تلك الصور التي كتبتها لقراءتي لوردة النيل كقارئ أستفزه النص .. كتبت ما أردت قوله كتحية لكاتبة أتمنى أن تكرس أيامها القادمة للكتابة السردية .¿.وان تجعل من ميدان بيئتها حلبة لخيل سردها.. بعد أن أثبتت وردة النيل تقديمها لمجتمع الماء بشكل فارق ومدهش. وكم أتمنى أن تطبع هذه الرواية عربيا.. وتوزع حتى تصل بين يدي القارئ العربي. فهي رواية جديرة بالقراءة.