الرئيسية - كــتب - إطلالة سريعة على” فنجان قهوة” للقاصة/ سيرين حسن
إطلالة سريعة على” فنجان قهوة” للقاصة/ سيرين حسن
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

عرض/ محمد محسن الحوثي –

إطلالة سريعة, ووقفة عابرة, ليست بالنقد العلمي ولا القراءة المتأنية, وإنما تمثل انطباعات شخصية عند قراءة المجموعة القصصية التي تتكون من (20) قصة ضمها غلاف المجموعة, وتوزعت على 95 صفحة من القطع الصغير (الجيبي), وتتفاوت أحجام القصص بين 1-11 صفحة, ونلاحظ أن القاصة تميل وتجيد كتابة القصة التي تقع بين صفحتين وخمس صفحات, ويلاحظ بوضوح أن 75% من إجمالي المجموعة القصصية تقع في هذا المستوى, ولا يعني أنها لا تكتب أو تبدع في القصص الطويلة, وإنما تم استنتاج الرقم والنسبة لنِفِس الكاتبة من واقع المجموعة القصصية التي تعتبر باكورة أعمالها . العنوان:(فنجان قهوة): استقته القاصة من عنوان أول قصة في المجموعة, وهي عتبة رئيسية لباقي القصص التي تتناسل منها, ويعتبر العنوان مناسبا وممثلا للمجموعة القصصية, لاسيما وأن كثيراٍ من القصص مرتبطة بهذا الشكل بالواقع, ومنها ما هو مرتبط بالقاصة وتجربتها في الحياة رغم وجود التحليق في الخيال أثناء السرد, والهروب من ذكر بعض المواقف أحياناٍ. لوحة الغلاف : من حيث المبدأ تتناسب اللوحات التي على الغلاف الأمامي والخلفي مع العنوان, المباشرة والشكل, ففي الغلاف الأمامي “كوب على صحن” يبدو وكأنه من الخزف المستورد, وتتناسب مع لون القهوة(البني الداكن ), أما لوحة الغلاف الخلفي فتكاد تكون أكثر دلالة ومطابقة, لأنها جمعت بين “الدلة” التي ترمز إلى القهوة العربية, وأكواب القهوة, وتسمى في اليمن ” الصيِاني” جمع “صيني” صنع في الصين, وهي أكثر ارتباطا بالقهوة العربية, ثم تأتي في اللوحة حبات البن لتعطي دلالة أخرى تتناسب مع العنوان والدلة والصياني, وهي صورة فوتوغرافية مركبة وكأنها من اختيار القاصة, لعدم الإشارة إليها- الصور- في المجموعة أو في الغلاف الداخلي كما هو متعارف عليه. ويلاحظ أيضاٍ أن مقدار القهوة في الصيني تصل إلى الثلث وهذا يذكرني, بالقهوة العربية في المناطق الشمالية من بلادنا وبالتحديد محافظة صعدة,, فيتم تحضير القهوة من البن-الصافي- أي غير المحمص, بعد دقه, وإضافة الهيل والزر-القرنفل- والقرفة والزنجبيل وغيرها من البهارات, ويسمى كل ذلك(حِوِار القهوة) ويتم صب القهوة من الدلة -أو “الثلاجة” في الفترات الأخيرة- في الصيني أو الكأس بمقدار الثلث فقط, وهكذا في بعض الدول العربية, كالمملكة العربية السعودية, والمملكة الأردنية الهاشمية. المضمون القصصي : لغة القصص, سردية بديعة, كل قصة مترابطة بنيوياٍ. الحوار الداخلي والخارجي في بعض القصص ممتع وفيه تشويق وإثارة . – الشخصيات متعددة, واضحة تتناسب مع موضوعات القصص التي تصف وتعكس بعض القيم والعادات الاجتماعية والبناء النفسي الاجتماعي أيضاٍ, فالقضايا والأحداث منتقاة ومختارة بدقة وامتياز, وكما تتعدد الشخصيات تتعدد الأماكن ليس على المستوى الوطني وإنما على المستوى الخارجي, فتذهب الساردة بخيالها إلى مناطق متعددة أو تتقمص شخصية القصة المحورية -البطلة- التي تسافر من دولة إلى أخرى والمواقف التي تواجهها في الطائرة وفي المطار وفي المدينة أيضاٍ, وفي هذه الجزئية تسيطر على شخصية القصة-ممثلة بالساردة- الثنائيات المتناقضة, كما هي موجودة في مواضع أخرى مثل ثنائية الداخل السيئ والخارج الجميل وهو تصور غير صائب بما فيه من الصحة ولأنه لا يوجد المجتمع الخالي من السلبيات بمختلف أشكالها وألوانها إلا في السماء. أعجبت بقدرة القاصة على ما طرحته في موضوع التلاقح الثقافي بين الثقافة اليابانية, ممثلة بالسيدة هاتسو, التي زارت القرية, وبين جدة شخصية القصة, وقراءة الفاتحة, والأعمال الحقلية وغيرها بمعنى أخر التوفيق بين قيم ثقافتين متناقضتين والأسلوب الفني الذي وضعته فيه. ويعطينا ذلك مؤشرا على قدرة القاصة على الكتابة “السرد” والربط بين الأحداث المتتالية, وفي نفس اللحظة الحفاظ على بنية القصة وعدم التشتت أو تخلخل عناصرها وحسن اختيار الشخصيات بمسمياتها وأدوارها, وحبكة قصصية محكمة, وخيال محلق في فضاءات واسعة رغم محدوديته, وفي هذا الصدد أدعو القاصة إلى الاستمرار في الكتابة, والقراءة لنتاج الآخرين لأنهما يساعدان المهتم على التطور والترقي في المجال الأدبي بشكل عام, والقصصي بصورة خاصة ويفتح المدارك ويزيد نسبة الوعي.

التفاؤل والتشاؤم: رغم وجود بعض الأحداث الواردة في السرد القصصي التي تحمل ملامح السعادة, لكن التشاؤم هو الصورة البارزة, مثلها مثل معظم الأدباء والكتاب,لماذا¿ لأن الأديب – المثقف أكثر حساسية من غيره بالقضايا والأحداث, ويرى أن واجبه التفاعل معها وطرح البدائل المختلفة للحلول, لهذا يرى الحدث الصغير كبيراٍ, وفي المجموعة التي بين أيدينا يبدو التشاؤم من أول سطرين للقصة الأولى التي اتخذت القاصة منها عنواناٍ رئيسيا لمجموعتها القصصية, فتقول:”وضعت قطعة السكر في فنجاني وأخِذúت أحرك الملعقة التي رسِمِت دوائر سوداء في قهوتي كتلك التي تملأ حياتي, والتي أدور فيها وأدور بحثاٍ عن مخرج”. وإذا كان التشاؤم والقلق من الصفات اللصيقة بالأديب فإن ما ندعو إليه أن يكون القلق إيجابياٍ يؤدي إلى نتائج فيها معالجة وحلول للقضايا والمشكلات والأحداث, وأن لا يصل إلى مرحلة الإحباط واليأس والملل والرتابة وغيرها من القيم والعناصر المحيطة بنا, وسواء جاءت من البيئة الداخلية أو البيئة الخارجية, وأن نجعل منها حافزاٍ يدفعنا إلى الاستمرار في الكتابة والقراءة المفيدة, التي تمد الموهبة, وتصقلها ليكون النتاج أكثر جودة وفائدة وأحسن إبداعا. نماذج مختارة: الكتابة أنواع, ولكل كاتب أسلوبه في الإمتاع والتشويق, والجذب وتحريك العواطف, ويحدث تقارب وتلاقي بين القاصين والشعراء أحياناٍ, ورغم ذلك نجد لكل قاص مميزات تتطور مع مرور الزمن حتى تصبح ملتصقة به وتمثل بصمته. – وفي ما يسمى بالتناص نجد القاصة/ سيرين حسن تتلاقى أو تتناص مع القاصة العمانية هدى الجهوري, الأولى في قصة”رحلة” والثانية في روايتها “الأشياء ليست في أماكنها”, هذه قصة وتلك رواية إلا أنهما يتناصان في جانب مهم, من حيث الموضوع الذي يتناوله غيرهما بصورة أو بأخرى, المتمثل في العنوان أو في بعض العادات والتقاليد كأن تْخطب أو تتزوج الفتاة دون علمها, أو معرفتها أو رضاها بالشاب من عدمه, وتمثل عتبه للدخول إلى مضمون القصة بأحداثها ومشاكلها ونتائجها, ويكون الاشتغال على الجانب الجنسي ظاهراٍ وله دلالات سواء كانت إشاريه كما هي في العادات الاجتماعية, أو رمزية للتعبير عن التفاوت بين الفئات والطبقات الاجتماعية, ويكون التفاوت بين الكتاب في القدرة على الاقتراب من الموضوع وأسلوب الطرح فالقاصة/ سيرين كانت حذرة, رغم وجود بعض الإشارات أما القاصة هدى الجهوري فكانت أكثر جرأة في الطرح, وتمثلت شخصية روايتها المحورية”البيسرة” –المرأة الوافدة على دول الخليج,أو البدون- وجعلت من الرغبة الجنسية منطلقاٍ للتحرر من العبودية, والعادات والتقاليد الاجتماعية القاهرة, على مستوى المرأة والمجتمع, وعند تمثلها لشخصية القصة في عقلها الباطن, وتصويرها للمرأة في المجتمع العماني بدأت حريتها بالتخلص من “الغشاء الرقيق” كإشارة للتخلص من القيود, منطلقة إلى حرية مفتوحة وليس لها حدود. وهنا نشير إلى أن في التحليل الفرويدي نسبة من المصداقية في الدراسة للنفس البشرية, لأنه انطلق من افتراضات جنسية بحتة, وفي الفترة الأخيرة من القرن الماضي وجد منهج أطلق عليه”المنهج النسوي” يستخدم في التحليل الأدبي. – النموذج الآخر, التشابه, أو التناص أيضاٍ في القصة التي تحمل عنوان “ما محبة إلا” ص68, وتشبه في المضمون قصة”طفل الرمال” لكاتب مغربي – تقريباٍ- مترجمة عن الفرنسية وتختلف في الإرادة التي تتصف بها شخصية القصة, ففي قصة”ما محبة إلا” ترغب الطفلة أن تكون طفلاٍ”ذكراٍ” باختيارها فهي تحب أزياء الأولاد ولباسهم وحركاتهم بدافع من داخلها أما في “طفل الرمال” فالوالد بعد إنجابه تسع بنات, قرر أن يكون المولود الجديد ذكراٍ ليحمل اسمه ويرث ثروته وأملاكه, فشاء الله أن تكون أنثى لكنه اعتبر أن المولود ذكراٍ, وعامله معاملة الطفل الذكر حتى في حفل الختان, وتصديق الآخرين, وضغط الصدر عند البلوغ, ليمنع بروز نهديها..الخ. وكل النتائج في الأخير تأتي عكسية, فليكن الجنس كما هو بصفاته وخصائصه, الأنثى أنثى والذكر ذكراٍ الكل من نفس واحدة. وأحسنت القاصة/ سيرين في توظيف المثل الذي يحمل نصفه عنوان القصة, واختتمتها بالمثل كاملاٍ “ما محبة إلا من بعد عداوة “, واعتبرت المثل صادقاٍ,رغم أنه قد يوجد الحب دون عداوة من الأصل. نموذج على الإثارة وتحريك العواطف : مما لاشك فيه أن القارئ المهتم بما يتناوله القاص-الأديب- وأسلوبه في الطرح من حوار وتشويق, ودغدغة العواطف-العوامل النفسية- والقاصة أثبتت أن لديها قدرة على مثل هذا الأسلوب, ونجده في أكثر من موضع في المجموعة القصصية, ولا أخفيكم سراٍ أني من الناس القلائل الذين لا يبكون بعيونهم, رغم أني أتأثر بروحي ونفسي لأبسط الأمور (وأتفهها) لكن البكاء بالدموع قليلة ونادرة- وكم أتمنى أن تسيح الدموع على خدودي- وأجزم أني أستطيع عدها منذ بدأ إدراكي إلى الآن, وعندما قرأت القصة”رسالة إلى أمي” ضمن المجموعة ترقرقت الدموع من عيني وسالت على خدي, ودون مجاملة أو محاباة فالقاصة جعلتني أبكي, لهذا ستظل محفورة في ذاكرتي ضمن الأحداث والموضوعات التي أبكتني وأسالت أدمع عيني, فاقرؤوها ربما تجهشون بالبكاء. (هذه القصة وأخواتها فيها من الدراما ما يصلح أن تتحول إلى أعمال فنية متلفزة ولا أدري لماذا لا يتم التواصل بين المبدعين والقائمين على القنوات الفضائية في ظل التعدد والتنوع المفيد والخلاق). إشارات وعلامات : – أول إشارة تطرح على الإخراج العمل فيه تسرع وبنط الخط صغير جداٍ, تعبت عيوني عند القراءة. – إشارة أخرى على الغلاف الخارجي كْتب(تأليف الدكتورة/ سيرين حسن) وفي الصفحة الداخلية (للمؤلفة د/ سيرين حسن)صحيح أنه تأليف,أتمنى مستقبلاٍ أن يتم تخصيص الجنس الأدبي الذي يحتويه المؤلف, مثلاٍ: قصص,القاصة..الخ. – الإهداء جميل, ولو تخلصت من تكرار حرف الجر(إلى) لكان أجمل لأن التكرار(إلى,إلى,إلى)فيه تحميل أكثر من اللازم . – كان حرياٍ بالقاصة أن تعمل فهرساٍ, أو قائمة بالمحتويات, لماذا¿ لأن المجموعة تحتوي على 20 قصة معنونة, ولو كانت بدون عناوين- عنوانات- لا لزوم للفهرس . – بعض القصص اختتمتها القاصة بكلمة”النهاية” وتذكرني بالأفلام الهندية عند نهايتها”the end”, وأرى أنه لا داعي لكتابة كلمة “النهاية ” وأن تترك ذلك للقارئ, فلكل قصة نهاية وإن كانت النهايات مفتوحة. – قبل النقطة الأخيرة وبعد حمد الله وشكره نهنئ ونبارك للقاصة “باكورة” أعمالها متمنيين أن يكون الآتي أجمل وأروع وأمتع. – أدعو نفسي وجميع الأدباء والكتاب ومنهم القاصة أن يتم عرض العمل قبل الطباعة على متخصصين في اللغة العربية وقواعد الإملاء, لأننا نجد أعمالنا وبها أخطاء إملائية ونحوية ولغوية قد تكون بسيطة ولكنها تؤثر على العمل, وترتبط معظم الأخطاء الإملائية بموضوع الهمزة, والهاء والتاء المربوطة, والألف العصا وألف الياء.