الرئيسية - كــتب - “جغرافيات العولمة” قراءة في تحديات العولمة الاقتصادية والسياسية والثقافية
“جغرافيات العولمة” قراءة في تحديات العولمة الاقتصادية والسياسية والثقافية
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

عرض/ خليل المعلمي – • صدر عن سلسلة عالم المعرفة في فبراير الماضي كتاب تحت عنوان “جغرافيات العولمة” وهي قراءة في تحديات العولمة الاقتصادية والسياسية والثقافية للدكتور “ورويك موراي” المفكر في مجال الجغرافيا البشرية والمتخصص في مناطق أمريكا اللاتينية وهو أستاذ دراسات الجغرافيا البشرية والتنمية في جامعة فيكتوريا- نيوزيلندا والكتاب ترجمه للعربية الدكتور “سعيد منتاق” أستاذ في الدراسات الإنجليزية بجامعة محمد الأول بوجدة بالمغرب وله العديد من المقالات باللغة الإنجليزية في عدد من المجلات المحكمة وسبق له أن ترجم مجموعة من الكتب. في هذا الكتاب يقدم المؤلف دراسة حية لآثار العولمة الجغرافية ولإسهام الجغرافية البشرية المميز في مناقشات العولمة ويعتبر الكتاب لدارسي التحولات الاقتصادية والسياسية والثقافية المعاصرة مهماٍ جداٍ لأنه يحلل مفهوم العولمة وعملياتها من منظور جغرافي ويناقش التطور التاريخي للمجتمع المعولم ويوضح كيف أن المبادئ الجغرافية البشرية مثل الفضاء والقياس تؤدي إلى فهم أفضل لظاهرة العولمة. كما يعرض الكتاب في ثلاثة أبواب تحتوي على تسعة فصول لجغرافيات العولمة الاقتصادية والسياسية والثقافية المترابطة ويفحص أثر التحولات العالمية على أرض الواقع معتمداٍ أمثلة من قارات مختلفة ويبحث في تحديات العولمة البيئية ونتائجها في الدول المتقدمة والعالم الثالث ويقترح إطاراٍ جغرافياٍ لعولمة تقدمية. ويمنح الكتاب المهتمين بالعولمة رؤى متنوعة وغنية ويحثهم على التفكير النقدي الموضوعي في معالجة أحدث القضايا الإنسانية. عن المفاهيم الشعبية للعولمة يقول المؤلف: إن المفاهيم الشعبية عن العولمة غالباٍ ما تسيء الفهم حول معنى الجغرافيا باعتبارها كياناٍ وحقلاٍ أكاديمياٍ على حد سواء وتفشل في تقدير طريقة تحديد الجغرافيين المعاصرين لمكونات مركزية في تحليلاتهم مثل الفضاء والمكان والحجم والموقع والهدف الجوهري من هذا الكتاب هو توضيح أن هناك جغرافيات جديدة ومعقدة تنشأ مع التغيير الأساس الذي تحدثه العولمة في طريقة تدفق الأشخاص والسلع والمعلومات وتفاعلهم. ويحاول المؤلف في الفصل الأول تقديم مفهوماٍ للعولمة في ظل آراء مؤيدة لها وأخرى مناهضة لها خاصة بعد الاحتجاجات التي بدأت في العام 1999م في مدينة سياتل أثناء انعقاد إحدى المؤتمرات الاقتصادية العالمية وحققت تلك الاحتجاجات هدفاٍ أساسياٍ في إثارة اهتمام الجمهور العالمي بقضية العولمة وتأثيراتها الارتدادية المدركة. ويعرض المؤلف العديد من التعريفات التي صاغها الكثير من المفكرين العالميين عن العولمة ومنها: العولمة هي عملية أو مجموعة من العمليات تجسد تحولاٍ في التنظيم المكاني للعلاقات والمعاملات الاجتماعية التي تقيم من حيث اتساعها وكثافتها وسرعتها وتأثيرها مولدة تدفقات وشبكات من النشاط والتفاعل وممارسة للسلطة عابرة للقارات وأقاليمية.. ولا تعني العولمة أن كل الأماكن في العالم أصبحت متشابهة ولا هي عملية متساوية تماماٍ بل أماكن مختلفة مرتبطة بشكل مختلف بالعالم وترى ذلك العالم من وجهات نظر مختلفة. وتطرق المؤلف في الفصل الثاني إلى النظريات التي تناولت العولمة ومن الأفكار الأكثر تأثراٍ في النصف الثاني من القرن العشرين فيما يخص العولمة كانت فكرة الناقد الأدبي الكندي “مارشل ماكلوهن” أي “القرية العالمية” حيث دخل هذا المفهوم الخيال الشعبي بطرق لم تكن ربما مقصودة من قبل هذا الكاتب وكانت مركزية في تطور الوعي العالمي الشعبي أما بعد الحرب العالمية الثانية فقد لاحظ النقاد أن العلاقات الاجتماعية كانت تمتد إلى حد كبير على الفضاء بسبب تطور تكنولوجيا الاتصالات حتى برز التنظير الواضح للعولمة بعد دخول المصطلح في الاستعمال الأكاديمي وأخيراٍ في الاستعمال الشعبي. وتناول المؤلف في الفصل الثالث العولمة عبر الزمن فيشير إلى أن تأويل تاريخ العولمة مختلف فيه بشدة وتأثرت وجهات نظر مختلفة بالخطاب والأيديولوجيا والتعريف.. فقليلة هي الأعمال التي تناولت الموضوع من خلال استعمال الأدلة التجريبية. فبدأ بمناقشة رأي المتحمسين للعولمة والمشككين على التوالي ويتبع هذا بتحليل تاريخين للمنظور المؤمن بالتحول –واحد اجتماعي والآخر قاعدته في الاقتصاد السياسي شارحاٍ بإطار تاريخي سهل لتأويل الموجات المختلفة للعولمة التي سيتم تتبعها في بقية الكتاب. وعن عولمة الجغرافيات الاقتصادية فقد استعرض المؤلف العديد من الأحداث والمفاهيم باعتبار أن العولمة الاقتصادية هي من أهم أنواعها حيث تطرق إلى تطور الاقتصاد العالمي وتأثير الرأسمال عبر الزمن والفضاء عبر التاريخ مستعرضاٍ جذور نمو الاقتصاد العالم من الفترة 1550 إلى 1880م وكذلك التوسع الصناعي في القرن السابع عشر وحتى بداية القرن العشرين ومن ثم خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية مبحراٍ بالقارئ في سلاسل وشبكات الاقتصاد العالمي الجديد. وفي أحد فصول الكتاب يشير المؤلف إلى أن طبيعة الجغرافيا السياسية قد تغيرت بشكل ملحوظ خلال الخمسين السنة الماضية وهيمنت الجغرافيا السياسية التقليدية التي ركزت على تكوين الدول القومية والتفاعل بينها وبدأ يظهر مفهوم الدولة القومية وتم تعريفها بأنها مجموعة معقدة من المؤسسات الحديثة مشاركة في الحكامة على إقليم محدود فضائيا تدعي السيادة على ذلك الإقليم وتحمي عموماٍ تلك السيادة من خلال احتكار وسائل العنف.. مستعرضاٍ تطورها وبعض الآراء الفكرية فيما يخص أثر العولمة في الدولة القومية. وتطرق إلى الكثير من القضايا السياسية الهامة مثل العلاقة بين الجغرافيا السياسية وأنظمة الحكم وظهور الديمقراطية الليبرالية ما بعد الحرب الباردة وظهور نظام عالمي جديد. وبالنسبة لعولمة الجغرافيات الثقافية فقد كان للتقدم في الاتصالات السلكية واللاسلكية في القرن العشرين قد ساعد الرموز الثقافية مثل الصور والموسيقى والنصوص في تدفقها عبر العالم بشكل لم يحدث من قبل وأن الرأسمالية حولت هذه الرموز إلى سلع وأدامت عولمتها.. وأصبحت الثقافات أقل ارتباطاٍ بالفضاء عما كانت عليه من قبل.. مؤديةٍ إلى حركة ثقافية أكثر كثافة. وتطرق المؤلف في الجزء الأخير من الكتاب إلى أهم التحديات العالمية واعتبر بأن التنمية هي من أهم التحديات التي تواجه العولمة باختلاف أنواعها فكما أنها قد اجتاحت العالم وأصبح العالم قرية واحدة وخرجت شركات عابرة للقارات إلا أن مشاريع التنمية لم تصل إلى الكثير من المواطنين وظهرت الفوارق واضحة خاصة في بلدان أمريكا اللاتينية خاصة وأن بلاغة خطابات عولمة الليبرالية الجديدة تشير إلى أن فوارق الدخل العالمي تندمج وأن الرخاء سيصبح متساوياٍ في نهاية المطاف إلا أن هذا الأمر هو أبعد مما يتصور.. مشيراٍ إلى التحديات البيئية التي أصبحت تحديات عالمية خاصة بعد أن ظهرت مشكلة التغيرات المناخية وآثارها على البيئة في العالم. كما الأخير يشير المؤلف إلى إسهام الجغرافيين في دراسة العولمة ورسم المكونات الجغرافية لأطروحات العولمة برنامجاٍ يقتضي جغرافية إقليمية جديدة لا مركزية تعالج قضايا كبيرة بطريقة شاملة من خلال وضع خريطة في الواقع للتميز الفضائي وذلك عن طريق إعادة الأسئلة المهمة حول العولمة بكل جوانب. وإذا قيل في العموم بأن العولمة ترفع من التفاوت العالمي والانحلال البيئي فهي يجب ألا تكون بالضرورة عملية مرجعية ولكن أن أعيد تشكيل مفهومها والبحث فيها وتنظيمها بفعالية فبالإمكان تطوير الرفاهة العالمية والعدالة والاستدامة وصقل خيال معولم نقدي يحتفل بالاختلاف من دون أن يجعله مثالياٍ حاسماٍ في بناء عملية عولمة شاملة بديلة.