الرئيسية - محليات - , جرائم القتل ت◌ْحرم الأطفال من حقهم في التعليم وت◌ْشرد الأسر
, جرائم القتل ت◌ْحرم الأطفال من حقهم في التعليم وت◌ْشرد الأسر
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

> لا شك أن ظاهرة الثأر لها نتائج كارثية ومأساوية على المجتمع والأسر المأربية خصوصاٍ وعلى المجتمع اليمني عموماٍ فكم من نساء رْملن وكم من أطفال يتموا وانقلبت حياتهم رأساٍ على عقب بسبب هذه الظاهرة السيئة التي انتشرت بمحافظة مأرب خلال الثلاثة العقود الماضية نتيجة لغياب أجهزة وسلطات الدولة في مختلف الجوانب بعموم مديريات المحافظة مما ساعد على شيوع لغة الانتقام وسفك الدماء وفقدان لغة الحوار والسلام والنظام والقانون بالمحافظة. حول هذا الموضوع أجرينا الاستطلاع التالي فإلى التفاصيل:

> البداية كانت من مديرية حريب التي التقينا فيها بالعديد من المواطنين والشخصيات الاجتماعية فكانت أحاديثهم متطابقة إلى حد كبير حول أسباب ودوافع ونتائج ظاهرة الثأر بمديرية حريب خاصة وبمحافظة مأرب عامة وقالوا أنهم يحاولون بمختلف الوسائل أن يضعوا حداٍ لهذه الظاهرة وصولاٍ إلى القضاء عليها نهائياٍ إلا أن محاولاتهم تلك تصطدم بتدخلات من قبل أطراف في السلطة المحلية والسلطة المركزية تغذي ظاهرة الثأر عن طريق تقديم الدعم الكامل لهذه الأسرة أو تلك التي يقدم أحد أفرادها على قتل شخص من أسرة أخرى. كوارث ومآسي > ويقول المواطن سنان أحمد الموساي إن ظاهرة الثأر تنتج كوارث ومآسي ليس للمتهمين في قضايا الثأر والمجني عليهم فقط بل لعموم أبناء المحافظة وإن كانت نسبة الكوارث والمآسي متفاوتة بين أطراف الثأر من جهة وبين بقية أبناء المجتمع المأربي من جهة أخرى. وأضاف: لا شك أن النساء والأطفال هم أكثر شرائح المجتمع معاناة من هذه الظاهرة كون من يقوم بعملية الثأر والمجني عليه أيضاٍ يتركان ورائهما زوجاتهم وأطفالهم ليواجهوا بدورهم معاناة الوحدة والترمْل واليتم وكذلك البقاء حبيسي منازلهم خوفاٍ من أن تطالهم رصاصات الثأر بذنب لم يقترفوه وإنما اقترفه رب الأسرة أو أحد أفرادها مما يؤدي إلى انقطاع الأطفال عن مواصلة دراستهم وإلى استمرار حالة الخوف والمعاناة طيلة حياة أفراد تلك الأسر. وقال سنان: تحضرني قصة أحد شباب المديرية مع الثأر ويدعى “صالح” هذا الشاب أتهم عمه “شقيق والده” بقتل أحد المواطنين في القرية المجاورة لقريتهم مما أدى إلى نزاع واشتباك مسلح بين القريتين وكان الشاب صالح قبل اتهام عمه بالقتل وما اعقبه من نزاع واشتباك بين قريته والقرية المجاورة يدرس في ذات المدرسة التي يدرس فيها أبناء المقتول إلا أنه بعد حادثتي القتل والاشتباك قبل ثلاث سنوات وحتى اليوم توقف عن الذهاب إلى المدرسة وحرم من حقه في استكمال تعليمه وحلمه بأن يصبح في المستقبل طياراٍ مدنياٍ خشية أن يقوم أهل المقتول بالثأر منه كونه ابن شقيق المتهم بالقتل وهنا في المحافظة مقولة يتداولها المواطنون ويؤمنون بصوابيتها ومضمونها “إن لم تلق غريمك فعليك بابن عمه”. هدم وتشريد > ويضيف من جانبه المواطن سالم محمد علي: هنالك نساء كثيرات ترملن وهن ما زلن في مقتبل العمر بسبب ظاهرة الثأر التي الحقت أزواجهن بأزواج النساء اللاتي بلغن من العمر عتيا هن أرامل وهنالك أطفال يتموا وتوقفوا عن مواصلة تعليمهم وحرموا من حنان الأبوة ومن الرعاية بسبب ظاهرة الثأر التي هدمت وتهدم الكثير من الأسر وفرقت بين الأهل والأصحاب وهجرت وشردت أناس كثر. ويشير سالم قائلاٍ: ما يسود في بعض مناطق المحافظة هو لغة الانتقام والثأر التي تسفك الدماء وتنتج الكوارث والمآسي بدلاٍ من لغة الحوار والتفاهم والانصياع لشرع الله والنظام والقانون التي تحرم قتل المسلم لأخيه المسلم أو لأي إنسان بريء من غير المسلمين. لولا الوساطة لقتلت!! > المواطن زين الله بن علي عامر واحد ممن لحقهم الأذى والمعاناة جراء اندفاع بعض أبناء مأرب لأعمال الثأر حتى في قضايا القتل عن طريق الخطأ فبسبب حادثة قتل بالخطأ شرد زين الله وأفراد أسرته من موطنهم الأصلي بمديرية مدغل. وأوضح المواطن المشرد من منطقته حين سألناه عن انعكاسات ظاهرة الثأر على حياته وحياة أبناء مارب بأن حياته انقلبت رأساٍ على عقب وقال: بسبب حادثة قتل ارتكبتها بالخطأ قبل أكثر من خمس سنوات شردت وأفراد أسرتي وقد وقعت هذه الحادث حين خرجت ومجموعة من الشباب من القرية التي كنت اقطن فيها في رحلة صيد في إحدى سوائل المديرية وفي هذه الرحلة شاهدت وبر «أرنب» وسط تلك السائلة التي قصدناها فقمت بتوجيه سلاحي نحوه واطلقت عليه رصاصة واحدة إلا أن تلك الرصاصة اخطأت طريقها فوقعت على صخرة ومن ثم أرتدت باتجاه أحد رفاقي وسكنت في قلبه مما أدى إلى وفاته في الحال ورغم وجود ثلاثة آخرين من الشباب الذين خرجنا معهم سوياٍ في رحلة الصيد معنا ومشاهدتهم لما جرى إلا أن ذلك لم يشفع لي ولا لأسرتي عند أهل المتوفي الذين كانوا مصرين على أن حادثة القتل كانت متعمدة وبعد وساطات عديدة قام بها كبار المشايخ بالمديرية حكم أهل المتوفي علي وعلى أفراد أسرتي بمغادرة المنطقة وبيع أملاكنا وأرضنا فنفذنا الحكم وغادرنا المديرية ليستقر بنا الحال بأمانة العاصمة منذ ذلك اليوم. وأشار قائلاٍ: ولولا الوساطة التي قام بها المشايخ لتحولت واقعة القتل الخطأ إلى قتل عمد ولأدت بعد ذلك إلى عمليات ثأر متبادلة بيننا وبين أهالي المتوفي وهذا يعني أن القتل الخطأ واحد من أسباب شيوع ظاهرة الثأر بمحافظة مأرب بالإضافة إلى أسباب أخرى عديدة كغياب دور السلطات الأمنية والمحلية وغيرها من السلطات المعنية في هذا الجانب وفي مختلف الجوانب. «الدفر» جزء من الحل > ومن المشايخ والشخصيات الاجتماعية بمديرية جبل مراد التقينا بالشيخ محمد علي المرادي وسألناه عن الدور الذي تقوم به الشخصيات الاجتماعية والمشايخ بالمحافظة لمعالجة قضايا الثأر والحد منها فأجاب قائلاٍ: إن غياب وإهمال الدولة للمحافظة يعتبر السبب الرئيسي لهذه الظاهرة وهذا يزيد من تذمر أبناء المحافظة من الدولة ويجعلهم يوجهون أصابع الاتهام إليها مما يزيد من صعوبة ايجاد الحلول. ويضيف: أما دور مشايخ المحافظة في الحد من ظاهرة الثأر فإنه ملموس لدى المواطنين ونحن نقوم بحل الكثير من قضايا ومشاكل الثأر عن طريق التوسط لدى طرفي النزاع بوقف النزاع والاقتتال بينهم وبعد ثم نقوم بالذهاب إلى أحد طرفي النزاع والذي يظهر لنا أنه المتسبب في ذلك وهو الغلطان وهو ما يسمى لدينا «بالدفر» أي الذهاب إلى من كان غلطان من طرفي النزاع حتى يسلم بنادقه حكم ونقوم بأخذها إلى الطرف الثاني المعتدي عليه لكي نحكمه على ما حدث وبهذا فإن دور المشايخ في المحافظة ساهم بشكل كبير في الحد من تفاقم ظاهرة الثأر في ظل غياب شبه تام لأجهزة الدولة المعنية والذي يؤدي إلى ضعف التزام المواطنين بالقانون وضياع هيبة الدولة في محاسبة المخالفين للقانون وبالتالي إلى إرهاق كاهل المشايخ في مأرب في معالجة هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر السلبية. التضاريس ونزعة الانتقام > من جانبه تحدث الباحث في علم النفس محمد صالح الفرزعي عن ظاهرة الثأر بالقول: إن الثأر من القضايا المعقدة والمؤلمة والخطرة التي يعاني منها أبناء محافظة مأرب خاصة والمجتمع اليمني بشكل عام منذ فترة طويلة ولا شك أن القاطنين في مناطق صحراوية يتأثرون كثيراٍ من عامل التضاريس وقساوتها فينعكس ذلك على نمط حياتهم البدوية وعلى سلوكياتهم فتجدهم أكثر الناس ميولاٍ لنزعة الانتقام وأقلهم تجاوبا مع القوانين كما أن هناك من المواطنين من توارثوا ثقافة ولغة الثأر من آبائهم وأجدادهم وأصبحوا يقيمون للثأر وزنا كبيرا وأهمية بالغة في حياتهم كون ثقافة الثأر لقنت لهم وغرست في نفوسهم منذ نعومة أظافرهم. وأردف قائلاٍ: لايمكن أن تتلاشى ظاهر الثأر في ظل غياب سلطة الدولة عن محافظة مأرب وفي ظل غياب التوعية بأضرار ومخاطر وكوارث الثأر من خلال منابر المساجد وعبر وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية والثقافية والحقوقية.. فغياب الدولة ومؤسساتها الأمنية دفع أفراد المجتمع في مأرب إلى أخذ حقوقهم بأيديهم وبالوسائل والطرق التي يرونها مناسبة وهذا ساعد في استشراء ظاهرة الثأر بالمحافظة. ويختم محمد: إن فقدان المواطن بجدية وعدالة القضاء والسلطات الأمنية في حل القضايا والمنازعات الجنائية كل ذلك أدى إلى انحراف سلوك الفرد والجماعة وغدى الجميع يشعر بأن ما يقوم به هو عين الصواب وأن الدور المناط به في مجتمعه لايقرره غيره حتى وإن كانت السلطة المحلية أو السلطة المركزية. أبواب الدمار والهلاك..!! ومن مديرية جبل مراد التقينا برجل الدين الشيخ/ مقبل بن عامر ناصر الذي تحدث في البداية عن الثأر في الإسلام وتعارضه مع الشريعة الإسلامية بالقول: إن الدين الإسلامي الحنيف قد بيٍن أن الثأر من أبشع الجرائم ومن أسوأ الظواهر وأخطرها على حياة واستقرار المجتمعات والشعوب وقد نهانا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن الإقدام على ارتكاب جرائم القتل سواء كان القتل بقصد الثأر أو بأي قصد آخر بقوله (ص) «إن هدم الكعبة حجراٍ حجراٍ أهون عند الله من إراقة دم إمرىء مسلم» صدق رسول الله عليه أفضل الصلات والتسليم.. وأضاف الشبخ عامر: الثأر يفتح أبواب الدمار والهلاك ويحول حياة الناس إلى صراعات لا تنتهى وإلى جحيم وقوده الأبرياء وجرائم الثأر تخالف تعاليم ديننا الإسلامي الذي يدعو إلى المحبة والسلام والألفة والتعاون ويفتح لأتباعه أبواب الجنة ويجعل حياتهم حياة رشد وسلام ومحبة واستقرار وإيثار فالرسول محمد صلوات ربي وسلامه عليه يقول « المؤمن للمؤمن كالبنيان إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى» وهذا يعني أنه إذا أصيب أي إنسان مؤمن بالله بالمرض أو بأي مكروه فإن من حوله من المؤمنين يتداعون لزيارته ولتقديم العون له ويشعرون بذات المعاناة التي يعاني منها أما من يسفك الدماء بقصد الثأر لمقتل قريبه أو صاحبه فإن ذلك الشخص يتبع أهواء الشيطان ولا يتبع ما جاء به نبينا العظيم وعليه فإن الواجب على ذلك الشخص وغيره ممن يمارسون جرائم القتل أن يسارعوا إلى إتباع سنة الرسول (ص) بالتوقف عن سفك الدماء قبل أن يقادوا إلى جنهم ليخلدوا فيها أبداٍ وفي سبيل أن ينعم أبناؤهم وبناتهم بالاستقرار في الدنيا وأن يكونوا من أصحاب النعيم في عليين.. مصيرهم جهنم..!! وقال: إن جزاء القاتل بقصد الثأر أو بقصد السرقة أو السيطرة على السلطة أو البقاء فيها هو الخلود في جهنم حيث يقول المولى تعالى « ومن يقتل مؤمناٍ متعمداٍ فجزاؤه جهنم خالداٍ فيها» صدق الله العظيم وقد حذر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بشدة من الثأر في خطبة الوداع حيث قال « كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» ويختم عامر بالقول: يجب علينا جميعاٍ في محافظة مأرب وفي غيرها من المحافظات أن نعي أن الثأر يحصد أرواح خيرة أبنائنا الأبرياء وأن هذه الظاهرة تنهش في الجسد اليمني فكم من نساء ترملن ومن أطفال يتموا مما يستوجب علينا كرجال دين وخطباء مساجد ومسؤولين ومثقفين ومشايخ وأعيان وأصحاب الرأي والكلمة في المحافظة وفي عموم اليمن محاربة هذه الآفة (الثأر) في كل مكان وبمختلف الوسائل المتاحة لنا والدعوة إلى تفعيل دور أجهزة القضاء والأمن ودعوة الناس إلى الانصياع للقانون وللشريعة الإسلامية السمحة.