الأرصاد تتوقع استمرار الطقس معتدل بالمناطق الساحلية وشديد البرودة بالمرتفعات الجبلية الأرصاد تتوقع استمرار الطقس معتدل بالمناطق الساحلية وشديد البرودة بالمرتفعات الجبلية العرادة يبحث مع الملحق العسكري المصري تعزيز التعاون بالمجالات العسكرية والأمنية رئيس مجلس القيادة يجتمع برئيسي مجلسي الوزراء والقضاء الاعلى عضو مجلس القيادة طارق صالح يؤكد على الدور النضالي لأبناء محافظة إب اختتام برنامج تدريبي للعاملين الصحيين في المهرة الإرياني يحذر من التورط في بيع ممتلكات الحوثيين غير القانونية ويؤكد قرب سقوطهم قرار رئيس مجلس القيادة الرئاسي بشأن تعيين أعضاء في المحكمة العليا عدن تحتفي باليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة بن ماضي يطلع على أوضاع السلطة القضائية والصعوبات التي تواجهها
ذكرنا في دراسة سابقة أن الانفتاح الذي شهدته الأقطار العربية منذ النصف الثاني من القرن العشرين شجع عددا كبيرا من الأدباء والفنانين والمفكرين والسياسيين على تدوين تجاربهم الذاتية وصوغها في أشكال تعبيرية مختلفة تقع كلها في دائرة كتابة الذات التي تشمل السيرة الذاتية والمذكرات والشهادات والمراسلات واليوميات وسرد الرحلات. فمنذ أكثر من عقدين تقريبا أصبحنا نقرأ بين الفينة والأخرى عددا من النصوص “الذاتية” لشخصيات عربية متنوعة المشارب. واليوم أضحت ظاهرة كتابة السيرة والمذكرات الشخصية جزءاٍ من المشهد السياسي والثقافي ليس في بلادنا فقط بل في كثير من الأقطار العربية وفي العالم كله إذ لا يكاد يمر أسبوع أو شهر من دون أن تصدر مذكرات شخصية لهذا الرئيس أو ذلك الزعيم السياسي أو تلك الشخصية “الاعتبارية”. ولا ريب في أن التعددية السياسية قد دفعت بعض محترفي السياسة أو عشاقها إلى الإدلاء بدلوهم أو شهادتهم إسهاما منهم في كتابة التاريخ الصاخب للقرن العشرين. ومن المعلوم أن اللواء خالد أبوبكر باراس يعد في المقام الأول رجلا عسكريا. وهو من أبرز من أسهموا في قيام ثورة 14 أكتوبر في الجنوب وشارك منذ الاستقلال في بناء مؤسسته العسكرية. وكان من المواقع المختلفة التي شغلها شاهد عيان على أخطر المنعطفات التاريخية التي عاشها جنوب اليمن منذ استقلاله عام 1967. وعلى الرغم من أنه لم يستطع- في طفولته- الالتحاق بالتعليم النظامي التقليدي فقد تمكن من إتقان القراءة والكتابة وهو لا يزال طفلا في وادي حجر غرب حضرموت. فمنذ سن الخامسة تنبهت والدته إلى امتلاك ابنها لذاكرة قوية. ويكتب: “كانت تقول إنه لابد من تعليمي لأنني أمتلك ذاكرة جيدة فقد لاحظت أني أحفظ الآذان الذي سمعته مرة أو مرتين من التلاميذ في مسجد روبة أثناء وجودنا فيها قبل أشهر قليلة. وكانت تقول لعمي إن ابنها يحفظ أي قصة يسمعها والأشعار الشعبية وإنه سيتعلم بسرعة”.ص18 وهذا ما دفعها إلى البحث عن وسيلة لتعليمه القراءة والكتابة في قرية لا يوجد بها من يعلم ولا كتب ولا صحف ولا أدوات للتعليم. ويضيف: “لم أتوقف عن القراءة وحفظ القرآن بعد وفاة أمي وأختي[وهو في العاشرة من عمره] فقد لجأت إلى طريقة مسلية وشيقة للكتابة والقراءة ربما لم يسبقني إليها أحد. فلندرة وجود الورق للكتابة كنت أكتب على الرمل الناعم بأصبعي. وما أكثر كثبان الرمل هنا وأنظفها أكتب كل ما أريده ثم أقرأ ما كتبته وأمسحه وأكتب غيره وأقرأه ثم أمسحه أيضا وتكون المساحة من الرمل واسعةº ربما عدة امتار. كنت أمضي وقتا طويلا هنا أكتب وأمسح. لقد تعلقت كثيرا بالكتابة والقراءة إلى حد يصعب وصفه الآن كنت أقرأ كل ما وقع في يدي من الورق المكتوب بالعربية كتلك الأوراق التي يستخدمها أصحاب الدكاكين في لف مبيعاتهم وهي ليست دائما بالعربيةº فمعظمها باللغة الإنجليزية”.ص53 وبفضل تلك الجهود الذاتية أصبح خالد-الطفل العصامي- هو من يقرأ للنساء في قريته ودودة الرسائل التي تصلهن من أزواجهن في المهجر ويكتب لهن جواباتهن! وبعد أن التحق خالد بجيش البادية الحضرمي في المكلا في 10/10/1956 وهو لا يزال في الرابعة عشرة من عمره [بما أنه من مواليد 1942] أتيحت له الفرصة لتطوير مستواه في القراءة والكتابة وذلك بفضل الدورات القصيرة والمثابرة على قراءة الصحف والمجلات والكتب التي انتظم في قراءتها في المكتبة السلطانية. وهذا ما أهله للاطلاع على كل أدبيات حركة القوميين العرب منذ تأسيس شعبتها في حضرموت في مطلع الستينيات من القرن الماضي وقد مكنه ذلك المستوى التعليمي من تدوين يومياته في كراسات عندما بدأ يدرس في الأكاديمية العسكرية في مدينة ليننغراد (سانت بطرس برغ حاليا) من عام 1971. ويعترف أن تلك الكراسات كانت المادة الخام لكتابه (وداعا أيها الماضي). وبين ذلك قائلا: “عندما شعرت هنا في هذه المدينة بشيء من الأمن والاطمئنان والاستقرار النفسي فكرت في أن أفتح سجلا أدون فيه رؤوس أقلام لكل ما أتذكره في حياتي من الطفولة وعبر المراحل الماضية حتى اللحظة التي أستطيع. على أن أبتعد عن التفاصيل. فخصصت دفترا كبيرا لذلك وكلما تذكرت موقفا معينا سجلته وكان لهذا الأمر فائدة عظيمة. فلولا ذلك لما تمكنت من كتابة معظم ما كتبته في هذه السيرة”.ص433 هل كتاب باراس سيرة ذاتية أو مذكرات¿ وفي إطار اهتمامي بدراسة كتب السيرة الذاتية واليوميات رأيت أن أكرس هذه المقالة الموجزة لتقديم بعض من ملامح الكتاب الذي أصدره اللواء خالد أبوبكر باراس بعنوان (وداعا أيها الماضي: ذكريات وخواطر) العام الماضي 2012. وقبل أن أشرع في عرض بعض ملامح الكتاب أرى أنه من المناسب تصنيف الكتاب بشكل دقيق وفق المعايير المتبعة في تصنيف الأشكال المختلفة لكتابة الذات: السيرة الذاتية والمذكرات واليوميات والمراسلات وسرد الرحلات وإن كان المؤلف يؤكد في المقدمة وداخل المتن أن كتابه هو: سيرته الذاتية. فعلى الرغم من صعوبة تبيان الحدود الفاصلة بشكل قاطع بين السيرة الذاتية وبين الأشكال الأخرى للتعبير عن الذات فمن المتفق عليه أن كاتب السيرة الذاتية يركز على تفاصيل حياته الشخصية والعائلية أي الشأن الخاص في حين يهتم كاتب “المذكرات” بتصوير البيئة والمجتمع أي الشأن العام أكثر من اهتمامه بتصوير حياته الخاصة اللهم إلا بوصفها إحدى مكونات تلك البيئة العامة. لذلك يهتم كاتب المذكرات الشخصية بالعالم والأحداث المعاصرة والتاريخية والناس الذين التقى بهم ويكون مدار نصه الأحداث العامة التي شاهدها أو شارك فيها. وغالبا ما تكون المذكرات مرادفة للشهادة على العصر. بينما تكون السيرة الذاتية رديفا للاعترافات ويغلب عليها التبرير والتسويغ والمراوغة والتمويه. وسبق لنا – في مقالة سابقة- أن عرفنا السيرة الذاتية بأنها “سرد نثري يقوم به شخص واقعي عن وجوده الخاص وذلك حينما يركز على حياته الفردية وعلى تاريخه الشخصي أي الشأن الخاص”. وفي ضوء ما ذكرنا: هل كتاب خالد باراس (وداعا أيها الماضي: ذكريات وخواطر) سيرة ذاتية او مذكرات¿ لقد قسم خالد باراس كتابه إلى جزئين: في الجزء الأول (طفولة صقلتها المآسي) استعرض جانباٍ من نشأته في قرى وادي حجر (ودودة وروبة) وقام بتوثيق الحياة الاجتماعية هناك. وتحدث عن علاقته بأمه وعمه عبد الله الذي علمه القراءة والكتابة وخاله عبد الله باوسيم في روبه وعن وفاة أمه وأخته صفيه بمرض السل. لكن بعد تركه لحجر في سن الرابعة عشر تقلصت المساحة المكرسة لحياة المؤلف الخاصة كثيرا في الكتابº فعن زواجه لا يتحدث إلا نادرا وبصورة عابرة وفي أقل من نصف صفحة (ص125). ويعاود باراس الإشارة ثلاث مرات أخرى إلى زوجته. فمرة يشير إلى مرضها بالملاريا وإحضارها الى المكلا للعلاج ومرة إلى إحضارها إلى عدن للقيام بفحوصات بسبب تأخر الإنجاب. ولن يتجاوز حجم تلك الإشارات ثلاث صفحات من الستمائة والخمس صفحات التي تكون الكتاب. وهذه في اعتقادنا نسبة بسيطة. وقد أشار المؤلف إلى ظاهرة ندرة تطرق لحياته الخاصة مرات عدة في الكتاب. فهو مثلا يكتب: “عودة إلى نهاية 1961 وبداية عام 1962 فقد التحقت بدورة قصيرة للترقية إلى صف ضابط. وكان أهم تغيير في حياتي هو تقلص كل ما هو شأن شخصي لدي لصالح الشأن العام ولم يعد هناك شان خاص من وقتي إلا قليلا ولا حتى في سلوكي وعلاقاتي بالناس”. وفي صفحة 148 يضيف: “هكذا كنت أنتقل من طور في الحياة إلى آخر: تتوسع مداركي وأكتشف الجديد وأندمج في واقع جديد مختلف. ومع تطور الأنشطة الوطنية وتوسع دائرة علاقاتي بالناس كانت اهتماماتي بشؤوني الأسرية وعلاقاتي الخاصة خارج دائرة النشاط الوطني تتقلص تدريجيا مع توغلي أكثر في الأنشطة الثورية حتى كادت تختفي مع نهاية عام 1966 وبداية 1967”. ص 120 لهذا فقد تقلصت مساحة الشأن الخاص في كتاب باراس كثيرا لصالح المساحة المكرسة للشأن العام. ومن ثم علينا أن نقرأ (وداعا أيها الماضي) باعتباره مذكرات وليس سيرة ذاتية. وبما أن الفرق الأساسي بين السيرة الذاتية وبين مذكرات الشخصيات العامة يكمن في أن الشخصيات العامة تكون في الغالب مقتنعة بأن تجربتها في الحياة تحتوي على قيمة تاريخية واجتماعية كبيرة ينبغي أن تستفيد منها الأجيال اللاحقة يبرر اللواء خالد باراس نشر كتابه قائلا: “الهدف الذي من أجله نشرت (سيرتي الذاتية) في هذا الكتاب هو رغبتي أن يطلع الآخرون لاسيما الشباب على هذه السيرة وما حوته من دروس وعبر وأنه لا يجوز أن يظل هذا الجهد الذي بذلته في كتابتها حبيس الدفاتر العتيدة المتهالكة التي كتبت عليها لثقتي أن ما وضعته في هذا الكتاب من أمثلة تؤكد أنه لا شيء اسمه المستحيل إذا توفرت القناعة لدى الإنسان أن ما يسعى إليه هو المشروع الحق. إن كل هذا يجب أن يكون في تناول يد من يرغب الاستفادة منه. وأعتقد أن سيرة حياتي الذاتية مليئة بالعبر والأدلة التي تؤكد فعلا أنه من جد وجد ومنزرع حصد وسيجد الشباب الطموح في هذه السيرة ما يشد أزره ويحفزه على المثابرة والصبر عند الشدائد”. ص6 بعض مكونات الشأن العام في (وداعا ايها الماضي) بعكس ما قام به المناضل عبد القادر أحمد باكثير عضو القيادة المحلية للجبهة القومية حضرموت الذي اعترف أن كل ما ضمنه كتابه (مذكرات عن مراحل النضال والتحرير1960- 1969م حضرموت http://www.yemenitta.com/?p=962) يقع بالكامل في إطار الشأن العام يحرص اللواء خالد باراس التأكيد مرارا وتكرارا على أن ما كتبه ليس تاريخا للجبهة القومية في حضرموت أو للمؤسسة العسكرية في جنوب اليمن. فهو يكتب في مقدمة مذكراته: “يهمني في بداية هذه المقدمة التنويه إلى ما قد أشرت إليه في أكثر من مكان في هذا الكتاب وهو أن كل ما ورد فيه هي الأحداث والأنشطة والمواقف ذات العلاقة المباشرة بسيرة حياتي فقط. مؤكدا أكثر من مرة أني لا أدعي كتابة تاريخ ثورة 14 اكتوبر. لهذا فأني لم أتطرق لأية أحداث ليست لها علاقة مباشرة بسيرة حياتي”ص5 وفي إطار تناوله للأحداث التي تلت تعيينه في قيادة سلاح المدفعية والصواريخ في نهاية عام 1978 يعود ويؤكد: “ودون شك فأني لا أزعم أني أسجل هنا سير تطور هذه المؤسسة وتاريخها وإنما هي إطلالة بسيطة عبر نافذة ضيقة جدا حاولت من خلالها أن ألقي الضوء على تلك المساحة البسيطة المحدودة في كل ما لي علاقة مباشرة به ولم أتعرض لأية أحداث أو أنشطة لم أشارك فيها.. وبالتأكيد فإن الذي سجلته هنا ليس بأي حال تاريخ القوات المسلحة وإنما هي وقائع وأحداث وأنشطة ذات علاقة مباشرة بحياتي الشخصية وعلاقات الزمالة في العمل وكل ما أسهمت فيها من أنشطة”.صٍ477 ومع ذلك من الواضح أن كتاب (وداعا أيها الماضي) يتضمن كثيرا من الأحداث التي جرت في مناطق مختلفة من البلاد بين 1950 و1967 ومعظمها يقع في إطار الشأن العام. فعلى الرغم مما قد يوحي به العنوان الذي وضعه باراس للجزء الأول من الكتاب: (طفولة صقلتها المآسي) فهذا الجزء يسرد في الحقيقة كثيرا من الأحداث العامة وإن كان بنسبة أقل من تلك التي نجدها في الجزء الثاني الذي أسماه (الاستقلال إرهاب الدولة الانكسارات المحزنة). ومن الواضح كذلك أن الكتاب يتضمن معلومات دقيقة ومستفيضة عن عدد من أحداث الكفاح ضد الاستعمار في الجنوب وقعت بعيدا عن عيني المؤلف. فهو مثلا تحدث باستفاضة عن المظاهرة التي خرجت في سيؤن في 11 سبتمبر 1966 لتعبر عن تأييدها للجبهة القومية ورفضها لزيارة المندوب السامي البريطاني وما تلتها من مسيرات دامية في المكلا وهي الأحداث التي- في رأيه أبعدت حزب رابطة ابناء الجنوب من الساحة السياسية هناك على الرغم من الدور الكبير الذي قام به من أجل الترويج لقضية الجنوب في الخارج. وقد بدأ سردها على النحو الآتي: “في مساء 10/9/1966 أشيع في سيؤن عاصمة السلطنة الكثيرية أن المندوب السامي البريطاني سيصل إلى سيؤن غدا 11/9/1966 صباحا. وهكذا خرجت صباح يوم 11/9 مسيرة طلابية تعبر عن تأييدها للجبهة القومية. وعند مرور المتظاهرين أمام فرع حزب الربطة في سيؤن اقتربوا منه وهم يحملون أعلام الجبهة يرددون هتافات معادية لذك الحزب وكان في مقر الحزب بعض أعضائه ومن بينهم القيادي عبد الله الجابري محرر صحيفة (الفاروق) في عدن والقادم قبل أيام من هناك. فلم يتمالك الجابري أعصابه وأطلق النار على الطلبة فأصيب بعضهم بجروح أخطرها تلك التي أصيب بها الطالب برك هبيص [في الواقع كان أخطرها التي أصيب بها زميلي في الدراسة الشهيد محمد عبد القادر جواس الذي اخترقته الرصاصة بالقرب من القلب وتوفي بعد أسابيع من الحادثة]”.ص233