الرئيسية - كــتب - أحمد المؤذن يحرض ضد الطغاة في (وقت للخراب القادم)
أحمد المؤذن يحرض ضد الطغاة في (وقت للخراب القادم)
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

لم أكن قد قرأت للأديب البحريني أحمد المؤذن غير بعض القصص القصيرة.. وهي من الإدهاش ما جعلني أتابع أخباره وبالذات أنشطته.. وكذا ما ينشره من أخبار ومن رؤى أدبية على صفحته في (الفيسبوك) إلى أن زرت البحرين والتقيت به.. ليهديني روايته (وقت للخراب القادم)الصادرة عن دار نينوى دمشق 2009. وكوني لا أكترث أو بالأصح لا أؤمن بنبؤة النصوص. أو بما يدعيه بعض الكتاب بأن أحد أعماله قد تنبأ لأحداث بعينها ..لكن هذه الرواية صدمتني من صفحاتها الأولى..توغلت وأنا أقرأ الحاضر.. أحداث تعتمل كل للحظة وأظنها ستستمر لسنوات وقد تكون لعقود مقبلة.. أعود أقلب صفحاتها كي أتأكد من عام صدور رواية المؤذن.. بعد أن شككت إنها قد صدرت بعد أحداث ما سموه الأوربيون بالربيع العربي. فهذه هي أحداث الرواية تتعاقب ليعيش القارئ ما يعيشه الوطن العربي من مظاهرات وإعتصامات ومواجهات.وانقلابات..وهاهي ترينا سقوط أقنعة.. وصعود حكم المتأسلمين.. وانقلابات باسم الثورة هنا وهناك..وهاهي المرجعيات الدينية.. وهاهم العسكر والمخبرين. وها هو الدم يكاد يتدفق من حواشي أوراق المؤذن.الخراب والحرائق والرصاص.. الصرخات من ثنايا كل كلمة وجملة وفقرة. فماذا صنعت أيها المؤذن¿وهل عليِ أن أغير قناعاتي و أن أؤمن بنبؤة النص أو مقدرة الكاتب على استجلاء الغيب ليرنا الغد¿ أحمد لخص لنا الوطن في قرية (الجمرانية) و(حداحيد) أن نرى أقطارنا وما يعتمل وسيعتمل فيها من خلال الجمرانية وحداحيد.. تلك الأقطار التي تعيش مخاض التغيير أو من تنتظر على عتبات الفجر.. أن تتصور المنامة أو الرياض.. بغداد أو مسقط.. دمشق أو الرباط.. القاهرة أو المنامة.. الخرطوم أو طرابلس.. الكويت أو عمان .. لك أن تتخيل أي قطر عربي حيث يعشعش التسلط والظلم والفساد والتخلف في العلاقة السوية بين الحاكم والشعب.. أن يزيح عنه البلادة ليقترب من تطلعات الشعب..وان يعرف بأن الليل مهما يطول يعقبه فجر. لأرى الجمرانية وحداحيد تتمدد لتبتلع الوطن العربي بعسسه وسجونه وقمعه وعمالته وتسلطه وبلادة الحاكم وإرادة المجتمع للتغيير بتضحياته وإصراره. الجمرانية وحداحيد تقدم لنا أنفسنا وما يعتمل بها من فكر وغضب وتذمر في مشاهد متلاحقة تشعرني كقارئ بأن الزمن يقف معي ضد الطغاة والمتسلطين.. يدفعني ذلك الإيقاع الذي صنعه المؤذن كي أصرخ وأشارك وأخرج.. وألا أكون من الصامتين السلبيين..أو كما يطلق إخواننا المصريون على تلك الفئة من الشعب (حزب الكنبة). ذلك المشهد يلاحقني -صورة الغلاف- بألوانه وقبحه. ليزيدني قلقا عما أصنع وما علي فعله. رواية تجاوزت (270)صفحة تحرض القارئ على الإنعتاق..على ملامسة خيوط الدم.. على البصق في وجوه كل متسلط ابتداء بالعسكر وساكني العروش مرورا على كل فرد يحمل تلك البذور وتلك النزعات التسلطية. تحرضني صفحاتها بأن أعيش حرا.. وألا أخشى أي ردة فعل.. على أي قول أو فعل أؤمن به. لم تكن كثرة الشخصيات :عباس.. احمد.. الحاج منصور.. جاسم.. أبو جواد.. المختار حمدان.. كلثم.. أبو فخري.. جابر الشمالي.. الملا.. عيسى.. أم عباس.. رباب.. حسين الحكروش.. علي.. جعفر.. فيصل.. مشكور.. سعيد.. جلال.. حسان.. الفريدي.. محمد الأسمر ..علياء….. الخ تحد من فهمي لمجريات أحداث الرواية.. ولم تربكني كثرتها.. لكنها أعطتني صورة لمشهد نعيشه.. لاستقري إيقاع الشارع ولما يعتمل في النفوس.. رأيت من خلال تلك الشخصيات وأحسست بنفسي وما يحيط بي من تلك الجموع المكبوتة المتطلعة للإنعتاق. نقبت بين كثافة الشخصيات علي أجد شخصية سعيدة.. وعجزت.. جميعها تعاني تعيش القلق والخوف .. وجميعها ترنو إلى الغد.. تقبض على جمر الحاضر بأمل روعة قدوم الفجر. لم تكن كثرة الأسماء إلا قدرة تضاف أو تحسب لقدرة الكاتب على تقديم المشهد بشكل يختلف عما ألفناه في الرواية العربية.. عدى قلة من العمالقة ممن يجيدون الإمساك بكل خيوط تلك الأحداث والشخصيات. المؤذن فنان بارع أستطاع أن يجعل تلك الشخصيات تلعب أدوار وفق خطة كما لو كانت في مباراة كرة قدم.. فهناك الحارس والدفاع والوسط وهناك الهجوم.. ومقابل كل ذلك هناك خطط الخصم ورجاله. إيقاع سريع.. روائح للدم وقد اختلطت بالأنين والبارود .. خيانات لا حصر لها.. معانات وإخفاقات.. وبقدرتهم على الصبر لتلك البشاعات وتلك المظالم. رواية المؤذن حرائق لا تنتهي..حتى لكأن الأوطان حريق كبير.. سجون وسجون حتى لكأن الأوطان سجون كبيرة.. ملاحقات ومطاردات مميتة.. حتى لكان الأوطان شعب يقاوم وآخر يلاحقه. مداهمات ..حتى لكأن كل منازلنا مداهمة.. تنصت وعسس حتى لكأن عدد العسس بمثل عدد الشعوب. قرية حداحيد المقاهي والخرائب .. مزارع محروقة .. والشيخ.. الملا.. الحاج ..المختار.. المجنون.. العسكري….. الخ ذلك النبض العنيف للرواية وإيقاع الأحداث المتسارعة. تقودنا وتدعونا لنثور.. لنرفض.. لنقاوم ونصرخ. ثمانية وأربعون فصلا. تقدم لنا مجتمعاتنا بأنانيتها وخيباتها.. بآمالها وطموحاتها.. بشرائحها المتعبة الفقيرة وأفرادها المتخمين المتسلطين ..بانقلاباتهما وبكل الأعيب حكامها.. بمناضليها الذي يرحلون خارج الأوطان سنوات تاركين مساحات من الحرائق والدم يفور.. ومقاومين يتمزقون أشلاء.. يناضلون خارج الأوطان عبر شاشات القنوات الفضائية..ثم يعودون بأمل تصنيمهم أبطال. الروائي قدم لنا بشكل مبتكر تعدد الأصوات من خلال تلك الرسائل والإمساك بذكريات بعض الشخصيات.. وتقلد الراوي بدفتين الحكي بشكل لا يوحي بالمباشرة.. وتلك النصوص الشعرية التي تلون أفق الرواية بأحاسيس متأججة. لم يكن الكاتب يجدف في الظلام حين استخدم أكثر من أسلوب لتقديم أحداث وشخصيات روايته.. بل كان ذلك عن دراية بفنيات السرد وغوايته.. ليدين القبح والتسلط والفساد والظلم.. ولينتصر لروح الإنسانية التواقة للحرية والعدالة والرخاء. ولعل في رواية المؤذن هذه قد قدم لنا أروع قدراته.. من خلال تلك الحوارات التي تجعل القارئ يعيش مع إحساس شخصيات الرواية.. بل ويشعر بأنه جزء من الرواية وأحد شخصياتها .. أجاد المؤذن في حواراته تلك التي قدمت لنا رواية لها قلب وروح.. رواية لم تشفع لأبي جواد ماضيه.. ولا لأحمد اضطرابه ولا لعباس جنونه ولا لقاسم عاطفته. هي تحية من قارئ متذوق لكاتب رائع. وكم أتوق لجديده.. كما أتمنى أن تصل أعماله إلى أوسع مدى من القراء.