الرئيسية - كــتب - دمـوع ركاطـة في مآقي فـراشة
دمـوع ركاطـة في مآقي فـراشة
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

قرأت مجموعة ق ق ج (دموع فراشة) وأنا على رحلة من الدار البيضاء إلى صنعاء , وها أنا أقرأ مجموعته للمرة الثانية و لا أنكر بأن فهمي ظل ملتبسا لأكثر نصوص المجموعة, قد يكون بسبب ظروف لحظات القراءة أو هكذا ظننت لأكتشف أن تلك النصوص ظل بعضها عصيا حتى روضت نفسي على اتباع منهجية احترام قراءة النص. وهكذا استطعت أن أتصالح مع تلك النصوص حتى ألاحظ بأن عمق الفكرة قد شغلت الكاتب في جل نصوصه, ولذلك نجده يقدم أفكاره في قوالب سردية مكثفة حد دعوتك أيها القارئ بسعة الإطلاع ,وبذلك أمكنني من قراءة ما بين السطور, أو بالأصح معرفة المعنى الذي بعقل ركاطة. وفي تصوري أن النص الكامل هو ذلك النص الذي يمنح القارئ أكثر من قراءة..ويستدرجه للتأمل والتحليل واستدعاء ما لدية من ثقافة ومعلومات تقرب النص إلى الذهن. فمثلاٍ نص (ملحمة حذاء) “أحذية ثقيلة هوت من الأعلى نحو الأسفل ,أغرقت الورد في الدماء والدخان. أحذية أخرى ظلت في سماء الفن براقة إلى أن اعتراها النسيان, وحذاء ثائر قذف على عجل, أعطى أملاٍ في الحياة لشعب يئن تحت الحصار وعبرة كبيرة لدركي العالم وكتبة تاريخه على السواء” هذا النص يحتاج إلى تأمل لنرى العالم من زوايا مختلفة, ولكي نفهمه علينا باستدعاء الماضي القريب لحذاء عراقي قذفت في وجه الابن بوش. قد تتعدد الرؤية وتتنوع تحاليل هذا النص المليء بالمعاني والإيحاءات على مستوى الفهم المحلي أو الإقليمي ,إذا ما استعرضنا ملاحم إنسانية ,قد نجد بعضها لا تتجاوز ملحمة ذلك الحذاء المتجه نحو هشاشة صلف دركي العالم. هذا ما يقدمه ركاطة في نصوص المجموعة الـ(85) وأضع نصاٍ آخر مختلفاٍ ليشاركني القارئ الكريم (فواكه بالجملة) “وهي تعرض فاكهتها الشهية على الرصيف, عشرات المتطفلين اغتصبوا نضارتها بأعينهم, وحدة تاجر الجملة تمكن من حملها في عربته المكشوفة, دون اختبار للجودة أو مساومة الثمن” وأسأل نفسي ماذا يمكن أن أضيف إلى مقدمه هذا النص. فقد أتصور تلك المرأة بالوطن, أو قد تكون فتاة بائسة على هامش الطريق, أو أقرب أو أبعد من ذلك, في كل الاحتمالات هو نص لوحي بالمواربة والوضوح في آن, نص فاتن باكتماله, ومثل فواكه بالجملة,هناك عدة نصوص قدمت العلاقة بين الرجل والمرأة,كعلاقة ملتبسة فتارة نجدها علاقة التابع بالمتبوع, وأخرى نجد المرأة تصنع قدرها دون مساعدة الرجل. وثالثة هي الجلاد والرجل ضحية. ولذا لا توجد أحكام مسبقة فيما يتعلق بعلاقة الرجل بالمرأة في نصوص المجموعة. فالمرأة ليست ضحية في كل الأحوال.. ولا الرجل جلاد في كل الأوقات. وفي نص بعنوان(زوايا) يرصد الكاتب اختلاف اتجاه نظرات الرجل عن نظرات زوجته لنفس أنثى أخرى.. ففيما كانت الزوجة تلاحظ لون المعطف وبريق أزراره.. كان الزوج لا يرى غير بروز نهود صاحبه المعطف, واكتناز شفتيها. وفي نص ( مخبر الحي) يبرز دور الجلاد الواشي, ليفضحه صديقه بأن ما يتقول في شأن تصرفات زوجته.ليس إلا مرضاٍ عليه أن يعمل للشفاء منه. وهكذا ظل الثنائي الكوني شغل جل نصوص ركاطة.. كالفراشة واللهب,الجلاد والضحية. الوهج والظلام. وفي نصوص أخرى تتجلى روح ركاطة الساخرة.. تلك السخرية من الكون ومن المحيط الذي نعيش فيه في أكثر من نص, مثل(نديم مزعج) حيث يستفرغ أحدهم بعد أن ثمل لتنزعج ذبابة كانت بادئة بمنادمته, بعد أن حطت على شفاه كأسه. وفي نص (ذئاب) الذي يسخر من نظرة العامة إلى الأضرحة , حين يدعي كل بأن من في بطن ذلك الضريح كائناٍ يعرف قداسته ليكتشف القارئ بأن ما تحت الثراء قناة قديمة للصرف الصحي. لقطات ومشاهد يرسمها الكاتب بعيون الفنان المبدع مستخدما في الكثير من النصوص اللقطات السينمائية. وفي أخرى عمق الحكمة, وبعضها حبكة النكتة. في نص (النملة والعصفور) و(انكسار) حيث جعلنا نشعر ببراعة صدقه الفني , وكذلك التصاقه بطبيعة الريف المغربي الساحر وتلك البيئة الشعبية المشبعة بالخرافات والأساطير. إلى نصوص أكثر إثارة وعمقاٍ مثل (دروس في الحب) “قرب بوابة منزلها كان يعلمها أبجديات لغة أجنبية,وهو يتملى وجهها في ظلمة السطوح كانت تلقنه دروسا في الحب,لما استبد بها العطش, أحست أنها بحاجة إلى تعلم الكثير من اللغات جمعت كراستها وقفزت إلى سطح مجاور..” وهكذا نص (امرأة من زماننا)و (زلة قاتلة)..ركاطة يلتقط الأفكار من معاناة الفرد والمجتمع الذي تهدد أمنه أفكار التطرف والإرهاب ليصوغها بمهارة واقتدار مبدع بارع مثل نص (الفاضل) ” كان يكابد لإقناعهم بوجاهة موقفه, يستنكر لا مبالاتهم, ويستخف بأفكارهم ويعري زيف أحلامهم. عندما حلقوا مع أول سرب عبر المدينة, لم يجد بداٍ من التعبير عن سماحته, فأمطرهم بكل ما في بندقيته من ذخيرة تنكر في زي قس وشارك ضباع الأحراش أكبر الولائم” وهكذا يرصد أكثر من نص تأثير الدين على المجتمع وتوظيفه من قبل تجار الأسلمة. وقد قدم تلك الحالات في عدة نصوص منها: (عرافة) و(طلاق بالثلاثة) نصوص المجموعة تكاد تغطي هموم الفرد ومعاناته في مجتمعنا بالذات رغم تفاوت وعيه.. وتباين مقدراته الحياتية , فالكاتب لم يخرج من محيط بيئته, لكننا حين نستعرضها نجد أن جل النصوص تحاكي هموم إنسانية تعبر عن الإنسان في كل أصقاع الأرض, فمن لا يعاني من الفساد والتسلط, ومن لا يعاني من الخوف والاستغلال والظلم . وأي مجتمع تزمجر من حوله رياح وأعاصير التطرف والإرهاب. كل ذلك وأكثر جمعها الكاتب كهموم الإنسان العربي بل والإنسان في كافة قارات الأرض . ركاطة تتغنى نصوصه بمباهج الحياة. لا تحد موهبته حدود فمن زرقة السماء إلى عهن السحب ومن الغابات المطيرة إلى الوديان الخضيرة يقدم لنا نصوصاٍ إنسانية حميمية.