الرئيسية - فنون - بدوي الزبير (جوهرة الطرب الحضرمي الأصيل)
بدوي الزبير (جوهرة الطرب الحضرمي الأصيل)
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

ظل مبدعاٍ خالداٍ خلود الحياة بإبداعاته كما تألق بالغناء والطرب والعزف على جميع الآلات الموسيقية.. تألق في حرفُ مهنية مختلفة صادف يوم 18 نوفمبر ذكرى رحيل الفنان اليمني الكبير بدوي زبير (جوهرة الطرب الحضرمي الأصيل) الذي افتقدته الساحة الفنية اليمنية بعد طول عطاء غنائي وفني زاخر قدمه بكل سخاء طيلة سنين عمره .. عمره المعجون بالإبداع الثري المتنوع. نعم فقد رحل عنا مثل هذا اليوم .. بدوي الزبير عملاقاٍ شامخاٍ بكل ما تحمله معاني هذه الكلمة .. فقد كان رحمه الله وأحسن إليه فناناٍ كبيراٍ بشتى أنواع الفنون عزفاٍ وصوتاٍ وأداءٍ لا يضاهى تألق في تقديم مختلف الألوان الغنائية اليمنية بكل جمال وإبداع وتمكن فريد وساحر يسحر الألباب والقلوب ويشنف الآذان فتجد نفسك وأنت تستمع إلى صوته العذب النقي الصداح أنت ومن معك وقد تسمرتم منصتين وكأن على رؤوسكم الطير لا تحركون ساكناٍ أمام هذا الصوت الساحر والأداء الجاذب .. وأمام سحر لا يقاوم فتجد نفسك وبلا شعور تتفاعل بكل حواسك ومشاعرك ونبضاتك تتراقص مع إيقاعات صوته الشجي وأدائه الراقي البديع ونغمات عوده البديع.

نعم فقد غنى الزبير بدوي كل ألوان الغناء اليمني بتمكن لا يوصف فقد كان ولا يزال جوهرة الطرب الحضرمي الأصيل المتفرد وعندما يغني اللون الصنعاني فإنه يقدمه ويؤديه بشكل رائع وبإسلوبه الخاص المتفرد ..و كذلك عندما يقدم اللونين اللحجي واليافعي وغيرهما. فقد كان رحمه الله يبكي مستمعيه ويسليهم في آن واحد وتسمع نغمات حبال صوته الشجية تنحب كنحيب المعارك ويشدو كشدو الكروان وشقشقات العصافير الشجية ونغمات الهزار في آن واحد.. وتجد نفسك كأنك ترى تيارات شلال ماء غزير متدفق وتسمع إيقاعات أصواتها وخريرها وهي تتدفق بكل قوة وانسياب. وكما كان بصوته وأدائه وإبداعه.. فقد كان كذلك بعزفه الفريد المتمكن الذي إذا أمسك عوده وبدأ يدندن أوتاره ويداعبه بذلك الجمال.. وإذ عزف على آلة الكمنجة أفضل ولوداعبت شفاه آلة الناي أو الشبابة أفضل وأفضل ونفس الشيء إذا داعبت كفاه الطبل والمرواس فقد كان رحمه الله يجيد العزف على أغلب الآلات الموسيقية. وكما أبدع الزبير بالعزف والغناء والتلحين والأداء فقد أبدع رحمه الله بإبداعات جمالية أخرى مثل الرسم والنقش والنحت على الخشب وجمالياته وكان نجاراٍ بديعاٍ يزاول مهنة النجارة في صناعة الأبواب والشبابيك الخشبية المزخرفة والرفوف الجميلة.. وكما عمل في مهنة البناء باللبن.. وكان يستمتع بهاتين الحرفتين كما كان يقول لي رحمه الله ويفاخر بهما وكان هذا في بداية شبابه وحياته الفنية. كما قال: وحتى بعد شهرته وانشغاله بالغناء والحفلات والأعراس والسفريات.. لكنه كلما احتاج منزله لباب أو شباك أو صندوق أودولاب فهو يصنعها بنفسه وكذلك ترميم منزله المبني من اللبن الأصيل. وكما كان فنانا مطرباٍ وعازفاٍ متميزا وفريداٍ وحرفيا متمكنا فقد كان إنسانا بديعاٍ بدماثة أخلاقه تواضعه مع الصغار والكبار من يعرفة ومن لا يعرفة فقد كان يلاقي الجميع بالابتسامة والضحكة والاحضان بترحاب كبير وحتى وإن كان ذلك اللقاء الاول لهم. ولا أنكز أنني كنت تعيس الحظ لعدم معرفتي منذ زمن طويل ولفترة طويلة حيث التقيته ثلاث مرات لا غير كان آخرها قبل وفاته بخمسة أو ستة أسابيع عند زيارته الأخيرة لصنعاء منتصف عام 2000م وكان نازلاٍ في منزل صديقه الفنان الكبير المحبوب من الجميع عبدالرحمن الحداد وقام بتسجيل عدد من الأغاني التراثية الصنعانية و الحضرمية بشكل عاجل حيث ولم يكن مرتبا لذلك ولكن عندما عرف مسؤولو التلفزيون الفضائية اليمنية حينها بوجوده في صنعاء أصروا عليه بتسجيل عدداٍ من اغانيه ولشهرته بتواضعه وأخلاقه وافق عند الحاحهم عليه وأخذ عود صديقه الحداد بل وأنه استلف منه ثيابه حيث وانه لم يكن عاملاٍ حسابه لهذا الموقف وطلع إلى مبنى الفضائية بعد المغرب وبعد تخزينة المقيل ليسجل 6 اغنيات على عجل لكنها ظلت ولا زالت من أروع ما يكون وبدون إيقاع حيث لم يكن هناك وقت للتنسيق مع إيقاعيين وعمل بروفات معهم ومع هذا من يستمع إليها عندما تبث بين الحين والآخر فإنه يستمتع بهذه الاغنيات وطريقة أدائها باسلوب مختلف ورائع وكأنه رحمه الله.. أراد لها أن تكون كذلك. ومع هذا وكله كان هذا العملاق عملاقاٍ شامخاٍ بكل معنى معتزاٍ بنفسه وبفنه وبساطته البديعة ويأخذ الدنيا بكل بساطة وتواضع لا يعرف التعالي أو التباهي ولا يرفض أي طلب يقدم له من أي كان طالبه غنياٍ أو فقيراٍ سخي اليد وكريم بالمواقف الصعبة ويشارك في إحياء أعراس الفقراء مجاناٍ لدرجة أنه رفضاٍ دعوة سفر لإحياء أحد الأعراس مع رجال الأعمال الأثرياء المشهورين في السعودية وهو صديق لفناننا الراحل رفض الدعوة والسفر للمشاركة رغم علمه بالمال الكثير الذي سيجنيه من وراء هذه المشاركة وكذلك الشهرة لكنه رفض وتعذر بأنه محجوز بنفس اليوم والتاريخ لإحياء عرس صديق في اندونيسيا والحقيقة إنه لم يسافر أندونيسيا وإنما كان محجوزاٍ لعرس أحد أصدقائه الفقراء في سيئون ولإحياء العرس مجاناٍ. وكما عاش حياته بسيطاٍ فقد مات ورحل عنا رحمه الله فقيراٍ بسيطاٍ مستور الحال. والحديث طويل عن هذا الفنان الشامخ بفنة وعزة نفسه وإنسانيته.. مات شامخاٍ عزيز النفس لم يمد يده لأي مسؤول أو ثري ولم يقبل على نفسه التذلل بالبحث عن تحسين أوضاعه الوظيفية والمادية بالوظيفة حيث مات وهو موظف عادي بمكتب الثقافة بحضرموت. رحل عنا جسدياٍ لكنه خالداٍ بالقلوب وذاكرة الشعب اليمني وجماهيره خلود الحياة بإبداعاته وأعماله وأخلاقه وذكره.