وفد اليمن في مؤتمر المناخ يبحث مع نائب وزير الصحة الاذربيجاني تعزيز أوجه التعاون المستشار العسكري للمبعوث الأممي يطلع على نشاط مشروع مسام بمأرب اللواء ثوابة: المليشيات الحوثية تهدم أي مبادرات لإنهاء الحرب وإحلال السلام قوات الجيش تفشل هجوم لميليشيا الحوثي على قطاع الكدحة غرب تعز الأغذية العالمي: نحتاج الى 16.9 مليار دولار لمعالجة أزمة الجوع العالمية "موديز" ترفع تصنيف السعودية الائتماني عند "aa3" مع نظرة مستقبلية مستقرة رئيس الامارات يبحث مع الرئيس الاندونيسي العلاقات بين البلدين وشراكتهما الاقتصادية فريق طبي يؤكد استقرار حالة جدري الماء في ميناء نشطون بالمهرة مأرب تحتفي باليوم العالمي للطفولة ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 44,176 شهيدا و104,473 مصابا
يمثل هذا الكتاب وثيقة هامة من وثائق الثورة اليمنية في الفترة ما بين عشرينيات القرن الماضي وسبعينياته. ذلك أنه يقدم شهادات سياسي مخضرم عاش مختلف التحولات السياسية ولم يكن مجرد شاهد على أحداثها ولكنه كان في أحايين عديدة لاعبا أساسيا في صناعة هذه الأحداث. ومن هنا يصدق القول على كتاب كهذا بأنه مساهمة جادة في كتابة تاريخ الثورة اليمنية التي لم تنل حقها إلى اليوم من التوثيق والرصد التاريخي. فجل ما كتب في مسيرتها لا يتجاوز المرويات التاريخية المتناثرة هنا وهناك وهي مرويات في أحسن أحوالها عْنيت برصد الخطوط العامة للوقائع ناسية أو متناسية كثيرا من التفاصيل التي تخلقت في رحمها هذه الوقائع. ويأتي صدور مذكرات الإرياني بعد صدور مذكرات مشابهة لسياسيين آخرين عاشوا نفس الأحداث وقدموا شهاداتهم على نفس الفترة تقريبا مثل مذكرات الأستاذ “محسن العيني” ومذكرات الشيخ “سنان أبو لحوم” ومذكرات الشيخ “عبد الله بن حسين الأحمر” وغيرها. وغالبية هذه المذكرات صدرت في حياة أصحابها وهو أمر يصعب معه -إلى حد بعيد- رصد الأحداث بتجرد بعيدا عن دوائر الحرج السياسي وقيود العلاقات الشخصية عند سِوúق الأحداث بمواقفها المختلفة ونسúبها بأمانة وصدق إلى أشخاص بعضهم لا يزال على قيد الحياة. وفي اعتقادي أن القاضي الإرياني أرادِ أن تصدر مذكراته بعد وفاته هروبا من هذه الإشكالية التي لا تتيح في أحسن الأحوال غير قول نصف الحقيقة انحيازا تاما منه للحقيقة التي سيسأل عنها بين يدي الله وحده. نبذة تعريفية ولد الرئيس الإرياني في بلدة (إريان) من محافظة إب جنوبي صنعاء عام 1910م وفيها نشأ في أسرة علمية ثم واصل دراسته في كل من مدينة جبلة ومدينة صنعاء ثم شغل عددا من الأعمال القضائية والإدارية والتحق بالعمل الثوري يافعا فاعتقل بسبب ذلك غير مرة وبعد قيام الثورة الجمهورية التي أطاحت بالنظام الملكي عام 1962 عْين وزيرا للعدل وعضوا في قيادة الثورة ثم عضوا في المجلس الجمهوري ثم رئيسا للمجلس الجمهوري عام 1967م ثم ترك السلطة عام 1974م وتوجه في منفى اختياري إلى دمشق التي عاش فيها حتى توفي عام 1998م. الثورة.. تاريخ ومراحل أرخ الكتاب للثورة اليمنية في مراحلها المختلفة ومنذ بداياتها الأولى وعلى الرغم من أن الفصلين الأول والثاني بسط المؤلف فيهما القول في مولده ونشأته ورحلاته العلمية لكنه إلى ذلك أشار إلى نواة العمل الثوري ضد الإمام (يحيى حميد الدين) والتي بدأت تتشكل سخطا شعبيا عاما ساكنا ورفضا ثوريا تستبطنه ملتقيات النخبة من العلماء والأدباء. وقد ظل هذا الرفض مشتتا يدور همسا حذرا خلف الأبواب المغلقة باستثناء عدد ضئيل من حركات التمرد العفوي هنا أو هناك حتى كان عام 1944م حين التقى الثوار – ومنهم الإرياني- على إشهار كيان جامع للعمل الثوري أسموه (جمعية الإصلاح) تحت لافتة العمل الخيري وقد فطن الإمام (يحيى) إلى المغزى من هذه الجمعية فعمل على تشتيتها وسجن عددا من قادتها بمن فيهم الإرياني وبذلك دشِن الثوار مرحلة جديدة هي مرحلة المواجهة العلنية التي احتشد فيها عدد من علماء اليمن ومثقفيها. وظهرت قيادات فكرية بارزة مثل الشاعر محمد محمود الزبيري والأستاذ أحمد النعمان والشاعر زيد الموشكي. وقد أشار المؤلف إلى المحاولات العديدة التي بذلها ولي العهد (أحمد بن يحيى حميد الدين) في كسب ولاءات هذه القيادات مثل استدعائه لكل من الزبيري والنعمان وغيرهما وجعلهم من جلسائه حتى تسهل مراقبتهم ممنيا إياهم بالإصلاح وحين يئسوا منه انفضوا عن مجلسه وتنادوا إلى استمرار العمل الثوري. انتكاستان ونجاح ويقف المؤلف كثيرا عند انتكاستين أصيب بهما الثوار: الأولى سقوط الثورة الدستورية التي قامت ضد الإمام يحيى عام 1948م وكان من نتائجها مقتل الإمام جنوبي صنعاء وإعلان عبد الله بن أحمد الوزير خلفا عنه مشيرا إلى خطأ الثوار في عدم وضع خطة للتخلص من ولي العهد أحمد الذي كان يومها في مدينة حجة شمال غرب صنعاء والذي أعلن نفسه إماما خلفا لأبيه واستطاع أن يجمع القبائل الموالية في هجوم كبير على صنعاء أسفر عن إسقاط الثورة واعتقال الثوار وتوزيعهم بين مقاصل الإعدام وظلام المعتقلات وكان المؤلف ضمن الفريق الأخير حيث اعتقل يومها ولم يفرج عنه إلا في عام 1954م. أما الانتكاسة الثانية فهي انقلاب عام 1955م الذي قاده المقدم أحمد الثلايا في مدينة تعز عاصمة الإمام الجديد أحمد بن يحيى الذي استطاع إخماد هذا الانقلاب فقتل بعض قادته وسجن آخرين ومنهم صاحب هذه المذكرات. ويشير المؤلف إلى أن أبرز عوامل نجاح ثورة 1962م الجمهورية هو موت الإمام أحمد الذي مثل شارة البدء ونقطة الانطلاق حيث تحركت طلائع الثوار عبر “تنظيم الضباط الأحرار” وانتهى الأمر بنجاح الثورة وبهروب الإمام الجديد محمد بن أحمد حميد الدين المعروف بـ(البدر). أخطاء وحروب خطآن اثنان – في نظر المؤلف- ارتكبهما الثوار الجمهوريون أفرزا تحديات جمِة وكبيرة واجهتها الثورة: إعدام كثير من رجال العهد الإمامي وإعلان العداء للسعودية إذ أوغر الخطأ الأول صدور القبائل التي فقدت عددا من أبنائها واستعدى الخطأ الثاني السعودية ووضعها موضع الحليف الصادق لفلول الملكية المتربصة بالثورة الوليدة. على أن ثمة خطأ ثالثا فْرض على الجمهوريين من قبل الرئيس جمال عبد الناصر الذي أرسل عبد الرحمن البيضاني إلى اليمن برفقة قوات عسكرية وصلت اليمن لمساندة الثورة وقد أْعطي البيضاني مناصب كبيرة على الرغم من عدم وجود أي علاقة له بالثورة فتجاوز في صلاحياته صلاحيات الرئيس عبد الله يحيى السلال وعمد إلى إثارة الطائفية طامحا للوصول إلى حكم المناطق الشافعية. وهنا يشير المؤلف إلى أنه رغم جسامة التضحيات التي قدمتها مصر في دعم الثورة اليمنية فإن سياسة الرئيس عبد الناصر لم تتجرد من روح التسلط الإقليمي والغرور الشخصي وقد أخطأ بإرسال البيضاني الذي (بِيúضِنِ) كل شيء فيها حتى الرئيس السلال نفسه. ثم يسترسل المؤلف في الحديث عن الحروب التي دارت بين الجمهوريين مدعومين بالتواجد المصري والملكيين المدعومين بالمال والسلاح من السعودية مؤكدا أن اليمن حينها تحول إلى ساحة حرب بالوكالة بين مصر والسعودية مستعرضا جملة من اللقاءات والمؤتمرات التي حاول فيها الجمهوريون والملكيون أو مصر والسعودية الخروج بها من دائرة الاحتراب التي ظل أوارها مشتعلا. على أن صراعا محتدما آخر كان يسري في أوساط الجمهوريين بين فريق الموالاة لمصر بزعامة الرئيس السلال وفريق مناوئ ويقف في هذا الصف الإرياني وكل من الزبيري والنعمان اللذين عارضا الرئيس عبد الناصر وجها لوجه حول الدستور الذي فرضه على اليمن. وقد استرسل المؤلف في ذكر مراحل هذا الصراع فذكر مقتل الزبيري عام 1965 وتوالي تشكيل الحكومات كمؤشر على الاضطراب السياسي الذي كان سائدا آنذاك وصولا إلى اعتقال عدد من أعضاء الحكومة اليمنية في القاهرة بمن فيهم الإرياني والنعمان عام 1966م وحين خرج هؤلاء من معتقلهم عادوا إلى اليمن لوضع خطة لإنقاذ الوضع والتخلص من الرئيس السلال وبعد مشاورات عديدة أعلن في 5 نوفمبر/تشرين الثاني عن انقلاب أبيض على الرئيس السلال الذي كان يومها في موسكو.. وهنا ينتهي الكتاب. ملاحظات” يتماهى في هذه المذكرات الشخصي بالعام في لغة أدبية راقية تستدعي كثيرا من الشواهد الشعرية. ويؤخذ على الكتاب وجود فجوات زمنية في سرد بعض الأحداث كما تبرز في أماكن أخرى تفصيلات واسعة لأحداث عادية. كما أن المؤلف وهو يؤرخ للصراع بين الجمهوريين لم يشر إلى المعطى الأيدلوجي الذي حكم مساقات هذا الصراع تنافرا وتقاربا خاصة وأن مرحلة الستينيات من القرن الماضي كانت بؤرة صراع أيديولوجي حاد بين مختلف الأيديولوجيات على الساحة اليمنية من إخوان مسلمين وناصريين وبعثيين واشتراكيين وغيرهم. حرب السبعين يوما بين الجمهوريين والملكيين والصراع مع الحكومة الماركسية في جنوب اليمن وحقيقة خروج الإرياني من السلطة عام 1974م .. تلك أهم الأحداث التي يتوقع للأجزاء المتبقية من هذه المذكرات – والتي ستصدر في السنوات المقبلة كما أشارت مقدمة الكتاب- أن تفصل القول فيها.. وعسى أن يكون ذلك قريبا.