الرئيسية - عربي ودولي - اردوغان … هل يستطيع تجاوز أزمة فضيحة الفساد المالي¿!
اردوغان … هل يستطيع تجاوز أزمة فضيحة الفساد المالي¿!
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

تحليل/محمد شبيطة – تمكنت تركيا خلال العشر السنوات الماضية من النهوض والتقدم في مختلف المجالات بعد صعود حزب العدالة والتنمية بقيادة اردوغان إلى الحكم وبشكل حاز على إعجاب المحللين والمتابعين للشأن التركي ولا يستطيع احد أن يتنكر أو يتجاهل هذا الصعود وتحليقه في فضاء النهوض الاقتصادي وانتقاله إلى مصاف الدول المتقدمة ولكن ما لم نستطع أن ننكره هو أن العقل التركي هو بالنهاية عقل شرقي يخطو إلى الامام لكنه يشتاق الالتفات إلى الخلف . فقيادة رجب طيب اردوغان وبسياساته المنفتحة وتطويره لعلاقات بلاده بمختلف دول العالم خلال السنوات العشر من حكمه وخاصة الخمس الأولى منها استطاع النهوض بتركيا بمختلف المجالات وجعل منها قوة اقتصادية تبوأت موقعا مهما على مستوى المنطقة والعالم لكن يبدو أن ثورات الربيع العربي كان لها دور أساسي فيما تشهده تركيا من تغيرات وأزمات وانتشار الفساد المالي. وتغول السلطات الأمنية في قمع الحريات لانه أولا بدأ يتخوف بالفعل من امتداد الربيع العربي إلى بلاده فكان حريصا على قمع أي تحرك جماهيري أو من خلال تكميم افواه الصحفيين وحبسهم ومن ناحية اخرى فان انشغاله بالتطورات في المنطقة العربية وشرهه في قطف ثمار هذه التغييرات لصالح الدولة التركية فلقد عمد إلى القفز بقوة للانقلاب على صديقه معمر القذافي فساعد الثوار هناك وأجج الغرب للتدخل وشاركت بلاده بقوة مع دولة قطر في حرب الناتو على ليبيا بعد ذلك انقلب على أهم حليف له بالمنطقة حيث كانت العلاقات التركية السورية في أوج عنفوانها بعد أن توصل البلدان إلى اتفاق يقضي بتنقل مواطني البلدين بدون فيزة وعلاقات اقتصادية كبيرة لكنه سرعان ما تقدم خطوات كبيرة في انقلابه على النظام السوري ودعم الثوار السوريين بكل قوة بل إن بلاده بحسب معارضين اتراك ووسائل اعلام عالمية تقول أن تركيا كانت هي محطة التجميع والانطلاق للارهابيين الذين ياتون من مختلف دول العالم للدخول إلى سوريا للمشاركة فيما يعتبرونه جهادا في سبيل الله. وتطور العداء التركي تجاه النظام السوري حيث أن اردوغان كان من اكبر الداعين لتدخل الغرب لضرب سورية واسقاط نظام الاسد وكان يدعو بالأخص الولايات المتحدة لهذا التدخل وقال انه مستعد للتدخل بقوة ضمن تدخل دولي أو غربي لكن مع التفاهمات الأميركية الروسية والتي توصلت في النهاية إلى اتفاق أن تقوم دمشق باقفال مصانع انتاج الأسلحة الكيميائية وتدمير مابحوزتها من هذه الأسلحة . وبموافقة سورية على ذلك فان واشنطن يبدو انها قامت بالضغط على كل الدول التي كانت داعمة بقوة للمعارضة السورية وخاصة المسلحة وهي تركيا والسعودية وقطر حتى عملت هذه الدول على تخفيف الدعم المالي والإعلامي حتى وجدنا أعضاء من المعارضة السورية ينتقدون تراجع الموقف التركي ولم نعد نسمع تصريحات لاردوغان أو غيره فيما يخص الثورة السورية المهم هنا أن انشغال اردوغان بالمحيط الاقليمي وتخوفاته من وصول نار موجة التغيير إلى بلاده فان تصرفاته انعكست سلبا على اداء حزبه وادائه شخصيا داخل تركيا لذلك فانه مع بداية أحداث حديقة جيزي وساحة تقسيم في اسطنبول اواسط هذا العام وما تلته من مظاهرات ضد اردوغان وحزبه كان الملفت تصرف الشرطة التركية وعنفه اتجاه شباب وشابات يعترضون بسلمية على قرار حكومي يقضي بقلع اشجار من الحديقة وبناء مراكز تجارية مكانها مما اجج معارضة قوية من قبل حماة البيئة وتجمعات شبابية تطورت بعد قتل اربعة شبان من المتظاهرين إلى مظاهرات جماهيرية كبيرة في منتصف العام 2013 كان المتظاهرون ينددون باردوغان ويطالبونه بالاستقالة ومالفت الانتباه اكثر هو صرخات اردوغان ودعمه للشرطة واتهاماته للمتظاهرين بالعمالة لقوى اجنبية وحشده للمتظاهرين المناصرين له كل هذا بسبب تظاهرات سلمية ومثلت صرخات اردوغان صدمة للمتابعين والمراقبين من هكذا تصرف من مسؤول كان ناجحا وحاز على إعجاب الكثير وبرغم اعترافات من الرئيس جول وقيادات في الحزب الحاكم بأن تصرفات الشرطة وعنفها كانت غير مبررة إلا أن رئيس الوزراء التركي لم يلتفت للانتقادات حتى من حزبه وكل هذه التطورات كانت بلا شك محل اهتمام ومتابعة للوضع التركي لنجد أن النجاح الاقتصادي والنهوض التركي ربما ابهر قيادة التحول خاصة اردوجان الذي يبدو أن تخوفاته على نجاحاته جعله يتشكك بكل من حوله فاتجه لمحاربة الإعلام لتتحول تركيا إلى اكبر دولة فيها معتقلون وسجناء صحفيون بحسب ما تقوله المنظمات الدولية المختصة بهذا الشأن ويبدو تسرب الخوف على السلطة إلى نفسه واستسلامه لنظرية المؤامرة ربما أن ذلك أثر على قدراته القيادية لتنتقل البلد بعد ذلك من أزمة إلى أخرى كان آخرها الازمة الكبيرة التي تشهدها تركيا منذ السابع عشر من ديسمبر على خلفية انكشاف فضيحة الفساد المالي والمتورط فيها مسؤولون كبار في حزب العدالة والتنمية الحاكم ومنهم وزراء ومسؤولون كبار بالدولة ومنهم ثلاثة ابناء لوزراء في الحكومة وتصاعدت الأزمة باستقالة ثلاثة وزراء ومن المستقيلين من دعا اردوغان نفسه إلى أن يستقيل احتراما للشعب . ولكن المفاجئ أن اردوغان تصرف خلال هذه الازمة بنفس الطريقة التي تعامل بها اثناء ازمة ميدان تقسيم في منتصف العام 2013 حيث لجأ إلى تحميل اخطائه وحكومته على معارضيه باعلانه أن هناك مؤامرة محلية مشتركة مع قوى خارجية بالوقوف وراء فضيحة الرشاوى والتجارة غير القانونية وبدأ باتخاذ قرارات على ما اعتقد ليس لها مبرر سوى انها تصب في مجملها للتستر على الفضيحة خاصة بعد فصل القيادات الأمنية حتى وصل عدد المبعدين من سلك الشرطة اكثر من اربعمائة ضابط وهم من كشفوا حقيقة هذا الفساد بدلا من مكافأتهم . كذلك وجه اتهاماته لجماعة فتح الله غولان الإسلامية والتي كانت اهم حليف ومناصر له وحزبه لتطور القضية إلى إعلان المدعي العام في اسطنبول بانه لا يستطيع التحقيق في قضية الفساد لان الشرطة تتدخل بعمله وتمنعه من ذلك . مما جعل السلطات تقوم بفصله من عمله وتعلن انه فاشل في عمله بل أن اردوغان اتهم السلطة القضائية بالتآمر على حكمه باتهامها لمسؤولين من حكومته وهنا يبدو أن استقرار حكومة العدالة والتنمية قد تعرض للاهتزاز الكبير وتلطخت سمعة الحزب الحاكم بالفعل والمشكلة أن المسؤولين في الحكومة يتعاملون وكأنهم ملائكة و ليس بشراٍ فظهروا مشدوهين ومستغربين من انكشاف هذه القضية رغم أن الفساد موجود في كل الحكومات وعبر كل العصور وفي ظل حكم كل التيارات والمسميات والاديان . وعلى الرغم من ظهور اردوغان رابط الجأش وكأنه يخوض معركة في مواجهة عدوان خارجي الا أن قراراته ومواجهته للقضية تعبر عن انه غير قادر على مواجهتها لانه وبدلا من مواجهة الفساد وعناصره فاتجه للطريق السهل ليرمي باتهامات المؤامرة بكل الاتجاهات داخليا وخارجيا للتلاعب بعواطف المواطن التركي الذي يحمل سمات الرجل الشرقي الذي دائما يصطف مع الحاكم لمواجهة مايسميها الحكام بالمؤامرات الخارجية. وهذه الحيلة دائما تقع الشعوب الشرقية والعربية والاسلامية بالذات ضحية لهافأي حاكم يعجز عن اداء الدور المناط به في معالجة قضايا مجتمعه يلجأ إلى خداع الشعب باللجوء إلى نظرية المؤامرة وعلى سبيل الذكرى فإن اتهامات اردوغان تذكرنا بصرخات الرئيس الايراني السابق احمدي نجاد عقب الانتخابات الرئاسية الايرانية عام 2009 عندما رفض أنصار المرشح الإصلاحي مير موسوي الاعتراف بالنتيجة التي اعلنتها حكومة نجاد وقالوا أن نجاد والمحافظين زوروا النتيجة وخرجوا بمظاهرات كبيرة .. منددين بما أسموه تزوير نتائج الانتخابات عندها واجههم نجاد بقوة غاشمة ولجأت الشرطة وأجهزة الأمن إلى استخدام كل وسائل القوة لكبح وقمع التظاهرات بل أن نجاد ومسؤولين آخرين اتهموا منظموا المظاهرات بأنهم عملاء وخونة يعملون لصالح الغرب الذي يستهدف حكم الجمهورية الإسلامية الإيرانية وهذه الاتهامات هي اكليشه ياما رددها الحكام والحكومات في بلادنا العربية. اردوغان الذي نتمنى أن يتجاوز هذه الأزمة ويواصل التقدم ببلاده إلى الامام لكن مثل هذه التصرفات الرعناء تجعل المتابع يتشكك في قدرات اردوغان على مواصلة النجاحات لانه يبدو قد استنزف كل قدراته ولم يعد لديه جديد سوى قذف الاتهامات لخصومه السياسيين وترديد حكاية مؤامرات الخارج . وهنا نجد أن الأميركان كانوا بالفعل سباقين عندما قالواٍ أن الحاكم يجب أن لا تزيد فترة حكمه على ثمان سنوات لأن طاقة الحاكم بعد السنوات الثمان تكون قد استنزفت ولذلك فقد نظم المشرعون الأميركيون هذه القاعدة وجعلوها مادة دستورية لنجد أن الرؤساء الأميركان لايتجاوزون الثمان سنوات رغم أن الدستور الأميركي كان إلى ماقبل التعديل الثاني والعشرين للدستور الأميركي عام 1951م والذي حدد الفترات الرئاسية بفترتين فقط وكان الرؤساء يحترمون شعبهم ويعترفو بقدراتهم ويعملون بنصائح العلم والطب الذي يقول بأن قدرات الإنسان النفسية والعقلية بعد الثمان سنوات تصبح عاجزة عن الأداء كما كانت وتتراجع القدرات بحيث لم تعد كما كانت قبل هذه الفترة ولم يخالف هذه النظرية في التاريخ الأميركي سوى رئيسين هما الرئيس الـ22 جروفركليفلاند الذي انتخب عام 1885وانهى فترته الرئاسية عام 1889وبعدها تم انتخاب رئيس أميركي جديد هوبنجامين هاريسون العام 1889وانتهت فترته الرئاسية ليعود بعدها الرئيس السابق جروفركليفلاند في العام 1893مرشحا ليفوز ويكون كذلك الرئيس 24 وحكم لولاية رئاسية ثانية بعد استراحة أربع سنوات . اما الرئيس الثاني الذي خالف ذلك هو الرئيس الـ32 فرانكلين روزفلت وهوترشح عام 1933وفاز بالانتخابات وبما انه جاء بعد اسوأ أزمة اقتصادية في التاريخ الأميركي وحقق نجاحات كبيرة على صعيد معالجة الوضع الاقتصادي لذلك فان حزبه الديمقراطي أعاد ترشيحه بعد انتهاء فترته الرئاسية الأولى والثانية والثالثة والرابعة حتى توفي في العام 1945 في السنة الأولى من فترته الرئاسية الرابعة وهو من قرر دخول الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية على الرغم من انه كان لديه شلل نصفي وبعد رحيله بست سنوات تم تعديل الدستور عام 1951 ومنذ ذلك التاريخ فان الفترة الرئاسية هي فترتين كل واحد ة أربعة أعوام . وما يهمنا هنا بهذا التدليل أن اردوغان ورغم نجاحاته في تحقيق تقدم ملموس لتركيا إلا أن تخبطاته هذه بعد أحد عشر عاما من الحكم تثبت أن الرجل لم يعد لديه الجديد لبلده سوى الاتهامات التي كان اخرها للسلطة القضائية بأنها شريكة في التآمر على حكومته . من اجل ذلك فان المظاهرات اليومية التي تشهدها تركيا حاليا منذ انكشاف فضيحة الفسادالمالي وتطالبه بالاستقالة وبعد أن احرجه احد الوزراء الثلاثة المستقيلين وهم من اقرب المقربين إليه عندما طالبه وزير البيئة بالاستقالة إضافة إلى استقالة أربعة نواب بينهم وزير سابق من حزب اردوغان كل ذلك يمثل ضغوطا على اردوغان الذي يكرر إعادة اخطائه في معالجة احداث حديقة جيزي وميدان تقسيم فيقوم بقمع المظاهرات المناوئة له بقسوة ويخرج بمظاهرات لمؤيدية ليخطب فيهم متهما خصومه بالعمالة والتآمر مع دول خارجية والغريب في تصرفات اردوغان انه يستخدم نفس الأساليب التي استخدمها الرؤساء الدكتاتوريين العرب الذي يتهمهم بالدكتاتورية ويدعو إلى اسقاطهم حيث كانوا يقمعون المظاهرات المعارضة لهم ويدعمون المظاهرات المؤيدة التي تحظى بالدعم والحماية من قبل الشرطة وكذلك بكيله للاتهامات . وإذا ما استمرت المظاهرات وازداد اعداد المتظاهرين فان المراقبين يتوقعون أن تؤدي إلى اجبار اردوغان على الاستقالة أو أن حزبه العدالة والتنمية هو من سيجبره عليها خاصة وان الحزب يهيئ نفسه للانتخابات المحلية في مارس المقبل ويراهن على الفوز بها رغم تراجع شعبية الحزب خاصة بعد انكشاف قضية الفساد الأخيرة ولكي يحافظ الحزب على تفوقه الانتخابي ومن اجل الحفاظ على سمعته فانه لابد سيلجأ إلى الرضوخ للإرادة الشعبية ولكن ذلك متعلق بتطور مشهد المظاهرات وازدياد المشاركين فيها.