الرئيسية - السياسية - يعبرون عن آرائهم السياسية بالألوان
يعبرون عن آرائهم السياسية بالألوان
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

عرف عن الرسامين عبر تاريخهم المنظور عشقهم للابتعاد عن كل ما يجعلهم قريبين من الواقع وصنعوا لأنفسهم عوالم نراها في لوحاتهم الخالدة فنعرف أن مصدرها الرئيسي خيالاتهم بل إن عدداٍ كبيراٍ منهم تفنن في الهروب من كل شيء نحو الفن وهو ما جعل الأحداث والوقائع قليلة الظهور في أعمالهم. “لا أتفق مع مقولة الفن للفن” تختصر هذه العبارة ما يؤمن به الرسام الشاب مراد سبيع الذي ملأ شوارعنا وقلوبنا بلوحاته القريبة من حياتنا اليومية لدى مراد قناعة أن الفن من أجل الناس من أجل ملامسة حياتهم وتطلعاتهم وإن لم يقل ذلك فقد كرس سيرته الفنية للنزول إلى الشارع وإلهام المارة ألوانه وأفكاره ومعتقداته الجمالية. وتواصلا مع حملة “لون جدار شارعك” شرع مراد وجهته نحو الأحداث المتلاحقة للسياسة ويمكن إعادة ذلك إلى تلك الوجوه التي أعاد خلقها الفني على جدران العاصمة أولا ثم المحافظات تعود تلك الوجوه إلى المختفين بفعل السياسة “أشارك الناس همومهم ومشاكلهم وتطلعاتهم ولا إشكال في الوجهة التي نقصدها”. صباح الخميس كان سبيع مع عدد من الهواة يضعون ألوانهم القاتمة ليعبروا عن رفضهم لوضع سياسي وأمني متدهور حين انتهوا من اللوحات التي زينوا بها جزءاٍ من شارع الزبيري وسط العاصمة عرفنا أنهم أرادوا التعبير عن رفضهم عن قصف طائرات بلا قلب تبحث عن مصدر تهديد وتأخذ معها العشرات من الأبرياء الذين يجهلون ما يحدث حولهم. تحمل هذه اللوحات عنوان الساعة الخامسة وقد خصصت لمعارضة طيران يحلق فوق رؤوسنا بحثا عن الخصوم ويوضح سبيع أن القصد من تسمية الساعة الخامسة هو أنه ينوي التعبير عن اعتراضه لاثنتي عشرة ظاهرة أو عن رأيه ورأي جيله حول اثني عشر موضوعاٍ. بدأنا بالساعة الواحدة وكانت تدور حول قضية السلاح وفي الساعة الثانية قضية التوظيف السياسي للطائفية ثم كانت الحملة الأكثر تجاوبا وهي حملة رسم تلك الوجوه المخفية قسريا وقد نتج عن الحملة العثور على أحد المختفين في مستشفى للمرضى النفسيين بالحديدة وهو في حاله صحية سيئة لقد ظل مختفيا لعقود ولم ينجح أهله في العثور عليه بينما وجده الفن هل هناك رسالة أهم من هذا يعلق الشاب ومن نتائج حملة رسم المخفيين قسريا ما تم فرضه على السياسيين بعدم تجاهل قضية بحجم قضية المختفين قسريا فتم تشكيل لجان للتحقيق حول القضية ومنها اللجنة العسكرية ودعوة المفوضية السامية لحقوق الإنسان اليمني إلى التوقيع على اتفاقية حماية المواطنين من الإخفاء القسري وإقرار رئاسة الوزراء على التوقيع على الاتفاقية الخاصة بالقضية في الأمم المتحدة. الساعة الثالثة كانت أيضا في نفس الاتجاه وعبرت الألوان عن تضامنها مع الصحفية الهولندية المختطفة وزوجها ودفعت المارة في الشارع إلى التساؤل عن من يقف خلف الاختطاف وقوة الألم الذي يحدث لمن أحبوا بلادنا فرددنا الحب كراهية عبر أفراد شاردين. ثم كانت الساعة الرابعة المعبرة عن كراهيتنا لكل من يرهن نفسه لصالح دول أخرى تدفع له ثمناٍ بخساٍ ليخرب بلده ويقتل أهله وقد حملت اللوحات رسائل سياسية متعددة حول موضوع الصراعات الداخلية الملبية لطلبات خارجية ثمة رجل يحمل كيساٍ يحوي رمزاٍ من رموز بلاده ليقدمه خادما للغير ثم يحمل بندقية يوجهها نحو موطنه ولأن الرسام أراد إلصاق الخزي بمن يمارس هذا السلوك فقد جعل المتاجر بقضاء وطنه يغطي وجهه بقطعة قماشية أفقده حتى القدرة على الظهور أمام الناس والدفاع عن ما يقوم به أو تبريره. حين كان مراد وزميله ذو يزن يضعون لوحات الساعة الرابعة في جدران منطقة القاع كان المارون يتحدثون بأصوات عالية ناقمين في وجه الظاهرة وإن كان كل منهم فسر اللوحة وفق توجهاته وآرائه المسبقة إلا أن رأياٍ جديداٍ تشكل كما يرى مراد سبيع. هناك من كان غاضبا من هذا التعبير الواضح لكنه لم يجرؤ على قول هذا فإن تحدث ودافع عن الملثم فلن يذهب الفهم إلا نحو أن من على رأسه قشة كما ينص المثل الشعبي. ينتمي النوع الحديث محليا والمعروف في عدد من الدول الأوروبية والأمريكية بالهيب هوب إلى الحدث الهام في بلادنا وهو الخروج إلى الساحات لإسقاط النظام مطلع 2011 وحمل مراد مع فريق من الهواة الذين وضعوا ألوانهم لأول مرة على الجدران فرشاتهم ونحتوا جدران عاصمة منقسمة ومحتقنة وعبروا عن آرائهم في التغيير وإن أخذت أصواتهم المرسومة التدرج في التعبير والمعارضة خشية الوقوع ضحايا للكراهية. يقول مراد سبيع معلقا على التعبير على جدران ما تزال تحمل أنفاق الرصاص وفتحات القذائف تلك الفترة أنها أتت في فترة صعبة أي بعد انتهاء المعارك التي حصلت في صنعاء.. الفكرة كانت جديدة كليا على الشارع وساهمت في رفع مستوى الوعي الفني لدى الناس فليسوا مضطرين للذهاب إلى الفن بل إن الفن “وإن كانت الكثير من الجداريات غير محترفة” ذهب إلى الأماكن العامة والشوارع ليزين الجدران ويعكس وجهاٍ آخر وجميلاٍ للبلاد.. كانت مشاركة المارة عبر إعطاء الملاحظات والمشاركة في الرسم فقد شارك الكبير والصغير فأصبح كل نزول للرسم على الجدران كالكرنفال اللوني الذي يجتمع فيه العشرات من المشاركين والمتفرجين أثناء الرسم.. انتشار فكرة الرسم في المدن الأخرى كان وجهاٍ آخر لتقبل اليمني للتغيير الثقافي اللوني الحاصل في جدران شوارعنا وهذه صورة إيجابية أخرى. جداريات الخميس تعود إحداها لفتاة تشارك لأول مرة وهي هديل الموفق التي تحدثت عن الرمز المستخدم في جداريتها: (الين واليانق) هو رمز صيني يدل على التضاد بين الأشياء وكان اختياري لهذين الرمزين “حمامة السلام” الدالة على السلام والحياة و”الطائرة بدون طيار” الدالة على العنف والإرهاب. أتمنى أن أكون قد أرسلت رسالة واضحة إلى العالم أخبرهم فيها عن الإرهاب الحقيقي الذي يمارس بلا هوادة ضد اليمنيين الأبرياء. زميلتها حنان الصرمي والتي رسمت للمرة الأولى على جدار عبرت عن عملها بالقول: أصبحت عاجزة عن صياغة أحرف مبعثرة تتشتت من فمي لذا توعدت بقتال هذا المخلوق المرعب بورق من صنع يدي… تلك كلمات تفوق قدرة لساني ولكني أتجرعها وبمرارة.. همسة طفل طائرة ورقية في يد طفل يحدق في وجه صاروخ أطلقته “طائرة بدون طيار أمريكية”.. عشرات من الأطفال اليمنيين ذهبوا ضحايا قصف تلك الطائرات التي لا تفرق بين طفل وكبير بين بريء وإرهابي وهذا تعريف آخر للإرهاب .