الرئيسية - السياسية - تجربة الهند الفيدرالية مصدر الهام لنا
تجربة الهند الفيدرالية مصدر الهام لنا
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

حاول بائع كروت الاتصالات الجوالة إقناعي أنه لا يمكنني الحصول على رصيد أكثر من الحد المسموح به “خمسون روبية” لوجود سبب فيدرالي وهو أني قمت بشراء خط تلفوني من بونا وهي ولاية مختلفة عن ولاية مومباي, وحتى أصبح قادرا على اختيار أي باقة فإنه يتوجب على القيام بإجراءات بسيطة توفر قدرا عاليا من الأمان وتحدد مكان تواجد الرقم الذي بحوزتي وإن كان مازال بحوزتي أو أصبح مع شخص آخر . يضمن الدستور الهندي الذي صدر عام 1950 عقب الاستقلال عن الإمبراطورية الإنجليزية استقلالية الأقاليم الستة والولايات الثمانية وعشرين الموزعة بدورها إلى مناطق وجاء في نص الدستور أن الهند جمهورية ديمقراطية وعلمانية ذات سيادة نظامها السياسي جمهوري ذو طابع اتحادي وقد ظل هذا النص ثابتا مع التعديلات التي طالت الدستور بعد أن أجمعت الأقاليم بضرورة التعديل. ويبدو أن هذه الدولة المترامية الأطراف والمتعددة الثقافات بصورة لا يمكن تصورها ما كان لها أن تصمد طويلا ما لم تحظِ بنظام سياسي قادر على استيعاب كل الأشكال التي يأتي منها مثلا وجود 23 لغة اعتمدتها الأقاليم كلغات معترف بها بينما لم تعترف الدولة في تعاملاتها الرسمية بغير لغتين الهندو والإنجليزية . ولا يلحظ المتنقل بين الولايات أي تباينات من شأنها أن تتوسع لتصبح مشاكل تتحدى المستقبل مع وجود فروق عندما سألت أحد مواطني منطقة مهبلشواي عن قوله بالتمييز عن الأقاليم الأخرى تطوع بشرح مطول محوره أن منطقته أكثر خضرة والأغزر ماء طوال العام أما ما دون ذلك فالأمور تبدو مشتركة. وتوفر الوثيقة الفيدرالية والنصوص الدستورية ضمانا أكثر للتماسك داخل الإقليم الواحد وهربا من الصدامات المبنية على أسس دينية تم إيجاد قوانين أحوال شخصية تخص الديانات الثلاث المحتاجة لمراعاة الفروق بينها وبين الآخرين ويتمتع المسيحيون والمسلمون والهندوس بقوانين أحوال شخصية تراعي رغبتهم في تنظيم علاقاتهم بما يطابق توجهاتهم العقائدية ولا يشعرهم بالتبعية لقناعات ليسوا مؤمنين بها. وتوفر المحكمة العليا حماية للجميع فهي الجهة القضائية المخول لها قانونا النظر بقضايا النزاعات بين الولايات الاتحادية والسلطة المركزية كما أن لها صلاحية نقض قرارات المحاكم العليا في الأقاليم والتي يبلغ عددها 18 محكمة عليا منها ما تمارس صلاحياتها على ولاية واحدة ومنها ما تتجاوز الولاية حسب الاتفاق وفي حال وجود خلاف بين الهيئة القضائية والهيئة التشريعية فيحال الأمر إلى رئيس الدولة . وتوفر الولايات المختلفة الحماية الكاملة للتعدد الديني والثقافي ويحق لكل إنسان ممارسة شعائره وطقوسه الدينية كيفما شاء بحيث لا يؤثر على حياة الآخرين وقد أدت هذه الضمانات المتوارثة والمتأصلة ليس فقط بالقوانين وإنما في الثقافة العامة إلى خلق روح التفاهم ويمكن مشاهدة الكنائس إلى جوار المعابد الهندوسية والجوامع ليست بعيدة بل إنه وصل الحال إلى وجود مبنى واحد لأكثر من ديانة وتمر السنوات دون وجود أي صراعات إلا حين يظهر من يقف خلفها لتحقيق مصالح سريعا ما تكتشف الهند حقيقتها ففي العام 2002 اشتعلت مواجهات في مناطق مختلفة من البلاد بين معتنقي الهندوسية ومعتنقي الإسلام أسفر عنها مئات الضحايا بعدها بعام منيت الأحزاب المتطرفة من الجانبين بخسارة فادحة وتمكن حزب المؤتمر القومي الأكثر اعتدالا من الفوز الكبير في جميع الولايات ومكنه ذلك من اختيار رئيس للبلاد مسلم ورئيس وزراء من أتباع الديانة السيخية التي لا تتجاوز نسبتها 2% من عدد السكان وشكلت الحكومة على أساس الكفاءة فقط وألقت رئيسة الحزب سونيا غاندي يومها كلمة مؤثرة عن روح التوحد بين المختلفين وإيمانهم بضرورة المساواة لتسيير المعادلة التي أن اختلت فقد الآلاف حياتهم بدون ذنب وقالت إن التطرف أيا كان لا يخلق ألا تطرف أشد منه وهو ما يذكر بروح المهاتما غاندي الذي عارض بشدة ورفض أي نوع من الإقصاء للمسلمين الذين يختلف معهم بالديانة ويلتقي معهم بحق العيش وبقوة الحق كما كان يردد ولم يقبل مقترحات بجعلهم في زاوية جغرافية معينة بل إنه أعلن الصوم عن الطعام احتجاجا على سوء معاملة جماعته للمسلمين حتى وصل الحال إلى أن يتهمه متطرفون بأنه اعتنق الإسلام وقدم المهاتما روحه ثمنا للاعتدال والتسامح فذات مساء وبينما هو خارجا من منزله برفقة حفيدته وعصاه اعترضه أحد أتباع الديانة الهندوسية وهم غاندي بمصافحته إلا أن المتطرف أخرج سكينه وغرسها في جسد غاندي النحيل ولم يجد غير أن يحاول الاتكاء على حفيدته الصغيرة وهي تصرخ بينما هو يهدئ من روعها. وتظهر الهند اليوم تسامحا أكثر يجعل أقاليمها أشد تماسكا ووحدة من ذي قبل وقد مر الدستور الاتحادي بمراحل عدة يلبي في كل مرحلة تطلعات أوسع ويهيئ مناخا ملائما لتعايش الكل دون استثناء ومع أن الاختلافات الكبيرة بين طوائف الهند لا توجد لدينا إلا أن هناك من يسعى إلى خلق اختلافات من نوع آخر تلبي له مطامع سياسية بحتة ويمكن للتجربة الهندية أن تلهمن هزيمة هؤلاء الذين لا يعنيهم إن أصبحنا قرى متنازعة لا يحكمها قانون ولا عرف .