الرئيسية - السياسية - محللون يؤكدون على التغيير في بنية الثقافة المجتمعية.. وآراء تنتقد انصراف الأحزاب إلى الفعل السياسي
محللون يؤكدون على التغيير في بنية الثقافة المجتمعية.. وآراء تنتقد انصراف الأحزاب إلى الفعل السياسي
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

على الرغم من التغيير الذي يشهده الواقع السياسي اليمني إلا أن نجاح هذا الهدف لجهة إحداث تغيير كلي يستوعب كل الاحتياجات ويحقق الطموح بمولد يمن جديد مرهون بتغيير هو أشبه بثورة في الثقافة المجتمعية. منطق التحول الايجابي هو ما يفترض مثل هذا التغيير في كل المجتمعات التي تنشد التحرر من سطوة التقليدية السياسية في تسيير حياتها وهذا بطبيعة الحال ناتج عن حقيقة ان السياسة ما هي إلا نتاج لاعتمالات الواقع الاجتماعي والثقافي او كما يقول الاكاديمي والمحلل السياسي نجيب غلاب “السياسة نتيجة لواقع الناس لا سبب لإنتاج الواقع”. الأكاديمي والمحلل السياسي نجيب غلاب في حديثه حول البداية المفترضة لتحقق التغيير أهي من السياسة أم الثقافة يؤكد بان إرادة السياسي ليست الفعل الأول الذي يمكن الركون إلى قدرته في خلق هذا الطموح باعتبار أن السياسي لا يمكنه أن “يصنع التقدم في المجتمع طالما والمجتمع ثابت لا يتغير من عمقه بل أن المجتمع يفرض على السياسي التعامل مع ثقافة المجتمع الغالبة والوعي المسيطر”.. وفي هذه الجدلية يوضح غلاب أن “السياسة هي لعبة مصالح في جوهرها لذا فإن إدارتها تتم وفق معايير القوة بأبعادها المعنوية والمادية ومن يحدد طبيعة السلوك المتبع في الصراع هو ثقافة المجتمع”. ويشير إلى أن “شرعية السياسي حتى وإن حكمته مصالحه الأنانية لا يمكن أن تكون قوية إلا بخدمة الناس وبقبول الجماهير”. نجيب غلاب وهو يحمل القوى الحداثية مسؤولية خلق مفاهيم معاصرة في بنية الثقافة المجتمعية يرى إلى انه”لإحداث عملية تغيير فاعلة خادمة المجتمع على قوى التغيير المعاصرة أن لا تنجر وراء السياسي البشع إذا كانت صادقة في شعاراتها التغييرية وعليها أن تدرك أن صناعة المعرفة هي الطريق لتحرير المجتمع من مستغليه وهي النور الذي يرشد الفعل السياسي المعرفة لا تهتم بالمصالح بل بالحقيقية ومحاولة كشفها والحقيقة نسبيه أي أن المعرفة هي القوة الخادمة للواقع بما يخدم الواقع أنها تقدم الرؤية التي تنفع واقع الناس حتى لو تأثرت بالتحيز الفكري لصانعها إلا أنها موضوعية ومنزهة نسبيا من صراعات المصالح”. ويضيف غلاب “والمثقف أو المفكر عندما يتعامل مع قيم التغيير فإنه يستقيها من فاعلية المجتمع ومتطلباته الراهنة والمستقبلية ويوظف الفكر والقيم الجديدة فيما يخدم مصالح الكل وهو غالبا غير مهتم بصراع المصالح بل مهتم بتطوير وتقدم الآليات والأفكار والقيم المرشدة للفعل السياسي وهذا يرسخ ويجذر القيم والمبادئ في ثقافة الناس ويسهل في الوقت ذاته لأصحاب المعرفة لأنهم غير مرتبطين بشكل مباشر بالمصالح المتنازعة من إبداع التجديديات النافعة والخادمة للواقع وللناس”. ويرى غلاب “أن القيم التي يوظفها السياسي في صراعه عندما تكون المعرفة ضعيفة والثقافة المجتمعية ثابتة والواقع غير مؤهل لتحقيق فاعليتها فإنها رغم مثاليتها وحاجة المجتمع لها تصبح أداة لخدمة السياسي لا لخدمة المجتمع”. ويؤكد أن “الديمقراطية عندما تعمل في بيئة متخلفة الأمية غالبة على أفراد المجتمع والسياسي لا يفقه من الدولة إلا غنائمها وتوازن القوى في المجتمع مصاب بالخلل لصالح النخب التقليدية والنخب الجديدة غارقة في نخبوية انطوائية ومهمومة بلقمة العيش والقطاع الخاص تابع للدولة ويقتات من مواردها حتى لا يموت وبآليات فاسدة والمجتمع المدني منتج سلطوي يخدم سياسي الحكم أو سياسي المعارضة أو أداة موظفة لصالح القوى الدولية يعمل على خدمة مصالحها بلا وعي …الخ كل ذلك وغيره من الأسباب حولت الديمقراطية إلى آلية فاسدة لشرعنة الهيمنة المستندة على القوة العارية”. على هذا النحو يبين غلاب هذه الجدلية رغم ان غالبية ان لم يكن جميع المثقفين ينظرون إلى أن تغيير المفاهيم وإحداث ثورة في ثقافة المجتمع هي مانع ضد أي تخلخل في واقعه. قيم وأفكار جديدة نائب رئيس جامعة العلوم والتكنولوجيا اليمنية الدكتور داود عبد الملك الحدابي وهو يربط ما يشهده الوطن من تغيير مع ثقافة المجتمع يذهب إلى أن المجتمع يشهد ميلاد قيم ومفاهيم جديدة حول الحرية والديمقراطية والشفافية.. ويقول “أعتقد أن التغيير الذي تم إذا ما نظرنا إلى أنه تغيير ثقافي فلا شك أنه تمثل في تكون أفكار جديدة وقناعات ومشاعر وأساليب حياة مختلفة”. ويضيف “أصبح الكل يدرك أن قيما جديدة بدأت تتشكل وأن أفكارا ومفاهيم جديدة بدأت تحل محل الأفكار التي كانت سائدة في مناحي حياتنا الاجتماعية والتربوية والعلمية والاقتصادية كما أن هناك اليوم تغييرا في توقعات الناس ومطالبهم ونمط تعاملهم مع بعضهم. كل ذلك حدث في ظل التغيير الكبير الذي شهدته الساحة السياسية والشعبية في اليمن والذي طال بدوره الحياة الجامعية في اليمن على كل مستوياتها”. تأثير متبادل وفق تقييم التجربة العربية في المشاركة السياسية التي تنبني أصلا على المستوى الثقافي باعتباره المحدد للمعرفة للحقوق وكيفية الحصول عليها يرى العديد من السياسيين المثقففين أنها لا تزال دون مستوى الطموح لأنها كما يرى المثقف والمحلل السياسي الدكتور احمد الاصبحي عضو مجلس الشورى “ما زالت في أول الطريق الذي مازال بحاجة لقطع مشواره الطويل إلى ثقافة سياسية ونظم تعليمية وتربوية تتمكن من إحداث تغيير كبير في الوعي المجتمعي السائد المثقل بالعادات والتقاليد والولاءات الضيقة والموروثات الاجتماعية والأمنية وغيرها من المعوقات التي تحد من هدفيه المشاركة السياسية في الاستقرار السياسي والبناء المؤسسي”. وبالنظر إلى ما تطلبه المشاركة السياسية الواعية من ثقافة عالية نجد أن هذه الثقافة تنسحب في التأثير على باقي تلك المظاهر السلبية التي تعاني منها غالبية المجتمعات النامية ومنها بلادنا.. يقول الدكتور احمد الاصبحي: إن هدف المشاركة السياسية لا تتحقق بصورة أفضل إلا بمدى اقترانها بالثقافة السياسية التي تحدث تغييراٍ في وعي المواطن فرداٍ أو جماعة يتحرر فيه من أسار الولاءات الضيقة ويدعوه إلى تقديم مصلحة الوطن والشعب والأمة على المصالح الخاصة وهذا لا يتأتى الا بالتأصيل المستمر لثقافة الحقوق والواجبات وتجسيد الثقافة السياسية البناءة في الممارسة السلوكية المستوعبة لاستخدام الآليات الديمقراطية وهو ما يدعو إلى أهمية الاهتمام بالتنشئة الاجتماعية السياسية التي تنمي مدارك الناشئة لوعي الحقوق والواجبات وتؤهلهم لأداء دور فاعل في بناء النظام السياسي الديمقراطي وانخراطهم الواعي في هذا النظام الذي ينبغي أن يتميز بشرعية الاختلاف وعلنية أدائه والقبول بتعدد الاتجاهات السياسية المعبرة عنه والاعتراف بحق تلك الاتجاهات في الوصول السلمي إلى السلطة وتداولها مع الآخرين وتثمير المشاركة السياسية في تأكيد كرامة وسيادة المواطن العادي. ثقافة التبعية العمياء في الشهور الأولى من الثورة الشبابية كتب احد عناصر التغيير الحقيقي الذي لا يقتصر على الجانب السياسي وهو أسامة إسحاق عن الثورة التي هي أصل حاجة المجتمع مخاطبا زملاءه في الساحات بأن الواقع بحاجة إلى ثورة شبابية شعبية ثقافية: على ثقافة التبعية العمياء والشعوذة والدجل والخمول والتقليد وبناء ثقافة العلم والنقد والحداثة , وتغيير ثقافة “الرضى بالقليل” و”أمشي جنب الحيط” و”القناعة كنز لا يفنى” و”بين أخوتك مخطأ ولا وحدك مصيب” و “أصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب” و”جنان يخارجك ولا عقل يحنبك” و”قطع العادة عداوة” وبناء ثقافة العمل والإبداع والتخطيط.. وهي أيضا ثورة اجتماعية على مفاهيم السيد والقاضي والقبيلي والمزين والدوشان بكل ما تحمله من تفاصيل مجتمعية وبناء مفهوم “المواطن اليمني”, وتغيير مفاهيم التمييز المجتمعي بموجب اللقب والمنطقة والقبيلة والمذهب وبناء مفاهيم التمييز المجتمعي بموجب المؤهل والعلم والعمل.. وهي ثورة قيمية: على مفاهيم دولة الاستبداد والتي قلبت القيم رأساٍ على عقب حيث جعلت الوحدة فرقة والسلام قتال وتارك الحق مطيع والفاسد وطني والوطني عميل والوحدوي انفصالي والثائر خائن والخامل أمين والنفاق ذكاء والغش شطارة والكذب فهلوة والرشوة ضرورة والنزاهة غباء والسلاح وجاهة والقات غاية والغيبة دردشة وكثرة النسل أمان والإبداع إتباع والعقل نقل والفكر كفر والمشكك ملحد والجهل عموم والعلم شذوذ والساكت مرغوب والمْطالب مرهوب والدين لحى والمرأة عورة والتعصب قوة والجهاد اعتداء والشهادة انتحار والبغض في الله فريضة والشرف غشاء والأخلاق لقب والحداثة انحلال والنقد سفاهة والنظام أشخاص والدولة زوامل والقانون هجر أثوار والسايلة مشروع قومي, فيجب إعادة بناء تلك المفاهيم القيمية التي شوهت واغتصبت على مدار عقود مضت والتركيز على بناء قيم حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية والكرامة والعدالة.. كما هي أيضا ثورة دينية على مفاهيم رهـبـنـة الديـن وتسيـيسه, مفاهيم عبادة التراث والسلف الصالح , مفاهيم تدعوا للقتال ونبذ الآخر وغرس الحقد والكراهية والتكفير والتشهير وفلسفة الفرقة الأحادية الناجية , مفاهيم من تمنطق تزندق واللحوم المسمومة والتطرف ودعاوى التعصب ومعلوم من الدين بالضرورة وتقديس آراء البشر, وبناء مفاهيم المساواة وحرية الرأي والفكر والمعتقد والحث على التعارف والاستماع للآخـر والتحـاور معـه ومـراجعـة الـذات بـ أدوات الحداثة والعقــل والفـكر وغربلة الآراء وتمحيصها والنظر بحداثوية لكل تفـاصيلها والتشديد على أن التراث ملك لنا ولسنا ملكاٍ له. تأخر المجتمعات المجتمعات العربية التي تأخرت كثيرا عن ما تعد أسس أولية لحياة صحية في مختلف مفاصلها ربما تكون قد أدركت وكنتيجة للتراكم الثقافي النسبي بأنه صار من المهم اليوم التوجه إلى إحداث تغيير حقيقي إلا أن ما عاشته بعض البلدان العربية أظهرت أن هذا الكم الثقافي لم يبلغ النضج باعتبار أن الطموح انحصر عند حد التغيير السياسي أو يكاد. يقول الكاتب العربي الدكتور يوسف نور عوض أن المجتمعات العربية تحتاج إلى مرحلة طويلة وعصية من أجل إعادة البناء ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا من خلال تغيير شامل لنمط الثقافات التي تتحكم في هذه المجتمعات ذلك أن المشكلة الأساسية التي يعاني منها العالم العربي هي من وجهة نظري مشكلة ثقافية وهي تتمثل في الواقع القبلي والطائفي الذي تعاني منه كثير من المجتمعات العربية والغريب هو أنه على الرغم من أن الكثيرين لا يعيشون هذا الواقع في حياتهم العملية فإنهم يلجأون إليه من أجل اكتساب الدعم إذ ما معنى أن يلجأ فرد إلى أصوله القبلية أو الطائفية من أجل تحقيق أغراض ذاتية¿. ولا شك أن تغيير هذا الواقع يحتاج إلى تغيير ثقافي شامل في العالم العربي يهيئ المواطنين للعيش في مجتمعات ذات طبيعة حضارية تسمو فوق المنازعات القبلية والطائفية وتهيئ لقيام مجتمع معاصر. وهنا لا بد أن نقول إن التفكير يجب أن يبدأ من الأسس الأولية لبناء المجتمع الحديث وهذه الأسس موجودة في مجتمعات معاصرة مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة ولا بد من النظر إليها من أجل التعلم إذ بدون هذا التعلم فإن التغيير لن يحدث في طبيعة المجتمعات العربية كما أن الناس لن يتوقفوا عن ممارساتهم القديمة التي نتيجتها هي الواقع العربي الراهن. والغريب أنه في حين أن هناك الكثير الذي يمكن أن تتعلمه المجتمعات العربية من مجتمع مثل المجتمع البريطاني الحديث فإن الكثيرين يضعون سدا بينهم وبين هذا التعلم لمجرد أنهم يحملون مفاهيم لا تنتمي إلى هذه الحقبة الزمنية بل إلى حقبة لم يعد لها وجود في العلاقات الدولية المعاصرة.