الجمعة 29 مارس 2024 م
الرئيسية - السياسية - على سيف حسن: تصرف غريزي مدفوع بالذاكرة وليس بالتفكر والاستنتاج
على سيف حسن: تصرف غريزي مدفوع بالذاكرة وليس بالتفكر والاستنتاج
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

صقر الصنيدي – > حســـين الوادعي: لم تعد تسمع إلا موسيقى المليشيات

ما كان لجيش اسبارتكوس أن يهزم لولا بريق مدينة روما التي أغرته ومن معه لاقتحامها وجعلها مغنماٍ لـ120 ألف مقاتل فقدوا قضيتهم الأساسية في الدفاع عن إنسانيتهم وتحولوا إلى جيش للسلب والنهب يريد تدمير مدينة وجعل أهلها عبيدا له كنوع من القصاص. يقول المؤرخون إن الخطأ الذي ارتكبه قائد ثورة العبيد على مشارف روما رفضه لليد التي امتدت إليه من بعض حكماء المدينة وهم يطلبون تجنيب مدينتهم ويلات الحرب كان سبارتكوس مفتونا بنشوة الانتصارات المتتالية التي يحققها وبالخضوع الذي أبدته كل مدن الامبراطورية وبالولاءات التي يعلنها قادة القبائل والأموال المنهوبة والمرسلة من كل الخائفين . اندفعت روما بكل فرقها مكونة جيشاٍ أقل بكثير من المهاجمين لم يتعد قوامه 40 ألفاٍ مؤمنين بقضية أن يحموا المكان الذي نشأوا فيه وعاشوا سنواتهم , قابلهم من فقدوا قضيتهم الحقيقية في التحرر والخلاص ودارت معركة قضت تماماٍ على الغزاة ولم تجد روما غير صلب القائد ومن معه على طول الطريق المحيط بها حدث هذا قبل 71 عاماٍ من الميلاد وتكرر مراراٍ لمئات المدن عبر التاريخ الواصل إلينا. في العام 1812 وقع الفرنسي نابليون تحت إغراء الملكة الروسية ” موسكو ” جعل كل غاياته أن يحتل هذه المدينة ويفتحها أمام أطماعه العريضة انتصر في المعركة التي قادها كوتزوف عن الجانب الروسي وقرر القائد الروسي الانسحاب من بوابة المدينة وتركها خاوية من السكان الذين دمروا كل ما يتوقعون أن يستفيد منه الجيش الفرنسي قبل أن يغادروها. هاجمت الأمراض التيفوس وحمى الخنادق جيش نابليون ولم يقو على البقاء في مدينة خاوية فقرر الرحيل بعد أشهر ولم يكن ذلك متاحاٍ فقد ظلت المقاومة الروسية تهاجم طريق عودته إلى أن هزمته وأجبرته على الهروب متخلياٍ عن جيش فقدته فرنسا إلى الأبد . لا تحصن العواصم نفسها فقط بالجيوش بل أيضاٍ بروح ساكنيها بصلابة معتقداتهم وبمخاوفهم أن يصبحوا غنيمة يتقاسمهم بشر تخلوا عن كل قيمة واستبدلوا الموت طريقاٍ لحياتهم . عرفت صنعاء الكثير من النكبات وحاولت أطماع متعددة جعلها نقطة فيد يتجمع عندها المتفيدون ثم ينصرفوا وقد حطموا قلبها وأرغموها على العويل. في العام 1948 استبيحت هذه المدينة ولم يبق فيها غير الإنسان الذي نهض من جديد ليعيش حصاراٍ خانقاٍ في 1970م ثم يشهد مخاوفاٍ تبعث له دائماٍ ذكرى ما حل في الماضي القريب ومع ذلك تغلبت على مخاوفها وفتحت قلبها للقادمين إليها من كل فج ولم تسأل القادمين ما إذا كانوا ضمن أولئك الغزاة لأنها أرادت أن تنسى. يتجاوز اليوم سكانها الملايين الثلاثة على أقل تقدير يمثلون كل مناطق البلاد حتى تلك المناطق التي كانت شريكا في الحصار والغزو تارة تمنحهم أمنا وتارة تجود بمخاوفها القديمة. المقاتلون على مشارفها بأسلحتهم وما كانت لترد أحداٍ قدم إليها كغيره من سكانها الذين بالكاد يتذكرون البقاع التي انحدروا منها قبل المجيء. لا يحتاج السواد الأعظم إلا إلى مدينة تحتويهم وتوفر لهم لقمة عيش وباب رزق ولا تحولهم إلى غنيمة حرب لم يشاركوا فيها . يقول علي سيف حسن وهو محلل سياسي يقطن في صنعاء منذ عقود ” المواجهات المسلحة بين المليشيات السياسية حول صنعاء تهدف إلى تغيير لون حزام صنعاء مع الاحتفاظ بطبيعة هذا الحزام ودوره التاريخي. الدور التاريخي لهذا الحزام يتمثل في الضغط على صانع القرار في صنعاء بصورة دائمة وفي إحداث تغيير سياسي في حالات استثنائية . وظيفة إشهار السكين في وجه صانع القرار وظيفة مستمرة طوال التاريخ وفي آخر محاولات التحرر من تأثير وضغوط هذا الحزام كانت بانتقال الإمام أحمد مع طاقم حكمه إلى تعز ” . ثم ينتقل حديثه إلى الحاضر وأحداث ثورة الشباب ويربطها بالذاكرة القديمة ” أما دور أحداث التغيير السياسي في صنعاء فهو استثنائي الحدوث وكان آخر استخدام لهذا الحزام في إحداث التغيير السياسي في عامي ???? و????م. الذاكرة التاريخية الجمعية للنخبة الحاكمة في صنعاء تحفظ هذا الدور جيداٍ ومستسلمة له وبغريزة فطرية تتصارع من أجل محاولة صبغ هذا الحزام بلونها . هذا تصرف غريزي مدفوع بالذاكرة وليس بالتفكر والاستنتاج. استمرار الطبيعة المركزية للحكم في صنعاء واستمرار الدور المتحكم لصنعاء ( الحاكمة وليس المدينة والناس ) في التحكم بمصير كل اليمن هو الذي يعزز ويقوي دور حزام صنعاء وبأي لون كان ويعزز مبررات الصراع عليه . وحتى إن قلبنا في دفاتر الجيل الصاعد ممن يعيشون في صنعاء ويتقاسمون معها كل تضاريسها وأوجاعها سنرى أنها دخلت إلى كل اهتماماتهم وتفاصيل أحرفهم يقول الكاتب حسين الوادعي بعبارات موجوعة : ” صنعاء وحيدة مقرورة في الليل لم تعد تلك المدينة المحروسة من كل شر عشش الغبار في بيوتها وسماسرها وأسواقها رحلت عنها الأساطير واستوطنتها الأسلحة ومذاهب العبيد صنعاء مدينة الغيول والبساتين تتسول جرعة ماء صنعاء مدينة الشعر والفن والموسيقى لم تعد تسمع إلا موسيقى المليشيات وصرخات العمالة ” . يلخص لنا الوادعي أوجاع هذه المدينة ليس فقط ما يحاك ضدها بل أيضاٍ ما تعده الأيام لوضعها أمام اختبارات أصعب علها تنجو أو تتوعك ثم تواصل رحلتها . تعيش هذه المدينة أوجاعاٍ لاتحصى ويمكن ليدُ واحدة في طريق مأرب أو في مشارفها أن تحرمها الضوء لليالي وربما لأشهر دون أن تدافع عن حقها في رؤية وجوه أبنائها وهم يكبرون ومع كل هذه التجاعيد الظاهرة إلا أنها ما تزال تشكل مجتمعها الخاص الذي غير من خارطتها ومن روحها التي يصعب على البعض رؤيتها فيتعاملون معها كما لو كانت تلك القرية القديمة .