الرئيسية - السياسية - الجرادي يصدر النكتة السياسية في اليمن
الجرادي يصدر النكتة السياسية في اليمن
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

يميل منصور الجرادي إلى الجدية في التعامل وفي الكتابة أيضا لكن السنوات الثلاث الأخيرة التى مرت بها البلاد وجعلت الناس يقطبون وجوههم غيرت من سمة الجرادي ليبحث عن أكثر الأشياء ندرة – توجه نحو الباب الذي لم يكن كثيرون يفكرون بطرقه وتفاجأنا بكتاب له قبل أيام يختص بما هرب اليمنيون منه وهي الابتسامة التي تحث الوجه على تغيير ملامحه وتمنح القلب مزيدا من القدرة للعمل وليس كما يقال إنها تميته. ويعترف الكاتب منصور الجرادي أن المهمه ليست يسيرة ففي واقع مرح يسهل إضحاك المتلقي بينما في واقع مؤلم يحدث العكس . ويقول الجرادي كانت ولازالت النكتة السياسية تمثل فسحة للضحك والابتسامة للمواطن في واقع ملبد بالغيوم الداكنة سياسيا وثوريا أو حتى في أيام الأزمات والنكبات الطبيعية وغير الطبيعية. لقد اختار السياسة موضوعا لكتابه “النكتة في الثورة اليمنية” وهو ما يضاعف عليه المسؤولية في النقل والموضوعية التي وعد بالسير عليها قدر المستطاع ويبدو أنه حريص على أن لا يخسر أي طرف في الصراع وحتى ينال ذلك كان عليه أن يجمع النكت التي قيلت في جميع الشخصيات السياسية المتنازع حول تأييدها وأصبح يسيرا أن تجد النكات التي تسخر من أداء خصمك السياسي ومن أداء من تشجعه ووفقا لتوصيف الجرادي فلم يكن يسعى إلى الإساءة لطرف معين قدر ما هو مهتم بتوثيق الإحداث من وجهة نظر الابتسامة – مع أنه طرح تساؤل مهم يتضح من خلاله ميوله في مناصرة إرادة التغيير الذي انطلق مطلع 2011 دون أن يشكل هذا الميول أي نوع من التعصب كنوع من الالتزام بوعده السابق “الموضوعية قدر استطاعتي”. ولم يقدم المؤلف على طرح مشروع الكتاب إلا بعد أن اشتغل لفترة في جمع النكت السياسية عقب إنشائه لمجموعة خفة دم اليمنيين في الثورة وتعد أول مجموعة يمنية على الفيس بوك تهتم بهذا الشأن وقد مثلت له الصفحة مرجعا مهما في جمع صفحات الكتاب الـ114 بالإضافة إلى مصادر أخرى وقد عززت رسومات الكاريكاتير من توجه الكتاب الذي أهداه إلى روح والده وإلى والدته وأسرته وإلى كل من يشاطرهم الحلم وليس هناك أجمل من أن تهدي ابتسامة في توقيت كهذا تحركه الأيادي القاسية التي أن لم نملك كسرها نمتلك السخرية منها ومن ما تقوم به . ويحاول الجرادي أن يلم الثلاث السنوات من أفواه العابرين الذين أكثر منهم فهم إما سائق تكسي أو راكب باص أو مواطن أو أحد المفسبكين ومنح هؤلاء وغيرهم من الشخصيات اليومية البسيطة الحق في اضطهاد السياسيين ليس عبر سجنهم ولكن عبر الضحك منهم كنوع من الاحتجاج السلمي والتعبير عن الرفض لما يحدث . يقول الجرادي “لأنه على تنوع النكتة تهدف إلى نقد الأوضاع السياسية ضد الحاكم أو نقد الأوضاع المعيشية أو حتى سرد الحكايات والمواقف الطريفة والمستطرفة في مجالات عدة” . إلى جانب هدف آخر ذكره الجرادي وهو الترويح عن الذات بعيدا عن ضغوط الثورة والمشاكل المحيطة بالحياة المعيشية وإن كان هدفها الأساسي هو التعبير عن الحالة السياسية والموقف الشخصي تجاه الأحداث التي تجري حولهم. وقد أتاح الكتاب فرصة جديدة للتعبير عن التأييد للطرف المنتصر في النكتة فمن ناصروا الثورة الشبابية ابتكروا النكت التي تقلل من خصمهم المتمثل في النظام السابق ورئيسه ومن ناصروا النظام ردوا عليهم بالمثل ويظهر مضمون كل نكتة ثقافة ومعنويات وشخصيات قائلوها وصولا إلى تحديد الفترة الزمنية للأحداث فعندما اقتربت بعض أهداف ثورة الشباب من التحقق ازدادت قوتها وضعفت نكت الخصم لتصل في مرحلة معينة إلى التلاشي ولم يعد هناك من يصنع نكتة يدافع بها عن من بدأ ينتهي. وسيطرت الأحداث على الكتاب وتم تقسيمه وفقا لها ووجد المؤلف في إحدى الفصول فرصة للتعبير عن الألم الذي لحقه مع زملائه العاملين في وكالة سبأ للأنباء ولم يخرج بذلك عن السياق فقد أحضر الجانب الطريف في المأساة التي مازالت ماثلة إلى الآن حين تم اقتحام وكالة الأنباء وتحويلها وكالة للحرب ونهبت الأجهزة والمعدات التي تم بيعها بثمن بخس لأنهم لم يعرفوا الفرق بين الكمبيوتر والحاسبة . المباشرة في النكتة ويبرز الكتاب بوضوح المباشرة التي اتسمت بها النكت فهي تحمل الأسماء والمناصب سوى من النظام السابق أو الحالي والمباشرة في أحيان كثيرة لا تخلق حبكات فنية أو إبداعية وقد يصل بها الحال إلى التسطيح للحدث ولا تناقش بعمق كما هو حال نقيضها فالنكت التي سادت في الفترة المحصورة لا تمتلك الكثير من التلميحات إلى شخصيات أو قوى يترك للقارئ استنباطها بل كل شيء واضح ومحدد وقد حاول المؤلف في مواضع كثيرة الهروب من هذه النوعية من النكت لكنه يظل ملتزما بما هو موجود فهو لم يقل أنه سينتج سخرية أخرى غير الرائجة في المجتمع بل تقييد بما تداول الناس مع إعادة إنتاجها لتقديمها بصورة أجمل مما هي عليه كما أنه بدأ حريصا على نسب المضمون إلى الشخصيات البسيطة التي تبوح بمعاناتها عبر الضحك ولم ينسب لنفسه غير جهد التتبع والتوثيق لمرحلة مهمة تحول فيها الجميع إلى عابسين لا تداعب الابتسامة وجوههم ولا تتسرب الفرحة إلى قلوبهم وقد تطرق إلى نقطة تدل على أن هذا الحق لا يخصه وحده حين ترك الباب مفتوحا وقال في مقدمته إنه يتمنى أن لا تصبح هذه الطريق مقفرة فإما أن يسير هو فيها أو يأتي آخرون وهو ما يتمناه أن تجمع هذه النوعية من السخرية . ظهروا أو اختفوا وأنت برفقة منصور الجرادي في كتابه تستعيد معه الأحداث ثم يتركك مع أناس ظهروا واختفوا فجأة “مؤلفو النكت” تتذكر تلك الصور المؤلمة وتلك الوجوه المجروحة بصورة ليست تراجيدية بقدر ما هي صورة مشرقة تزينها الابتسامة التي حرم منها كثيرون ولكن ليس بالضرورة أن نظل محرومين منها طيلة رحلتنا.