الرئيسية - تحقيقات - من القرن الإفريقي إلى اليمن
من القرن الإفريقي إلى اليمن
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

تهريب البشر.. قصة (70) ساعة من الرعب والخطر

تنقل أعداد كبيرة من المهاجرين على متن قوارب صغيرة تنعدم فيها شروط السلامة

يعد العبور من القرن الأفريقي إلى اليمن واحداٍ من مسارات بحرية عدة هي الأكثر خطورة في العالم ويمثل خليج عدن واحداٍ من أكثر تلك المسارات البحرية استخداماٍ في العالم من حيث الهجرة المختلطة وأكثرها خطورة.

آلاف من المهاجرين الأفارقة القادمين من القرن الإفريقي يقضون نحو 70 ساعة رعب في رحلات محفوفة بالخطر عبر خليج عدن أو باب المندب للوصول إلى اليمن وما بعدها يخاطرون بحياتهم فرارا من الصراع والفقر والجفاف المتكرر, أملا في الحصول على حياة أفضل. عدد منهم يلفظ أنفاسه الأخيرة قبل بلوغ مبتغاه فيموت خلال الرحلة جوعا أو ظمأ أو غرقاٍ بينما آخرون يتعرضون للإيذاء والإصابة أو الاغتصاب على أيدي مهربين عديمي الضمير وسعيد الحظ منهم من يصل إلى الشواطئ اليمنية ومازال به رمق من حياة وأمل. لحظات حرجة وعصيبة يقضيها المهاجرون الأفارقة تحت رحمة المهربين وتجار البشر, يتعرضون خلالها لصنوف من الإيذاء والتعذيب النفسي والعنف الجسدي والجنسي طبقا لتقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. قوارب صغيرة تبدأ فصول المأساة الإنسانية عندما ينقل المهربون المهاجرين الأفارقة تحديدا من أثيوبيا والصومال على متن قوارب صغيرة لا تصلح للإبحار أو تنعدم فيها شروط الأمن والسلامة وغالباٍ يحملونها فوق طاقتها معرضين المسافرين لظروف قاسية ومعاملة بالغة السوء. تقول آمنة جامع 38 عاماٍ وهي مهاجرة صومالية دخلت اليمن عام 1992م كنا 150 شخصاٍ متزاحمين على متن قارب صيد صغير وكان أكثر شيء يخيفنا هو غرق القارب وسط البحر. وتتابع: استمرت الرحلة ثلاثة أيام رأينا فيها الموت فالناس كانوا فيها جياعاٍ ولا يوجد ما يأكلون وكانوا يتقيأون فوق بعضهم بعضا, وحتى العمليات التي يعملها الإنسان (كالبول) كانت تحصل لهم فوق القارب لأنه لم يكن هناك حمام. وتذكر آمنة أنه برغم كل المتاعب إلا أنه لا أحد من المهاجرين يجرؤ أن يتكلم أو يشتكي حتى ولو كان مريضا لأن المهربين سيضربون الكل بلا رحمة أو تمييز بين مريض أو عاجز. وتقول: إذا وقف شخص ورفض الجلوس يأخذه المهربون ويرموه في البحر وإذا شافوا شخص وزنه زائد يرجموه في البحر أيضا. رميا في البحر أما مختار إبراهيم 26 عاماٍ وهو مهاجر صومالي أيضا وصل اليمن عام 2006م قادما من بيداو بجنوب الصومال فقد تمكن من مغادرة الصومال عن طريق دلال (سمسار) تابع لشبكة التهريب, ساعده في الحصول على قارب سفر مقابل 150 دولاراٍ. ويقول: كنا أشبه برهائن وليس مسافرين 300 شخص مجبرين على الجلوس داخل قارب صغير يتسع لحوالي 100 شخص فقط, ولم يكن لدينا لا ماء ولا أكل وكان المهربون بين وقت لآخر يضربوننا وكانت الرحلة متعبة للغاية. ويضيف: كانوا يتعاملون معنا بعنف ووحشية سبعة ركاب رموهم في البحر ولما وصلنا إلى قريب من بير علي أنزلونا بالقوة في البحر ومن يتردد أو يرفض كانوا يرجموه بالغصب وقطعنا بقية المسافة إلى الشاطئ بالسباحة. ذبح وغرق الأمر ذاته كان حاضراٍ في رحلة حليمة يوسف وعمرها 35 عاما عندما سافرت على متن قارب صغير يقل عشرين شخصا من جنوب الصومال لكن لم يصل منهم إلى اليمن إلا خمسة أشخاص فقط بعد تعرض البقية للذبح على يد المهربين أو الرمي في البحر أو الموت غرقا أو جوعا. وتقول: بعض النساء رموهن في البحر وشخص ذبحوه وألقوا بجثته إلى البحر لأنه اعترض على طريقة تعاملهم معنا. وتضيف: عندما اقتربنا من الشاطئ أطلقت البحرية اليمنية علينا الرصاص فأمرنا صاحب القارب بالنزول في البحر فالبعض نجا والبعض غرق بينما هو تمكن من الهرب. ممنوع شرب الماء وتذكر بشارة محمد علي 45 عاما وهي مهاجرة صومالية تمكنت من الوصول إلى اليمن في عام 2004م أنها لم تكن تعلم شيئا عن مشقة الرحلة أو أنها تتوقع أن تواجه كل هذه المشاكل, وتقول: أكبر مشكلة واجهتها في الرحلة كان العطش الشديد حيث كان المهربون يمنعوننا من شرب الماء وكانوا يتعمدون رمي قوارير الماء إلى البحر, وتؤكد أنهم تعرضوا خلال الرحلة للضرب والإهانة والإيذاء وعندما شارفوا على الوصول إلى الشاطئ اليمني رموهم في البحر كما لو كانوا نفايات يتخلصون منها. المحرك تعطل وإلى جانب شدة الزحام وسوء تعامل المهربين مع الركاب وتعرضهم للضرب والإيذاء والرمي وسط البحر فإن استخدام قوارب غير آمنة وغير صالحة لنقل الركاب يعد شكلا من أشكال المخاطرة التي يجازف المهاجرون الأفارقة بركوبها يومياٍ وهو ما تعرضت له فردوسه مختار 25 عاما وهي مهاجرة صومالية اضطرت لمغادرة موطنها نتيجة العنف والصراع الدامي الدائر فيه, وتقول: كنا 39 شخصا على متن قارب صغير وكنا نعاني من الازدحام والاكتظاظ داخل القارب لكن المعاناة زادت أكثر عندما تعطل محرك القارب وبقينا في عرض البحر ليوم كامل. على البركة أما حواء محمد علي 32 وهي مهاجرة صومالية قدمت اليمن منذ عشر سنوات فإن لمعاناتها في رحلة التهريب إلى اليمن رواية أخرى حيث كانت على متن إحدى سفينتين تقلان عددا من المهاجرين الأولى لديها بوصلة ملاحة بحرية والثانية بدون وكانت تسير خلف الأولى. وتقول حواء: كنت في السفينة الثانية وكنا نسير على مقربة من السفينة الأولى وفي نفس مسارها لكن فجأة تعطلت السفينة الأولى وغرقت وعلى متنها 250 راكبا ولم يكن أمامنا سوى متابعة الرحلة على البركة بدون بوصلة أو دليل. ما قبل الرحلة تساءلنا عن سبب المخاطرة والمجازفة التي يقبل بها المهاجر الصومالي للوصول إلى اليمن عبر رحلة التهريب فأجابت الخالة حبيبة عثمان وهي لاجئة صومالية واستشارية سابقة بالمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالقول: عندما يكون الشخص هارباٍ من الحرب والموت لا يكون أمامه سوى هدف واحد وهو النجاة لذلك هو لا يهمه ما إذا كان صاحب القارب المهرب مجرماٍ أم مسلحاٍ أم مهرباٍ أو غيره المهم عنده أن يغادر الصومال ويصل إلى اليمن بأي طريقة. وتشير إلى أن المخاطر لا تنحصر فقط بتلك التي يواجهها المهاجر في البحر بل أن هناك مخاطر ومعاناة يتعرض لها المهاجر قبل رحلته, وتقول: عندما يلتقي المهاجر الصومالي بالدلالين الوسطاء في بوصاصو ويدفع لهم 150 دولاراٍ ويحددون له موعد الرحلة وموقع انطلاقها ويكون عادة في منطقة نائية وبعيدة عن المدينة لذا يضطر للمشي ليلا مسافة يوم كامل للوصول إلى تلك المنطقة وخلال الرحلة المسائية يتعرض الكثير منهم لمصاعب ومتاعب وتحديات كبيرة كالتعرض للاغتصاب والنهب والتقطع والاعتداء الجسدي فضلا عن المعاناة النفسية والإجهاد. رحلة رعب أخرى غير أن رحلة الرعب والمعاناة تلك لا تنتهي لدى بعض المهاجرين الأفارقة بوصولهم الأراضي اليمنية بل يبدأون رحلة رعب أخرى لا تقل مخاطرة عن سابقتها عندما يتخذون اليمن محطة ترانزيت وعبور إلى الأراضي السعودية ويضعون حياتهم رهنا لتصرف عصابات التهريب وشبكات الاتجار بالبشر. عن طريق مهرب صومالي مقيم في صنعاء نجح مختار إبراهيم من التهريب مرة أخرى ولكن هذه المرة إلى داخل الأراضي السعودية حيث تمكن من التسلل والعبور إلى السعودية خمس مرات وتم القبض عليه وترحيله إلى الصومال مرتين. تهريب وتعذيب يتحدث عثمان عبده وهو مهاجر صومالي عن رحلة التهريب إلى السعودية بقوله: عندما اكتمل عددنا خمسة صوماليين أخذنا المهرب الصومالي من صنعاء ومعه ثلاثة يمنيين إلى حرض لتسهيل عبور النقاط الأمنية في الطريق. ويضيف: في حرض كان في انتظارنا مهرب يمني مهمته إبرام صفقة التهريب وترتيب الدخول إلى السعودية والوصول إلى المهربين السعوديين في الجانب الآخر. ويذكر عثمان أن المهربين في حرض كانوا يجمعون الصوماليين داخل حوش ويطلبون من كل صومالي الاتصال بأحد أقاربه في السعودية لدفع أجور التهريب إلى السعودية وقدرها أربعة آلاف ريال سعودي, ألفان منها ترسل لمهربي حرض والألفان الأخرى تدفع لوسيط صومالي مقيم في جدة كضمانة لحين وصول المهاجر الصومالي وتسلم بعدها لمهربي الجانب السعودي. وقال: أي صومالي ما معه قريب في السعودية أو تتأخر عملية إرسال المبلغ يتعرض للاهانة والإيذاء والتعذيب على يد المهربين في حرض ونفس الأمر يحدث مع المهربين السعوديين. معاناة أخرى أما بالنسبة لمن استقر بهم المقام في صنعاء أو عدن أو غيرهما من المحافظات اليمنية فيشتكون من ضيق الحال وشحة الدخل وانعدام فرص العمل وعجز أغلبهم وقلة حيلتهم وغياب الاهتمام باحتياجاتهم. يشتكي البعض من غياب الخدمات الرعائية الأساسية وفي مقدمتها الرعاية الصحية والعون الغذائي فيما تتحدث الخالة حبيبة عن انتهاء مدة صلاحية بطائق اللجوء الممنوحة للاجئين الصوماليين منذ سنوات وعجزهم عن تجديدها فالمفوضية تطلب سبعة آلاف ريال رسوم تجديد وإجراء فحوصات طبية تصل تكلفتها (7-10) آلاف ريال وبسبب عجزهم عن التجديد كثيرا ما يقع اللاجئون الصوماليون أمام مساءلة الأجهزة الأمنية خصوصا أثناء تنقلهم في المدن اليمنية. في الأخير في الأخير تطالب حواء وفردوسه ورحمة وغيرهن ممن التقيناهن المفوضية بتسهيل عودتهم إلى الصومال فيما ينصح مختار أي صومالي ينوي التهريب إلى اليمن بالبقاء في بلاده, ويهمس في أذنه قائلاٍ: أحسن لك تعيش بين الرصاص ولا تتهرب لليمن.

ترجمة/أحلام مصطفى