الرئيسية - عربي ودولي - ليبيا والعامل الخارجي
ليبيا والعامل الخارجي
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

لم تكن المناطق والمدن التي عرفت بطرابلس وفزان وطبرق وبني غازي وغيرها من المدن التاريخية تعرف باسم ليبيا إلا بعد احتلال إيطاليا لذلك البلد العربي المهم عام 1911م وما نتج عن ذلك الاحتلال من مقاومة شديدة تصدرها المجاهد عمر المختار وتم دحر الاستعمار حتى عاد من جديد عام 1969م واستمر بشكل غير مباشر طيلة أربعة عقود من الزمن لتأتي التطورات السياسية الجارية حاليا نتاجا طبيعيا لتركة ثقيلة خلفتها القوى الاستعمارية في البلاد حتى اللحظة الراهنة حيث تشهد ليبيا أحداثا وتطورات مختلفة جراء أعمال العنف المتبادلة من قبل المليشيات المسلحة. خصوصا بعد إخفاق الحكومات المتعاقبة منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في 17 فبراير 2011م وما نتج عنها من إنهاء للنظام السابق الذي كان سببا مباشرا لما آلت إليه الأوضاع العامة أكانت على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الأمني حيث ظهرت المليشيات المسلحة في أرجاء ليبيا الذي اختلط فيه الحابل بالنابل التوجهات الإسلامية مع التوجهات الليبرالية والقبلية السياسية مع عناصر التدويل المختلفة لا سيما الذين كانوا في الخارج. وأثبتت الوقائع والأدلة بأن ليبيا دخلت مرحلة أسوأ مما كانت عليه في عهد النظام السابق الذي قاد أكبر عملية ارتهان للقوى الدولية دونما وعي أو إدراك للأضرار المترتبة جراء تحول الحكمة إلى عمالة خلال ما يقارب أربعة عقود فكان من الطبيعي أن تكون الاحتجاجات الشعبية سببا وجيها لذلك الارتهان الخارجي الذي صادر تاريخا مشرقا لحركات الجهاد ضد الاستعمار الإيطالي البغيض. وبالتالي شهدت ليبيا احتجاجات 17 فبراير على أساس الانتقال إلى حالة أفضل وليس إلى حالة أسوأ بدليل ما تشهده حاضرا من صراعات داخلية وسط تدهور الحالة الأمنية لا سيما في العاصمة طرابلس وبني غازي وسائر مدن البلاد بعدما فشلت الحكومات المتعاقبة كما أشرنا أخفق بالمقابل من ذلك المؤتمر الوطني الذي تم إنهاؤه على أساس إجراء انتخابات برلمانية تمت في وقت سابق وسط تفاقم الأزمة السياسية وارتفاع مستوى الاستقطابات الحادة والاستنفارات المضادة وما نجم عن ذلك من حرب داخلية أثرت سلبا على أمن واستقرار ليبيا. وكأن حالة الاضطراب السياسي ليست إلا صدى طبيعيا لهيمنة القوى الأجنبية واللاعبين الأساسيين في الشأن الوطني الليبي الذي يواجه حاليا تحديات حقيقية لا سيما على الصعيد الأمني حيث تمت الانتخابات النيابية في أجواء سياسية غير طبيعية وفي ظروف تنامي أعمال العنف السياسي وتتكاثر فيها الجماعات المسلحة والمليشيات المصاحبة لها وما ذلك بالتأكيد كما أوضحنا إلا نتاج طبيعي لإفرازات المرحلة السابقة وما استندت عليه من تبعية وارتهان للقوى الخارجية التي تعمل على أن تكون ليبيا في حالة اضطرابات دائمة. لكي يتم غض الطرف وصرف الانتباه عن الاتفاق الأوروبي الثلاثي غير المعلن بين ايطاليا وفرنسا وبريطانيا والذي يتضمن بقاء ليبيا في حالة تشظ سياسي وصراع داخلي من أجل استئثار القوى الدولية بثرواته النفطية الأمر الذي يجعل من الانتخابات البرلمانية محاولة تبدو أمامها تحديات جسيمة لأن المشكلة الأساسية تتمثل بالهيمنة الأوروبية الناعمة وما تقوم به من تغذية للصراعات ودعم الأطراف المسلحة. لذلك قد لا تستطيع الانتخابات البرلمانية إخراج ليبيا من أزمتها الراهنة لأن أي متغيرات سياسية لا تتقاطع مع العامل الخارجي المهيمن على السياسة المحلية لا تعني إلا تكريسا للنزاعات الداخلية وتحقيقا للمزيد من الاختلالات الأمنية وهو ما تريده القوى الدولية لأن مصالحها الاقتصادية في ذلك البلد العربي توجب تغذية الصراعات بين الفصائل المتناحرة وتأجيج النزاعات لكي لا تبادر القوى السياسية إلى وضع أسس عملية تراعي أهمية إصلاح الأوضاع الداخلية بمعزل تام عن التدخلات الخارجية. وبات من الصعوبة بمكان الحديث عن انتخابات لأعضاء مجلس البرلمان في ظل عملية سياسية منعدمة لأن ما هو حاصل مليشيات داخلية وحكومة غير قادرة ولا مؤثرة على ضبط الأوضاع السياسية والأمنية وقوى دولية مهيمنة تقف وراء كل ما يحدث داخل ذلك البلد.