الجمعة 29 مارس 2024 م
الجذور الحوثية – الامامية لتجريف الهوية الوطنية
الساعة 03:42 مساءً
  • إعلامي وكاتب

في البدء لابد من إثبات حقيقة مؤلمة على مستوى الاحداث الوطنية، تلك الحقيقة أن المشروع الإمامي تسلل من شقوق كثيرة داخل جسم الجمهورية، من أهمها غياب الفهم التاريخي لكارثة الامامة وغياب القراءة الواعية لصراع اليمنيين الممتد مع هذا المشروع على مدى أكثر من 1200 عام.
الفكر الامامي بطبيعته الإجرامية وملامحه العنصرية، وخرافاته المرتبطة بدعاوى الافضلية، فكر غير قابل للحياة إلا في بيئة الصراع، وهو بذلك متصادم مع المجتمع وثقافته، ومحارب لأي فكر مقاوم، عرف في كل تاريخه، ضدا للتعليم والمتعلمين، ومناوئ للإبداع، ويرى في أي حركة علمية أو إبداعية تهديداً لوجوده، مادامت ستفتح العقول والقلوب لفهم حقيقته، أو إدراك خطره على الثقافة والمجتمع.
الفكر والمشروع الامامي لا يملك – تكوينيا - القدرة على إدارة دولة، وتحقيق رؤية للحكم، تتعايش وتنجز، وتحقق حاجة الشعب في وضع مستقر، وهو بذلك لم يقدم أي نموذج للإنجاز أو التأثير الإيجابي في حياة الناس وواقعهم، فكلما وجد المجتمع مستقرا متوجها للإنتاج والابداع، شن الصراعات، وبرر الحرب، وأفتى بأفضلية القتال على ما دونه من نشاط إنساني مثمر، فجعل الرزق تحت أسنة الرماح وظلال السيوف، وهو بذلك جنى على اليمني المعروف بقدرته على إنعاش الحياة، والاهتمام بالصناعة والتجارة وتحصيل العلوم.
والقارئ للتاريخ، والمتأمل فيه يدرك حقيقة غير قابلة للتشكيك، مختصرها أن الإمامة في اليمن لم تترك أثرا تاريخيا أو معلما مهما، أو إنجازا علميا على مدى ألف عام، وإرثها الوحيد، المجازر والغزوات الهمجية التي وثقتها كتبها، وتغنت بها، قبل توثيق خصومها.
انعكس ذلك حقدا إماميا على الحضارة اليمنية وآثارها، وعداوة دائمة لما حققه اليمنيون خلال آلاف السنين، وعبر عنه زعيمهم الصريع، بتحريضه على آثار اليمن، واعتبار اعتزاز اليمنيين بحضارتهم، وثنية وكفرا.
لقد مثل الصراع اليمني مع المشروع الامامي، صراعا مستمرا بين دولة الفكرة التي مثلها فكر الغازي الرسي، وبين فكرة الدولة التي ناضل من أجلها اليمنيون، فحققت الدول الوطنية اليمنية، أمثلة ناصعة على قدرة اليمني في إقامة حكم يلبي أهداف الدولة ووظيفتها، ويحقق للشعب آماله في بيئة طبيعية ومستقرة، تتجه للبناء والرفاه والابداع، في المقابل تميزت الدويلات الامامية السلالية، بالصراع المستمر، والهمجية، والتحريش بين القبائل، وصرف الناس إلى الاقتتال، في محاولة جادة على صرف المجتمع عن مواجهتها.
لقد مثل الفكر الاستعلائي، أكبر محرك للمشروع الإمامي السلالي، وأهم أداوته، إلغاء حق شعب كامل في قدرته على حكم نفسه، فاليمني في هذا الفكر أقل شأنا، وأدنى من أن يأتي بشخصية حاكمة، يعامله الأئمة على أنه فاقد الأهلية، ويحتاج لغاز طارئ ليدير له دولته، ويختار له طريقة حياته، تحت مفردات العبودية والدونية، وتقديم فروض الولاء والطاعة الموشحة بالأجر والثواب، والعبودية المطلقة لنطفة مزعومة، إغضابها إغضاب للرب، ومخالفتها خروج عن الدين.
تلك العنصرية، والتي هي دين السلالة وجوهرها، والمبدأ الذي يحرك سلوك الامامة، يفسر بوضوح تلك الهجمة المستمرة، والتجريف الممنهج للهوية الوطنية اليمنية، وسعي الامامة لتقسيم المجتمع، وإهلاكه في الحروب والصراعات، ومحاربتها للعلم والابداع، وعدم قدرتها على بناء دولة للجميع، وحرصها المستمر على التجهيل والافقار، وهي أساليب تمارسها الحوثية اليوم، كامتداد طبيعي لممارسات إمامية، اتخذت نفس الأشكال، وقدمت ذات النتائج، فكل سلوك حوثي، هو نسخة طبق الأصل عن ممارسات الائمة، وكانت سببا في آلاف الانتفاضات ضدها، وجعلها في مرمى سهام اليمنيين وثوراتهم.
وتبرز هنا حقيقة أخرى، أن المشروع الامامي وإن استمر على مدى أكثر من ألف ومائتي عام لم يستطع أن يحكم كل اليمن، ولم يدم حكمه في فترات متفرقة أكثر من مائة وخمسين عاما، لكنه استخدم نفس الشقوق التي استخدمها الإماميون الجدد للعودة للمشهد.
التجريف الامامي كان ومازال السمة الأبرز لمعاداة السلالة لفكرة القومية اليمنية، ومحاربة من ينتصر لها، قديما وحديثا، وذلك يفسر المواجهات المحتدمة بين الامامة ورموز القومية اليمنية، بدءً بنشوان الحميري وأبو الحسن الهمداني وليس انتهاءً بالفقيه سعيد ورواد الثورة اليمنية الحديثة.
واختصارا: فان محاولات الامامة السلالية طمس التاريخ اليمني وتجريف الهوية اليمنية، هو تصرف الغازي الأخرق، الذي يرى أن عدوه الأكبر اعتزاز اليمني بهويته، وانفتاحه على العالم، وأن انتصار اليمني لهويته هو تهديد وجود للغازي المحتل، ونهاية لأحلامه، وهو ما يقلق اليوم الإماميون الجدد، الذين يرون في صحوة الهوية الوطنية، وتنامي الحس القومي اليمني، بداية النهاية لجرائمهم، ومعركة أخيرة يخوضها اليمنيون لاقتلاع فكر العنصرية والارهاب الامامي.